Commentary

Op-ed

حملة داعش ضد مسلمي العراق الشيعة ليست مسألة سياسية إنما هي إبادة جماعية

Iraqi security forces inspect the site of a car bomb attack at a vegetable market in eastern Baghdad, Iraq, January 8, 2017. REUTERS/Wissm al-Okili

المذابح في العراق مستمرة. وقع هجوم إرهابي آخر اليوم في بغداد، وهو الأخير في سلسلة من هذه الأعمال الوحشية التي فتكت بالعاصمة وأجزاء أخرى من البلاد خلال الأسبوع الماضي. تشهد داعش معركة خاسرة في مدينة الموصل، وهي المعقل الأخير المتبقي لها، ومن والمتوقع أن تفقد السيطرة عليها في الأشهر المقبلة. إلا أنها لا تزال تتمتع بقدرة قاتلة للقيام بأعمال إرهابية. ستستمر داعش بتقويض الاستقرار في البلاد حتى من دون ما تسميه بالخلافة.

بالكاد ذُكرت التفجيرات التي وقعت خلال الأسبوع الماضي في وسائل الإعلام الدولية وعلقت في ضمير المجتمع الدولي. ويعود السبب جزئياً إلى أنّ الحرب أصبحت الوضع الطبيعي الجديد في العراق حيث تفشى الإرهاب منذ أكثر من عقد. ويعود سبب ذلك أيضاً إلى حد كبير إلى أنّ المجتمع الدولي ووسائل الإعلام العالمية لا تزال تعطي الصراع إطاراً سياسياً، علماً بأنها تنسب ظهور داعش والهجمات الانتحارية والصراع بشكل عام لغياب الحكم الرشيد ولسلسلة من السياسات الكارثية التي اعتمدت خلال الاحتلال الأمريكي وبعده.

إلا أنّ تبسيط الهجمات الإرهابية في العراق وجعلها مسألة سياسية محضة لم يأتِ من دون عواقب. لم يعد العراق يتلقى الاهتمام الذي كان يتلقاه في السابق لأن الغرب قد تعب من التعامل مع العملية السياسية المختلة في العراق والاستثمار فيها. كما وقد أجبرت الانقسامات الطائفية والفساد المستشري الحكومات على تحويل مواردها وطاقتها بعيداً عن المؤسسات العراقية التي ستوسّع المجال على المدى الطويل أمام ازدهار المجموعات المسلّحة. ومثال على ذلك، فإنّ إدارة ترامب كانت قد أشارت إلى أنها سوف تتوقف عن استثمار الموارد الأمريكية في إعادة بناء الدولة العراقية وغيرها في المنطقة.

ومع ذلك، ثمّة فشل في إدراك أن العراق لا يعاني عنفاً سياسياً وحالة عدم الاستقرار فحسب، إنما هي حملة ضد كافة المجموعات الدينية والعرقية في البلاد. تشكل الهجمات الارهابية في العراق هجوماً متواصلاً ضد المجموعات التي ترفض إيديولوجية داعش التي تشوّه صورة الإسلام وتسيء تفسيره.

تعتبر المجموعات الجهادية، على غرار داعش، الأكراد والإيزيديين والمسيحيين وغيرهم من الأقليات، زنادقة، بيد أنّ الهجومات التي شنّتها على الشيعة في العراق (والذين يشكّلون الأغلبية في العراق) هي التي يمكن اعتبارها ما وصفته الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى بأنها العوامل التي تشكل إبادة جماعية، وهي “التدمير المتعمد والممنهج، الكلي أو الجزئي، لمجموعة إثنية أو عرقية أو دينية أو وطنية”.

يمكن بسهولة وضع أهداف ونطاق ووتيرة والقصد منه التفجيرات التي تستهدف الأحياء العراقية ذات الأغلبية الشيعية ضمن هذه المعايير. وغالباً ما تلقي المنظمات الإنسانية الضوء على حصيلة الوفيات في العراق التي دائماً ما تصل إلى مئات الضحايا كل شهر وأعداد أكبر من الجرحى. ألا أن هذه الإحصائيات تعكس بشكل كبير الهجومات التي تستهدف الأحياء والمناطق والمدن المقدسة ومناطق الحج الشيعية.

بالإضافة إلى الضربات الأسبوعية التي تستهدف المجتمعات الشيعية، شُنّ المزيد من الهجمات أكثر فتكاً. في يوليو 2016، ضربت داعش منطقة شيعية في بغداد وأودت بحياة أكثر من 300 شخص. حين سيطرت داعش على شمال العراق في العام 2014، وقع الشيعة ضحية أكثر الهجومات ضراوةً في السنوات الأخيرة: فُصِل أكثر من ألف عنصر شيعي من الجيش والقوات الجوية عن زملائهم وعُذّبوا وقُتلوا بدم بارد في ما أصبح يُعرف بمجزرة سبايكر.

تكمن فعالية داعش أيضاً في قدرتها على تأطير حملات القتل الجماعي التي تتقوم بها ضد الشيعة كوسيلة يمكن من خلالها لفصائل أوسع من العرب السنة الذين يعانون مشاكل تتخطى حدود الدين إلى السياسة والاقتصاد وغير ذلك، مواجهة مظالم أخرى.

تكمن المشكلة بالنسبة لصناع السياسة والسياسيين بشكل عام في أن مجرّد استخدام كلمة إبادة يزيد من قوة الضغط من أجل العمل. فعلى سبيل المثال، استُهدف إيزيديو العراق في هجمات عنيفة خلال العقد الماضي. وفي هجوم منسّقٍ واحد نفذته القاعدة، سلف داعش، في العام 2007، قُتِل فيه أكثر من 700 إيزيدي عراقي. إلا انه لم يتم الاعتراف بتلك الجرائم كإبادة من قبل عدد من الحكومات والمؤسسات الدولية إلا بعد أن سيطرت داعش على منطقة سنجار في شمال العراق في يونيو 2014 وبعد أن بدأت الحملة بقيادة الولايات المتحدة بالعمل بهدف القضاء على الجهاديين.

لن تكتمل الحملة ضد داعش إلا في حال ترافقت الموارد الدولية مع الجهود العسكرية. إن الاعتراف بأنّ الهجمات المستمرة على شيعة العراق تُعتبر إبادة جماعية لا يشكّل واجباً أخلاقياً فحسب، بل من شأنه أيضاً أن يساهم في تمكين الآليات القانونية والسياسية التي يمكن من خلالها مواجهة هذه الاعتداءات بأفضل طريقة. فقط عندها يمكن تعبئة الرأي العام لمصلحة الحكم الرشيد والجهود الرامية الى إرساء الاستقرار في البلاد الذي من شأنه أن يحل الأزمات الانسانية في المنطقة ومنع المجموعات على غرار داعش من الظهور مجدداً في المستقبل.

تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية  في جريدة ذا غارديان