Commentary

Op-ed

المواجهة الحاسمة في مصر

على مشهد الاحتجاجات الحاشدة المناهضة للحكومة في مختلف أنحاء مصر في الثلاثين من يونيو ــ بعد مرور عام كامل على انتخاب أول رئيس مدني على الإطلاق في مصرــ تحدت حركة متنوعة وغير مركزية هيمنة الرئيس محمد مرسي على السلطة كما لم يحدث من قبل. فاحتشد مئات الآلاف للنزول إلى الشوارع، واقتحم عدد كبير من المحتجين المقر الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في القاهرة وأحرقوه.

في نهاية الأمر، أُعطِي الرئيس إنذاراً نهائيا. فقد طالب البيان “الثوري” الأول الذي أصدرته حركة “تمرد” الشعبية الجديدة في مصر برحيل مرسي في غضون يومين وإلا سيواجه زحفاً على القصر الرئاسي. “باسم 22 مليون مواطن، نعلن أن محمد مرسي لم يعد رئيساً شرعياً لمصر”. ثم ناشد المحتجون “مؤسسات الدولة، الجيش والشرطة والسلطة القضائية، أن تنحاز إلى الإرادة الشعبية”.

ثم تحدث الجيش مصدراً إنذاراً نهائياً من جانبه لمرسي: إما أن تستجيب لمطالب المحتجين أو تواجه حلاً عسكرياً للأزمة. وبحلول نهاية اليوم، أعلن مكتب مرسي أنه لم يُستَشَر قبل بيان الجيش، وتظاهر عشرات الآلاف من مؤيدي الرئيس في عدة مدن في وقت متزامن في منتصف الليل.

ماذا سيحدث بعد ذلك إذن؟ وكيف قد يكون تأثير حركة “تمرد” وتدخل الجيش على عملية التحول الديمقراطي الهشة في مصر؟

الواقع أن الطريق إلى أزمة اليوم كان متوقعا. فقد فاز مرسي في الانتخابات الرئاسية بنسبة 51.7% فقط من الأصوات، في حين ضمت الأصوات المتبقية (48.3%) قوى عاتية، بما في ذلك شخصيات من نظام مبارك ومؤيديه. ثم اشتد عود التيار المعارض لمرسي في أعقاب إعلان نوفمبر 2012 الدستوري، الملغي الآن، والذي سعى مرسي بموجبه إلى الاستئثار بسلطات كاسحة ــ بدعوى حماية المؤسسات المنتخبة الوليدة في البلاد من القضاء المسيس.

كما كان غياب أي مكاسب مادية ملموسة للمصريين العاديين سبباً في تأجيج الغضب الشعبي. فقد بذل كل المرشحين الرئاسيين وعوداً جامحة؛ ولكن غياب أي إنجاز كبير، مثل حل مشكلة العجز المزمن في الغاز والطاقة الكهربائية في البلاد، ساعد في تعبئة الحشد الهائل المناهض لمرسي. وكان العجز أثناء التحول السياسي باهظ الثمن.

ولكن مرسي ليس بلا إنجازات أو مؤيدين بالكامل. ففي شهر أغسطس الماضي، أزاح قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وعلى الصعيد الاقتصادي، يشير تقرير البنك المركزي المصري عن الفترة من يوليو 2012 إلى مارس 2013 إلى أن العجز في ميزان المدفوعات انخفض من 11.2 مليار دولار إلى 2.1 مليار دولار، نظراً لارتفاع عائدات السياحة والإعفاء من الديون.

بيد أن هذا التحسن لم يتقاطر إلى الأسفل حيث المواطنين العاديين، ولم تكن هناك أية استراتيجية إعلامية فعّالة لاستثمار هذا التحسن. ولكن القسم الرئيسي من مؤيدي مرسي لا يزال على التزامه. وفي حين ظهر أثناء الثورة عدة مئات فقط لدعم مبارك المنتخب احتيالاً وتزويرا، فإن مئات الآلاف من المصريين احتشدوا لأسبوعين متاليين في ساحة رابعة العدوية في منطقة قريبة من القصر الجمهوري، للتعبير عن تضامنهم مع مرسي.

وإذا بقى مرسي في منصبه، فسوف يضطر إلى الاعتماد على الجيش لضمان سلامة حكومته. وسوف يحتاج أيضاً إلى استعراض هائل للقوة من قِبَل أنصاره. ولكن هذا يعني إعادة الجيش إلى قلب السياسة ــ وبالتالي التضحية بالمكاسب التي ترتبت على فرض قدر أكبر من السيطرة المدنية في أغسطس الماضي. ويشير الإنذار الذي وجهه الجيش إلى أن المؤسسة العسكرية تتحرك في اتجاه الانقلاب.

ولا تخلو فكر تعبئة الإخوان المسلمين وغيرهم من الأنصار الإسلاميين من المخاطر أيضا. والواقع أن الخطوة الثورية المتمثلة في توجيه الإسلاميين، الذين كانوا مسلحين ذات يوم نحو السياسة الانتخابية والدستورية، قد تنقلب في الاتجاه المعاكس في خضم الصراع الجاري على السلطة.

أما إذا خرج مرسي من السلطة، فإن الكثير سوف يتوقف على الكيفية التي سوف يُبعَد بها. إن الاعتماد على الحشد في الشارع وتدخل الجيش لإسقاط زعيم منتخب لديه من يدعمه على الأرض من غير المرجح أن يؤدي إلى نتائج إيجابية. بل على العكس من ذلك، يؤدي هذا النمط عادة إلى قيام دكتاتوريات عسكرية، أو اندلاع حروب أهلية، أو الأمرين ــ كما رأينا في أسبانيا عام 1936، وإيران عام 1953، وتشيلي عام 1973، وتركيا عام 1980، والسودان عام 1989، والجزائر وطاجيكستان عام 1992.

ولكن هناك أيضاً سابقة شارل ديغول لخروج رئيس منتخب سلميا. فقد أدت الاحتجاجات الحاشدة في فرنسا عام 1968 إلى انتخابات برلمانية مبكرة، والتي فاز بها أنصار ديجول بشكل حاسم. ولكن ديجول استقال في وقت لاحق طواعية وباختياره، بسبب قضية ليست ذات أهمية.

والمشكلة في هذه السابقة هي أن مرسي لا يتمتع بخلفية ديغول، ومن المؤكد أن التحول السياسي الفوضوي في مصر في عام 2013 بعيد كل البعد عن ديمقراطية فرنسا الراسخة في عام 1968. ولم يواجه أنصار ديغول الفرنسيون فضلاً عن ذلك أي شكل من أشكال الاضطهاد؛ في حين تعهد العديد من رموز المعارضة المصرية بالفعل بالانتقام من مرسي والإخوان المسلمين. وهذا من شأنه أن يرفع الرهان على البقاء سياسياً إلى حد كبير، وخاصة في ضوء غياب أي ضامن جدير بالثقة للقواعد الدستورية والسلوك.

وعلاوة على ذلك فإن البديل الممكن لمرسي ليس واضحاً إلى حد كبير. فأجزاء من المعارضة تتحدث عن مجلس “رئاسي” انتقالي. ولكن هذه الفكرة فشلت من قبل بالفعل، أثناء حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة (فبراير 2011 إلى يونيو 2012)، وهو ما يرجع جزئياً إلى الافتقار إلى الحشد الشعبي خلف شخصية أو شخصيات موحِّدة، ولكنه في الأغلب يرجع إلى الغرور ــ بل في واقع الأمر جنون العظمة ــ الذي يعتري الساسة المشاركين.

يكاد يكون من المؤكد أن مرسي لن يزاح دون تدخل من الجيش والمؤسسة الأمنية. وقد يبذل الفائزون قصارى جهدهم لمنع القوى الإسلامية من العودة، وهو ما يعني ضمناً دورة أخرى من الاقتتال السياسي ــ بل وربما المادي ــ الجامح الذي لا يقيده ضابط ولا رابط، حيث تخدم الديمقراطية كقناع لإضفاء الشرعية على إقصاء، بل وربما تدمير، المعارضين السياسيين.