Commentary

الانتصار على داعش يتطلب استراتيجية أمريكية بشأن سوريا

إنّ نجاح “التحالف العريض” لمحاربة داعش الذي أعلن عنه الرئيس باراك أوباما الأسبوع الماضي يعتمد على ما يحصل في سوريا. في الوقت الراهن على الأقل، لا يمكن لأحد أن يقدّم إجابة عن السؤال التالي: من المستفيد من أي غارات جوية أنظام بشار الأسد أم “المعارضة المعتدلة”؟ كانت الإجابة عن هذا السؤال لتكون أسهل لو بدأنا بتدريب المعتدلين ودعمهم وتسليحهم منذ أكثر من عامين حين طُرِح هذا الاقتراح للمرة الأولى.

تراودني المخاوف عينها التي تراود زملائي حول ما إذا كان الدعم للمملكة العربية السعودية للمساعدة على تدريب المعارضة السورية المعتدلة سيتحقق فعلاً. علاوةً على ذلك، لا يجدر بنا أن نعتبر أولئك المعتدلين السوريين أمراً مسلّماً به إذ بيّنت لنا المحادثات التي سبق وأجريناها مع قادة بعض المجموعات المسلحة أنهم لن يقبلوا بسهولة قتالاً يركّز فقط على داعش في حال لم يلمسوا عزماً حقيقياً للتخلص من الأسد. وهذا هو أيضاَ موقف مسانديهم الإقليميين.

كما سبق وقلت، ثمة حاجة الآن إلى بذل جهدٍ سياسي جدّي في سوريا. وهذا ما لم نره بعد – لا سيما في ظلّ استمرار الدعم الروسي والإيراني للأسد. ولا بدّ أن تضطلع الولايات المتحدة جزئياً بهذا الدور، وكذلك الأمم المتحدة. حتى الآن على الأقل، لا يزال المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا يبحث عن استراتيجية حيوية من شأنها أن تضع مساحةً لعملية سياسية حقيقية، خلافاً لمؤتمرات جنيف عديمة الجدوى.

يعتمد الكثير هنا على عزم الولايات المتحدة بالتركيز على الأسد، وكذلك على داعميه، الروس والإيرانيين. من جهته، لا يزال الأسد يعتقد أن الغرب سيقدّم له الدعم وأن الجيش السوري هو القوة الوحيدة على الأرض القادرة على هزيمة داعش. إنه يثبط أي جهة تلمّح حتى تلميحاً إلى الحوار السياسي. وقد يُصِّعب الأمر كثيراً على التحالف في حربه ضد داعش – يستطيع على الأقل التوقف عن التسبب بأي ضرر عقابي إلى أن يميل الغرب إليه. يعتقد عدد كبير من السوريين، لا سيما أولئك داخل سوريا ممن يفهمون نقاط ضعف النظام الكامنة التي يطرحها النظام، أنه متوهم، إلا أن على الولايات المتحدة وحلفائها القيام بالمزيد ليعدل عن قناعته هذه.

برأيي، حان الوقت مجدداً لكي تنتبه الولايات المتحدة مع القوى الأوروبية الرئيسية، كالمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، إلى الإيرانيين وتنذرهم للمرة الأخيرة: حضّ الأسد على المشاركة الحقيقية في عملية حوار سياسي أو سيتبنون استراتيجية من شأنها أن تضغط أكثر فأكثر عليه، على أن يشمل هذا الضغط جهوداً أكبر لتحضير المعارضة للقتال على جبهتين. تدابير إضافية يُمكن أن تُتخذ لاستهداف موارد نظامه المالية – وهذا ما يدفع العديد في الداخل لانتقاد النظام – وأولئك الذي يقدمون له الدعم.

من الناحية الإقليمية، تتفاوت درجات الحماس إزاء التحالف العريض؛ في حين يبدو السعوديون والإماراتيون الأكثر تأييداً، يبدو القطريون والأتراك الأكثر حذراً. كان من الضروري الإشارة إلى أن وزير الخارجية التركي الجديد، مفلوت تشافوش أوغلو، زار الدوحة مؤخراً ومن المتوقع وصول رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو إلى الدوحة بهدف تنسيق المواقف مع القطريين على الأرجح. والجدير بالاهتمام أيضاً هو تقدير تأثير الدور السعودي في تأمين قواعد تدريب للمتمردين وما إذا كانت تركيا ستشارك في هذه الجهود.. حتى الآن، واستناداً إلى ما أظهره اجتماع جدة الذي عُقد مؤخراً، لا تبدو أنقرة جاهزة للمشاركة فعلياً بهذا التحالف. بالإضافة إلى ذلك، سيبقى التوتر الكامن بين أولئك الذين يدعمون الإخوان المسلمين وأولئك الذي لا يدعمون هذه الجماعة ظاهراً في الأفق ومستعداً للانفجار في أوقات غير مناسبة.

عند الحديث مع القطريين، يحوم شكّ حول السعي وراء التدخل الأمريكي العسكري في ظلّ غياب استراتيجية أكثر شمولاً للعراق وسوريا وحتى لبنان. من الناحية السياسية، يعني ذلك دفع إيران. قد يتمنى آخرون أيضاً إقناع المملكة العربية السعودية بالتوصل إلى تسوية حول مستقبل هذه الدول. ويبقى أن نتابع ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على قيادة فريق يتألف من حلفائها العرب والخليجيين والتصرف كحَكَمِ بينهم وبين إيران في دعم الحلول الإقليمية لإنهاء مشاكل المنطقة. وتضيف المفاوضات المستمرة حول برنامج إيران النووي تعقيداً جديداً إلى دور الولايات المتحدة في علاقاتها مع الإيرانيين.

أخيراً، سيكون من الجيد لنا أن نتذكر أنه في حين قد تكون الحكومات العربية الرئيسية “داعمة” أو “داعمة بالكامل” للتحالف العريض، لا يمكن ضمان موقف شعوبها. مرةً جديدة، يظهر ما تبقى من شكّ إزاء التدخل الأمريكي العسكري، لا سيما إذا جاء ضمن إطار “مكافحة الإرهاب” – وبالطبع لا يشكل اليمن والصومال ميزة بيع مغرية قوية في المنطقة. يرى الكثيرون في الأمر “حرباً على مسترجع الإرهاب” حتى وإن حاول الرئيس الأمريكي الحالي تعلّم دروس من الماضي وإن سعى لتجنب ارتكاب الأخطاء عينها. وهذا يؤكد أن هناك عمل يتعين القيام به لضمان فهم الشعوب العربية للحوار الأمريكي العام، الذي يركّز بشكل خاص على أمنه الخاص، لا سيما مع مرور الذكرى الثالثة عشرة على هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

في النهاية، إنّ الدعم الحكومي الذي سيحظى به التحالف العريض في المنطقة العربية والمنطقة الأوسع ذات الأغلبية المسلمة والطريقة التي سيفهمه بها سكان هذه المناطق سيعتمد على النتائج. لا بدّ أن يترافق القضاء على داعش وعلى ممارستها البربرية مع تغيير واسع وثابت في العراق وسوريا. مما يعني انتصار القيم الإنسانية العالمية وحوكمة أفضل وشمولية سياسية على بدائية داعش ورفع هذه الأهداف فوق المصالح الوطنية الأضيق (وحتى المصالح الوطنية الأمريكية). في حال لم يحصل ذلك، سيراهن كثيرون على تفكّك كل من سوريا والعراق وعلى أنه سيتم استبدال داعش بتهديد أقوى، كما كان تنظيم القاعدة في يوم من الأيام.