Symposium on education systems transformation for and through inclusive education

LIVE

Symposium on education systems transformation for and through inclusive education

Commentary

Op-ed

توترٌ في العلاقات السعودية-الأمريكية

يبدو أنّ زيارة الرئيس أوباما إلى المملكة العربية السعودية في مارس 2014 قد خففت، على الأقل في الوقت الراهن، مفهوم أنّ العلاقات بين البلدين “في أزمة”. ولطالما كان هذا هو الشعور العام للعلاقة بين البلدين، والذي عززه السعوديون أكثر من الأمريكيين، والمبالغ به دائماً. فقد تخطت الرياض وواشنطن فترات من الخلافات أسوأ بكثير من هذه الأزمة، مثل خلال الحظر النفطي بين العامين 1973 و1974، وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر. لا تزال هناك مصالح مشتركة على مستويات عدة تربط بين هذين البلدين الذي يُستبعد أن يكونا حليفين، بدءاً من التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب ووصولاً إلى احتواء نفوذ إيران الإقليمي. والأهم من ذلك كله، ثمّة شعور قوي ينتاب كلا الجانبين أنّه مهما كان أحدهما غير مرتاح مع الآخر، إلا أنّه ما من شريك بديل أفضل منه.

ليست المشاعر العرضية التي تراود الجانب السعودي والتي تفيد بوجود أزمة في العلاقات بين البلدين قد جاءت بمحض الصدفة؛ إنها في الواقع مشاعر هيكلية. فهي متأصلة في طبيعة التحالف غير المتماثل بين سلطة أقوى وسلطة أضعف. أشار الراحل جلين سنايدر، باحث العلاقات الدولية ، إلى هذه الدينامية في فكرته القائلة أن السلطة الأضعف في مثل هذه التحالفات تجد نفسها دائماً بين مخاوف متعارضة من “الإيقاع والإهمال”. في ما مضى، حين كانت واشنطن أكثر عدوانية تجاه إيران، شعر السعوديون بالقلق من إمكانية تحملهم ثمن الانتقام الإيراني من أي هجوم أمريكي على إيران. الآن، مع جلوس الأمريكيين والإيرانيين على طاولة التفاوض، تشعر النخبة السعودية بالقلق من أن يقوم حليفها الأمريكي بإهمال مصالحها، أو حتى أن يتخلى عنها. في أكتوبر 2013، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي، الهيئة السعودية المعينة وغير الملزمة للبرلمان: “أخشى من وجود شيء مخفي … في حال توصلت أمريكا وإيران إلى تفاهم، قد يحصل هذا الأمر على حساب العالم العربي ودول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية”.

هدفت زيارة الرئيس أوباما إلى الرياض إلى التخفيف من القلق الشديد إزاء النوايا الأمريكية ومسار العلاقات الإيرانية-الأمريكية الجديدة. نظراً للمبالغات الواردة في تخيل “الصفقة الكبيرة” المزمع عقدها قريباً بين طهران وواشنطن، لم يكن الأمر صعباً. إلا أنّ الزيارة لم تكن كافية لردم الفجوة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في ما يتعلق بمسألتين مهمتين ستشكل كلّ منهما تحدياً مستمراً في العلاقات الثنائية.

المسألة الأولى هي سوريا، رغم أن الديناميكية الضمنية هنا هي إيران. لا خلاف بين واشنطن والرياض على الغايات، فكلاهما يرغبان بإبعاد الأسد. نقطة الخلاف هي إذاً حول الأولويات. فبالنسبة للسعوديين، يشكل الحدّ من النفوذ الإيراني في الجانب الشرقي للعالم العربي الهدف الرئيس، وقد يكون الأهم في سياسة المملكة الخارجية. فبعد أن فشلوا في طرد الإيرانيين من لبنان والعراق، باتت سوريا خيارهم الأفضل. يهتم السعوديون لهذه المسألة بقدر اهتمامهم بالمسألة النووية الإيرانية، ويعتبرونها عاجلة. لم تتطور سوريا في الساحة الرئيسية للسياسات الإقليمية والدولية فحسب، بل أصبحت أيضا قضية رأي عام عاطفية بين الأغلبية السنية في المملكة العربية السعودية. ترغب إدارة أوباما أيضاً بالحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة، لكنها لن تدع هذا الأمر يقف في طريق التوصل الى اتفاق نووي مع طهران، في حال توفر بشروط مقبولة. يخطئ السعوديون حين يراودهم الخوف من إمكانية إعداد واشنطن لصفقة جيوسياسية كبرى مع الإيرانيين، صفقة يتنازلون بموجبها عن وضع حدود للنشاط النووي الإيراني مقابل قبولهم لدور مهيمن تضطلع به إيران على الصعيد الإقليمي. إلا أنهم لم يُخطئوا في تفكيرهم بأنّ الولايات المتحدة لا تشاطرهم الرغبة في التخلص السريع لنظام الأسد، وبالتالي االبدء بوضع حدّ للنفوذ الإيراني الإقليمي.

أما المسألة الثانية، فهي مصر، رغم أن الديناميكية الضمنية هنا هي الديمقراطية. والغايات هنا هي في الواقع نقطة الخلاف. أعلن السعوديون الحرب على جماعة الإخوان المسلمين. وقد أغدقوا، هم ودولة الإمارات العربية المتحدة المناهضة للإخوان المسلمين، الأموال على مصر منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013 والذي أطاح بالرئيس المُنتخب محمد مرسي، عضو جماعة الأخوان المسلمين. في مارس 2014، صنّف السعوديون رسمياً الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية. في الشهر عينه، سحبت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سفرائها من قطر، شريكتهم في مجلس التعاون الخليجي، للضغط على حاكمها الجديد للحد من الدعم الذي تقدمه بلاده لجماعة الإخوان. بالنسبة للسعوديين، يتساءل الإسلاميون السنة المنتخبون ديمقراطياً عن مطالبة السعوديين بتمثيل الإسلام السنة إقليمياً وعن حجتهم أن الحكم الإسلامي “الحقيقي” لا يتطلب ديمقراطية. وبالتالي، شكّل الربيع العربي الذي أوصل الإسلاميون المنتخبون مثل جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة تهديداً مباشراً لمصالح السياسة الخارجية السعودية وتهديداً طويل الأمد يطال استقرارهم الداخلي.

أما إدارة أوباما، فكان لها وجهة نظر مختلفة جداً من النجاحات الانتخابية لجماعة الإخوان المسلمين. فقامت برفع الحظر الرسمي على الدبلوماسيين الأمريكيين ممن لهم اتصال مباشر مع أعضاء الجماعة. كما ورحّبت بالانتخابات الحرة في مصر التي نتج عنها أغلبية للإخوان في برلمان (تمّ حلّه لاحقاً بأمر من المحكمة)، ورئيساً للبلاد من الإخوان أيضاً. كذلك رحّبت بالانتخابات الحرة التي جرت في تونس حيث فاز حزب النهضة (وهو فرع الإخوان في تونس) بالأكثرية البرلمانية. انتقدت إدارة أوباما قرار الجيش المصري بإسقاط مرسي، في حين امتنعت عن وصف ما حدث بالـ “انقلاب” (والذي كان يستدعي إيقافاً فورياً للمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر). اعتبرت إدارة أوباما استعداد الإخوان للدخول في اللعبة الديمقراطية خطوة ضرورية إذا كان العالم العربي يأمل في تطوير ديمقراطيات مستقرة. في الواقع، ترغب واشنطن أن ترى الربيع العربي ينتج وحكومات عربية ديمقراطية ومستقرة، وسوف تشمل هكذا حكومات أحزاباً إسلامية بطبيعة الحال. بيد أنّ المملكة العربية السعودية لن ترغب بذلك طبعاً.

على الرغم من أهمية هذين الاختلافين بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، إلا أنهما لا يشكّلان أزمة في العلاقة بينهما. اتفقت الدولتان على أن تختلفا حول الكثير من الأمور في الماضي، أبرزها الصراع العربي-الإسرائيلي، ولكن هناك الكثير من القضايا التي تجمع الجانبين من حيث المصالح المشتركة – كالتعاون في مكافحة الارهاب ضد تنظيم القاعدة، ومنع حدوث مزيد من الفوضى في اليمن، والحفاظ على سوق النفط العالمي غير المستقرّ، والتعاون العسكري المستمر (بما في ذلك بيع الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية). ولقد شهدنا بعد التقارب والتهدئة حول هاتين القضيتين الخلافيتين. يبدو أنّ إدارة أوباما مستعدة للتعامل مع تولي السيسي الرئاسة في مصر، رغم الشكوك فيها. وقد تشير تحركات السعودية لإعطاء رئيس الأمن الداخلي ووزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف، دوراً أكبر في صياغة سياسة المملكة تجاه سوريا إلى أنّ الرياض تشارك مخاوف واشنطن بشأن تهديد انتشار الجهادية السنية من سوريا. إن الأمير محمد هو المسؤول عن الأمن الداخلي في البلاد. أما الأمير بندر بن سلطان، والذي استقال مؤخراً من منصبه كرئيس للاستخبارات العالمية، فكان مسؤولاً عن الملف السوري ونقل السياسة السعودية في سوريا نحو مزيد من الدعم للمجموعات السلفية المقاتلة ، غير التابعة لتنظيم القاعدة. مما لا شكّ فيه أنّ القانون الذي أصدرته المملكة العربية السعودية مؤخراً والذي يُجرّم انضمام المواطنين إلى حملات الجهاد الخارجية هو دلالة واضحة على المخاوف المتنامية من رد فعل سلبي يأتي من سوريا. مع ذلك، ثمّة اختلافات مهمة لدى الحليفين في وجهات النظر الاستراتيجية للمنطقة ككل، وستستمرّ هذه الاختلافات بخلق توترات في العلاقات بين الدولتين في المستقبل.