Commentary

الحصار على قطر ساعدها على تعزيز اقتصادها، ممهّداً الطريق لتكامل إقليمي أقوى

Saudi Arabia's Crown Prince Mohammed bin Salman meets Qatar's Emir Sheikh Tamim bin Hamad al-Thani during the Gulf Cooperation Council's (GCC) 41st Summit in Al-Ula, Saudi Arabia January 5, 2021. Bandar Algaloud/Courtesy of Saudi Royal Court/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY

في 5 يناير، أنهت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتّحدة ومصر حصارها الذي فرضته على قطر منذ ثلاث سنوات ونصف السنة. وأدّى إعلان العلا، الموقَّع في خلال القمّة الواحدة والأربعين لدول مجلس التعاون الخليجي، إلى استئناف رحلات السفر والتجارة بين قطر والدول المحاصِرة. وتُعقد الآمال على أن يؤدّي المزيدُ من النقاشات إلى تطبيع كامل للعلاقات الدبلوماسية والتجارية.

في نواحٍ أساسية، عزّز الحصار الاقتصاد القطري. ويمكن أن يشكّل ذلك تطوّراً إيجابياً للتكامل الإقليمي. فعندما تصبح الدول الفردية أقوى ستقوّي المنطقة ككلّ. والآن وبعد أن تم رفع الحصار، يتطرّق بيان القمّة إلى تكامل أكبر في المجال العسكري والاقتصادي والسياسة الخارجية بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وهذا تكامل باتت منطقة الخليج في موقع أفضل لتطبيقه. فكيف سيتمّ تحقيق ذلك؟ وكيف ستتمّ الاستفادة من تجربة الحصار في جهود التكامل؟ وكيف يمكن تفعيل دور مجلس التعاون الخليجيبشكل أفضل؟ على دول مجلس التعاون الخليجي أن تتعاون كجهات شريكة متكافئة وأن تتّفق على أهداف مشتركة وأن تعزّز مؤسّساتها المتعدّدة الأطراف لتحقق نجاحاً طويل الأمد في مجال التكامل.

قطر تزيد من استقلاليتها

ليست الاحتكاكات بين دولة قطر والدول الخليجية المجاورة لها بأمر جديد، لكنّ الحصار الذي فُرض في العام 2017 كانت محاولة أشدّ من قبل الرياض وحليفاتها لكبح سياسة قطر الخارجية المستقلّة التي كانت السبب الأكبر في فرض الحصار. وشملت هذه السياسة دعمَ الإخوان المسلمين، وهي حركة إسلامية سياسية اعتبرتها الدول المحاصِرة الأربعة منظّمةً إرهابية، والمحافظةَ على علاقات اقتصادية مع إيران، التي تتشاطر معها قطر أكبر حقل من حقول الغاز الطبيعي لديها، ورعايةَ شبكة الجزيرة الإعلامية، التي كانت شديدة الانتقاد للدول الأخرى وداعمة لأيديولوجيا الإخوان المسلمين واحتجاجات الربيع العربي وثوراته الشعبية.

بيد أنّ الحصار اتّسم بتأثير معاكس عبر جعْل قطر أكثر استقلالية من قبل عن دول مجلس التعاون الخليجي. فقد عزّزت قطر روابطها الاقتصادية والسياسية مع تركيا، وهي منافس إقليمي للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة ودولة داعمة للإخوان المسلمين. وبحكم الضرورة، وطّدت قطر أيضاً روابطها التجارية مع إيران، إذ أصبح المجال الجوّي الإيراني ممرّاً حيوياً لقطر للوصول إلى باقي أقطار العالم. ومع أنّ محطّة الجزيرة أصبحت أقلّ أيديولوجية، تابعت بتغطية الأخبار الناقدة للدول المجاورة، بما فيها اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول.

وأصبحت قطر أيضاً منفصلة اقتصادياً عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين. فقد كانت الغاية من الحصار فرض ضغط اقتصادي على قطر. فقبل الحصار، كانت قطر تستورد الكثير من البضائع والخدمات التي تستهلكها من خلال الدول المجاورة لها. وبعد الحصار، اضطرّت إلى العثور بسرعة على مسارات إمداد بديلة وزيادة الإنتاج المحلّي للبضائع والخدمات الأساسية وتوسيع ميناء حمد الذي بدأ العملَ في أوائل العام 2017. ومع أنّ ذلك كبّد قطر تكاليف اقتصادية كبيرة على المدى القصير، فقد ساعدها أيضاً في تعزيز اكتفائها الذاتي وإطلاق العنان لجهود تنويع الاقتصاد في البلاد. فمثلاً، انتقلت قطر من دولة تعتمد على الحليب ومشتقّاته المستورَدة من المملكة العربية السعودية إلى دولة مكتفية ذاتياً بالإجمال. في المقابل، فقدت الشركات في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة والبحرين قدرة الوصول إلى سوق أمّنت هوامش ربح عالية، مع أنّها لم تكن كبيرة.

لقد أصبحت قطر أكثر استقلالية. وبعد إعلان العلا، أشار الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري، أنّ بلاده لن تُضعف علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع تركيا أو علاقاتها التجارية مع إيران. كما أنّ الشركات القطرية تنوي القيام بتبادل تجاري مع الدول المجاورة لها ولا تنوي الاستيراد والاستثمار فحسب. وهذه تطوّرات إيجابية في سياق التكامل الإقليمي. فالمزيد من الاستقلالية خطوة ضرورية نحو التكامل والاعتماد المتبادل الحقيقيَّين. وفي وسع قطر أن تقدّم شبكة أقوى من العلاقات الدولية، فضلاً عن طرق إمداد متنوّعة وخدمات تنتجها محلّياً. بالتالي يمكن قيام علاقة تجارية أكثر توازناً بين قطر والدول المجاورة لها، وهذا يعود بالمنفعة على الجميع.

الاستقلالية مفيدة للتكامل

لدول مجلس التعاون الخليجي مخاوف مشتركة في المجال الأمني والعسكري وفي السياسة الخارجية تتطّلب تنسيقاً إقليمياً قوياً، إذ تضمّ هذه الدول عناصر متطرّفة داخلياً وقد طوّرت فردياً أنظمة أمنية قوية لمراقبة التهديدات الممكنة لاستقرارها وتحييدها. وهي متنبّهة لقوّة إيران العسكرية وطموحاتها الإقليمية، فإن لثلاث دول من مجلس التعاون الخليجي، أي الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية، عدداً كبيراً من المواطنين الشيعة وتتّهم إيران بتأجيج التوتّرات المذهبية. ولدول مجلس التعاون الخليجي أيضاً مخاوف متشابهة في السياسة الخارجية، مثل العلاقات مع العمّال الأجانب فيها ومع الدول التي يأتون منها، فضلاً عن الاتّفاقات التجارية مع أوروبا والصين وغيرها من الاقتصادات الآسيوية. لكن لكي تساهم الدول بشكل أساسي في إطار عمل أمني إقليمي متكامل، عليها أن تحظى بقطاعات أمنية وجيوش وتحالفات وشبكات قوية خاصّة بها لتقدّمها للمجموعة.

على نحو مماثل، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي كلّها ضغوطاً اقتصادية جرّاء تضاؤل احتياطات الهيدروكربون وعائداتها. وتختلف في ما بينها من ناحية الجدول الزمني لهذا التضاؤل، لكن ينبغي عليها كلّها أن تتعامل مع هذا التحدّي. وقبل بضعة أشهر من جائحة فيروس كورونا المستجدّ، نشر صندوق النقد الدولي تقريراً توقّع فيه أنّ معظم دول مجلس التعاون الخليجي يمكنها استنزاف ثروتها المالية في غضون 25 سنة. ولا شكّ في أنّ الجائحة وانخفاض أسعار النفط الذي نتج عنها قد قصّر هذا الجدول. وبرهنت الجائحة بحدّ ذاتها على أهمّية التكامل الإقليمي حول السياسات والاستجابات بشأن الصحّة العامة. ويكمن المستقبل لدول مجلس التعاون الخليجي بتنويع اقتصاداتها وتحريرها. ويمكن أن يعود التكامل الاقتصادي الإقليمي بفائدة كبيرة إن استطاعت الدول التخصّص بقطاعات وسلع وخدمات مختلفة تسمح لها بتحقيق المكاسب من التجارة فيما بينها. لتحقيق ذلك، ينبغي عليها أن تتطوّر وتتخصّص. بالتالي، يتطلّب التكامل الإقليمي الناجح أن تحظى الدول الفردية بأسس اقتصادية أقوى.

ويتطلّب التكامل الإقليمي أن تتعاون الدول وتنسّق بشأن السياسة الخارجية. وتجد المملكة العربية السعودية بشكل خاص نفسها في موقع صعب في السياسة الخارجية. فقد رتّبت الحرب في اليمن كلفةً اجتماعية واقتصادية وسياسية ضخمة، وتواجه المملكة انتقادات متزايدة حول سجلّها في مجال حقوق الإنسان، وتواجه جهودها لاحتواء إيران خطرَ التقهقر. وأعلنت إدارة بايدن أنّها ستّتخذ موقفاً أقسى من موقف إدارة ترامب حيال المملكة العربية السعودية. وتعي قطر ذلك، وقد أعلنت أنّها ستتعاون في مجالَي الأمن ومكافحة الإرهاب. ومع أنّها لا تريد التخلّي عن سياستها الخارجية المستقلّة، فهي ستساهم في التخفيف من الضغط على الدول الأعضاء الأخرى ودعم أولوياتها، بما في ذلك الاستثمار في اقتصاداتها وتعليق المطالبات القانونية لعرقلة مجالها الجوّي والتلاعب بالعملة وغيرها من الشكاوى.

الخطوة التالية: تمكين المؤسّسات

شكّل إعلان العلا وقمّة دول مجلس التعاون الخليجي خطوة أولى مهمّة نحو المصالحة، لكن يبقى الكثير من العمل. فبالفعل، كانت المصالحة من جهة الدول المحاصِرة مدفوعة بشكل أساسي من قبل المملكة العربية السعودية ردّاً على احتمال نشوء اتفاق نووي إيراني جديد وجهودها للحدّ من الضغوط الدولية قبل استلام إدارة بايدن الحكم. وكان ولي العهد محمد بن سلمان، حاكم المملكة العربية السعودية بحكم الأمر الواقع، وجه قمّة مجلس التعاون الخليجي وأشار عناقه الحار للشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، إلى نهاية الحصار. ومع أنّ الدول المحاصِرة الأخرى حذت حذو المملكة في استئناف الرحلات والتجارة مع قطر، تبرز الحاجة إلى نقاشات ثنائية حول المسائل الباقية بغية إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية والتجارية الكاملة.

يمكن لجميع دول مجلس التعاون الخليجي أن تستفيد من تنسيق وتكامل أكبر في الأمن والسياسية الخارجية والمجالات الاقتصادية. وهذا ما سعت القمّة إلى تحقيقه. وللحؤول دون أن تمسّ هذه الجهود بالمصالح الوطنية للدول الأعضاء وباستقلاليتها، عليها أن تُحسِّن دور المؤسّسات المتعدّدة الأطراف التي تدعم التكامل والتنسيق الإقليميين، ولا سيّما مجلس التعاون الخليجي. وأن تكون جهود الوساطة لحلّ الحصار مدفوعة من الكويت أمر له دلالة. فمع أنّ مجلس التعاون الخليجي مُمثَّل في أعلى مستويات الحكومة من خلال المجلس الأعلى، المؤلّف من قادة الدول الأعضاء فيه، ومجلسه الوزاري، المؤلّف من وزراء خارجية الدول الأعضاء كلّها، بالكاد كان مجلس التعاون الخليجي ظاهراً كمؤسّسة. لذا ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي منح أمانة سرّ المجلس المزيد من السلطة للسير بجهود التنسيق على صعيدي الاقتصاد والسياسة الخارجية وحتّى تأدية دور رسميّ أكبر في حلّ النزاعات الإقليمية. ففي نهاية الأمر، ينبغي على الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي أن تعمل معاً لمواجهة التحدّيات التي تواجهها كلّها في مجال الأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية.

Authors