Commentary

Op-ed

رفع دعم الوقود في الإمارات العربية المتحدة: مكاسب على المدى الطويل تفوق المعاناة على المدى القصير

قد يجفل سائقو السيارات، إلا أنّ رفع الإمارات العربية المتحدة الدعم عن أسعار الوقود كان متوقعاً منذ فترة طويلة. ومن المفارقات، جعل هبوط أسعار النفط العالمية من رفع الدعم هذا أمراً لا مفر منه. كما أنّ مكاسب هذا القرار على التنمية الوطنية والبيئة على المدى الطويل تفوق المعاناة المحتملة على المدى القصير.

تقوم الحكومة بتحديد أسعار الوقود والديزل في الإمارات العربية المتحدة، وعلى الرغم من رفع الأسعار في العام 2010، إلا أنها بقيت أقل بكثير من مستويات الأسعار العالمية، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر كبيرة تتكبدها شركات التجزئة التي تملكها الحكومة على غرار إينوك، أدنوك وإمارات. من جهتها، تستفيد أدنوك من إنتاج نفطها الخاص، إلا أنّ شركتي إينوك وإمارات عليهما أن تشتريا نفطهما في السوق المفتوحة.

وكما أشارت التقارير، لم يتم “تحرير” أسعار الوقود بالضبط، إذ ستقوم لجنة حكومية بتحديدها كل شهر، ولكنها الآن ستتبع مستويات الأسعار العالمية.

لطالما دعوت لهذه الخطوة، إلا أنّ التوقيت جاء مناسباً. إنّ انخفاض أسعار النفط العالمية يضع ميزانيات الحكومات الخليجية تحت عبء كبير في الخليج العربي، مما يحثّها على إيجاد طرقٍ للادخار. وهذا يعني أيضاً أن أسعار الوقود لن تزيد كثيراً في البداية. يبلغ سعر الوقود العادي الحالي في الولايات المتحدة قبل الضريبة 2,20 درهم للتر الواحد، مما يعني أن أسعار الإمارات العربية المتحدة قد ترتفع حوالي ربع درهم من السعر الحالي للتر الواحد وهو 1,72 درهم.

ونظراً لأن الوقود يشكّل 3 إلى 4 بالمائة من ميزانية الأسرة الإماراتية المتوسطة، يشير الأمر إلى أن الزيادة في أسعار الوقود قد تؤدي إلى زيادة لمرة واحدة في التضخم أقل بقليل من نقطة مئوية واحدة. بلغ معدل التضخم الإجمالي الشهر الماضي 4,2 بالمئة.

من ناحية أخرى، يمكن أن تهبط أسعار الديزل بالفعل. يبلغ سعر اللتر الواحد من الديزل خارج أبو ظبي 3,42 درهم، أي أعلى بكثير من معدلات الأسعار الأمريكية قبل الضريبة التي وصلت إلى 2,26 لليتر الواحد. وللديزل، الذي يُستخدم للحافلات والشاحنات، التأثير الأكبر على أسعار النقل التجارية، وبالتالي، يؤثّر على أسعار السلع في المتاجر.

ستجعل الزيادات في أسعار الوقود وسائل النقل العام أكثر عملية. إذ إنها ستشجع على استخدام مركبات أكثر كفاءة وتطوير عادات قيادة أفضل. بالإضافة إلى ذلك، من شأنها أن تُدخل الإمارات العربية المتحدة في العصر الحديث لوسائل النقل، على غرار السيارات الهجينة والكهربائية. وبشكلٍ عام، إنّ انخفاض استهلاك السيارات سيترجم إلى ازدحام أقل وسيحد من التلوث، وسيكون جزءاً أساسياً من تحقيق أهداف البلاد البيئية، قبل انعقاد مؤتمر باريس حول المناخ في ديسمبر القادم.

ولا بد أن تكون الزيادات في أسعار الوقود مدعومة بتدابير أخرى، لا سيما وسائل نقل عام أفضل: المزيد من الحافلات، ساعات عمل أطول وعدد أكبر لقطارات المترو، وتمديد خطوط المترو إلى مناطق جديدة. ويشكّل ذلك أمراً غاية في الأهمية بشكلٍ خاص بالنسبة للقادمين من الشارقة وللسكان ذوي الدخل المتوسط ممن يعتمدون على سياراتهم.

ونظراً لكون تجارة الوقود بالتجزئة تعود بالربح الكبير، يتعين على شركات الوقود الحكومية أن تفتتح المزيد من محطات الوقود، خصوصاً في المناطق السكنية الجديدة. وقد تنظر شركات أخرى في القطاع الخاص أيضاً بالدخول إلى هذه السوق، على غرار ما يحصل في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.

وستتوجّه الأنظار الآن إلى دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط. قامت إيران بإصلاحٍ طموحٍ للدعم في العام 2010، إلا أنه لم يثمر بسبب تأثير العقوبات والتضخم وانهيار العملة. من جهتها، حاولت الكويت زيادة أسعار الوقود في يناير، إلا أنها تراجعت عن محاولتها هذه نظراً للضغط السياسي. أما قطر، فقد رفعت أسعار الديزل العام الماضي، إلا أن سعر الوقود لم يتغير منذ العام 2011.

في غضون ذلك، قام الأردن والمغرب، اللذان يواجهان ضغطاً مادياً كبيراً ناتج عن كونهما دولتان لا تنتجان النفط، برفع الدعم عن الوقود، في حين نفذت مصر بعض الخطوات الأولية. وفي الخليج العربي، من المرجح أن تقوم سلطنة عمان ومملكة البحرين، اللتين تعانيان من عجزٍ كبير في ميزانيتهما، برفع الدعم. ولكن ما من شيء يشير إلى إمكانية اتخاذ خطوة مماثلة في المملكة العربية السعودية التي يزيد الدعم الذي تقدمه لقطاع النفط (86 مليار دولار أمريكي) عن الدعم الذي تقدمه لقطاع التربية (58 مليار دولار أمريكي).

وعلى الأرجح، هذا هو الجانب الأكثر أهمية من هذا الإصلاح: فبدلاً من تبديد الأموال، يمكن استخدام الدعم المقدم للوقود لتحسين البنية التحتية والتعليم والصحة. لا بد أن تكون هذه الخطوة، التي أخذت وقتاً كبيراً لكي تتبلور، مثالاً تقتدي به الدول المجاورة للإمارات العربية المتحدة.