Commentary

Op-ed

استمرار الفقر في العالم العربي

فتح العام 2016 الباب أمام جديد أهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة التي بنيت على الأهداف الإنمائية للألفية التي تمّ اعتمادها في العام 2000. يعتبر القضاء على الفقر المدقع هو الهدف التنموي الأول للأهداف الإنمائية للألفية والتنمية المستدامة.

على مدى العقدين الماضيين، تكللت الجهود العالمية بالنجاح، حيث انخفض عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع إلى أكثر من النصف، أي من أكثر من 1,9 مليار شخص في العام 1990 إلى 836 مليون شخص في العام 2015. ولكن رغم هذا التقدم، لا يزال العالم العربي متأخراً في جهوده لمكافحة الفقر.

في الواقع، تشير أرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، بين عامي 2010 و2012، إلى أنّ نسبة سكان المنطقة ممن يجنون أقل 1,25 دولار أمريكي يومياً ارتفعت من 4,1 إلى 7,4 بالمئة. قبل ذلك، أحرزت دول المنطقة تقدماً في الحد من الفقر، إلا أنّ الاضطرابات السياسية التي عصفت بالمنطقة قد قلبت العديد من هذه التحسينات.

الفقر والصراعات: ارتباط مباشر

لا يزال استمرار الصراع في سوريا والعراق واليمن أحد الدوافع الرئيسية لتفشي الفقر إقليمياً. فبعد خمس سنوات على بداية الحرب الأهلية في سوريا، تشير التقديرات إلى أن 80 بالمئة من السكان يعيشون في فقر، وأن متوسط العمر المتوقع قد انخفض بـ 20 عاماً.

بعد حوالي عشر سنوات على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003، ما زالت معدلات الفقر ترتفع في العراق. فبحسب احصاءات صادرة عن البنك الدولي، 28 بالمئة من الأسر العراقية تعيش تحت خط الفقر.

إنّ موجات النزوح الجماعي من المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، والانخفاض في أسعار النفط العالمية، والارتفاع في معدلات البطالة كلها تعني أنّ الحكومة العراقية قد فشلت فشلاً ذريعاً في معالجة معدل الفقر في البلاد رغم ثروات العراق النفطية.

ارتفع معدل الفقر في اليمن من 42 بالمئة من السكان في العام 2009 إلى نسبة مثيرة للقلق أكثر وصلت إلى 54,5 بالمئة في العام 2012.

ورغم موجة التفاؤل الأولية التي قامت عقب الثورات العربية في العام 2011، ما زالت دول شمال أفريقيا تواجه تحديات اقتصادية شهدت ارتفاعاً في معدلات الفقر في العديد من المجالات.

في مصر، التي تعد أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان، كانت للاضطرابات السياسية التي استمرت لخمس سنوات تبعات سلبية على الاقتصاد. فقد زادت نسبة البطالة وانخفض عدد السياح الوافدين وانخفضت احتياطيات العملات الأجنبية وأصبح الجنيه المصري أضعف، الأمر الذي يعني أنّ 26 بالمئة من سكان مصر البالغ عددهم 90 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.

أما في تونس، فرغم التحول السياسي الناجح نسبياً والمستمر، يعيش واحد من كل ستة تونسيين تحت خط الفقر أيضاً. لا بد من الإشارة إلى أنّ تونس تعد واحدة من أكبر الموردين للمقاتلين في داعش من حيث النسبة من عدد السكان (Per Capita) ، كما وأنّ القادة التونسيين يربطون بين الفقر بالإرهاب بطريقة مباشرة. أما في فلسطين، فإن غياب فرص العمل نتيجة للقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي يستمر في دفع ارتفاع مستويات الفقر. بعد حوالي عامين على بداية الحرب في غزة، تباطأت جهود إعادة الإعمار إلى حد كبير. وعدت هذه الجهود بخلق فرص عمل لآلاف الفلسطينيين، بيد أنّ تباطؤ التبرعات الخارجية والنقص في مواد البناء يشيران إلى أن الوضع لن يتحسن في أي وقت قريب.

رغم أن التوقعات بالنسبة للضفة الغربية تبدو قاتمة أقل بالمقارنة مع غزة، لا يزال مستوى الفقر مرتفعاً نظراً لكون الكثير من الفلسطينيين يعملون مقابل أجور هزيلة. ويدفع هذا النقص فرص العمل المناسبة الكثير من الفلسطينيين إلى البحث عن وظائف في الشركات العاملة في المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

حتى وإن كان العديد من الفلسطينيين يقومون بذلك بدافع الضرورة، إلا أنّ دخل الفرد في الضفة الغربية مستمرٌ في الانخفاض. أما في غزة، فالوضع أسوأ من ذلك حيث انخفض نصيب الفرد من الدخل بنسبة 31 بالمئة عما كان عليه في العام 1994.

خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء

تقدّم أهداف التنمية للألفية مخططاً طموحاً من أجل التنمية العالمية تشمل تركيزاً على التعليم والبيئة وحقوق المرأة والمياه المستدامة، وغيرها من المجالات الحيوية الأخرى. صحيحٌ أنّ كل هذه القضايا هي غاية في الأهمية بالنسبة لمنطقة، إلا أنه سيكون من الصعب إحراز التقدم في هذه القضايا من دون التركيز مجدداً على القضاء على الفقر.

إنّ البلدان التي تمرّ حالياً في حالة صراع تشكل التحدي الأكبر في وجه الجهود الرامية للقضاء على الفقر، حيث أنّ المشاركين في هذه الصراعات وضعوا جانباً الاعتبارات الإنسانية في سعيهم لتحقيق النصر. يجب على المجتمع الدولي أن يقوم بالاستعدادات لإعادة الإعمار ما بعد الحرب في سوريا واليمن، وفي الوقت نفسه أن يكون حذراً من التسويات السياسية الناقصة التي ترفع احتمال عودة الأعمال العدائية في المستقبل.

صحيحٌ أنه من غير المحتمل أن ينتهي الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين في أي وقت قريب، إلا أنّه يتعين على حركتي فتح وحماس العمل على تحقيق المصالحة من أجل تحسين نظام الحكم في الأراضي الفلسطينية. من شأن ذلك أن يوفر للفلسطينيين جبهة موحدة لمواجهة التحديات التي يفرضها الاحتلال وكذلك تخفيف المعاناة التي يشعر بها أهالي غزة والضفة الغربية على حدّ سواء.

يجب على الدول العربية أن تعترف بأن الفقر المدقع ليس إلا بعداً واحداً من المشكلة وأنّ سياسات إعادة التوزيع لا يمكنها أن تفعل أكثر مما فعلته لمعالجة مشكلة الفقر. وقد أظهرت الثورات أن الشباب العربي لا يحتج فقط ضد عدم المساواة الاقتصادية، ولكن أيضاً ضد التهميش والحرمان من الحقوق السياسية. أي محاولة جديدة لخلق فرص اقتصادية لا بد أن تقدم كذلك للشباب العربي الفرصة لرسم مستقبلهم وتشكيله.

من المرجح أن تؤثر أسعار النفط المنخفضة على مستوى المساعدات التي تقدمها دول مجلس التعاون الخليجي الغنية إلى البلدان الفقيرة في المنطقة. ولكن لا ينبغي أن تجف هذه المساعدات ببساطة. فقد دمرت قوات التحالف التي تقودها السعودية جزء كبير من بنية اليمن التحتية، وبالتالي فإنه لا بد أن تتحمّل المملكة والدول المشاركة في التحالف جزءاً كبيراً من جهود إعادة الإعمار.

ينبغي على الحكومات العربية أن تفهم أن للفقر بعدين على المستوى الأمني والاستقرار. وقد أظهرت الثورات التي قامت في العام 2011 أنّ المجتمعات العربية قادرة على أن تتحدى الحكومات غير الكفؤة والفساد.

ويبقى الأمن الغذائي تحدياً كبيراً تواجهه المنطقة التي تستورد الكثير من سلعها الغذائية الرئيسية. وإن لم تتم معالجة قضايا الفقر والأمن الغذائي، فأي موجة من الاحتجاجات التي ستقوم في المستقبل ستكون “ثورة الجياع”، التي من المرجح أن تكون أعنف من موجة احتجاجات العام 2011.