Commentary

جبهة تمرد جديدة في سوريا

يبدو أن سوريا تشهد ظهور جبهة جديدة وخطيرة. منذ الثالث من يناير، تورط أعضاء ثلاث جبهات مسلحة – جبهة ثوار سوريا، جيش المجاهدين الإسلامي المعتدل، والجبهة السلفية الإسلامية – في اشتباكات مستمرة مع الدولة الاسلامية في العراق و الشام المتطرفة (داعش). بدأ القتال في محافظة إدلب وانتشر ليطال مختلف أنحاء محافظة حلب ومدينة الرقة، عاصمة المحافظة التي تسيطر عليها المعارضة ومعقل داعش الرئيس. حتى الآن، أشارت تقارير الناشطين والجماعات المسلحة إلى أن أعمال القتل أثرت على ما لا يقل عن 40 بلدية منفصلة، وأن داعش فقدت السيطرة على نحو 24 بلدية.

في حين يبدو أن تنظيم داعش يتكبد انسحابات استراتيجية بدلاً من الهزائم العسكرية الصريحة، أعلن كبير المتحدثين باسم التنظيم في 7 يناير أن مختلف الأفراد والجماعات المرتبطة بالتحالف الوطني السوري الذي يحظى بدعم الغرب والمجلس العسكري السوري باتت تشكل الآن أهدافاً مشروعة له علماً أن الأمور قد تتصعد فعلياً إلى إعلان الحرب.

بدأ تنظيم داعش، الذي تعود أصوله أصلاً إلى تنظيم القاعدة في العراق، أولى عملياته في سوريا في أبريل ومايو 2013. من ذلك الحين وفي خلال فترة الأشهر الثمانية التالية، تمتع التنظيم بالتقدم السريع باتجاه الصدارة، إذ سيطر على ما لا يقل عن 35 بلدية سيطرة كاملة أو جزئية وأنشأ مجموعة مناطق للعمليات في 10 من أصل 14 محافظة سورية بدءاً من الأول من يناير. في العراق، نما تنظيم داعش بسرعة كبيرة في العام 2013، وأظهر مستوى من العنف لم يرى أحداً مثيلاً له منذ العام 2008. يسيطر التنظيم حالياً سيطرة فعلية على العديد من المناطق “الحضرية” في محافظة الأنبار الشرقية. في الرابع من يناير، ادعى تنظيم داعش أنه وسّع عملياته لتشمل لبنان حيث زعم أنه يتحمل مسؤولية تفجير السيارة الذي هزّ جنوب بيروت في الثاني من يناير وأسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 77. ويذهب التنظيم إلى أنه بعمله هذا أوفى اسمه حقه وبسط نفوذه على دائرة تضم العراق، وسوريا، ولبنان.

للوهلة الأولى، قد تبدو النكسة المستمرة بمواجهة داعش تطوراً مشجعاً، وهي بالفعل كذلك في بعض النواحي. في المحصلة، كانت هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها مجموعة واسعة من الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة السورية سيطرة داعش الإقليمية بتصميم صارم كهذا. ذهب العديد من أعضاء داعش ممن تحدثت إليهم إلى حد الادعاء أن الاستخبارات الغربية سهلت الهجمات من خلال التشويّش على ترددات الراديو المحلية التي يستخدمها التنظيم – رغم غياب كلّ دليل من شأنه أن يثبت هذه الادعاءات.

سواء أكان هذا الهجوم الأخير ناتجاً عن تخطيط مسبق أم كان ببساطة عملاً انتهازياً، كانت ردة فعل تنظيم داعش الهجومية صغيرة نسبياً، على الأقل وفقاً لقدراته المحتملة. وينبغي ألا يغيب عن بال أحد تهديده مساء الرابع من يناير بسحب قواته من أصل 18 جبهة قتال نشطة في حلب من أجل إطلاق هجوم مضاد ضد جيش المجاهدين، والجبهة الثورية القومية والجماعات الإسلامية.

وقد وفر الصراع في سوريا لتنظيم داعش فرصة ثمينة لتأسيس موطئ قدم ملموس في قلب الشرق الأوسط، وهذا بالضبط ما فعله حتى الآن. علاوةً على ذلك، فقد استفاد من الأشهر الثمانية الماضية لتعزيز مكاسبه. وفي حين أنه خسر من دون شك على الصعيد الإقليمي في خلال الساعات الستة والتسعين الماضية، إلا أنه يتمتع بالقوى البشرية والقدرة العسكرية التي تمكنه من تدمير قدرة قوى المعارضة على مواجهة الحكومة السورية بفعالية.

عقب إنشائها في محافظة الأنبار في العراق في العام 2005، نجحت حركة الصحوة أو حركة الإنقاذ السني التي حظيت بدعاية كبيرة إلى حد كبير في إجبار سلف تنظيم داعش – الدولة الإسلامية في العراق – على الانسحاب من معظم المراكز الحضرية الرئيسة. ولكنه سرعان ما تحوّل إلى هدف بحدّ ذاته. حتى يومنا هذا، لا تزال ميليشيات مجالس الصحوة هدفاً رئيساً لعمليات القتل التي ينفذها تنظيم داعش في شكلٍ شبه يومي والتي غالباً ما تأخذ شكل اغتيالات بأسلحة صغيرة وما يُسمى باعتداء بعبوات مثبتة.

رغم أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا لا تضاهي مبادرة مركزية مماثلة كمجالس الصحوة في العراق، ولكن يبدو أن صندوق الحظّ (صندوق باندورا) قد فُتِح. قد يكون السوريون المنتمون إلى مختلف الأيديولوجيات قد أحكموا قبضتهم أخيراً على ثورتهم وتوحدوا تحت هذا الهدف الواحد (الأمر الذي يُعتبر في حد ذاته تطوراً إيجابياً للغاية)، ولكن لا يزال الوقت للأسف مبكراً جداً بالنسبة لمستقبل سوريا على المدى الطويل. تتخذ قوى المعارضة السورية عدواً من خلال توجيه أسلحتها ضد قوة راسخة تحظى بمصادر دعم مالي صلبة وتضم مجندين من مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي سيسبب من دون أدنى شك حالة عدم استقرار كبيرة في سوريا لسنوات طويلة. يشير بيان تنظيم داعش الذي صدر في السابع من يناير، الذي أعلن عبره أن كل من يشتبه بتورطه في “الصحوة”، فرع سوريا يُعتبر هدفاً مشروعاً لهم، بلغته الخاصة فيقول: “اعلموا أن لنا جيوشاً في العراق وجيشاً في الشام من الأسود الجياع، شرابهم الدماء وأنيسهم الأشلاء، ولم يجدوا في ما شربوا أشهى من دماء الصحوات “.

وأكثر من ذلك، تسعى جبهة النصرة الحركة الرسمية التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا لتحقق أكبر المكاسب من هذا الوضع الراهن. وما سيطرتها على العديد من المناطق التي كانت خاضعة سابقاً لداعش في إدلب وحلب، ومشاركتها على الأقل جزئياً في القتال في الرقة إلا تأكيداً على هذه الحقيقة.

ويتوعد بيان صدر مؤخراً عن تنظيم داعش يعلن الحرب على الائتلاف الوطني السوري وهيئة أركان الجيش الحر والبنى السياسية والعسكرية التي تحظى بدعم غربي بفترةً عصيبة متزعزعة. وقد ثبت أن تنظيم داعش، وسلفها العراقي، هو تنظيم حازم للغاية ومرن، وقادر على التطور من أجل الاستمرار والازدهار في وقتٍ لاحق. لا شكّ أنه ضعف بعض الشيء إلا أن ضعفه هذا لا يعني نهاية تنظيم داعش في سوريا، فالتنظيم يحتفظ بعلاقات قوية مع الجماعات الجهادية الأخرى في سوريا، لا سيما تلك التي تضم في صفوفها مجاهدين أقوياء (أو مقاتلين أجانب)، يبدو أن عدة مجموعات تابعة لجبهة النصرة لا تزال غير مستعدة لمواجهة زملائهم الجهاديين الإسلاميين عسكرياً. في حين قد يستغرق الانطلاق أسابيع إن لم يكن أشهر، يبدو من المرجح جداً أن تنظيم داعش سيبدأ تدريجياً حملة تخريب تقوم على الاغتيال وحملات هجوم أخرى تستهدف الأفراد، والجماعات، والأصول التابعة للتحالف السوري الوطني والمجلس العسكري السوري.

ومع تزايد وتيرة الضغط العالية الذي يُمارس بشدة بشأن مؤتمر السلام السوري المثير للجدل المقرر عقده في سويسرا، يشدد عدد كبير من الشخصيات من داخل المجتمع الدولي على تشجيع الشعور بوحدة الهدف داخل المعارضة السورية. منذ بدء القتال ضد داعش في الثالث من يناير، يبدو أن الناشطين السوريين وبنية المعارضة السياسية المستقرة في الخارج قد تلقوا دفعة قوية من الطاقة الإيجابية. وبهذا تقدّم الظروف السائدة حديثاً بيئة أكثر ملاءمة لصانعي السياسات لتجديد الضغط من أجل الوحدة داخل المعارضة السياسية. وعلى نحوٍ أهم، يبدو أنها تمثل الوضع الذي يُعتبر تقديم الدعم الحقيقي للمعارضة المسلحة على الأرض في خلاله أكثر أهمية من أي وقت مضى – من دون أن يقتصر هذ الدعم على  المجلس العسكري السوري، الدخيل في شكلٍ متزايد من حيث ديناميات العملية، بل ليشمل كذلك اللاعبين المهمين المشاركين حالياً في محاربة تنظيم داعش.

في حال حصل تنظيم داعش على فرصة لإطلاق هجوم مضاد منسجم بينما تبقى المعارضة السورية مفككة بطبيعتها، ثمة شيء واحد أكيد: سيصبح الصراع في سوريا أكثر تعقيداً وصعوبةً. قد يضعف تنظيم داعش كثيراً، إلا أن عدم الاستقرار الناجم عن ذلك قد يعود ليطارد شبحه المنطقة والغرب في السنوات المقبلة.