Commentary

Op-ed

الأمم المتحدة تتصدى لاقتصاد داعش الأسود

صعّد مجلس الأمن بشكل بارز المواجهة مع الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة ومجموعات أخرى متفرّعة من تنظيم القاعدة من خلال الموافقة على القرار الأممي رقم 2170 في أغسطس 2014، لتوسيع نطاق إجراءات الرد (في ظل غياب العمليات العسكرية) ضد أفراد مرتبطين بهذه المجموعات. ويشكل قرار مجلس الأمن هذا قراراً أخيراً في سلسلة من القرارات الأممية الصارمة ضد المجموعات الإرهابية ضمن مسؤولية المجلس تجاه موجباته المنسية وتأكيداً على دوره كحافظ للسلام كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة.

ويقرّ التأثير التراكمي لهذه القرارات بالتهديد على المدى البعيد الذي تشكله داعش والذي تحدّث عنه الرئيس الأمريكي أوباما في موجز للبيت الأبيض في 18 أغسطس. إلا أنه ما لم يتطرق إليه أوباما هو أن داعش تشكل تهديداً على قطاع الطاقة العالمي؛ الموضوع الذي يُعتبر (جزئياً) مقدمة هذه المقالة.

أما نتائج قرارات الأمم المتحدة هذه على داعش فهي واضحة. لقد قرر مجلس الأمن بفعالية قطع الشريان الحيوي لداعش، وهو الاقتصاد الأسود غير المشروع الناتج بشكل أساسي عن المصادر النفطية التي يسيطر عليها التنظيم. وبالتالي، ستتأثر قدرة داعش على التجنيد وتجهيز أعضائها وجمع المكاسب وتوسيع مسرح عملياتها. كما أن الوسطاء، بمن فيهم الممولون وتجار السلاح والتجار والدول الأعضاء، باتوا يواجهون إجراءات عقابية إذا لم يلتزموا.

وفيما عبّرت عن أفكاري حول الملامح الرئيسية لاقتصاد داعش الأسود، أوردت في هذه المقالة تحليلي للخلفية والتفسير لآخر حركة جريئة قامت بها الأمم المتحدة ضد داعش وجبهة النصرة ومجموعات أخرى متفرعة من تنظيم القاعدة.

المجموعة الإرهابية الأغنى في العالم

على خلاف الصورة ذات البعد الواحد التي يعرضها الإعلام عن داعش على أنها مجموعة من المتطرفين العدميين، تحرّك التنظيم بسرعة وبطريقة متطورة نسبياً لاستحداث سوق اقتصاد أسود “مخصصة” على الأراضي الخاضعة لسيطرتها. لم تعد داعش بحاجة ماسة لتمويل الواهبين للاستمرار بعملياتها وتوسيعها بما أنها تمتلك الآن اقتصاد أسود متكامل تقريباً ومزدهر قائم عل نحو 60 بالمئة من أصول سوريا النفطية وسبعة مواقع لإنتاج النفط في العراق. وقد نجحت بتحقيق سوق اقتصاد أسود من خلال تطوير شبكة موسعة من الوسطاء في الأراضي والدول المجاورة للمتاجرة بالنفط الخام مقابل م مبالغ نقدية وعينية.

يبلغ إجمالي عائدات داعش المقدرة من إنتاج النفط حوالي مليوني دولار أمريكي يوميّاً! وبتعبير أوضح، إنّ داعش قادرة على تهريب أكثر من ثلاثين ألف برميل من النفط الخام يوميّاً إلى الأراضي والدول المجاورة بسعر يتراوح بين 25 و60 دولاراً للبرميل الواحد، وذلك يعتمد على عدد الوسطاء المعنيين.

بالإضافة إلى ذلك، يتغذى اقتصاد داعش الأسود من عائدات عمليات الابتزاز والخطف وصفقات الأسلحة والإتجار بالقطع القديمة.

مشغّلون سلسون؟

وبهدف الحفاظ على اقتصادها الأسود، تدير داعش سلسلة توريد “أساسية” تتضمن ترتيبات مع مالكي الشاحنات لنقل النفط الخام بالإضافة إلى السيطرة على طرقات التهريب. يتم إرسال النفط الخام الواقع تحت سيطرة التنظيم في العراق إلى محطات تكرير بدائية تحت سيطرة التنظيم في سوريا والتي تحتاج إلى توفير موادها الخام، ثمّ تستطيع داعش بيعها على أنها منتجات مكرّرة. وتعتمد داعش أيضاً على منتجات النفط المهرّبة من جنوبي تركيا مقابل النفط الخام.

إلى جانب التهديد الكبير الذي يطرحه إرهاب التمويل الذاتي الذي يشكل تهديداً كبيراً على المدى البعيد على الأمن الدولي، يتزايد القلق المباشر من مصارف الاستثمار الدولية والدول لاسيما تلك الواقعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لجهة زيادة غسل الأموال. وواقع أن آلاف العناصر في داعش يحملون جوازات سفر أجنبية سيعرّض الجهات المعنية في الخدمات المالية والقانونية وقطاع تنمية العقارات للوقوع تحت طائلة قوانين وأحكام مكافحة غسل الأموال المحلية والدولية. ولا بد من أن تأخذ عبارة “إعرف عميلك أو شريكك التجاري” الآن معنى جديد وطارئ.

تأثير داعش على أمن الطاقة العالمي

هل يمكن لتأثير سيطرة داعش على تهريب النفط من شمالي العراق وشرقي سوريا أن يكون كبيراً على تزويد أسواق النفط العالمية؟ الإجابة هي كلا، على المديين القصير والمتوسط.

السبب هو أن حقول النفط العراقية الرئيسية في الشمال، لاسيما تلك في كركوك التي كانت تنتج حوالي 600 ألف برميل في اليوم قبل أن تتوقف عن العمل، باتت تحت سيطرة قوات البشمركة الكردية. أما ما تبقى من إنتاج النفط العراقي الذي يشكل حوالي 80 بالمئة من إنتاج النفط يقع في الجنوب وسيبقى متوفراً من دون انقطاع نظراً للمسافة بين الأراضي التي تسيطر عليها داعش والضروريات المحلية لحماية حقول النفط المنتجة وبعض المقامات المقدسة في العراق.

هل يمكننا تنفس الصعداء إذاً؟ أخشى أن الجواب هو كلا.

إن أي عراقيل مستمرة من قبل داعش لمنع جهود الحكومة من تحقيق هدفها بإنتاج تسعة ملايين برميل في اليوم بحلول العام 2020 ستؤثر بشكل كبير على قدرة أسواق النفط العالمية على توقع توفر التوريد العالمي والتخطيط له. فعلى سبيل المثال، خفضت وكالة الطاقة الدولية في يونيو التوقعات لإنتاج النفط في العراق حتى العام 2019. ولعل هذا مؤشر إلى توقعات الوكالة بتصعيد الأعمال العدائية والذي قد يؤثر على قدرة العراق على إنتاج وتصدير النفط.

ستتأثر أيضًا إمكانيات شركات النفط العالمية في الاستمرار بالعمل ضمن امتيازاتها مما قد يفرض أعباءً مالية إضافية على الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان إذا لم تتمكن هذه الشركات من الاستمتاع ببيئة سياسية واقتصادية مستقرة. وبطبيعة الحال، تعتبر سلامة موظفي شركات النفط العاملة في العراق (IOC) ، المتواجدة في مناطق الامتياز الخاص بها أولوية في نظرها.

بالإضافة إلى ذلك، إن مكاسب داعش من الأراضي قد تعكس توجه زيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر الذي قدّره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية هذه السنة على أنه ارتفع بنسبة 20 بالمئة بالمقارنة مع العام 2013 والذي عُقد قبل استيلاء داعش على الموصل والمناطق المحيطة بها.

الملامح الرئيسية لقرارات الأمم المتحدة

تعالج قرارات الأمم المتحدة عدداً من موجبات الدول الأعضاء بتنفيذ إجراءات جزائية ضد الأفراد الواردين على قائمة عقوبات الأمم المتحدة، بما في ذلك حظر السفر الدولي وتجميد الأصول والحظر على الأسلحة. والأهم من ذلك، تشمل الإجراءات منع “مواطني (هذه الدول) أو أي أفراد أو هيئات ضمن أراضيها من توفير أي أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية أو مالية أو أي خدمات أخرى ذات صلة، مباشرةً أو غير مباشرةً لصالح الأشخاص الذين يرتكبون أو يحاولون ارتكاب أو يسهلون أو يشاركون في ارتكاب العمليات الإرهابية”.

أشارت الدول في منطقة مجلس التعاون الخليجي علناً إلى استعدادها للالتزام بآخر قرار للأمم المتحدة من خلال إدراج أسماء المواطنين الذين وردت أسماؤهم مؤخراً على القائمة السوداء أو توقيفهم وحتى إجبار المسؤولين رفيعي المستوى الذين يشتبه بأنهم أخفقوا بتنفيذ القرار على الاستقالة. سيكون من المثير للاهتمام رؤية درجة الشفافية في الحكومات العربية في تنفيذ هذه القرارات واتخاذ الإجراءات القانونية بحسب القوانين والأنظمة حول غسل الأموال تجاه الأفراد والمجموعات التي يُشتبه بأنها تنقل أو تحول أموالها غير القانونية في الشبكة المالية العالمية أو حتى في القطاعات العقارية.

لقد تحلّى مجلس الأمن بالحكمة حيث أسس فريقاً من أجل رصد انتهاكات نظام العقوبات ضمن هذه القرارات من أجل التبليغ السريع عن مدى التهديد الذي تشكّله داعش والمجموعات المتفرعة من القاعدة وإصدار التوصيات حول “إجراءات إضافية” لمواجهة التهديدات التي تطرحها هذه المجموعات. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإجراءات الإضافية وإن لم تشر إلى احتمال تدخّل عسكري، إلا أنها تبقى احتمالاً نظرياً حتى الآن.

خاتمة

أنا أرحب بإعادة تأكيد مجلس الأمن الواضحة في القرار الأخير على الدور الهام للأمم المتحدة في قيادة الدور حول مكافحة الإرهاب في العراق وتنسيقه. وبفعل القرارات المتتالية، لا شك في أن الأمم المتحدة جدّية في التصدي لقدرة داعش وجبهة النصرة على إجراء العمليات وزعزعة الاستقرار أكثر في العراق وسوريا.

الواقع في العراق في الوقت الحالي هو أن الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية تمكنا على ما يبدو من استرجاع سد الموصل الاستراتيجي في الشمال وتستمر بمواجهة مقاومة مدججة من داعش. ويبيّن ذلك أنه في التحليل النهائي، وحده الدعم غير المسبوق للقوات المسلحة العراقية وقوات البشمركة من قبل العشائر السنية في الشمال مع دعم عسكري شامل من القوى الأجنبية سيكون قادراً على دحر سيطرة داعش والنصرة في المناطق الخاضعة لهما.

يحتاج العراق لكامل الدعم الذي يمكنه الحصول عليه من الدول الأعضاء في مجلس الأمن إذا أراد أن يسيطر على هذا الصراع طويل الأمد. أما الدول التي تقرر في الوقت الحالي اعتماد موقف “فلننتظر ونرَ” مع أهداف عسكرية محدودة قد تندم في وقت لاحق.

نُقل عن الرئيس أوباما قوله في لاهاي في وقت سابق من هذا العام إنه “نظراً للنتائج الكارثية لهجوم واحد (مثل انفجار قنبلة نووية في مانهاتن)، لا يمكننا أن نكون متساهلين”.

قد تكون حياة سكان مانهاتن معتمدة في نهاية المطاف على مستوى الدعم العسكري الأجنبي الذي تحتاجه القوات العراقية المسلحة والبشمركة الكردية وحجم هذا الدعم وطبيعته (والذي يجب إعادة تقييمه بحسب ما تقتضيه الظروف) وقدرتهما على القتال مع العشائر المحلية كقوة متسقة والأهم من ذلك قدرتهما على السيطرة.