Commentary

هل ينجو العراق من عاصفة داعش؟

تتقدم داعش باتجاه بغداد وهي تبسط سيطرتها على مساحات واسعة داخل سوريا. هل يمكن الحفاظ على الحدود السياسية الحالية في العراق وسوريا؟ 

لم تسيطر حكومتا العراق وسوريا، كما هما الآن، على كامل أراضيهما لبعض الوقت، في الحال العراقي فقدت الحكومة السيطرة على كامل أراضيها منذ العام 1990. إلا أن مصلحة أياً من القوى الإقليمية أو الدولية لا تقضي بالاعتراف بأي تغيير رسمي في الحدود. وحتى حكومة إقليم كردستان في شمال العراق، التي كانت فعلياً مستقلة عن بغداد منذ نحو ربع قرن، تراها لا تضغط من أجل الاستقلال الرسمي.

لذلك ما سيحصل هو أن الحدود الرسمية، المعترف بها من قبل حكومات أخرى، ستبقى على حالها إلا أن السيطرة السياسية الفعلية ستتحول إلى الفاعلين الحقيقين كداعش وغيرهم من المتمردين السوريين وحكومة إقليم كردستان في مناطق متنوعة داخل البلدين.

كيف تأجج الحرب الأهلية في سوريا الصراع في العراق؟ هل يمكن للمتشددين في العراق أن يُهزموا من دون مواجهة التنظيمات عينها العاملة في سوريا؟

أعطت الحرب الأهلية السورية داعش وغيرها من التنظيمات الجهادية السنية سبباً وساحة قتال حين بدا أن حملتها في العراق بدأت تتراجع. وقد حصلت نتيجة انتصارتها هناك على قاعدة وعلى زخم. إلا أن داعش لم تترك فعلاً المشهد العراقي قط، حتى حين وصل أسلافها إلى الدرك الأسفل، أي تنظيم القاعدة في العراق، بعد الموجة الأمريكية في العام 2007 وظهور ردود فعل عراقية سنية مناهض لتنظيم القاعدة في العراق، والتي عُرفت بـ “الصحوات”.

لطالما كانت معارضة السلفية الجهادية لحكومة بغداد جزءًا من الخليط العراقي. في حين أن الاضطرابات على حدود الجهتين ساعد داعش، كان بالإمكان حدّ نفوذها في العراق بشكلٍ أكبر في حال تابعت الحكومة في بغداد السياسات التي تضم العرب السنّة في بنية السلطة ودمجت بفعالية أكبر الجماعات المسلحة التي شكلت جزءاً من “الصحوات” في قوات الأمن العراقية.

كثر في الموصل هم الذين يقولون أنهم يخشون ردة فعل الحكومة أكثر من المقاتلين الذين سيطروا على المدينة. لماذا يشعر السُنة بأن حكومة المالكي تهمشهم؟

جمع المالكي القوة بين يديه لدرجةٍ كبيرة. إذ شغل منصب وزير الدفاع ووزير الداخلية محكماً قبضته على أهم وزارتين أمنيتين. لم يقاطع السياسيين العرب السُنة ويهمشهم فحسب، إنما قاطع حلفاءه الشيعة وهمهشم كذلك، مما دفع عدداً كبيراً منهم إلى إعلان معارضتهم لاستلامه مهام رئاسة الوزراء لولاية ثالثة.  

ما هي آفاق تسوية سياسية بين السُنة والشيعة في بغداد والتي من شأنها أن تساعد على استعادة سيطرة الحكومة العراقية على الموصل ومحافظة الأنبار ومناطق أخرى؟ ما هي التنازلات التي يمكن للمالكي ويتعين عليه أن يقدمها؟

يبقى أن نرى ما إذا كان المالكي يعتقد أن الأزمة الحالية شديدة جداً بحيث يتحتم عليه أن يغيّر أساليبه ويحاول أن يُشَكل حكومة أكثر شمولية. وصل المالكي إلى السلطة عقب انتخابات أبريل 2014 النيابية متسلحاً بيد أقوى سياسياً، ولم يمل نهجه القديم إلى الشمولية.

إلا أن الأمر لا يتوقف فقط على المالكي شخصياً. فثمة حالة من الارتياب بين الأقليات والطوائف المختلفة في العراق ، يعود إلى حكم صدام حسين ويستمر عبر العنف الرهيب الذي يميّز السياسة العراقية بعد الغزو الأمريكي في العام 2003. علاوةً على ذلك، ثمة شكّ عميق حتى بين القيادات ضمن المجتمعات السنية والشيعية. لقد أضعفت الطبقة السياسية العراقية البلاد. ففرص وضع الكراهية المتبادلة في خضم هذه الأزمة وإنشاء حكومة فعالة لتحدي داعش هي، في الحقيقة، فرص غير جيدة.

شجع علماء الشيعة في العراق ومن ضمنهم آية الله علي السيستاني السكان على الدفاع عن بلادهم ضدّ المتشددين السُنة. هل هذه نهاية مشروع بناء جيش وطني؟

ليست نهاية المشروع على المدى القصير. أخفق الجيش بصورة محزنة في وجه داعش، رغم حقيقة أن وحدات الجيش التي هزمتها داعش في الشمال فاقت هذه الأخيرة في العديد والعتاد. لا يمكن لداعش أن تفوز في هذه الحرب، إن اعتبرنا أن الفوز يعني السيطرة على بغداد وعلى جنوب البلاد حيث تتواجد أغلبية كميات النفط، وكذلك إنشاء الحكومة. فالتنظيم أصغر من أن يتمكن من القيام بذلك كما أن الأغلبية الشيعية العربية تقوم بالفعل بالتعبئة ضدهم.

في مرحلةٍ معينة من المستقبل، وفي سياق سياسي مختلف، قد يُصار إلى إنشاء جيش وطني بين العراقيين العرب. إلا أن الأمر لن يتحقق في القريب العاجل. إن النتيجة الأكثر احتمالاً التي قد تنجم عن هذه الأزمة تتجلى في انشقاق السلطة الحاكمة أكثر فأكثر لا سيما في مناطق العرب السُنة.

ما هي الأمور التي يتعين على الولايات المتحدة القيام بها لدعم الحكومة العراقية؟

في حال كنت على حق بقولي أن احتمال فوز داعش فعلياً بالحرب هو احتمال ضئيل جداً، لا حاجة لأن تقوم الولايات المتحدة بالتفكير بالدخول مجدداً إلى العراق عبر عملية عسكرية مباشرة. يمكن أن نتشارك المعلومات مع الحكومة العراقية، كما يبدو أننا نفعل، وأن نقدم بعض الأسلحة المساعدة. يبدو أن حكومة أوباما تحاول استعمال جو الأزمة لحثّ المالكي على تقديم بعض التنازلات ذات الصلة بتشكيل أوسع للحكومة العراقية المقبلة. لا يُعتبر ذلك خطوةً سيئة، رغم أنه يبيّن خطر تشجيع الحزبية بين أوساط النخبة العراقية حين تتطلب الظروف جبهة موحدة.