Commentary

دروس تونس للشرق الأوسط

لقد كان الانهيار المفاجئ لنظام الرئيس زين العابدين بن علي في العام 2011 في تونس، وهي واحدة من الدول التي تتميّز بقوة أمنية كبيرة في العالم العربي، وراء موجة الاحتجاجات التي غمرت المنطقة بدءاً من مصر ووصولاً إلى اليمن. نجحت بعض هذه الحركات في إسقاط الحكام المستبدين المستحكمين بأنظمتها، ولكن بعضها الآخر لم يفلح بذلك. وعلى الرغم من أن لتونس مشاكلها الخاصة، إلا أنّه يمكن القول باطمئنان أن تونس بأفضل حال من معظم جاراتها من دول الربيع العربي. توضح لقاءات مع كبار المسؤولين الحكوميين، ورؤساء الأحزاب السياسية، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني وأكاديميين وقادة الرأي، وسجناء سياسيين سابقين، أنّ النهج التونسي قد ميز نفسه في مجالين هما: الإدارة السليمة للعملية الانتقالية ونهجها العقلاني والمنهجي. وفي الوقت الذي تكافح فيه جميع بلدان المنطقة لتأسيس عقود اجتماعية جديدة، عليها أن تتعلّم من دروس تونس.

من الجدير بالذكر أنّ الطريقة التي تعاملت بها تونس مع أزمتها السياسية الأخيرة كانت مميزة: في 25 يوليو، اغتال سلفي متطرف عضو في المجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي. رداً على ذلك، انسحب أكثر من 50 عضواً من المجلس، مطالبين بحل الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات جديدة من شأنها أن تقود البلاد في خلال المرحلة الانتقالية. وبدلاً من حمل السلاح، نظمت أحزاب المعارضة احتجاجات سلمية. وفي تلك الأثناء، أجرت الحكومة محادثات مكثفة مع جميع الأطراف في محاولة لوضع حدّ للأزمة. حتى الآن، قامت الحكومة بتقديم تنازلات كبيرة – بما في ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية وتعليق جلسات المجلس الوطني التأسيسي، وهذا ما كانت تتطالب به المعارضة. وخلافاً لما حدث في مصر، لم يكن هناك أي وساطة خارجية. وعلى الرغم من أنه لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق نهائي بشأن تشكيل حكومة كفاءات، إلا أنّ جميع الأطراف ما زالت تتحاور لإيجاد الحلول.

هذا هو الدليل على النهج الشامل الذي اعتمده معظم التونسيين للمرحلة الانتقالية منذ بدايتها. وعلى غرار ما حصل في مصر، استعد الإسلاميون لتولي دفة الحكم بعد إسقاط الرئيس. وكما هي النتائج القوية التي حصل عليها الإخوان المسلمون في مصر في أول انتخابات بعد مبارك، فاز كذلك حزب النهضة في تونس بنسبة 41 بالمئة من المقاعد في المجلس الوطني التأسيسي في أول انتخابات بعد خلع بن علي. وبدلاً من الاستبداد برأيهم بالتعامل مع الأحزاب الأخرى، انضم ساسة حزب النهضة إلى ائتلاف ثلاثي إلى جانب حزبي التكتل الديمقراطي والمؤتمر من أجل الجمهورية، وكلاهما يساريين وسطيين. بالإضافة إلى ذلك، قرر حزب النهضة دعم ترشح العلماني منصف المرزوقي لرئاسة الجمهورية. ويُذكر هنا أنّ المرزوقي-الناشط في مجال حقوق الإنسان والذي تم اعتقاله إبان فترة حكم الرئيس المخلوع بن علي- قد ترأس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والذي فاز بنسبة 13.4 بالمئة من مقاعد المجلس الوطني التأسيسي. على الرغم من الاختلاف الإيديولوجي للأحزاب الثلاث، فقد استمر هذا التحالف لمدة سنتين تقريباً حتى الآن. أما بالنسبة للمرزوقي، فتمكّن من البقاء رئيساً للتحالف، إلا أنّه لم يثبت نفسه كشخصية قيادية قوية على المستوى الوطني، لاسيما في ظل الأزمات السياسية.

العدالة للجميع

أحرزت الحكومة الانتقالية في تونس تقدماً حميداً بصياغة قانون العدالة الانتقالية بشكل شامل وعقلاني. من بين الأعضاء الإثني عشر للجنة المستقلة المكلفة بصياغة القانون، هناك عضوان فقط يمثلان وزارة العدل، أما الأعضاء العشر الآخرون فهم من مختلف منظمات المجتمع المدني. تتمحور مهمّة هؤلاء الأعضاء في قياس الرأي العام من خلال التحدث مع الناس في جميع أنحاء البلاد والتعرف على ما يريده ضحايا ديكتاتورية بن علي وما هي توقعاتهم من عملية العدالة الانتقالية. كذلك قامت اللجنة بالتشاور مع منظمات متخصصة في التحولات والعدالة الانتقالية، التي تم إدراجها في لائحة منظمات المجتمع المدني العشرة التابعة للجنة. وقد لعب كل من مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية والشبكة التونسية للعدالة الانتقالية دوراً رئيسياً وقد تمّ تمثيلهما في اللجنة.

اختارت تونس خطاً وسطياً للتعامل مع عناصر النظام السابق. فقد تجنبت سن أي قانون يشبه قانون العزل السياسي الساحق الذي اعتمدته ليبيا والذي يعاقب كل شخص تقريباً شغل وظيفة عامة بين عامي 1969 و 2011. لقد اختارت تونس أيضاً شيئاً أكثر صرامة من اليمن، حيث مَنع قانون الحصانة، التي نصت عليه اتفاقية التسوية التي تمت برعاية خليجية، أي محاولة للتوصل إلى العدالة الانتقالية ومنع الملاحقات القضائية للانتهاكات التي ارتكبت في الماضي. لم تتم مساءلة أي شخصية يمنية عن جرائم الماضي، واستمر النظام السابق بالحكم من دون القيام بالحد الأدنى من الإصلاح على مستوى الحزب. من ناحية أخرى، فقد عُرف النهج التونسي بـ “تحصين الثورة”. سيُمنع بعض المسؤولين السابقين الكبار من تولي وظائف عامة لمدة خمس سنوات. إلا أنّ أولئك الذين لم يحاكموا أو لم تتم إدانتهم سيُسمح لهم بالمشاركة في الحياة السياسة – على سبيل المثال، السماح للباجي قائد السبسي، الذي برز في عهد حبيب بورقيبة، بقيادة حزب نداء تونس. (وكان قد صرّح السبسي أيضاً أنه يعتزم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة.) لقد وضع التونسيون نصب أعينهم عملية هادفة للعدالة الانتقالية، ترتكز على محاكمة كل شخص على أساس فردي؛ خلاف ذلك، فهم حازمون على أن صندوق الاقتراع وحده القادر على إبعاد هذه الشخصيات عن الحياة العامة.

أما على صعيد الإصلاح المؤسسي، فقد اعتمد المجلس الوطني التأسيسي مفهوم “الغربلة” بدلاً من عملية “التطهير” واسعة النطاق التي تمت المطالبة بها في ليبيا. فضمن إصلاح النظام القضائي، كان التركيز على إزالة القضاة الذين تربطهم أدلة دامغة بالفساد أو سوء السلوك. أما بالنسبة للأجهزة الأمنية، فسوف تخضع للرقابة من قبل هيئات جديدة مثل الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، والتي ستقوم بمراقبة السجون في البلاد وتفتيشها، وستكون لديها الصلاحية أيضاً أن تدخل السجون وتقابل السجناء. وبالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن الحكومة تواجه اتهامات تقييد وسائل الإعلام، لقد قام المجلس الوطني التأسيسي على الأقل بتشكيل لجان خاصة لتفحص وسائل الإعلام الحكومية وإصلاحها، لتواطئها لفترة طويلة في تمجيد النظام السابق والجهاز الإداري الفاسد تاريخياً.

استُكملت الجهود المبذولة للتعامل مع تركة النظام القديم بحوارين وطنيين؛ الأول قدّمته رئاسة البلاد والثاني اقترحه الاتحاد العام التونسي للشغل. تهدف هذه الحوارات إلى التوصل إلى اتفاق حول التحديات الرئيسية التي تواجه البلد، بما في ذلك طبيعة الدولة والانتخابات وعناصر الدستور الأساسية. ضمّ الحواران أكثر من 60 حزباً سياسياً و 50 منظمة مجتمع مدني. كما وأنهما تتوجا بالتوصل إلى اتفاقات بشأن عدد من النقاط الرئيسية، وهي: رفض قاطع للعنف؛ والاقتصاد أولوية حكومية؛ وخارطة طريق للفترة الانتقالية؛ والتوافق بشأن القضايا الرئيسية مثل الدولة المدنية والنظام الدستوري؛ واستقلال القضاء؛ وحرية الصحافة؛ وحرية التجمع. هذا وبالإضافة إلى أنّ الحوار الوطني شكّل لجنة تتألف من 17 حزباً سياسياً وأربع منظمات مجتمع مدني لوضع كافة الاتفاقات حيّز التنفيذ.

مصادر الإدارة في تونس

عملت عدة عوامل ثقافية ودينية لصالح تونس في خلال الفترة الانتقالية. كثيراً ما يركّز التونسيون في أحاديثهم على أن معظم التونسيين يرفضون التطرف والعنف. بعضهم، كالسياسي في حزب النهضة سعيد فرجاني، يعزو ذلك إلى انتشار المذهب المالكي المعتدل، والذي نبذ التطرف تاريخياً (تشير التقارير إلى أنّ نسبة 98 بالمئة من التونسيين يتبعون هذا المذهب). أما البعض الآخر، فيشير إلى حكم الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الذي امتد بين العامين 1957 و1987 والإرث الثقافي الذي خلّفته مشاريعه المركزية الحديثة. تفتقر تونس كذلك إلى ترسيم دقيق للعرقية أو القبلية أو الطائفية الدينية التي أثبتت أنها تؤدي للانقسام في بلدان أخرى.

أما العوامل الهيكلية، فهي لا تفسر تماماً طبيعة الحال في تونس. تبرز مسألة هامة ألا وهي وجهة نظر حزب النهضة، والتي تختلف بشكل كبير عن وجهة نظر الإخوان المسلمين في مصر. عانى قادة الإخوان عقوداً من القمع المنهجي والتهميش داخل مصر. يمكن القول إنّ أجندتهم السياسية تشكلت إلى حدّ كبير في سجون النظام. لنأخذ على سبيل المثال محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، فقد قبع في سجون النظام من العام 1965 1974 تحت حكم الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وهو الآن مسجون مجدداً. من الناحية الأخرى، قضى قادة حزب النهضة سنوات حكم بن على في المنفى. أقام زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي في لندن من العام 1991 حتى العام 2011. كذلك فعل العديد من كبار شخصيات الحزب. كان لهذه التجربة أثر واضح على تحديث الفكر السياسي لحزب النهضة، ودفعته لتبني وبلورة نموذج أكثر شمولاً وميلاً للمصالحة. ومن الجدير بالذكر أيضاً المقارنة مع سلفيين مصر الذين فازوا بنسبة 28 بالمئة في الانتخابات البرلمانية في العام 2011 وساهموا في استقطاب الجدل السياسي في البلاد وجرّ جماعة الإخوان المسلمين إلى اليمين أكثر فأكثر.

هذا ويتّصف الجيش التونسي، على عكس مصر، بالمهنية وبالتزامه بعدم التدخل وباحترامه للحكم الجمهوري. تاريخياً، بقي الجيش المصري بعيداً عن الحكومة، إلا أنه يتمتع بقوة سياسية خاصة به، بالإضافة إلى العلاقات التي يمتلكها مع الحلفاء الدوليين: كانت في بعض الأحيان العلاقة العسكرية بين الجيش الأمريكي والجيش المصري تلقي بظلالها على العلاقات الدبلوماسية الثنائية. أما الجيش التونسي، فكان موقفه حاسماً من الإطاحة ببن علي والمرحلة الانتقالية التي تبعتها، ويعود سبب ذلك إلى حدّ ما إلى غياب الجيش نسبياً عن السياسة التونسية.

لقد استفادت تونس أيضاً من وجود مجلس تأسيسي وطني سليم في خلال معظم مرحلتها الانتقالية، من خلال توفير منصة شرعية واسعة النطاق للنقاش. (تم حل مجلس النواب في البرلمان المصري بأمر من المحكمة، ولم يتبق سوى مجلس شيوخ أضعف.) وعلى الرغم من أنه تمّ تعليق المجلس التأسيسي الوطني التونسي مؤخّراً، إلا أنّه من المتوقّع أن يعود قريباً؛ لقد ركّزت معظم الجهود للتوسط في حل الأزمة السياسية في البلاد – والتي تبدو أنها أصبحت قريبة من إيجاد حل – على استئناف عمل المجلس. وبالإضافة إلى ذلك، لعب المجتمع المدني دوراً رائدا في الحوار الوطني والوساطة.

النموذج التونسي

بالطبع، هذا لا يعني أن المرحلة الانتقالية التونسية لا تواجه تحديات. من بين هذه التحديات نذكر منها، استمرار الاحتجاج الشعبي والحالة المزرية التي وصل إليها الاقتصاد في تونس. تحتاج المراحل الانتقالية إلى ميزانيات كبيرة؛ إذ يستند مفهوم المصالحة جزئياً على تعويض ضحايا النظام القديم – بما في ذلك السجناء السابقين وعائلات المفقودين وهلم جرّا. تعتبر تونس من البلدان القليلة الموارد، والتي تضرر قطاع السياحة فيها كثيراً كمن جرّاء الثورة وآثارها. إذ أصبح من المألوف إيجاد الوجهات السياحية في جميع أنحاء البلاد مهجورة تماماً في هذه الأيام.

تواجه تونس تحدياً صعباً بتحديد سلطة القانون وسيادته، تحدي يتمثل في لجان حماية الثورة. لقد أخذت هذه اللجان، والتي تتكون من ثوريين سابقين، على عاتقها الدفاع عن الثورة وطالبت أن تتم مساءلة عناصر النظام السابق. وعلى الرغم من أن عملية الانتقال تحرز تقدماً، إلا أنّ أعضاء اللجنة يخشون اندلاع ثورة انتقامية مضادة. في حالة واحدة على الأقل، اتُهمت لجنة لحماية الثورة بقتل لطفي نفض، سياسي معارض من حزب نداء تونس. وُجّهت أصابع الاتهام نحو لجان حماية الثورة لمهاجمة الاتحاد العام التونسي للشغل. تعتقد بعض الجماعات المعارضة أن لجان حماية الثورة هي الجناح العسكري لحزب النهضة. في الواقع، هي ليست كذلك، على الرغم من أنها تشمل بعض أعضاء الحزب. معظم الثورات تواجه تحدي تسريح الثوار، والشيء نفسه ينطبق على تونس. ومع ذلك، أصبحت الطريقة الفضلى للتعامل مع هذه اللجان موضوعاً للخلاف. لقد أشار حزب النهضة إلى أنّ أي قرار سياسي بحل اللجان سيقوض عملية الانتقال، وأنه بدلا من ذلك، ينبغي حل اللجان المرتبطة بالعنف من خلال المحاكم التونسية. إلا أنّ آخرين قالوا إنّ السماح للمواطنين باستلام سلطة الأمن هو أمر غير مقبول وإنّ وحدها الدولة هي المسؤول الوحيد عن حماية الثورة.

بالإضافة إلى ذلك، تواجه تونس على الأقل نوعاً واحداً من الاستقطاب الذي هو أكثر تطرفاً مما هو عليه في الحالات العربية الأخرى: الفجوة الواسعة (والمتزايدة) بين الليبراليين العلمانيين والسلفيين المتشددين في تونس. تتميّز العلمانية في تونس بحيويتها وبأنّ لا مثيل لها في العالم العربي؛ في ظل بورقيبة وبن علي، كانت تونس البلد العربي الوحيد الذي يحظر الحجاب في مؤسسات الدولة. إلا إنّ سلفيي تونس الجهاديين يطالبون بدولة دينية بحتة وقد عبروا عن استعدادهم لمهاجمة الأنشطة الثقافية التي يعتبرونها غير إسلامية. على سبيل المثال، إنّ تونس نقيض مصر حيث تمّ التوافق بشأن اعتبار الإسلام دين الدولة. في تونس، إنّ المسافة الهائلة بين هذين النقيضين الثقافيين تجعل فرصة الالتقاء حول رؤية واحدة للدولة ضعيفة نوعاً ما. علاوة على ذلك، تعاظمت قوة السلفيين، الذين كانوا معتقلين أو سجناء في سجون تحت الأرض قبل الثورة. وقد تمّ الإفراج عن قادة سلفيين بمن فيهم أبو عياد، زعيم جماعة أنصار الشريعة في تونس، في إطار عفو ما بعد الثورة الذي أُعلن في البلاد، وقد تنامى تأثيرهم. اجتذب المؤتمر السنوي الذي تعقده جماعة أنصار الشريعة في العام 2012 حوالي 5000 شخص، في حين أنه من المتوقع أن يحضر حوالي 50 ألف شخص دورة العام 2013 التي ستُعقد في مدينة القيروان. ما كان من شأن الفجوة الكبيرة بين الليبراليين والسلفيين إلا أن تضع حزب النهضة المعتدل في الوسط التونسي تقريباً بشكل افتراضي. خلاصة الأمر أن حزب النهضة يعتبر حزباً متشدداً وسرياً من قبل الليبراليين، أما السلفيون فيعتبرونه حزباً كافراً ومستبد.

مما لا شكّ فيه أنّ لدى الحكومة وسائل للتعامل مع كل هذه المشاكل. إنّ الحل الأمثل لمشاكل تونس الاقتصادية هو إحراز التقدم على مستوى التحول السياسي في البلد؛ عندما تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي، ستنتعش السياحة من جديد. في هذه الأثناء، يجب على المجتمع الدولي أن يدعم عملية التحول مالياً، مع الاعتراف بأن ما يقومون به ليس استثماراً في تونس فحسب، بل في نموذج لتحولات ناجحة يمكن أن يُحتدا به في جميع بلدان الوطن العربي.

أما بالنسبة للجدل حول لجان حماية الثورة، لدى كلا الجانبين نقاط ومخاوف مقنعة. هنا، يجب أن يكون التركيز على تقوية سيادة القانون وتعزيزه. لا ينبغي معاملة جميع لجان حماية الثورة على أنّها واحدة، كما وأنّ الخيار لا يجب أن يكون إما إبقائها كلها أو حلها كلها بموجب مرسوم سياسي. بدلاً من ذلك، ينبغي حلّ أي لجنة تخالف القانون أو تنقض أهدافها المسجلة والمعلنة في إطار النظام القضائي التونسي.

من شأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية أيضاً أن تساعد في تخفيف التطرف المحلي. ثمة سبب للعنف الذي شهده أفقر حي في تونس، حيّ التضامن، حين تم إلغاء مؤتمر أنصار الشريعة لهذا العام. زد على ذلك أنه يمكن لتونس أن تعتمد على إرثها من الفقه المالكي. يُعتبر مسجد الزيتونة في تونس واحداً من أهم المراكز الفكرية للفقه المالكي في العالم. عمل علماءالمذهب المالكي في مسجد الزيتونة بجهدٍ لمواجهة الفكر الوهابي المحافظ المتزمت من خلال طرح منهج ديني يعتمد على المعرفة والمنطق. وبالتالي يبدو أنهم يستعدون لصد موجة جديدة من التطرف وللمساعدة للوصول إلى توافق مجتمعي.

نظراً للتحديات المقبلة، يبدو أن التونسيين يمتلكون القليل من الثقة في عملية الانتقال الخاصة بهم. دائماً ما يسأل التونسيون في أحاديثهم ما الفرق بين عملية الانتقال في تونس والدول أخرى. إلا أنهم يُعتبرون بحقّ نموذجاً لدول العالم العربي التي شهدت تحولات انتقالية. في المحصلة، لا يبني التونسيون مجموعة جديدة من مؤسسات الدولة فحسب، بل إنهم يشكلون ثقافة المساءلة وسيادة القانون. هذه هي الطريقة التي ستمكّن تونس من استيعاب مشاركة شخصيات ما قبل الثورة في الحياة السياسية ومنهم السبسي وكمال مرجان؛ فبوجودهم، ستتغير تونس نحو الأفضل. رغم أن تونس تستفيد من بعض الخصائص الفريدة، ينبغي على البلدان العربية الأخرى أن تسعى إلى محاكاة حوارها المحلي الوطني، وتحالفاتها السياسية، ونهجها الإصلاحي المتصاعد، على أن تتخذ من صياغة قانون العدالة الانتقالية أفضل مثال. أما بالنسبة لتونس، فإن هذا النهج الرامي إلى بناء دولة ثابتة، وشاملة، وقائمة على قواعد يسمح لحدوث مصالحة واسعة وتطور حقيقي في المجتمع التونسي. أما في ما يتعلق ببقية الدول في العالم العربي، فمن الممكن أن تبيّن لها تونس طريق التقدم.