Commentary

هل يتحرك الإسلاميون السوريون لمواجهة تنظيم القاعدة؟ وهل سيستمر هذا التحرك؟

في 22 مارس، شهد التمرد السوري أحدث حلقة في سلسلة من عمليات الدمج، وذلك عندما قامت حركة صقور الشام الإسلامية بدمج نفسها بشكلٍ كلي وفعال في واحدة من أقوى الحركات في البلاد، ألا وهي حركة أحرار الشام، علماً بأن كلا الفريقين كانا من بين أوائل المجموعات المسلحة التي تشكلت في سوريا في منتصف العام 2011. ورغم أن حركة صقور الشام تقلَّص حجمها على مدى الشهور الـ 12 الماضية، إلَّا ان الحركتين كانتا باستمرار بين الجهات الأكثر فاعلية في الحرب ضدَّ نظام الأسد. وبعد هذا الدمج، أصبحت حركة أحرار الشام تجد تحت سيطرتها الآن حوالي 15,000 من المقاتلين المنتشرين في جميع أرجاء سوريا، مع عمليات نشطة لهم في 10 محافظات من الـ 14 محافظة في سوريا.

لم يكن هذا الاندماج سوى أحدث إشارة على أن حركة أحرار الشام بدأت إعادة تأكيد موقفها البارز ضمن إطار التمرد السوري الأوسع. وعلى الرغم من أن أعداد عضويتها لم تنخفض طوال العام 2014، إلاَّ أن تلك السنة اتسمت بالصعوبة ، ويرجع ذلك جزئياً إلى الانخفاض الكبير في التمويل والدعم القطري والتركي ، فضلاً عن الدور الرئيسي للحركة في القتال ضدَّ الدولة الإسلامية (داعش)، جنباً إلى جنب مع حليفتها المسلحة جبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة في سوريا.

لقد كان هذا التحالف الأخير مع جبهة النصرة يمثل وجهاً من الوجوه الثابتة لديناميكيات المتمردين في سوريا، ولم يكن حدوث هذا الأمر يقتصر فقط على الجماعات السلفية المحافظة مثل أحرار الشام. في الواقع، ولكن نادراً ما يُعترف بذلك صراحة وبشكلٍ علني، فإن الغالبية العظمى من مجموعات التمرد السوري كانت تنسق بشكلٍ وثيق مع تنظيم القاعدة منذ منتصف العام 2012 – ولهذا التنسيق تأثيرٌ كبير في ساحة المعركة. وفي حين أن هذه الإدارة البراغماتية للعلاقات كان من شأنها تأمين الانتصارات العسكرية لقوات المعارضة ضدَّ النظام، إلَّا ان ذلك جاء أيضا بتكلفةٍ استثنائية. فاستيعاب تنظيم القاعدة في إطار التمرد الأوسع قد أدى إلى تثبيط الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ومنعهم من تقديم الدعم إلى المعارضة “المعتدلة” بشكلٍ قاطعٍ ومباشر أكثر. وأدى ذلك، بالتالي، إلى استمرار حالة الاستعصاء في الصراع التي نراها اليوم وإلى صعود نجم الفصائل الجهادية، كجبهة النصرة وداعش، وغيرها الكثير.

والآن، حيث تجد الأطراف المتصارعة نفسها في السنة الخامسة من حربٍ أهلية وحشية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 220,000 شخص، وتشريد 10 ملايين آخرين داخل البلاد وخارجها، ووضع ما يزيد على 640,000 شخصٍ تحت حصارٍ عسكري، فإن التفكير الاستراتيجي داخل منظومة التمرد السوري يخضع لتحولاتٍ دقيقة. فمنذ شهريْ أكتوبر ونوفمبر من العام 2014، عبرت قيادات عددٍ لا تحصى من الجماعات المسلحة السورية – تشمل الجيش السوري الحر “المعتدل” ، وإسلاميين معتدلين وسلفيين سوريين متشددين – مخاوفها لمؤلف هذا المقال بشكلٍ شخصي وخاص بشأن التطور المقلق الذي طرأ على حليفهم منذ مدة طويلة، جبهة النصرة. ففي وقت سابق من شهر نوفمبر 2014، وصف قائد في حركة أحرار الشام الجبهة بأنها تقود الثورة “في الطريق الخطأ”، في حين أبدى قائد إسلامي معتدل من حلب تعجبه قائلاً: “جبهة النصرة لم تعدْ تريد ما نريد – فتنظيم القاعدة هو الذي يتولى الأمر”.

وعلى الرغم من ورود تقارير غير دقيقة تشير إلى أن أحدث اندماج لحركتي أحرار الشام وصقور الشام يمثل تصلباً في موقف الحركة الأيديولوجي، فإن مبادرة الدمج هذه، بدلاً من ذلك، وُصِفت للمؤلف من قبل عدة قادة إسلاميين سوريين باعتبارها محاولة واعية لتحقيق توازنٍ مع القوة المتنامية لجبهة النصرة، لا سيما في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا. وادعى أحد القادة أن الحافز لتوحيد حركة أحرار الشام وصقور الشام (الذي جرت مناقشته منذ فترة طويلة) جاء نتيجة لـ “السلوك العدواني” لجبهة النصرة في إدلب، في حين قال آخر ان “الضغط” من قوى أخرى في الشمال شجَّع هذه الخطوة. ومن جهةٍ أخرى، أشار مسؤولٌ بارز في حركة أحرار الشام إلى ان الدمج جاء بشكلٍ كلي استجابة لتطبيق “استراتيجية” أوسع للتوحيد، واصفاً إياها بأنها “واجبٌ وشيءٌ طبيعي”، ولكنها خطوة ستؤدي بالنتيجة إلى “خلق توازنٍ عام في الشمال ” ـــ وهو بمثابة تمييز بين الدافع والنتيجة. وعلى الرغم من هذا الفارق الدقيق في المعنى، فقد تكشف التقييمات الأوسع عن وجود ديناميكية جديدة هامة بشكلٍ كبير التأثير – ولو أنها لا تزال مخفية إلى حدٍ كبيرٍ تحت التطورات الثورية الأخرى.

 وحتى الآن، فالمخاوف بشأن جبهة النصرة ـــ وهي مخاوف حقيقية تماماً ـــ لا يتم البوح بها والكشف عنها إلَّا في مناقشات خاصة فقط. فلماذا ذلك؟ يمكن تقديم شرحٍ بسيط في جزأين. أولاً، لا تزال جبهة النصرة قوة مرهوبة الجانب تماماً على الأرض في سوريا، وهي تنظيم عليه تعتمد بقية قوى المعارضة في الحفاظ على جبهة فعالة ضدَّ قوات النظام والموالين له. وثانياً، السبب الوحيد لاستمرار هذا الاعتماد على تنظيم غير موثوق به الآن إلى حدٍ كبير هو غياب أي بديلٍ أفضل، أي وجود معارضة مسلحة سورية تكون مدعومة صراحة من قبل الغرب بشكلٍ محددٍ وقاطع بدرجة أكثر.

وباختصار، فإن المعارضة المسلحة داخل سوريا تفتقر إلى القوة اللازمة والمصادر المستدامة التي تقدم لها الدعم الفتاك وغير الفتاك – وبعبارة أخرى، إنها تفتقر إلى الثقة – لتؤكد نفسها وقيمها على الأرض بشكلٍ أكثر وضوحاً ولا لبس فيه. وفي حين قدمت الدول الغربية مساعدات فتاكة لبعض فصائل المعارضة، فقد كانت هذه المساعدة محدودة جداً من حيث الحجم والنطاق على حدٍ سواء.

وفي هذه المرحلة، فإن كثيرين سيرددون الحجة القائلة بأن التمرد السوري – باستثناء تنظيم القاعدة وغيرهم من الجهاديين الذين على شاكلتهم في التفكير – أصبح أكثر توحداً في توجهاته الإسلامية في المظهر والخطاب على حدٍ سواء. وفي حين أن هذا الوصف صحيحٌ بلا شك، فإنه لا ينتقص من حقيقة أن السوريين من جميع المشارب ما زالوا يعتبرون أنفسهم سوريين أولاً. وبينما قد يوحي الخطاب العلني للعديد من هذه الجماعات بغير ذلك، فإنَّ الحوار السياسي المباشر وجهاً لوجه مع قيادات أكثر من 100 من الفصائل الأقوى على الأرض، على مدى الشهور العشرة الماضية، قد كشف لهذا المؤلف اختلافاً مهماً بين المبالغة في العلن والتعبير عن الاتجاهات الخاصة (في لقاءات جانبية).

وفي حين تظل العديد من الجماعات تتمسك بأسس إسلامية تتسم ظاهرياً بالمحافظة، أو أنها تبنت مؤخرا هذا النهج، إلا أنها جميعاً تشترك في نفس الأهداف الأساسية المعلنة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها: (1) هزيمة الأسد و/أو ضمان انتقال سياسي على غرار مؤتمر جنيف I. (2) مكافحة التطرف وإعادة تأكيد القيم السورية الخاصة بالمساواة (العرق والطائفة). (3) المساعدة في إنشاء دولة سورية واحدة متحدة ومنفتحة على الحوار مع المجتمع الدولي بشكل عام. وبالطبع توجد هناك اختلافات حول قضايا أكثر تحديداً وعلى دلالات ومعاني المفردات، ولكن هناك أيضا وجود رغبة لبحث ومناقشة ذلك من خلال الحوار.

ولعل هذا يكشف عن الإخفاق في السياسة الغربية الأكثر ضرراً على سوريا، وهو: عدم وجود برنامج حقيقي فعال للتواصل مع المعارضة المسلحة المتمركزة داخل سوريا. فحتى الآن، يقتصر الاتصال في هذا الصدد إلى حدٍ كبير على جزءٍ فرعي لأصغر المجموعات التي تُصنف بأنها “معتدلة” بما يكفي، ويتم ذلك في المقام الأول من قبل أفراد الأمن والمخابرات، بدلاً من موظفي السلك الدبلوماسي. “لقد كان لدينا بعض الاجتماعات مع المخابرات الفرنسية والبريطانية والأمريكية، لكن لا يبدو عليهم الاهتمام بالوضع لدينا”، هكذا وصف أحد قادة الجيش السوري الحر اتصالاته مع الغرب. وذكر مسؤول سياسي في حركة أحرار الشام متعجباً: “التقينا مرة مع شخص أمريكي، ولكن طلباتنا لعقد اجتماعات للمتابعة منذ ذلك الحين لم يتم الرد عليها”. ولعلَّ الوضع الأكثر يأساً‘ إذ أن قائد مجموعة في الجيش السوري الحر، يُعرف على نطاق واسع بأنه مدعوم من قبل الولايات المتحدة، يطلب من المؤلف التوسط لعقد اجتماعٍ “مع الأمريكيين – إذ يبدو أنهم ليسوا هنا، لم نعدْ نسمع شيئاً منهم”.

واعتباراً من اليوم، ليس هناك نهاية ملحوظة على الفور للصراع في سوريا. فنظام الأسد مستمرٌ بلا هوادة في قتل مواطنيه دون تمييز، وهو بذلك ينتهك القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. صحيح أن تنظيم داعش يسيطر على شمال سوريا وشرقها، ولكنه يمارس التسلل سراً إلى مناطق أخرى جنوباً، بما في ذلك العاصمة دمشق. وفي الوقت نفسه، فإن جبهة النصرة، التي توطّد نفسها كلاعبٍ مهيمن في شمال سوريا، يبدو أنها تختبر مدى الصبر والبراغماتية الاستراتيجية لدى مجموعات التمرد الأخرى على نطاقٍ أوسع.

وهذا الوضع يوفر للغرب نافذة لا تُقدر بثمن للتواصل مع الجزء الأوسع من المعارضة المسلحة في سوريا، تشمل الإسلاميين. فالتواصل لن يكون بالضرورة شرطاً أساسياً لتقديم الدعم، ولكنه ينطوي على قيمة في حدٍ ذاته. والسوريون داخل المعارضة من المستبعد جداً أن يتخلوا عن سبب ثورتهم في أي وقتٍ قريب، ولكن رغبتهم الشديدة لإقامة علاقةٍ مع الغرب ليست مضمونة بالضرورة على المدى الطويل. وفي مؤشرٍ مقلق يعبر عن حالة اليأس، قال أحد القادة المعتدلين للمؤلف: “نريد بكل لهفةٍ التحدث مع الغرب ونبين لهم ما نمثله، ولكن ولاءنا التام يظل للثورة ولإسقاط النظام. وإذا كان الغرب لا يريد مساعدتنا لتحقيق هذا الهدف هذا ويتلقى طلباتنا لعقد اجتماعات، فإننا سوف نتحول إلى آخرين يستجيبون لنا”.