Commentary

Op-ed

أنا غزة: الصرخةٌ التي لا بد أن تخرج من أوروبا

بعد أن فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين في غزة في شهري يوليو وأغسطس من العام الماضي، بدا مستعدّاً للتعويض من خلال العمل على إعادة إعمار القطاع. ولكن رغم التعهدات بتقديم مساعدات تقدر بمليارات الدولارات، إلا أنّه بحسب التقارير، لم يصل القطاع من هذه المساعدات إلا 100 مليون دولار مع بداية هذا العام. وهذا ما يعادل 2 بالمئة من المبلغ الموعود.

لم يتم إعادة بناء أياً من المنازل البالغ عددها 96,000 والتي تضررت أو دمرت خلال الصراع، مما يترك عشرات الآلاف من المتشردين يواجهون فصل الشتاء الأشد قسوة منذ سنوات. لم يقم المجتمع الدولي إلا بالقليل للضغط على إسرائيل ومصر لتخفيف الحصار على غزة. وها هي المعابر الحدودية الإسرائيلية ما زالت مغلقة ولم تسمح إلا بعبور القليل من المساعدات، كما وأنّ قرار السلطات المصرية مؤخراً بفتح معبر رفح لمدة ثلاثة أيام قدّم انفراجاً مؤقتاً ليس إلا.

ولا بد أن نذكر أنّ إسرائيل تفرض “مناطق محظورة” كمناطق أمنية عازلة – تمتد على مسافة 6 كيلومترات داخل مياه الصيد وكيلومتراً واحداً من الأراضي الزراعية على طول الشريط الحدودي – وهذه هي المناطق حيث غالباً ما تحدث فيها مآسٍ مروعةٍ وتكثر فيها حالات إطلاق نار من قِبَل جنود إسرائيليين على الصيادين وغيرهم من المدنيين.

وتمرّ الأيام والشهور وبالكاد نرى عملية إعادة إعمار تتم على الأرض هذا إن وُجدت في الإساس، ولا يزال إحباط الغزيين يتنامى. وبالتالي، من السهل جدا أن نتصور شرارة أخرى تشعل صراعاً آخر يؤدي إلى كارثة إنسانية أخرى، وندخل في دوامة عنفٍ لا نهاية لها.

ولقد دفع الشعور باليأس والظلم بالعديد من الشباب المسلمين في أوروبا وأمريكا الشمالية إلى التعبير عن غضبهم وخيبة أملهم إزاء النفاق وازدواجية المعايير في العالم الغربي بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وهنا أعتقد أنه من المهم أن نتذكر، تحديداً بعد مجزرة تشارلي إيبدو، أن من بين الأسباب الرئيسية لسخط المسلمين وتطرفهم في الغرب هو أن هناك عقود من الظلم الذي تعرّض له الفلسطينيون على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام الدولية.

أما اليوم، وفي ظل وجود الدولة الإسلامية في العراق والشام (أو ما يعرف بتنظيم داعش) وتنظيم القاعدة وحركة طالبان، أصبح من المألوف فصل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني عن صعود التطرف الإسلامي في الغرب. إلا أنّ مجرد كون أحمدي كوليبالي – صديق الفرنسيين سعيد وشريف كواشي اللذين نفذا الهجمات على تشارلي إيبدو – قد اختار المتجر اليهودي هدفا له، ما هو إلا تذكير صارخ على مركزية هذا الصراع.

مخطئٌ من يظن أنّ رسالة “أنا تشارلي” التي نادت بها أوروبا تتعلّق بحرية التعبير فقط، فهي أيضاً من أجل دعم القيم الجوهرية التي تدور حول التطبيق العالمي لحقوق الإنسان وكرامته. وفي حين اتخذت السويد خطوةً شجاعةً بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، حان الوقت لصرخة جماعية نردد فيها “أنا غزة”، وذلك من أجل أن تحفّز تجديد الجهود لدفع عملية إعادة الإعمار المتوقفة. وهذا من شأنه كذلك توجيه رسالة قوية مفادها أن أوروبا لا تتسامح مع استهداف المدنيين بأي شكل من الأشكال، سواء كانوا رسامي كاريكاتير في مجلة ما أو حصاراُ ترك ورائه 1,8 مليون شخص في القطاع عرضة للجوع والتشريد.

من الواضح أن آلية إعادة الإعمار التي اقترحها روبيرت سيري، المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، لتخفيف الحصار وتأمين أمن إسرائيل في الوقت نفسه لم تجدي نفعاً. ودفع هذا الفشل بأوكسفام أن يعترف مؤخراً بأن التسوية “تركت أثراً ضئيلاً أو سلبياً على حياة الناس حتى الآن”. وقد وصف أكسفام أيضاً كمية مواد إعادة البناء المسموح بإدخالها إلى القطاع “بالكمية القليلة التافهة”، وهذه هي الحقيقة لأن المواد المسموح حالياً بإدخالها إلى القطاع لا تشكل إلا 4 بالمئة من المستويات التي سادت قبل الحرب.

حان الوقت للتفكير في نهجٍ جديد، حتى وإن وافقنا على مواجهة مخاوف إسرائيل الأمنية أثناء إعطاء الأولوية لحاجات غزة الضرورية. ستكون إعادة الإعمار فرصة لتسهيل الوحدة الفلسطينية.

لا بدّ أن يرتكز أي نهجٍ جديد على تعاون أفضل وعلى مستوى أعلى من الشفافية في ما يتعلق بالعملية، وذلك بغية تبديد الفكرة السائدة بأن التدابير الأمنية ليست إلا وسائل تستخدمها إسرائيل لجمع المعلومات.

قد تساعد الشفافية على إنهاء بعض المشاحنات الحاصلة بين حركتي حماس وفتح بخصوص السيطرة على عملية إعادة الإعمار. لا بدّ لأي نهجٍ جديد أن يسمح للسلطة الفلسطينية أن تسيطر على الحدود للمساعدة على استعادة الشرعية في عيون أهل القطاع. إن فكرة إنشاء مجلس تعاوني لإعادة بناء غزة – طرحتها في ملخص السياسة الصادر عن مركز بروكنجز الدوحة – هي إحدى هذه المحاولات لتوسيع آفاق التفكير.

مما لا شكّ فيه أنه لا يمكن أن يحدث أي تغيير من دون الإرادة الدولية المطلوبة. تجدد الالتزام بإعادة إعمار قطاع غزة لا يعني بالضرورة تخفيف الكثير من المعاناة في قطاع غزة فحسب، بل أيضاً الحث على التمسك بالمبادئ الأساسية للإنسانية والعدالة للجميع. ومن المرجح أن يساهم في استباق تطرف بعض المسلمين الأوروبيين أكثر من أكثر الدعايات تنمّقاً وحملات المخابرات والاختراق.