تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية في موقع الجزيرة باللغة الإنجليزية.
في مثل هذا اليوم منذ ستّ سنوات، تمّ توقيع اتفاقية في الرياض لعملية انتقالية تفسح في المجال أمام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للتنحّي عن كرسيّه الرئاسي الذي شغله لمدّة ثلاثة وثلاثين عاماً. وقد أعلن مَن رعى الاتفاقية آنذاك أنها ستحرص على تأمين انتقال سلمي في اليمن نحو عهد من الديمقراطية.
غير أنّهم كانوا مخطئين مخطئين.
فقد فتحت الاتفاقية التي رعاها مجلس التعاون الخليجي ودعمتها الولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي والأمم المتّحدة، الطريقَ أمام بداية مصير عنوانه الدمار لليمن. وقد هدف جزءٌ كبير من الاتفاقية إلى منح صالح ومعاونيه الحصانة من الملاحقة القضائية.
أكذوبة نجاح مؤتمر الحوار الوطني
بُعيد تسلّم عبد ربه منصور هادي، نائب الرئيس صالح لمدّة ستّة عشر عاماً، منصبَ الرئاسة في فبراير 2012، قاد محادثات مؤتمر الحوار الوطني التي هدفت إلى المصالحة بين اليمنيين من مختلف أنحاء البلاد ووضع اتفاقية لتشاطر السلطة. وقد رحّبت الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية، بما فيها الولايات المتحدة، بمجريات مؤتمر الحوار الوطني واعتبرته نجاحاً حقّق التوافق.
لكنّ هذا الادّعاء فكرة خاطئة، إذ لم تكن مجريات مؤتمر الحوار الوطني شاملة كما أُشيع، وأبقت على عناصر من اتفاقيات مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة كان حريّاً بها أن تعاود التفاوض بشأنها أو تلغيها تماماً.
ومن بين هذه العناصر قانون الحصانة الذي يحمي صالح من تحمّل مسؤولية الجرائم التي ارتكبها في خلال تولّيه الرئاسة لأكثر من ثلاثة عقود. وقد أقيمت تظاهرات شعبية في مختلف المناطق اليمنية في العامين 2011 و2012 للمطالبة بنقض قانون الحصانة هذا، لكن من دون جدوى.
تضاربٌ في أجندات تطبيق العدالة
مع ذلك، شارك اليمنيون الذين عارضوا حصانة صالح بنشاط في مجموعات العمل في مؤتمر الحوار الوطني. وقد عملوا بجهد للتحايل على قانون الحصانة عبر تسليط الضوء على التناقضات الفاضحة في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتصريحاته. إذ تنادي تلك التصريحات بتنفيذ مبادرة مجلس التعاون الخليجي في اليمن (التي تحافظ على حصانة صالح ومعاونيه)، فيما تدعو اليمنَ في الوقت عينه إلى الحرص على تطبيق المساءلة الجنائية عن انتهاكات حقوق الإنسان “بما يتوافق مع المعايير الدولية ذات الصلة”.
وحين كنتُ في صنعاء في اليوم الختامي لمؤتمر الحوار الوطني في يناير 2014، كان المشاركون مركّزين على هذا التعارض الغريب. فقد دعا أولئك الذين تداولوا المرحلة الانتقالية في اليمن اليمنيين إلى السعي وراء هدفَين متضاربَين: المساءلة الجنائية عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من جهة، وحصانة صالح من الملاحقة القضائية من جهة أخرى.
في تلك الأثناء، كانت محاكمتا الرئيسَين السابقَين المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي جاريتَين. وقد أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القضية الليبية إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكنّه لم يقم بالأمر عينه لليمن.
طبعاً، لم تفضِ محاكمة القادة السياسيين في مصر وليبيا وتونس إلى إحقاق العدالة التي سعى إليها ضحاياهم. لكنّ هؤلاء، على عكس الضحايا اليمنيين، لم يُجرَّدوا من خيار سعيهم للحصول على تعويض عن الجرائم السابقة التي قاسوها.
ولم يكن اليمنيون غافلين عن التطورات الجارية من حولهم. لكنّ ما يُسمّى “المجتمع المدني” أرسل رسالة قوية باعتماده استراتيجيتَين متعارضتَين تماماً بين ليبيا واليمن: فالمساءلة عن الفظائع الماضية تخضع لأهواء بعض الجهات الفاعلة الدولية التي لم تعانِ أيٌّ منها الفظائعَ التي ارتُكبت في هذه البلدان. بعبارة أخرى، إن التوقّعات بتحقيق العدالة التي رغب فيها اليمنيون الذين عانوا انتهاكات قاسية لحقوق الإنسان في عهد صالح لا معنى لها على الإطلاق.
لا مساءلة عن الجرائم الجماعية
تستعر نار الحرب في الوقت الراهن بين تحالف صالح والحوثيين من جهة وداعمي حكومة هادي المدعومة من التحالف العسكري بقيادة السعودية المجهّز بأسلحة من المملكة المتحدة والولايات المتحدة تقدّر قيمتها بمليارات الدولارات من جهة أخرى.
وقد أعادت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يتمّ ارتكابها بشكل شبه يومي في اليمن تسليط الضوء على الغياب المذهل للمساءلة عن هذه الفظائع. فقد أعلنت عدّة تحقيقات أنّ مدنيين قُتلوا عشوائياً نتيجةً لأفعال الحوثيين والتحالف بقيادة السعودية على حدّ سواء. وقد تزايد ورود التذكيرات بأنّ المجاعة الجماعية جريمةٌ أيضاً في النقاشات الدائرة حول المساءلة حول الجرائم المُرتكَبة في اليمن.
أمّا المطالبات الداعية إلى عدول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عن بيع الأسلحة، فإمّا لم تلقَ آذاناً صاغية أم عارضها قانونياً أولئك الداعمون لاتفاقيات بيع الأسلحة مهما كانت الخسائر (البشرية). فقد خضعت مثلاً شرعيّةُ بيع الأسلحة بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والاتفاقيات المتعلّقة بها لمراجعة قضائية في المحاكم البريطانية. وتبيّن أنّ الحكومة البريطانية تجاهلت نصيحة إدوارد بيل، رئيس هيئة الرقابة على الصادرات، بوقف بيع الأسلحة إلى بلاد تستخدم الأسلحة بطريقة تنتهك القانون الدولي الإنساني.
من جهة أخرى، دافع أشخاصٌ مثل مستشار الملكة جيمس إيدي، وهو مستشار قانوني للحكومة البريطانية، عن بيع الأسلحة و”علاقة الصداقة” التي تربط المملكة المتحدة بالمملكة العربية السعودية. فهزئ إيدي من أولئك الذين دعوا إلى إجراء تحقيق في شرعية بيع الأسلحة، قائلاً بشكل ينافي المنطق إنّه من “غير المناسب” إجراء تحقيق من هذا النوع لأنّه سيتطلّب الحصول على السجلّات العسكرية الداخلية السعودية لتحديد ما إذا كان للسعودية نيةٌ بقتل اليمنيين عشوائياً.
منذ ستّ سنوات، رحّب المجتمع الدولي باتفاقية العملية الانتقالية في الرياض معتبراً إيّاها خطوة مهمّة وضرورية لعملية انتقال سلمي في اليمن. غير أنّ تلك الاتفاقية التي دبّرها مجلس التعاون الخليجي أرسلت رسالة واضحة ليس إلى صالح ومعاونيه فحسب، بل إلى الجناة الدوليين والمحليين المتعدّدين الذين يحاربون في اليمن أيضاً.
فمع سقوط أكثر من عشرة آلاف شخص ضحيةً للقصف، ووفاة الآلاف غيرهم لشحّ الغذاء والمياه النظيفة والأدوية، ومع تشرّد الملايين، وتضوّر الملايين من الجوع نتيجة الحصارات المتعدّدة التي فُرضت على اليمن، باتت الرسالة واضحة ولا تبشّر خيراً: يمكن الاستمرار في ارتكاب الفظائع بحق المدنيين اليمنيين الأبرياء والإفلات من العقاب.
بالإضافة إلى الدعوات المتكرّرة بوقف بيع الأسلحة، ورفع الحصارات للسماح بدخول الغذاء والأدوية، وتطبيق وقف إطلاق النار، وإعادة إطلاق المفاوضات السياسية الجدية، على اليمنيين أن يستردّوا بلادهم. فاليمنيّون داخل اليمن إمّا عالقون أو جائعون أو بالكاد يستطيعون تأمين لقمة عيشهم.
غير أنّ اليمنيين في الخارج قد بدأوا بتعزيز مناصرتهم وعلاقاتهم بهدف رسم معالم مستقبل بلادهم وفقاً لتوقّعاتهم. من هذا المنطلق، ينبغي أن يدعم هذه الجهودَ أولئك الذين لا يزالون يعتقدون بأنّ لحياة سكّان اليمن قيمةً.
Commentary
Op-edمصير اليمن كان محتوماً منذ ستّ سنوات
الخميس، 23 نوفمبر 2017