Commentary

Op-ed

شبح الأزمة السورية سيطارد أوباما طوال مدة ولايته

في الوقت الذي كان فيه الرئيس باراك أوباما يخسر النقاش في الكونغرس لتوجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري، عرض نظيره الروسي فلاديمير بوتين عليه منفذاً للهروب. فقد أعطى اقتراح موسكو بأن يتخلى بشار الأسد عن السيطرة على أسلحته الكيميائية الجميع وقفة دبلوماسية ملائمة للقيام بـ “شيءٍ آخر” – حتى ولو كان ذلك عدم القيام بأي عمل ذي قيمة.

لا يجب أن يُخدع أحد أن المبادرة الروسية ستحل الأزمة السورية. ولا بد أن يكون قد بات واضحاً للجميع الآن أن الأسد مستعدٌ للقيام بكل ما يلزم للبقاء في السلطة – إذ سيعمد نظامه وأنصاره الدوليون إلى منع، وتعتيم، وتأخير كل ما يمكنهم بكل قوتهم، بينما يشنون هجوماً وحشياً لسحق معارضيهم المحليين. أما في ما يتعلق بالعملية السياسية، فإنهم يركزون على الانتخابات الرئاسية في سوريا المتوقع إجراؤها في منتصف عام 2014، والتي ستكرس مرة جديدة الأسد رئيساً “شرعياً” لسوريا.

إن سعي أوباما لإرساء حل دبلوماسي هو الطريق الأقل مقاومة حالياً داخل الولايات المتحدة وخارجها على حد سواء. وقد جعل المسألة برمتها تتعلق بالأسلحة الكيميائية وليس بإزالة الأسد من منصبه – وهي نقطة تنبه إليها الديكتاتور السوري جيداً عند الاستماع إلى الخطاب الرئاسي الذي ألقاه أوباما ليل الثلاثاء. إلا أن الكلمات والمبادرات الدبلوماسية جميعها لا يمكن أن تخفي حقيقة واحدة أساسية: لن تنتهي الأزمة السورية – في الواقع، ستستمر تطارد أوباما حتى آخر أيام ولايته.

رغم ذلك، لقنت مرحلة الأسف الأخيرة إدارة أوباما درساً حول كيفية التعامل مع نظام الأسد. لإحداث تغيير حقيقي في سوريا، إذ يتعين على البيت الأبيض وضع أهداف واضحة، وعزل النظام دبلوماسياً، والاستعداد لفرض هذه الأوامر من خلال استعمال القوة، إذا استدعى الأمر.

إنّ هذه الإستراتيجية هي التي فتحت المجال أمام مفتشي الأمم المتحدة للوصول إلى الموقع الذي تعرض لهجوم بالأسلحة الكيميائية في 21 أغسطس في غضون خمسة أيام – وليست الأشهر الخمسة التي استغرقها دخولهم إلى سوريا في المقام الأول. وهي أيضاً التي أجبرت روسيا على التزاحم لانتزاع تنازلات من الأسد – لاسيما الاعتراف للمرة الأولى بامتلاك أسلحة كيميائية وعرض إمكانية وضعها تحت الرقابة الدولية.

حين ننظر إلى تاريخ العرقلة الروسية في مجلس الأمن منذ بداية الأزمة السورية، سنلاحظ أن كل شيء يدعو إلى الشك حول عودتها إلى مجلس الأمن. ولكن هناك فرصة أن تتلاءم أخيراً مصالح واشنطن وموسكو: في أوائل ديسمبر، حذر الروس الأسد بألا يضعهم في موقف حرج ويقوم بهجوم واسع النطاق بالأسلحة الكيميائية. الآن وقد قام نظام الأسد بذلك، ينبغي حثّ موسكو على التحرّك من أجل الحفاظ على مصداقيتها.

ستشهد الأيام القليلة القادمة صراعاً بين أولئك الذين يريدون أن تأخذ الأمم المتحدة إجراءات فعالة وأولئك الذين يبحثون عن حل دبلوماسي آخر لتضييع الوقت ومساعدة الأسد على الهروب من المساءلة. لقد حان الوقت لوضع حد للتصاريح المزدوجة التي اتّسم بها النقاش في الأمم المتحدة حتى الآن. إذا فشلت هذه الهيئة العالمية مرة أخرى في إحداث تغيير ذي معنى في سوريا، فستنحدر مصداقيتها أكثر فأكثر. وفي هذا الصدد، من شأن الأمانة العامة والأمين العام للأمم المتحدة أن يلعبا دوراً مهماً في توجيه الدول الأعضاء لاتخاذ قرار أممي فعّال. ولكن يجب على الأمم المتحدة أيضاً أن تكون في وضع يمكّنها من التحرك بسرعة في حال اضطرارها للقيام بذلك.

على الولايات المتحدة وحلفائها أن يكونوا مستعدين لنقل حجتهم إلى الدول الرئيسية في الأمم المتحدة، بما في ذلك أعضاء حركة عدم الانحياز الـ 120 الأقوياء والدول غير الأعضاء في مجلس الأمن – أي الهند، وجنوب أفريقيا، والبرازيل. ومن خلال بناء دعم دولي أوسع، سيمهّد أوباما الطريق لصدور قرار من مجلس الأمن الدولي من شأنه أن يضع عواقب حقيقية على الأسد إذا لم يتعاون.

لا يجب أن تثني ذكريات الحروب السابقة الولايات المتحدة عن العمل. فالأمر اليوم مختلف عما كان عليه في العراق – فموقف إدارة أوباما على حقّ والأدلة التي تثبته متعددة. قد يساعد الولايات المتحدة تقرير مفتش الأمم المتحدة الأول الذي قيل إنه سيصدر الأسبوع المقبل أو شيء من هذا القبيل.

كذلك، يجب ألا ينسى البيت الأبيض المأساة الإنسانية الأكبر التي تحدث في سوريا. وبغض النظر عما إذا تمكّن من التوصل إلى اتفاق أم لا بشأن أسلحة نظام الأسد الكيميائية، فإنه لم يحرز أي تقدم لوقف ذبح السوريين ووضع حد لتطرف قوى المعارضة. لا يكمن الحل السياسي في إيجاد تسوية تمّ التفاوض عليها بوساطة قوى العالم الكبرى، ولكن من خلال انخراط غالبية السوريين الذين هم على الحياد والخائفون جداً حالياً من المخاطرة بدعم أحد الجانبين. تلعب هذه الأغلبية الصامتة دوراً حاسماً لصياغة عملية انتقالية سياسية بقيادة سورية، غير أن هذه الأغلبية لم تلق الدعم الكافي من قبل المجتمع الدولي.

يراقب العالم العربي كله عن كثب كيفية تعامل أوباما مع هذه الأزمة. فالقادة العرب المقربون من الولايات المتحدة قلقون بشكل متزايد بشأن واشنطن: إذ لم تتم استشارتهم بشكل مناسب حول تعرجات الدبلوماسية الأمريكية، وهم يتساءلون كيف يمكنهم الاعتماد على الولايات المتحدة إذا كان أوباما لا يملك العزم لمحاربة خصومهم الرئيسيين، وبخاصة الأسد. وفي ظل غياب القيادة الأمريكية، سيميلون إلى جمع المزيد من الأسلحة لدعم المتمردين – من دون القدرة التنظيمية التي يمكن لواشنطن أن تؤمّنها.

أصبح من الواضح أنّ الرئيس أوباما يحتاج إلى إستراتيجية حقيقية للتعامل مع سوريا؛ إستراتيجية تعتمد على قدرات الولايات المتحدة العسكرية والدبلوماسية والمالية والإنسانية. من شأن هكذا إستراتيجية أن تتعامل مع الأسد على أساس الطاغية الوحشي الذي هو عليه، مع الاعتراف بأن ما من شيء سوى الإكراه والعزلة الدبلوماسية سيتمكّن من إقناعه على الرضوخ لمطالب الولايات المتحدة. أمّا بالنسبة للكونغرس، فمن خلال تعديله للقوانين التي تجيز استخدام القوة في سوريا، ستكون لديه فرصة مطالبة إدارة أوباما بأن تعتمد إستراتيجية مماثلة.

على أوباما أن يدرك الآن أنه لا يمكنه إدارة آثار الصراع السوري فقط، وإنما عليه المساعدة لإيجاد حلّ له. وإلا، سيستمر الأسد بافتعال الأزمات – وسيكون ذلك على حساب مصداقية الولايات المتحدة وأرواح الشعب السوري.