Commentary

مسيرة للمطالبة بالحرية في ليبيا

أصبح الشعب الليبي الآن أقرب من أي وقت مضى للتحرر من الحكم الذي دام على مدى 42 عاماً لأقدم قائد في العالم العربي، العقيد معمر القذافي. على الرغم من السمعة السيئة للنظام الليبي الذي كان يقمع بشدة حركات المعارضة، فإنه لم يعد في وضع يُمكنه من ممارسة مستوى السيطرة الذي كان يتمتع به على مدار الأربعة عقود الماضية، حيث لم يعد الليبيون يخافون من حكومتهم كما أنهم أصبحوا الآن أقرب من أي وقت مضى لتغييرها. المواجهة المباشرة بين الشعب الليبي وديكتاتورية القذافي تبرز العديد من العوامل التي تجعلهم أقرب من أي وقت مضى من هدفهم الذي طال انتظاره.

أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى حدوث بلبلة في البلاد تكمن في القطاع الاقتصادي في ليبيا. فليبيا واحدة من أغنى الأمم العربية من حيث مواردها الطبيعية لا سيما النفط، حيث أنها تقوم بتصدير حوالي 1.5 مليون برميل يومياً وعلى الرغم من ذلك يعيش ثلث الليبيون تقريباً عند أو تحت خط الفقر. ويميل الشعب الليبي إلى إلقاء اللوم بشأن هذا التضارب على الفساد المتفشي لحكومتهم.

و بعيداً عن مواجهة التحديات الاقتصادية، فإن ليبيا تتمتع أيضاً بموقع فريد حيث أنها “تقع” بين ثورتي العالم العربي الناجحتين في تونس ومصر. وهذا لا يوفر لها الإلهام فحسب، ولكنه يوفر أيضاً الدعم اللوجيستي للثورة الشعبية في ليبيا. وبالتالي فإنه ليس من العجيب أن تبدأ الثورة الليبية في أقصى نقطة من شرق البلاد حيث يتمتع الناس بعلاقات وثيقة مع جيرانهم من المصريين.  

و من الملاحظ بشكل خاص أن الثورة بدأت في مدينة بنغازي، ثاني أكبر مدينة في ليبيا، التي كانت تتمتع خلال فترة وجيزة من الستينيات بصفتها “عاصمة مشتركة” مع طرابلس، كما أنها كانت موقع إعدام عمر المختار، الرمز الليبي الذي قاد الثورة ضد الاستعمار الإيطالي، مما يجعلها نقطة انطلاق رمزية للثورة.

و ثمة عامل آخر هام ساعد الليبيين في نضالهم ضد النظام وهو تجانس مجتمعهم: 97 في المئة من الليبيين هم من المسلمين السنة، وهي سمة مشتركة مع  المجتمعين التونسي والمصري اللذان أثبتا قدراتهما على توحيد القوى الاجتماعية ضد النظام. على العكس من ذلك، فقد أعاقت الطائفية، التي توجد في لبنان، والقبلية، السائدة في اليمن، التعبئة السياسية الجماعية، وخاصة عندما يكون من المتوقع حدوث ثورة شعبية مترقب فيها مشاركة المجتمع بجميع طوائفه. فتجانس الدولة يسمح بوضع إطار للانتفاضة باعتبارها حركة للدولة والمجتمع، حيث يتم توجيه الغضب ضد سبب واحد، وهو ديكتاتورية القذافي في هذه الحالة.

كم ان استعانة القذافي بالمرتزقة يدل على أن الانتفاضة الشعبية تفلس النظام وأن الميليشيات التابعة له، اللجان الثورية، إما أنها غير فعالة أو أنها لا تعبر عن مستوى الولاء الذي يريد النظام أن يراه. وفي كلا الحالتين، يبدو أن النظام بدأ يستنفد خياراته وأن الشعب يحرز تقدماً ملموساً.

لقد بات من المرجح بشكل كبير أن الأحداث الجارية ستؤدي إلى سقوط نظام القذافي. فقد وضع إعلان زعماء القبائل بدعمهم للاحتجاجات العقيد في موقف صعب للغاية على الصعيد المحلي. وعلى الصعيد العالمي، فقد قام العديد من الدبلوماسيين الليبيين بالانشقاق والانضمام إلى الثورة، وهذا مهم بشكل خاص من أجل خلق عزم لتشجيع المزيد من الليبيين على الانضمام إلى الثورة. علاوة على ذلك، فقد كان دور المرتزقة غير فعال على الإطلاق في مساعدة حكومة القذافي في الحفاظ على سيطرة البلاد. ومن المفهوم أن هؤلاء الجنود المأجورين ليس لهم مصلحة في هذه المسألة لأنهم لم يستفيدوا سوى من الناحية الاقتصادية. وبالتالي، فإن دورهم هو عزل النظام وزيادة احتمالية سقوطه.

 كما كان على الليبيين الذين يعيشون في المهجر دوراً بارزاً في هذه الانتقاضة. وعلى الرغم من أنه لا يمكن إنكار أهمية هذا الدور، فإنه لا يكفي الليبيين الاحتجاج فقط خارج السفارات في البلاد الخارجية. نتيجة إغلاق القذافي لخدمة الإنترنت، فقد أصبح المهجرين أكثر أهمية ولا سيما في نشر المعلومات حول التجمعات على الفيس بوك وتويتر والضغط على المجتمع الدولي لدعم حرية الشعب الليبي التي طال انتظارها والتي يستحقها عن جدارة.

ان سقوط نظام القذافي سيؤدي بالتأكد إلى خلق فراغ سياسي في بلد يفتقر بالفعل إلى البنية التحتية للمجتمع المدني. وهذا الفراغ من الممكن أن يسمح للفئات الاجتماعية الراسخة منذ أمد بعيد إلى الاضطلاع بدور قيادي في فترة ما بعد القذافي. وعلى وجه الخصوص، من المرجح أن يصل زعماء القبائل إلى السلطة، حيث أنهم وضعوا أنفسهم في موضع جيد عندما أعلنوا تأييدهم للثورة. علاوة على ذلك، سيلعب المهجرون دوراً آخر بارزاً في أعقاب الثورة حيث أنهم يتمتعون بصلات ممتازة مع العالم الخارجي، كما أنهم لديهم المهارات والتعليم الذي يُمكنهم من المساهمة في نظام سياسي جديد. وبالطبع، يجب أيضاً أن نتوقع ظهور قيادة جديدة، وبخاصة من الشباب الذين سبق وأن تولوا بالفعل هذا الدور القيادي في مدينة بنغازي وبقية شرق ليبيا.

كما هو الحال مع جميع ثورات العالم العربي الأخرى، فقد برز نفس الدرس: بمجرد خروج الشعب إلى الشوارع، لا يمكن لشيء أن يوقفه. لا يمكن لتهديدات النظام أن ترهبه بالشكل الكافي الذي يجعله يتراجع. تستمر مسيرة المطالبة بالحرية في ليبيا ويتشكل مستقبل البلد ونحن نتحدث عنه.