Commentary

Op-ed

قد تكون البراغماتية محرك العلاقات الإسرائيلية-التركية

من المرجح أن تهيمن العلاقات الإسرائيلية-التركية على زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى واشنطن. يشارك مسؤولون أتراك وإسرائيليون في محادثات لحل مسألة تعويض إسرائيل لأسر القتلى والجرحى الذين وقعوا في حادثة سفينة مافي مرمرة في العام 2010. تعد هذه المحادثات جزاءً من التقارب الذي سعت إليه الولايات المتحدة بين البلدين، والذي بدأ باعتذار رسمي من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأردوغان في أواخر شهر مارس عن “أي أخطاء أدت إلى خسارة في الأرواح أو وقوع إصابات” على متن سفينة مافي مرمرة. لم يكن ذلك بالعمل السهل؛ إذ تجد تركيا نفسها أمام تحدياً كبيراً وهو إيجاد التوازن بين النقاش الداخلي حول رفع الحصار عن غزة ومسألة التعويض للسكان الأكراد من جهة وتلبية الاحتياجات الملحة للأمن القومي التركي في ظل تدهور الوضع على الساحة السورية من جهة أخرى. 

لقد رفضت عائلات الضحايا الذين سقطوا في حادث سفينة مافي مرمرة مراراً وتكراراً أي محادثات للتعويض حتى يتم رفع الحصار عن قطاع غزة. وجاء الدعم العلني لموقف هذه العائلات من كل من مؤسسة الإغاثة التركية الإنسانية (IHH)، والمنظمات التركية غير الحكومية التي نظمت رحلة مافي مرمرة، والإسلاميين المحافظين الذين يشكلون القاعدة الانتخابية لحزب أردوغان الحاكم؛ حزب العدالة والتنمية. فقد عقدوا جميعهم اجتماعاً عاماً كبيراً لدعم فكرة “رفع الحصار أولا” وانتقدوا مشاركة نائب رئيس الوزراء بولنت أرينك في محادثات التعويض مع إسرائيل. ومن المثير للاهتمام أن أردوغان اختار التزام الصمت بشأن هذه القضية والسماح لأرينك مواجهة الانتقادات وحده. وينبغي اعتبار موقف أرينك وصمت أردوغان في سياق قضايا التعويض الداخلية الخاصة بتركيا.

بقدر ما تحاول الحكومة التركية في الآونة الأخيرة معالجة المشكلة الكردية والتوصل إلى حل سياسي، إلا أنّ الصراع القديم بين القوات المسلحة التركية وحزب العمال الكردستاني الممتد على فترة ثلاث عقود قد ألقى بعبئه الثقيل على المدنيين. فقد أدّى هذا الصراع إلى إصابة ومقتل العديد من المدنيين، وفقدان الممتلكات وتدميرها، والتشريد الداخلي لأكثر من مليون مدني. وقد تُوجّت المناقشات الطويلة حول التعويض عن هؤلاء الأفراد في تمرير الحكومة التركية لقانون التعويض في العام 2004. هدف القانون إلى تسهيل عودة المشردين داخلياً والتعويض عن خسائرهم. غير أنّ نقّاد تنفيذ هذا القانون قالوا إنّ التعويض لم يكن كافياً لما عاناه المشردون داخليا من خسائر اقتصادية وآلامعلاوة على ذلك، اعتبر النقاد أنّ ارتفاع معدلات رفض طلبات المتقدمين للحصول على تعويضات وعدم الاعتراف رسميا بالضحايا والاعتداءات على الأفراد هي أوجه القصور في قانون التعويض.

وهناك مثال حصل مؤخراً وهو حادثة أولوديري؛ ففي 28 ديسمبر2011، قصفت الطائرات الحربية التركية 34 كردياً ظناً منها بأنهم إرهابيين من حزب العمال الكردستاني في المنطقة الجنوبية الشرقية على الحدود التركية العراقية. وعلى الرغم من أن الحكومة التركية قد عرضت ما يقارب 70 ألف دولاراً أمريكياً كتعويض عن كل ضحية، إلا أنّ أسر الضحايا رفضوا العرض قبل فتح تحقيق كامل في الحادثة ومحاكمة المسؤولين عن الهجوم وإصدار اعتذار رسمي من قبل الدولة التركية. غير أنّ هكذا اعتذار لم يصدر حتى الآن، مما أثار انتقادات في الوسائل الإعلام التركية حول الأهمية التي أوليت للاعتذار الإسرائيلي لضحايا حادثة مافي مرمرة في حين أن ضحايا أولوديري ما زالوا بانتظار اعتذاراً وتعويضاً من الحكومة التركية.

ومع استمرار محادثات التعويض مع إسرائيل، يكمن التحدي الحقيقي في قدرة الحكومة التركية على تليين موقف مؤسسة الإغاثة التركية الإنسانية، والمتشددين داخل حزب العدالة والتنمية، وأسر الضحايا تجاه حصار غزة مع الانتباه لمصالح تركيا الجيوسياسية الفورية. لقد أحدثت التحولات في ميزان القوى في المنطقة الصحوة العربية والأزمة السورية مؤخراً والتي دفعت بتركيا إلى إعادة تقييم موقفها تجاه اسرائيل.سيعود اعتماد البراغماتية أو الواقعية من الجانبين التركي والإسرائيلي لحل خلافاتهما عليهما بفائدة كبرى لمعالجة التحديات الأمنية والإنسانية المتزايدة المترتبة عن الأزمة

السورية، فضلا عن تحسين حال الفلسطينيين في غزة، وستكون هذه الفائدة أكبر مما لو فشلت المفاوضات بين البلدين. وفي حين يستعد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لزيارته إلى واشنطن هذا الأسبوع، تأتي المجزرة التي خلّفها انفجار سيارتين مفخختين في بلدة ريحانلي التركية القريبة من الحدود مع سوريا يوم السبت من دون شك كتذكير صارخ للحاجة إلى هذا النوع من البراغماتية. يجب على الرئيس الأمريكي باراك أوباما اغتنام هذه الزيارة كفرصة لتعزيز هذه البراغماتية. كذلك عليه أن يكون على استعداد للاستماع إلى استياء أردوغان العميق والمتأصل والحقيقي حيال الوضع في سوريا. بالتالي، إنّ أذناً صاغية متفهّمة من جانب أوباما ليس من شأنها تحسين العلاقات الإسرائيلية-التركية فحسب – والذي هو هدف رئيسي للولايات المتحدة – ولكن أيضاً البدء بالتعاون بشكل ملموس لمعالجة الأزمة السورية الآخذة في التوسع.