Commentary

Op-ed

حدّة التوترات في جنوب آسيا ترتفع

كان الانتحاري الذي تسبّب بمقتل العشرات على مقربة من معبر وقاه الحدودي ينوي أن يفجّر نفسه في خلال احتفالات إغلاق بوابة المعبر، بحيث أنّه كان سيتمكّن من قتل المزيد من الأبرياء. هذا الهجوم هو أحدث المؤشرات على أنّ البنية التحتية للإرهاب في باكستان حذقة وتنوي التسبّب بأزمةٍ بين دولتيْن تمتلكان أسلحةً نووية في جنوب آسيا.

يصوّر معبر وقاه طبيعة المنافسة بين الهند وباكستان – من خلال الاحتفال المنمّق عند إغلاق البوابة – والتعاون بينهما – إذ أنه المعبر البري الوحيد بين البلديْن. وبضربها معبر وقاه، تضع الجماعة الإرهابية المنفّذة كلاً من نيودلهي وإسلام آباد في مسار تصادمي. لا شكّ في أنّ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي دعا باكستان إلى القضاء على البنية التحتية للإرهاب، بما في ذلك الجماعات التي يرعاها الجيش الباكستاني، على غرار جماعتي عسكر طيبة و جيش محمد. وقد قامت ثلاث مجموعات حتى الآن بإعلان مسؤوليتها عن الهجوم، وهي كلّها على صلة بتنظيم القاعدة.

لحسن الحظ، منعت الطوق الأمني الذي فرضته قوات “باكستان رينجرز” العسكرية في وقاه من وقوع كارثة أسوأ. وهذه هي المرة الثانية هذا العام التي توقف فيها التدابير الأمنية الباكستانية الجيّدة هجوماً إرهابياً عالي المستوى وخطيراً للغاية. ففي شهر سبتمبر، حال حرّاس متأهبون في القاعدة البحرية في كراتشي دون تنفيذ مؤامرة اختطاف فرقاطة ذو الفقار واستخدامها لمهاجمة سفن تابعة للبحرية الأمريكية في بحر العرب. وقد كانت تلك المؤامرة من توقيع الفرع الجديد لتنظيم القاعدة في جنوب آسيا.

وكان أيمن الظواهري، أمير تنظيم القاعدة الذي وُلد في مصر ويعيش حالياً في باكستان، قد أصدر شريط فيديو مدته 55 دقيقة قبل الهجوم في كراتشي، معلناً تشكيل تنظيم جديد تابع لتنظيم القاعدة “لإعادة حكم الإسلام” إلى شبه القارة الهندية. هذا الشريط هو الأول للظواهري هذا العام وهو يهدّد فيه بموجة من الهجمات الجهادية في الهند. ويُطلق على المجموعة الجديدة اسم جماعة قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية. وقد عيّن الظواهري عاصم عمر قائداً للتنظيم والذي سبق أن كتب رسائل تهديد من تنظيم القاعدة للهند. في العام الماضي، ذكّر عاصم عمر المسلمين في الهند أنهم “حكموا البلاد لـ800 سنة” وأنه قد حان الوقت للعودة إلى الحكم الإسلامي والشريعة الإسلامية في شبه القارة الهندية. هذا الخيال الأيديولوجي القاضي باستعادة الإمبراطورية المغولية في الهند ليس خاصاً بتنظيم القاعدة – إذ ثمة مجموعات إرهابية أخرى في باكستان تحلم بالشيء نفسه، على غرار جماعة عسكر طيبة.

لطالما اهتمّ الظواهري بالهند وقد صوّرت حملته الدعائية منذ تسعينيات القرن الماضي “الهند الهندوسية” كجزء من المؤامرة الصهيو-صليبية على الإسلام. كما أنّ تربط الظواهري علاقات مؤسس جماعة عسكر طيبة حافظ سعيد منذ فترة طويلة. وقد عمل تنظيم القاعدة بشكل وثيق مع الأمريكي ديفيد هيدلي الذي ساهم في التخطيط لهجوم عسكر طيبة على مومباي في العام 2008 وفي حبك مؤامرة لمهاجمة كوبنهاغن في العام 2009، والتي تمكّن مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) من إحباطها عند إلقاء القبض عليه في شيكاغو.

وفي شهر مايو، هاجم أربعة إرهابيين من عسكر طيبة مدجّجين بالسلاح القنصلية الهندية في هرات في أفغانستان في محاولة لقتل واعتقال دبلوماسيين هنود عشية تنصيب رئيس الوزراء ناريندرا مودي. وقد أحبط حراس القنصلية وقوات الأمن الأفغانية هذه المؤامرة.

يجد تنظيم القاعدة في رئيس الوزراء مودي عدوّاً له . وقد جعله دوره المثير للجدل في خلال أعمال الشغب التي اجتاحت ولاية غوجارات في العام 2002 شخصيةً مكروهة في باكستان وبين بعض المسلمين الهنود. وقد لمّح الظواهري عدة مرات إلى ولاية غوجارات في خلال شريط الفيديو. وقد أخذت الحكومة الهندية التهديد على محمل الجد عن وجه حقّ. ويعتقد كثير من الهنود أنّ الاستخبارات الباكستانية تساعد تنظيم القاعدة منذ سنوات وتوفّر الحماية لمخبأ الظواهري في باكستان.

اللافت في الهجمات الثلاثة في كلّ من هرات وكراتشي ووقاه هي طبيعة المؤامرات الحذقة والجريئة. وقد كانت مهاجمة القنصلية الهندية عشية احتفال تنصيب مودي والذي حضره رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، محاولةً لافتعال أزمة كبيرة في اللحظة التي تقوم فيها الديمقراطية الهندية بتسليم السلطة من حكومة منتخبة إلى أخرى. ولو نجح الهجوم، لكان مودي وشريف أمام اتخاذ قرارات صعبة للغاية.

أما الهجوم على ذو الفقار، فقد كان أكثر خيالية. ربما كان مهمةً مستحيلةً، ولكن بمساعدة عملاء من داخل البحرية الباكستانية، أمل تنظيم القاعدة باستخدام صواريخ كروز الموجودة على متن الفرقاطة لمهاجمة سفن البحرية الأمريكية المشاركة في العمليات متعددة الجنسيات لمكافحة القرصنة في خليج عدن وبحر العرب. ومما لا شكّ فيه أنّ التخطيط كان خلّاقاً وجريئاً.

أمّا الهجوم على وقاه خلال احتفالات إغلاق البوابة وعلى المعبر البري الوحيد بين الهند وباكستان، فهو مؤامرة جريئة أخرى. فضرب رمز فخر وطني لكلّ من البلدين خطة تهدف إلى ما هو أبعد من مجرّد القتل وإحداث الفوضى. فقد أراد المتآمرون افتعال أزمة أو حرب حتى.

وتأتي الهجمات فيما يشارك الجيش الباكستاني في أكثر حملاته جدّيةً في تاريخه بغرض محاربة جزء واحد على الأقل من البنية التحتية للإرهاب في البلاد. فبعد عقود من رعاية المجموعات الإرهابية، ها هو الجيش يأخذ فصائل طالبان الباكستانية وخلاياها المتعددة أخيراً على محمل الجدّ. وفي حين أنّ المخابرات الباكستانية لا تزال ترعى مجموعات أخرى عدة، يبقى هذا الهجوم خطوةً في الاتجاه الصحيح. وما الهجمات الشبيهة بهجوم وقاه إلا نتيجة لذلك.

يحوّل المتطرفون في تنظيمي القاعدة وعسكر طيبة والمجموعات الجهادية الأخرى تركيزهم إلى الشرق بعد سنوات من القتال في أفغانستان. فبسحب قوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، تمّ سحب هدفهم المفضل في الغرب. بطبيعة الحال، شهدت الهند هجمات شنّها المتطرفون على مدى سنوات عدة، ولكن من المرجح أنها ستجد نفسها في مرمى الجهاد العالمي في السنوات المقبلة أكثر من أيّ وقت مضى.

وهذا ما يجعل من وقاه غاية في الأهمية. إنّ الهند وباكستان بحاجة ماسة إلى عشرات المعابر مثل وقاه، ما يتيح للهنود والباكستانيين عبور الحدود للتجارة وبناء الأواصر الاجتماعية. فكلما ازداد التفاعل بين عامة الهنود والباكستانيين، قلّ احتمال تسبّب هجوم إرهابي آخر بالمواجهة والحرب. ينبغي على مودي وشريف الردّ على المؤامرات الجريئة من “الجهاد الوحشي” بخططهما لفتح الحدود بين الهند وباكستان، وتوسيع الروابط التجارية والاتصالات بين البلديْن، وبناء شبه قارة مستقرة ومزدهرة لجميع شعوبها. ويكون الردّ المناسب على الظواهري إقامة العشرات من احتفالات إغلاق البوابات كلّ ليلة.