Commentary

Op-ed

الاكتشاف الحديث لحقل الغاز في مصر: الفرص والتحديات

بعد سنة صعبة، تلقّت الحكومة المصرية مؤخراً بعض الأخبار الجيدة. إذا أعلنت شركة الطاقة الإيطالية إيني (ENI) عن اكتشاف أكبر حقل غاز طبيعي “على الإطلاق” قبالة الساحل المصري المطل على البحر الأبيض المتوسط. وكونه حقلاً ضخماً جداً، رأت شركة إيني أن مشروع حقل “ظهر”قد يتمكن من تلبية حاجات مصر من الغاز الطبيعي على مدى العقود المقبلة.

رحّبت حكومة عبد الفتاح السيسي بهذه الأخبار مع دخولها عامها الثاني ومن المرجح أن تلقى صدى جيداً على الصعيدين المحلي والإقليمي. وحالما يبدأ العمل في هذا الحقل، سيلبي جزءً من الحاجات المحلية، وبالتالي وسيتراجع الإنفاق المصري على الطاقة بشكل كبير. وسيكون من الحكمة أن تستخدم الحكومة هذه الأموال التي وفرتها في تحسين معيشة الناس والاستثمار في البنية التحتية والصحة والتعليم.

من التصدير إلى الاستيراد: رحلة صعبة

في العام 2003، بعد اكتشاف احتياطات هامة من الغاز الطبيعي وإنشاء أنابيب ومرافق للغاز الطبيعي المسال، بدأت مصر بتصدير الغاز إلى الأردن وإسرائيل وسوريا. بالإضافة إلى ذلك، كانت للحكومة خططٌ طموحة لتصدير الغاز إلى لبنان وتركيا.

وتزامن هذا مع تعطشّ متزايد إلى الغاز على الصعيد المحلي. بحسب تقرير أصدره صندوق مارشال الألماني، ارتفع استهلاك الطاقة بشكل عام بين العامين 2000 و2012 بنسبة 5,6 بالمئة، إلا أن الطلب على الغاز ارتفع بنسبة 8,7 بالمئة. مع حلول العام 2012، كان الغاز يؤمّن أكثر من 50 بالمئة من إجمالي حاجة البلاد إلى الطاقة مقارنة مع35 بالمئة في العام 2000. رغم ارتفاع الإنتاج، إلا أن تجاوز الطلب على الغاز للمخزون المتوفر بدا أمراً حتمياً، لا سيما وأن الغاز يُستخدم لأغراض صناعية وتجارية وسكنية بأسعار مدعومة من دون أن ننسى طبعاً الاستيراد.  

مع حلول العام 2015، تغيّرت الأمور بالنسبة لمصر  بسبب ارتفاع الطلب المتزايد على نحو تصاعدي، لم تعد مصر مصدّراً صافياً للغاز. بدأت مصر في أوائل هذا العام، رغم إنكار الحكومة المصرية في بداية الأمر، باستيراد الغاز من إسرائيل عبر شركة أمريكية، الأمر الذي أحدث جدلاً في مصر لا سيما وأنها كانت تصدر الغاز لإسرائيل على مدى أكثر من عقدٍ من الزمن. وما زاد الطين بلّة هو استيراد مصر للغاز الإسرائيلي بأسعار عالمية رغم أنها كانت تصدّره لها بأسعار أقل بكثير خلال العقد الماضي.

يرى صناع السياسة في مجال الطاقة المصرية أن استيراد الغاز من إسرائيل أمر منطقي، لا سيما وأن بعض البنية التحتية الموجودة حالياً والتي كانت تُستخدم لتصدير الغاز يمكن استخدامها الآن للاستيراد، رغم الضرر الذي لحق بالأنابيب بسبب التفجيرات التي قامت بها مجموعات مسلحة في صحراء سيناء على نحو منتظم.

بالإضافة إلى الواردات من إسرائيل، وقّعت مصر، في فبراير، 2015 مذكرة تفاهم معقبرص لإجراء دراسة جدوى تمكّنها من تقييم إنشاء أنابيب تحت المياه لاستيراد الغاز إلى مصر. وتقوم الحكومة بتقييم نتائج التقرير الأولية من أجل أن تقرّر البدء بالعمل. بشكلٍ عام، كانت الحكومة المصرية تتحضّر لتراجع المخزون المحلي من الغاز.

مشروع حقل ظهر  

في حين أنّه سيستغرق عدة سنوات لإنتاج الغاز من الحقل تجارياً، إلا أن هذا الاكتشاف يُعدّ خبراً ساراً بالنسبة للحكومة المصرية في الوقت الذي تحاول فيه دعم الإقتصاد.  في بلد يصل فيه النقص الحاد في الطاقة إلى ذروته خلال أشهر الصيف، تحتل إمدادات الطاقة الأولوية على جدول أعمال الحكومة. قبل الإطاحة بالرئيس السابق مرسي في العام 2013، وُجِّه اللوم إليه بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في أنحاء البلاد الأمر الذي أحبط الشعب أكثر فأكثر. تدرك الحكومة المصرية أهمية توفير الطاقة بأسعارٍ رخيصة لضمان الاستقرار. حتى الجيش شارك وهو يعمل حالياً على إنشاء سلسلة من محطات الكهرباء لدعم إنتاج الكهرباء.

جاء الاكتشاف الجديد بمثابة تحذير لصناع السياسة في إسرائيل. قال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس إن الاكتشاف المصري “هو تذكير مؤلم بأنه بينما تسير إسرائيل بتلكؤ وبطء حيال الموافقة النهائية على خارطة طريق الغاز، وتؤجل عمليات التنقيب، فإن العالم يتغير أمامنا، بما في ذلك تداعيات خيارات التصدير [الاسرائيلية]”. بالطبع، رغم حجم الحقول الضخمة المكتشفة في المياه الإسرائيلية، إلا أن الاتفاق بين مجموعة نوبل إنرجي ومجموعة ديليك يواجه مشاكل تنظيمية في إسرائيل. لقد أبعدت أخبار الاكتشاف الجديد منتجي الغاز عن البورصة الإسرائيلية بشكلٍ كبير.

من المرجح أن الاكتشاف الجديد في المياه المصرية سينبّه إسرائيل ويدفعها إلى تسريع إنتاجها، لا سيما وأن بدء العمل في حقل ظهر  سيوّلد تشعبات مباشرة في صادرات الغاز الإسرائيلية التي لن تؤثر على مصر فحسب، بل أيضاً على المنطقة كلها، بما في ذلك اتفاقيات الغاز المحتملة مع قبرص وتركيا.

ماذا الآن؟

إنّ المسألة الأساسية هي بأية سرعة يمكن تشغيل هذا الحقل وبأية كلفة. لم تقم الحكومة  حتى الآن بنشر تقرير مفصّل عن كلفة المشروع، بما في ذلك الجهة التي ستتكبد كلفة الاستثمار، والأهم من كل ذلك كيف سيتم توزيع العائدات التي سيدّرها الحقل. ويبقى أن ننتظر لنرى ما إذا كان هذا الحقل “سيغيّر قواعد اللعبة” بحسب ما جاء على لسان المدير التنفيذي لشركة إينى كلاوديو ديسكالزي.

بالإضافة إلى هذه المخاوف، كانت أسعار الغاز الطبيعي المسال قد شهدت انخفاضاً بسبب العديد من العوامل على الصعيد الدولي. أولاً، بدأت اليابان، التي تُعد واحدة من أكبر مستهلكي الغاز الطبيعي المسال في العالم بعد كارثة فوكوشيما، مؤخراً تأهيل مفاعلها النووية فانخفض بالتالي طلبها على الغاز الطبيعي المسال. ثانياً، ثمّة زيادة في القدرة على الإمداد حول العالم من شأنها أن تضغط أكثر فأكثر على الأسعار. وعندما تنخفض الأسعار، ستكون العوائد المحتملة من هذا الاكتشاف الجديد أصلاً تحت الضغط.

أخيراً، مع إتمام الاتفاق النووي الإيراني، من المحتمل أن تزيد إيران من استثمار قدراتها في مجال الغاز الطبيعي المسال لتصبح منتجاً أكبر للغاز على الصعيد الإقليمي. وكانت الهند قد سبق وأعلنت اهتمامها بإعادة إحياء اتفاق أبرمته منذ عشر سنوات مع إيران بشأن الغاز الطبيعي المسال بقيمة 22 مليار دولار كان قد تمّ تعليقه بسبب العقوبات التي فُرِضت على إيران. كان ديسكالزي واثقاً ولم يأبه بهذه المخاوف، مشيراً إلى أن الحقل هو “استجابة إيجابية أخرى لهذه البيئة التي تتسم بانخفاض الأسعار.”

بعيداً عن التصدير، في حال تمكّن هذا الاكتشاف من تلبية الطلب المحلي على الغاز لبضعة عقودٍ، فلا شكّ أن في ذلك ما يسرّ مصر لا سيما وأنها ستتمكن من تخصيص أموال ضرورية لقطاعات اقتصادية أخرى كالصحة والتعليم. عموماً، حمل شهر أغسطس الخير لتوقعات الطاقة في مصر. بالإضافة إلى اكتشاف حقل ظهر للغاز، وقّع الرئيس سيسي خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو مذكرة تفاهم لبناء مفاعل نووي روسي وذلك في ظلّ سعي القاهرة  إلى توطيد العلاقات بموسكو. 

لن يتمّ تشغيل المفاعل النووي أو حقل الغاز في أي وقت قريب. إلا أن كلاهما يحملان أخباراً إيجابية للمستثمرين الأجانب الراغبين في الاستثمار في مصر بعد خمس سنوات من الاضطرابات المحلية. علاوةً على ذلك، في وقتِ مبكر من هذا العام، رفعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني من تصنيف سندات مصر إلى B3 مع إبقاء نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري مستقرة، الأمر الذي يساعد على جذب المستثمرين الحاليين والمحتملين. 

صحيحٌ أنّ هذه التطورات تبشّر بالأمل، إلا أنها لا تحسّن حياة الناس بعد. يتعين على الحكومة المصرية الآن أن تمضي وقتاً أقل في الحديث عن توقعاتها وأدائها، وأن تركّز بدلاً من ذلك على كيفية تحسين حياة الناس فعلياً. ولا بدّ من استثمار العائدات التي سيدرّها هذا الحقل الجديد بحكمة في مجالات أساسية وليس تبديدها. لا تنفك توقعات الشعب المصري ترتفع مع كلّ خبر إيجابي جديد، لذلك يجب على الحكومة الأن أن تحقق بعض النتائج الملموسة وإلا فإنها ستواجه خطر المزيد من الاضطرابات في المرحلة القادمة، بسبب عدم تلبية التوقعات المتزايدة أكثر من أي وقتٍ مضى.