Commentary

Op-ed

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفيروس كورونا المستجدّ: التحضير للمدى البعيد

People wait to cast their votes during parliamentary elections, amid fears over rising number of the coronavirus disease (COVID-19) cases, in Amman, Jordan November 10, 2020. REUTERS/Muhammad Hamed

حتّى قبل أن يضرب تفشّي فيروس كورونا المستجدّ وانهيار أسعار النفط منطقةَ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الوقت عينه، كانت دولُ هذه المنطقة تواجه مجموعة من التحديات المعقّدة التي تتراوح من الصراعات في ليبيا وسوريا واليمن والتدهور البيئي وتغيّر المناخ إلى الازدياد الديمغرافي الكبير الذي يضع ضغطاً كبيراً على الحكومات لتؤمّن الوظائف والخدمات الملائمة لشعوب شابّة متزايدة الأعداد.

لحسن الحظ، من خلال مزيج من الحظّ والمهارة، مرّت الجائحة في البداية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مرور الكرام، إذ أتى ردّ فعل أكثرية الدول في تلك المنطقة سريعاً مع مزيج من الإجراءات، مثل إغلاق الحدود والإغلاق الاقتصادي والحجر والتباعد الاجتماعي. وأُضيفَت إلى هذه الإجراءات جهودٌ لزيادة عدد الفحوصات وتحسين قدرة الوصول إلى المعدّات الطبّية، على غرار الأقنعة وأجهزة التنفّس ومعدّات الوقاية الشخصية. وسعت إجراءات أخرى إلى التخفيف من العبء الاقتصادي الذي خلّفته الجائحة وإلى الاعتناء بالفئات الهشّة في المجتمع، على الرغم منأنّ خطوات كهذه غالباً ما واجهت قيوداً مالية كبيرة وكان مستوى شموليّتها أدنى من الخطوات التي اعتمدتها دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. وفي بعض النواحي، تناسبت المراحل الأولى من الجائحة مع الميزة المقارنة في هذه المنطقة، أي أنّ تطبيق إجراءات الاحتواء الأولى وقع بالإجمال على عاتق الجيش والشرطة، وهما لطالما كانا من المؤسّسات الأقوى والأفضل تجهيزاً في المنطقة. فكانت إجراءات الإغلاق هذه، مع بعض الاستثناءات البارزة، قادرة عموماً على كبح تفشّي الفيروس والمحافظة على أعداد المصابين والوفيات منخفضة.

وبحلول أوائل يوليو، كانت معدّلات الإصابات والوفيات لكلّ مليون شخص من السكّان أدنى بكثير من معدّلات المناطق المتأثّرة بشدّة في أوروبا وجنوب آسيا والولايات المتّحدة وأمريكا اللاتينية. ففي وقت شارفت فيه المملكة المتّحدة وإيطالياً على بلوغ معدّل 600 حالة وفاة لكلّ مليون شخص من السكّان وبلغ المعدّل في الولايات المتّحدة 386 شخصاً، كان معدّل الوفيات جراء فيروس كورونا المستجدّ في المملكة العربية السعودية 47 حالة في المليون والإمارات العربية المتحدة 32 حالة، فيما بلغ المعدّل في المغرب أعلى من 6 حالات بقليل. وعلى نحو ملفت أكثر، بلغ المعدّل في تونس 4,2 حالة وفاة في المليون، فيما احتلّ الأردن المرتبة الأولى مع 0,9 حالة، وقد قارعت هذه الأرقام آنذاك أفضل الدول في العالم، على غرار أستراليا (4,1) ونيوزيلاندا (4,6) وكوريا الجنوبية (5,5).

لكن للأسف لم يدم هذا الوضع طويلاً. فقد واجهت دول مثل الأردن وتونس ضغطاً لفتح القطاعات الاقتصادية وألغت الكثير من الإجراءات الوقائية في مايو ويونيو. ولاحقاً، فتحت حدودها أمام السياحة. وبعد فترة تأخّر في الصيف، أخذت أعداد الإصابات بفيروس كورونا المستجدّ ترتفع بسرعة في سبتمبر. وطبّقت دول أخرى، مثل المغرب، إجراءات التباعد الاجتماعي بشكل متفاوت، وشهدت بدورها ارتفاعاً سريعاً في عدد الإصابات. ولطالما كان من الواضح أنّه في حال خرج الفيروس من حالة الاحتواء وانتشر بدون سيطرة في المنطقة من خلال المناطق الفقيرة المكتظة أوالمناطق الداخلية الريفية التي لا تنال ما يكفي من الخدمات أو مخيّمات اللاجئين أو الدول التي تعاني اضطرابات سياسية وصراعات، ستكون العواقب وخيمة.

ومع استمرار الجائحة، بدأت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد الآن أنماطاً من معدلات الوفاة والمرض تتشابه أكثر مع المعدّلات في المناطق الأخرى. فحتّى بداية ديسمبر، كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككلّ لا تزال دون المعدّلات المسجّلة عالمياً للوفيات لكلّ مليون من السكّان لكنّها كانت تقلّص الفارق. وتغيّر ترتيب الدول ضمن المنطقة أيضاً، فباتت الإمارات العربية المتّحدة الآن الدولة الأفضل أداء، مع معدل وفيات في المليون يبلغ 58,2، تليها قطر مع 82,6. أما المملكة العربية السعودية فبلغ المعدّل فيها 169,7 والأردن 274,6 وتونس 275,8.

وتواجه الدول التي تشهد صراعاً أو تخرج حديثاً من صراعٍ الخطرَ بشكل خاص. فبعد أن تفادت ليبيا أسوأ ما في الجائحة، شهدت ارتفاعاً سريعاً في يوليو وأغسطس، مما أدّى إلى بروز مخاوف أنّ فيروس كورونا المستجدّ ستكون له تداعياتٌ مدمّرة على بيئة الحكومة الفوضوية في البلاد وعلى البنية التحتية المهترئة لنظام الرعاية الصحّية فيه. ويبدو أنّ دولاً مثل سوريا تعاني بشدّة لكنّها تكتم المعلومات عن حدّة الجائحة. واستنتج تحليل وبائي أُجريَ مؤخّراً عن دمشق أنّ الإحصاءات الرسمية لا تُفيد إلّا بقرابة 1,25 في المئة من أعداد الوفيات الفعلية. وطالما ما زالت المنطقة تضمّ بؤراً كهذه، سيكون من الصعب احتواء تفشّي الفيروس في الدول فيها.

إزاء هذا الوضع المحبِط، تبرز بعض الأسباب المتواضعة للشعور بالأمل. فقد انخفضت معدّلات الوفيات في صفوف أولئك الذين أصيبوا بالمرض في أرجاء المنطقة (باستثناء مصر التي تبقى فيها المعدّلات مرتفعة بشكل مخيّب للآمال). وهذا جزء من اتّجاه عالمي قد يعكس التحسّن في كيفية معالجة المرض. وتمكّنت بعض الدول، مثل قطر، من رفع أعداد الفحوصات إلى مستويات ملفتة، ممّا يؤكّد على أنّ مقاربة أكثر استهدافاً تتمحور حول إجراء الفحوصات المكثّف وتتبّع المخالطين والتدّخلات المركّزة في بؤر التفشّي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمرٌ ممكن، أقلّه في بعض الدول. ويمكن أن تؤمّن الجائحة الزخم لبعض المبادرات الإقليمية المهمّة، مثل مركزٍ للسيطرة على الأمراض لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويمكن أن يساعد مركز كهذا على دعم عملية نشر لقاحات فيروس كورونا المستجدّ في أرجاء المنطقة، فضلاً عن الحدّ من مخاطر الأمراض المزمنة والمعدية في المستقبل.

وفيما يُعتبر تطوير لقاح أو لقاحات لفيروس كورونا المستجدّ موضع ترحيب بالتأكيد، من غير المرجّح أن يؤمّن إغاثة فورية. وقد وقّع عدد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اتّفاقية التزام مع مبادرة كوفاكس التي أطلقتها منظّمة الصحّة العالمية، وهي مبادرة عالمية للعمل مع الشركات المصنّعة للقاحات لمنح الدول فرصة وصول عادلة للقاحات الآمنة والفعّالة. لكن لم تظهر فعالية اتفاقية كوفاكس بعد، لأنّ الكثير من الدول الموقّعة (مثل بريطانيا والاتحاد الأوروبي) وغير الموقّعة (مثل الولايات المتّحدة) تستمرّ بالسعي لإبرام اتّفاقيات ثنائية الأطراف خاصّة بها مع الشركات المصنّعة، وستستأثر هذه الاتّفاقات بحصّة كبيرة من الإنتاج الأوّلي للقاح. وعدا الحصول على فرصة للوصول إلى اللقاحات، سيشكّل نشرُها تحدياً في الكثير من مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما فيها الدول الغارقة في صراعات أو المناطق الريفية التي تفتقر إلى منشآت تخزين مبرَّد ملائمة.

وتبرز إشارات بأنّ الجائحة يمكن أنّ تحثّ على إجراء إصلاحات مهمّة في الحوكمة والإدارة العامة. فقد أسّست كلّ الدول تقريباً لجانَ تنسيق مركزية لمعالجة الفيروس، وقد أدّت دوراً مهمّاً في تحسين نوعية ملاءمة السياسات والتكامل التشغيلي في منطقة اشتهرت بوزارات منعزلة وتنسيق ضعيف بين الحكومات. وسوف يمنح ذلك المزيد من الزخم للانتقال إلى الحوكمة الإلكترونيةوحكومة الأجهزة المتحرّكة، وهي واحدة من المجالات القليلة التي تحقّق فيها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أداء جيّداً في مؤشّرات الحوكمة العالمية. وستؤمّن الاختلالات المالية المزيد من الحوافز للحدّ من التكاليف وتحسين فعالية العمليات الحكومية. ويمكن أن تقدّم الحاجة إلى دعم الأفراد الضعفاء بين السكّان المزيد من الدعم من أجل إعادة صياغة العقد الاجتماعي السائد في دول مجلس التعاون الخليجي، فيتمّ الابتعاد عن الضمانات التي تقدّمها وظائف القطاع العام بحكم الواقع والانتقال إلى دخل أساسي أدنى.

لكن للمنطقة ككلّ، سيكون الألم الذي سبّبته الجائحة فورياً وملموساً وستتأخّر أيّ مكاسب نهائية محتملة وستتشتّت. وستكون على الأرجح تداعيات الفيروس على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل مباشر لعدّة سنوات ولفترة أطول بشكل غير مباشر، إذ يمكن الحدّ من آثاره لكن لا يمكن تفاديها. بيد أنّه من خلال مزيج مناسب من الحكمة والسياسات والإصلاحات المؤسّساتية، يمكن لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تصبح على حدّ سواء قادرةً بشكل أفضل على تفادي كوارث كهذه في المستقبل ومجهَّزة بشكل أفضل بمؤسّسات أكثر مرونة واستجابة تساعدها على مواجهة تحديات صعبة أخرى قد تواجه التنمية في المستقبل.

 

 

 

 

 

Authors