Commentary

Op-ed

من حقهم الحماية: الفلسطينيون يجب أن ينضموا إلى المحكمة الجنائية الدولية، الآن

أطلق الجيش الإسرائيلي النار على نديم نوارة، 17 سنة، ومحمد عودة، 16 سنة، فأرداهما قتيلين بالقرب من مدينة رام الله منذ أسبوع. وكان الشابان يتظاهران تضامناً مع السجناء الفلسطينيون المضربين عن الطعام منذ شهر. وكانت إسرائيل قد بررت في ما مضى معظم عمليات القتل الموجهة ضد فلسطينيين بوصفهم أنهم “يشكلون تهديدًا للأمن” والادعاء بأن الجيش تصرف “دفاعاً عن النفس”. إلا أن إطلاق النار هذه المرة التقطه عدسات الجمعية الحقوقية “الحركة العالمية للدفاع عن حقوق الطفل”. وصورت كاميرا تابعة لشبكة الـسي أن أن كذلك جندياً إسرائيلياً يطلق النار على هذين الشابين. ويظهر التصوير بوضوح أن الشابين كانا أعزلين ولم يشكلا أي تهديد. وسؤالان يطرحان نفسيهما إثر هذه الحادثة الموثقة: أولاً، إلى أي مدى يمكن لإسرائيل الاستمرار باستخدام “الدفاع عن النفس والأمن” كغطاءً لتبرير أعمالها في الأراضي الفلسطينية؟ وثانياً، إن كان حفظ الأمن يمنح إسرائيل حق إطلاق النار من دون تفرقة، حتى على شباب غير مسلحين، فماذا عن أمن الفلسطينيين؟ من يحمي الفلسطينيين تحت الاحتلال، وبموجب أي شروط؟ إن القتل الموثق للشابين نوارة وعودة يجعل من انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأكثر من أي وقت مضى، أمراً ملحّاً.

طالبت كل من الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية بأن تجري السلطات الإسرائيلية تحقيقات شفافة في حادثة إطلاق النار. وأجاب الأربعاء الماضي وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان على ذلك قائلاً “إننا لا نحتاج إلى طلب أمريكي للتحقيق في المسألة”. وأضاف “أرفض أي طلب يُوجّه لنا والخبث الذي نراه في العالم كله”. وليس من الواضح إن كانت الولايات المتحدة ستتبع طلبها بإجراءات أخرى لتحض إسرائيل على إجراء تحقيق لكن، نظرًا لتاريخ مثل هذه الأزمات، من غير المحتمل أن تتابع واشنطن أو الأمم المتحدة بخطوات ملموسة. ومن جهتها، لا تملك السلطة الفلسطينية أي ضمانات حماية تقدمها لمواطنيها مما يتعارض مع مكانتها كسلطة وطنية فعالة. لكن السلطة الفلسطينية تملك بديلاً متاحاً لها وهو الحصول على عضويتها المنتظَرة طويلاً في المحكمة الجنائية الدولية.

لتبرير وجودها وفي غياب آلية حماية تتمتع بالمصداقية، تدين السلطة الفلسطينية لشعبها بالسعي وراء توفير الحماية من خلال القانون الدولي، وعلى وجه الخصوص المحكمة الجنائية الدولية. فالضغط على السلطة الفلسطينية للانضمام إلى المحكمة يتضاعف ولن تتمكن من تجنب الإقدام على هذه الخطوة لمدة طويلة. في الواقع، منذ أسبوعين فقط، دعت 17 منظمة فلسطينية ودولية، من بينها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، السلطة الفلسطينية للسعي بشكل ملح للنفاذ إلى المحكمة الجنائية الدولية. كما وشجع المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية السلطة الفلسطينية على الانضمام في مقابلة أجراها معه المونيتور في 12 مايو. وأوضح آنذاك إن “وجود المحكمة الجنائية الدولية في المنطقة سيشجع الأطراف على التفكير بشكل فعال بكيفية حل مشاكلها في العلاقات الثنائية الأطراف”.

ولا ينبغي أن تخضع الولايات المتحدة للضغط الإسرائيلي باستخدام حماية المدنيين الفلسطينيين كورقة تفاوض في مساعٍ استمرت عشرين سنة من دون نجاح. وإن أمن الشعب الفلسطيني وحمايته حق أساسي يضمنه القانون الدولي وعلى الولايات المتحدة التوقف عن الضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بالمفاوضات والمساعدات المالية كبديل. فالمفاوضات وحماية المدنيين مسألتان غير مرتبطتين البتة، وأي عملية تفاوض تتوقع من شعب كامل أن يبقى عرضة لأعمال القتل، كما كان مصير نوارة وعودة، لا تستحق أن تكون موجودة من الأساس. وحين تتواجد مقايضة مماثلة، لا يجب أن يتردد أي كان باختيار حماية المدنيين على صفقات التفاوض المربحة واللامتناهية.

لدى انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، سيمنح اختصاص المحكمة تغطية ضد انتهاك حقوق الإنسان على الأراضي الفلسطينية بغض النظر عما إذا كان مصدر هذه الانتهاكات إسرائيل أو السلطة الفلسطينية نفسها. بتعبير آخر، سيشكل ذلك أساساً لإرساء سيادة القانون على الأراضي الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، تحافظ المحكمة على معايير دولية للقوى المحتلة، لاسيما في ما يتعلق بنقل الشعوب من الأراضي المحتلة وإليها. وبالتالي، ستتم حماية الفلسطينيين من أنشطة الاستعمار وتدمير منازلهم. وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، بدأت الحكومة الإسرائيلية ببناء أكثر من 9480 وحدة استيطانية منذ وصول نتنياهو إلى السلطة، فيما خلّف تدمير منازل الفلسطينيين 4600 مشرد.

على الأسرة الدولية أن ترفض بشدة قتل الجيش لنوارة وعودة تحت عباءة الدفاع عن النفس. ليبرمان محق، لا يجب على إسرائيل أن تحقق في الحادثة، بل يجب أن يتم ذلك من قبل محققين مستقلين مفوضين من الأمم المتحدة. فادعاء إسرائيل بالدفاع عن الذات لا حدود له. إذ من خلال هذه الحجة الفضفاضة ضمّت إسرائيل أراضِ وبنت مستوطنات وطردت فلسطينيين ودمرت منازلهم. وبسبب الادعاء الملتبس بالدفاع عن النفس، فشلت الجولة الأخيرة من المفاوضات. آن الأوان للولايات المتحدة والأسرة الدولية أن ترسما هذا الخط لإسرائيل. وعلى الأسرة الدولية أن توجّه رسالة واحدة للجميع: إن أطلقتم النار من أجل الأمن أو الدفاع عن النفس سيتم التحقيق بالحادثة وحين يُلقى القبض عليكم ستتم محاكمتكم. إن العالم المدني لا يجب أن يتيح لمنتهكي حقوق الإنسان التصرف والإفلات من العقاب. وفي هذا الإطار يشكل التحقيق المستقل بمقتل نوارة وعودة والقبول الفوري للسلطة الفلسطينية في المحكمة الجنائية الدولية نقطة انطلاق جيدة.