Research

ما بعد سقوط بشار

إذا لم تتخذ الولايات المتحدة دورًا قيادًا اثر فعالية في سوريا، فسوف يتحول البلد إلى دولة فاشلة، صومال أخرى في قلب الشرق الأوسط. أعد مايكل دوران وسلمان شيخ هذه المذكرة للرئيس أوباما كجزء من 

“Big Bets and Black Swans” (الرهانات الكبيرة والبجع الأسود): كتاب إحاطة رئاسي. 

• كيف يمكن للولايات المتحدة توفير قدر أكبر من القيادة والمساعدة الملموسة بما في ذلك التدخل العسكري المباشر؟
• ما هي أنواع الجهود الدولية الأخرى الضرورية التي تقودها الولايات المتحدة؟
• كيف يجب على الرئيس أوباما التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يريد الأسد كجزء من محادثات المرحلة الانتقالية؟ 

تنزيل المذكرة (pdf) | تنزيل كتاب الإحاطة الرئاسي (pdf)

إلى: الرئيس أوباما

من: مايكل دوران و سلمان شيخ

تقف سوريا على شفا كارثة تذكرنا بالعراق في أوائل عام 2006. على الأرجح أن النظام سيسقط، ولكن المتوقع الآن هو دولة فاشلة تنتج ثقافة سامة قوامها التطرف والخروج عن القانون. وإذا لم تضطلع الولايات المتحدة بدور قيادي أكثر فعالية، فإن الاتجاه نحو حكم أمراء الحرب والتشرذم الطائفي سوف يكون على الأغلب هو المهيمن على المشهد. سوف تصبح سوريا “صومالاً” جديدة، في قلب الشرق الأوسط وعلى الحدود مع إسرائيل وتركيا والأردن، وهم الحلفاء الإقليميون الأقرب للولايات المتحدة. لكنه من خلال التدخل الفعال، يمكنكم الإسهام في ضمان تحول أكثر استقرارًا إلى نظام ما بعد الأسد يضمن مستقبلاً أفضل للشعب السوري ويكون بمثابة مكسب إستراتيجي للولايات المتحدة وأصدقائها الإقليميين.

وفيما يتعلق بالثورة السورية، ظننتم في البداية أن مخاطر التدخل الفعال تفوق مخاطر اتخاذ طريقة أكثر حذرًا في التعامل مع الموقف. بيد أننا نعتقد الآن أن هذا العدد الهائل من الضحايا المدنيين وتقطيع أوصال البلاد واحتدام الصراع على طول الخطوط الطائفية يفرض إعادة النظر في قراركم.

التوصية:

لتجنب الكارثة ولعب دور قيادي في تشكيل مستقبل سوريا، يتعين على الولايات المتحدة أن تقدم دعمًا عسكرياً للمعارضة السوري وأن تدعم حوارًا وطنيًا حقيقيًا يشمل العلويين والمسيحيين، كما يتعين عليها تأسيس مجموعة توجيه دولية للمساندة والإشراف على الدعم المقدم للعملية الانتقالية بما في ذلك تشكيل قوة دولية لضمان الاستقرار من أجل توفير الحماية للمدنيين السوريين. سوف تكونون في حاجة إلى العمل مباشرة مع الرئيس بوتين للتغلب على التعنت الروسي لتلك المساعي الهامة؛ تلك المقاومة التي تضعف بالفعل. 

خلفية:

يمثل الوقوع في شرك الفوضى في سوريا العديد من المخاطر بالنسبة للولايات المتحدة. فعلى وجه الخصوص، يتيح فرصًا لإيران وحزب الله لحماية مصالحهما. ربما المكسب المحتمل الأكبر للولايات المتحدة من الثورة السورية كان التدمير الذي ألحقته بنظام تحالف إيران التي هي العدو الإستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ففي فترة من الفترات، بدا أن التغلغل الإيراني في سوريا سوف يزول بشكل طبيعي بفعل الأحداث المتعاقبة. ولكن عندما تعمق الصراع، أصبحت إيران لا تدخر جهدًا في جعل نفسها شريكًا لا غنى عنه لعدد من الجماعات الموالية للنظام التي تبدو أنها مصممة على البقاء في وسط الفوضى المتنامية.

ثانيًا، تشرذم سوريا معناه حرب أهلية أبدية. فالعنف ينمو بالفعل بين الطوائف المختلفة كما يحدث بين السنيين والعلويين والسنيين والمسيحيين وغيرها من الطوائف الدينية؛ ويحدث العنف في داخل الطائفة الواحدة مثلما يحدث، وعلى وجه الخصوص، بين المنتمين للقاعدة والمنافسين القوميين السنيين؛ كما يحدث العنف بين العرقيات المختلفة مثل العنف بين العرب والأكراد المنتشر في المنطقة الشمالية للبلاد. وعلاوة على ذلك، سوف يزيد هذا العنف من التداعيات بالنسبة لدول مجاورة: زيادة تدفق اللاجئين وتزايد وجود جماعات عراقية مسلحة داخل سوريا واحتدام التوترات في لبنان. كما أن أشكالاً أكثر دراماتيكية للتداعيات تلوح في الأفق كالتدخل المباشر من جانب تركيا على خلفية المشكلات الكردية أو من جانب إسرائيل في محاولة لتدمير الأسلحة الكيماوية للأسد.

أخيرًا، تساعد الفوضى من أن يصبح لتنظيم القاعدة موطئ قدم مهم، فجبهة النصرة حليف القاعدة في سوريا تعد الآن واحدة من أقوى القوى المحاربة في البلاد.

وإلى الآن، كان الرد الأمريكي على التشرذم هو دعم ائتلاف المعارضة السورية الذي تأسس حديثًا والذي يمثل المنظمة الشاملة التي تحاول الجمع بين كافة أطياف المعارضة السورية. ونتيجة لذلك، حظي ائتلاف المعارضة السورية باعتراف دولي هام باعتباره “الممثل الوحيد” للشعب السوري. وقد جاء هذا الدعم في حينه وهو يشجع مزيدًا من الوحدة بين أطياف المعارضة. لكنه في غياب قيادة أمريكية أكثر قوة، لن يؤدي إلى استقرار سوريا لأن تفويض الائتلاف محدود نظرًا لفشله في الوصول إلى إجماع وطني ونتيجة للسلطة المتنامية “لأمراء الحرب” أو القادة العسكريين في سوريا.

لقد حان الوقت للرهان على شيء جديد وهو اضطلاع الولايات المتحدة بدور قيادي أكثر فعالية؛ دور يسعى لحماية المدنيين والإسراع من سقوط نظام الأسد؛ دور يشكل نظامًا سياسيًا جديدًا أكثر مرونة للتعديل بما يتناسب مع احتياجات الشعب السوري والمصالح الأمريكية. ولا يعني الدور القيادي الأكبر بالضرورة تدخلاً عسكريًا مباشرًا. فليس لزامًا أن توجه الولايات المتحدة ضربات جوية متواصلة أو ترسل أعدادًا غفيرة من الجنود الأمريكيين إلى سوريا. بيد أن التخلي عن تهديد “التدخل” تمامًا يزيد الأسد اجتراءً وكذا الحال بالنسبة لراعيه الأساسي، إيران. وإذا استمرت حمامات الدم بين المدنيين في التفاقم، يجب أن تكون الولايات المتحدة على استعداد للتصرف بحسم وبروح “مسؤولية الحماية”. في هذا الصدد، نشجعكم على التواصل مع الأسد وحلفائه وإعلامهم بأن الولايات المتحدة على استعداد للتدخل من أجل فرض منطقة حظر جوي بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين والإقليميين لحماية المدنيين السوريين. نعتقد أن هذا سوف يسرع من تداعي نظام الأسد ويقوي المعارضة ويعزز كثيرًا من المصداقية الأمريكية في المنطقة.

في عام 1995، اضطر الرئيس كلينتون إلى التدخل عسكريًا في البوسنة والتهديد باستخدام أوسع للقوة العسكرية. وقد فعل ذلك بعد أن قُتل أكثر من 100 ألف بوسنيًا من الرجال والنساء والأطفال على مدار أربع سنوات. صحيح أن سوريا ليست البوسنة ولكنه بعد عامين تقريبًا من اندلاع الثورة، قُتل 60 ألفًا من المدنيين (وترى الأمم المتحدة أن هذا التقدير متحفظ) ويحذر المبعوث الخاص لجامعة الدول العربية في الأمم المتحدة بأن 100 ألف شخص قد يُقتلون في عام 2013. هذا يوجب على الولايات المتحدة أن تمنع آلة قتل الأسد من الاستمرار في المجازر دون عقاب.

ببساطة لا تملك الولايات المتحدة اليوم تأثيرًا فعالاً فيما يجري في سوريا على الأرض. هي بحاجة إلى مساعدة الجيش السوري الحر على تطوير إستراتيجية عسكرية وطنية كما أنها بحاجة إلى التصميم على صياغة روابط أقوى بين الجيش الحر وائتلاف المعارضة السورية. ففي جميع الأحوال، الجيش السوري الحر هو نواة الجيش ما بعد الأسد، حيث سيصبح أهم مؤسسة في الدولة السورية. وإذا كان هناك أمل لدى سوريا الجديدة في أن تصبح مستقرة وأكثر تعددية وصديقة للولايات المتحدة، فيجب أن يبدأ تشكيل مؤسساتها من الآن.

محور هذه الجهود تقديم المساعدة العسكرية لائتلاف تقوده أمريكا. فبالتأكيد، يمثل تشرذم الثوار ووجود عناصر من مقاتلي تنظيم القاعدة بينهم تحديات مروعة. فمثلاً ليس هناك ضمان بعدم وصول بعض الأسلحة إلى “القاعدة”، كما سيتعذر التغلب على الانقسامات الداخلية في الجيش السوري الحر دون إراقة الدماء. لكن استمرار سياسة “عدم التدخل” الحالية لن تؤدي إلى شيء سوى تنامي قوة تنظيم القاعدة واستدامة النزاعات داخل الجيش السوري الحر. وكما الحال بالنسبة للتحديات المروعة التي تواجهها سوريا اليوم، فإنها ستواجه مشكلات أكثر خطورة في الغد ما لم تتحرك الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، سوف يؤدي استمرار الوضع الراهن إلى ضعف مستمر للتأثير الأمريكي. فإلى الآن، أدى الإعراض عن تقديم مساعدة قوية وفعالة إلى انتشار شعور متنامي بالخيانة بين السوريين. فالكثيرون منهم يذهبون حاليًا إلى أن موقفكم المتردد — إضافة إلى مسؤوليتكم المتصورة بشأن العجز عن التغلب على المأزق الدبلوماسي مع روسيا— لعب دورًا حاسمًا في احتدام الصراع السوري.

بعد أن تمكنت إدارتكم من إثبات أنها أهم لاعب في تشكيل الصراع على الأرض، يجب أن تقدم المساعدة للشعب السوري لفتح حوار وطني حقيقي بشأن طبيعة العملية الانتقالية المرغوب بها. هذا يتطلب تشكيل منبرًا وطنيًا يجمع الطوائف العرقية والدينية على اختلافها في سوريا — بما يشمل السنة والشيعة والعلويين والمسيحيين والأكراد إضافة إلى الرموز القبلية والدينية — لمناقشة مستقبل البلاد. وينبغي تحديدًا أن يشمل الحوار العلويين الذين يتمتعون بشرعية واسعة في طائفتهم لكنهم في ذات الوقت غير راغبين في الحوار بشأن نظام ما بعد الأسد في سوريا. وباعتباره ناديًا سنيًا حصريًا، فإن ائتلاف المعارضة السورية ليس مؤهلاً لكسب ثقة الأقليات والطوائف الأقل تمثيلاً؛ تلك الثقة التي لا غنى عنها.

في نفس الوقت، يجب أن تجمع الولايات المتحدة القوى الدولية والإقليمية لتشكيل مجموعة توجيه دولية من أجل سوريا للتعاون بشكل وثيق مع السلطة التنفيذية السورية الانتقالية الشرعية والمفوضة.

يجب أن تشمل مجموعة التوجيه الدولية روسيا والصين وتركيا والدول العربية والأوروبية المحورية. كما يجب أن تتفق على عدد من الأهداف الرئيسية المتعلقة بالعملية الانتقالية وأن تضع علامات رئيسية لتحقيقها بفعالية. والتركيز الحالي ينبغي أن ينصب على النقاط التالية: حماية المدنيين والأقليات والجماعات المعرضة للخطر من خلال تشكيل قوة دولية لتحقيق الاستقرار، ومواجهة المشكلات الإنسانية، والتحفظ على الأسلحة الكيماوية وغير المصرح بها، ودعم الحكم الانتقالي وجهود العدالة الانتقالية. وينبغي أن يُتبع هذا العمل بالتزام طويل الأمد يتعلق بتقديم الدعم للسوريين بشأن إصلاح القطاع الأمني ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج للمقاتلين ودعم خريطة طريق للحكم بما يشمل الإعدادات لانتخابات متعددة الأحزاب وتدريب على صياغة مسودة للدستور، والتعافي الاقتصادي بما يشمل التخطيط والتنسيق بشأن البنية التحتية والإعمار، ومساندة جهود المصالحة الوطنية.

ولكي تنجح هذه الإستراتيجية، سوف تكون هناك حاجة إلى التغلب على المطلب الروسي الملح بأن الأسد يجب أن يلعب دورًا في العملية الانتقالية. لكن غيابه عن العملية هو بمثابة مطلب قوي كذلك بالنسبة للثوار. وللتغلب على هذه الفجوة، سوف تكونون في حاجة إلى التعاون مع الرئيس بوتين من أجل إقناعه بأن المصالح الروسية سوف تكون مصونة عن طريق أن تصبح شريكًا لكم من أجل تعزيز نظام مستقر بعد سقوط الأسد وأن هذه الحماية ستكون أفضل مما سيكون عليه الحال إذا ما واصلت روسيا مقاومة هذا النظام المنشود. وخلال ذلك، سوف تكونون في حاجة إلى الإصرار على أن الإطاحة بالأسد بمثابة مطلب جوهري لعملية انتقالية ناجحة. فمع التقارير التي تصل الرئيس بوتين حاليًا تطلعه على تداعي هيمنة النظام السوري على الأمور، ربما يسلم بأن الأسد نظام قد انتهى وربما يصبح لديه استعداد لإعداد النظر في الدور الروسي.

إن التحدي السوري جد صعب. واستعصاء المشكلات هو ما جعل الرهان الأصلي على تجنب التدخل المباشر خيارًا جذابًا. لكن التطورات منذ ذلك الحين جعلت هذا الخيار خطيرة على نحو متزايد فيما يتعلق بالمصالح الأمريكية، وقد حان الوقت لإعادة تقييم الموقف.