يقول دانيال بايمان إنّ قتل قاسم سليماني، الذي قاد لفترة طويلة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، سيشكّل على الأرجح نقطةَ تحوّل في علاقات واشنطن مع العراق وإيران وسيؤثر بشكل كبير في موقع الولايات المتّحدة الإجمالي في الشرق الأوسط. نُشرت هذه المقالة بدايةً على موقع فوكس Vox، وهذه ترجمة للنسخة الأصلية.
أعلن البنتاغون ليل الخميس المنصرم أنّ الولايات المتحدة قتلت اللواء قاسم سليماني، قائد القوات الإيرانية شبه العسكرية، في ضربة جوية في العراق “بتوجيهات من الرئيس”.
وأوردت التقارير أنّ الضربة التي قتلت سليماني قتلت أيضاً قائد كتائب حزب الله، وهي ميليشيا وكيلة لإيران في العراق هاجمت مراراً الولايات المتحدة وقوّات التحالف وأطلقت مؤخراً صواريخ على قاعدة عسكرية أمريكية. وأسفر هذا الهجوم عن مقتل متعاقد أمريكي، ممّا حدا بالولايات المتحدة أن تردّ فتقتل 25 عنصراً في هجمات في إيران وسوريا. وفي عمليات أخرى منفصلة، أسرت القوّات الأمريكية واعتقلت قادة لميليشيات عراقية مهمة أخر
ى ذات صلات وثيقة بإيران.
وسيّشكل قتْل قاسم سليماني، الذي قاد لفترة طويلة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، على الأرجح نقطة تحوّل في علاقات واشنطن مع العراق وإيران وسيؤثر بشكل كبير في موقع الولايات المتحدة الإجمالي في الشرق الأوسط. وقد يكون ردّ الفعل ضخماً، وستعتمد الكثير من الأمور على مدى استعداد الولايات المتحدة للردّ الإيراني وردّ جهاتها الوكيلة الكثيرة في الشرق الأوسط.
لكن بالاستناد إلى تاريخ إدارة ترامب في المنطقة، لا يدعو الأمر إلى الاطمئنان.
من الصعب التشديد بما فيه الكفاية على نفوذ سليماني. فبما أنّ القوّات التقليدية الإيرانية ضعيفة، غالباً ما تعمل طهران من خلال الميليشيات والمجموعات الإرهابية وغيرها من الجهات الوكيلة لتحقيق مصالحها في الخارج. ويقود الحرس الثوري الإيراني الكثير من هذه العمليات. ففي العراق، وفي الدول الأخرى التي تؤدّي فيها إيران دورَين عسكري وسياسي على حدّ سواء، على غرار اليمن ولبنان وسوريا وأفغانستان ومع الفلسطينيين أيضاً، غالباً ما يكون الحرس الثوري الجهة الفاعلة المسيطرة في السياسة الخارجية الإيرانية، أو صوتاً مهمّاً في أدنى المستويات.
وفي أبريل، اتّخذت إدارة ترامب خطوة غير اعتيادية عبر وضع الحرس الثوري الإيراني رسمياً على لائحة المجموعات الإرهابية على الرغم من أنّه ذراعٌ للدولة الإيرانية، وهو بالتالي ليس جهة فاعلة من غير الدول، على عكس معظم الكيانات المُدرجة على لائحة المنظمات الإرهابية لدى الولايات المتحدة.
وكان سليماني المهندس للكثير من مسائل السياسة الخارجية الإيرانية الخلافية، وهو وفيلق القدس مسؤولان عن مقتل الكثير من الأمريكيين.
ويؤمّن فيلق القدس، الذي يضمّ ما بين عشرة آلاف وعشرين ألف مقاتل، التدريب والسلاح والتوجيه التنظيمي وغيره من أنواع الدعم لعدد من المجموعات المؤيّدة لإيران.
والحرس الثوري الإيراني، وعلى رأسه فيلق القدس، هو الصلة الإيرانية الرئيسية بحزب الله اللبناني، المنظمة شبه العسكرية الأقوى في لبنان والجهة التي هاجمت إسرائيل والولايات المتحدة بأمر من إيران. ويعمل فيلق القدس أيضاً مع مجموعات إرهابية فلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، وغيرها من المنظمات العدوانية الأخرى في دول أخرى. وعندما اشتبكت الولايات المتحدة مع القوّات المؤيّدة لإيران في العراق، جعل فيلق القدس من هذه القوّات قوّة أكثر فتكاً عبر منحها بعد العام 2005 متفجّرات متطوّرة يمكنها خرق العربات المدرّعة الأمريكية، مما أسفر عن مقتل قرابة مئتَي أمريكي.
ومنذ أن استلم سليماني زمام قيادة فيلق القدس في العام 1998، أنشأ شبكة نفوذ في إيران ذاتها وعبر الجهات الوكيلة الكثيرة لدى الحرس الثوري الإيراني. فغدا رمزاً لقوّة إيران ومكانتها ومجال نفوذها.
الردّ الإيراني على قتل سليماني سيكون خطراً ولا يمكن التكهّن به
مع موت سليماني سيكون العقاب آتياً لا محالة، وبسبب نطاق النفوذ الذي يتمتّع به فيلق القدس، ستكون لإيران عدّة مسارح تهاجم فيها الولايات المتحدة.
ومن المرجّح جداً وقوع هجمات على القوات والمنشآت الأمريكية في العراق. فقد قضت طهران 15 سنة في بناء شبكات واسعة لدى الميليشيات والسياسيين في العراق. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قبل مقتل سليماني، استطاعت إيران تجييش الجهات الوكيلة المحلّية بسرعة للتظاهر بشكل عنيف أمام السفارة الأمريكية في بغداد، ممّا ولّد خطراً أمنياً شديداً للموظفين فيها، حتّى في الوقت الذي تفادى فيه حلفاء طهران المحلّيين قتلَ المزيد من الأمريكيين. أما الآن فمن المرجّح أن تسقط أيّ موانع.
في الضربة التي قتلت سليماني، وردت أخبار أيضاً أنّ الولايات المتحدة قتلت أبو مهدي المهندس، قائد كتائب حزب الله، الميلشيا المؤيدة لإيران، وشخصيات أخرى رفيعة المستوى مؤيدة لإيران في العراق. وتتحمّل كتائب حزب الله مسؤولية عدّة هجمات على القوات الأمريكية والعراقية، وغالباً ما جرى ذلك بأمر من إيران. ولن يمرّ هذا الأمر بدوره مرور الكرام. فعلاوة على أنّ الميليشيات المؤيدة لإيران في العراق ترغب في إرضاء الجمهورية الإسلامية، سيثير مقتل المهندس واعتقال قادتها غضبها وسيدفعها للانتقام.
قتل سليماني لن يؤدّي على الأرجح سوى إلى تعزيز سطوة إيران على المستوى السياسي
للكثير من السياسيين العراقيين علاقات وطيدة بإيران، سواء أنشأت للضرورة أم بملء إراداتهم أحياناً، وسيزداد الضغط لطرد القوات الأمريكية من البلاد. وإن برز تجاذب بين الولايات المتحدة وإيران، فبكل بساطة تحظى إيران في العراق بعدد أكبر من الحلفاء وبنفوذ أكبر، ومن المرجّح أن يرضخ الكثير من القادة العراقيين للضغط الإيراني.
والقوات الأمريكية في أفغانستان وسوريا عرضة للخطر أيضاً، مع إنها محصّنة جيداً في هذين البلدين بسبب التهديدات التي يشكّلها تنظيم داعش والطالبان ومجموعات خطيرة أخرى. وقد يضرب الحرس الثوري والجهات الوكيلة له سفارات أمريكية رسمية وأهدافاً أخرى ذات صلة بالحكومة. ففي العام 1983، فجّر حزب الله اللبناني المدعوم من إيران السفارة الأمريكية في بيروت وثكنة لمشاة البحرية الأمريكية هناك، ممّا أسفر عن مقتل 220 جندياً وعشرات الأمريكيين. وقد يكون المدنيّون أيضاً مستهدفين. فبعض الجهات الوكيلة لإيران يفتقر إلى المهارة لضرب أهداف رسمية جيدة التحصين، لذا قد تعمد طهران إلى البعث برسالة أوسع بغية ترهيب الولايات المتحدة.
ومع أنه من المرجّح أن تردّ إيران على ما حصل، يصعب التكهن بحجم ردّها ونطاقه. فسيدعو المتشددون هناك إلى جعل الولايات المتحدة تدفع الثمن لقتلها سليماني. علاوة على ذلك، لعلّ نشوء صراع مع الولايات المتحدة طريقة مفيدة للنظام لتحويل الانتباه عن اقتصاد إيران المتهاوي والاحتجاجات الضخمة التي هزّت البلاد.
بيد أنّ إيران لطالما أدركت ضعفها العسكري مقارنة بالولايات المتحدة، ويعرف قادتها أنا ستُهزم لا محالة في حال نشوب مواجهة شاملة. ففي السنوات الكثيرة التي تواجهت فيها الولايات المتحدة وإيران، استفزّت طهران واشنطن بهجمات إرهابية وعبر دعم الجهات الوكيلة المناهضة للولايات المتحدة، لكنّها أيضاً حاولت التراجع عندما بدت الأمور وكأنّها قد تخرج عن السيطرة. بيد أنّه من غير الواضح إذا كان الوضع ذاته ينطبق بعد قتل شخصية مهمّة مثل سليماني.
فهل إدارة ترامب مستعدّة لتداعيات التصعيد الذي قامت به؟
يعتمد الكثير من الأمور على مدى استعداد الولايات المتحدة للردّ الإيراني الأكيد. فالتفكير التشاوري ليس من شيم إدارة ترامب، ومن السهل التركيز على الرضا الفوري الذي يمنحه قتل عدوّ لدودٍ مسؤولٍ عن مقتل الكثير من الأمريكيين والحلفاء أكثر منه على التفكير في تداعيات الضربة الطويلة الأمد.
ما تحتاج إليه الولايات المتحدة أشدّ حاجة هو الحلفاء. فهم ضرورة لردع إيران ودعم المزيد من العمليات العسكرية ضدّها في حال لم ينفع الردع والمساعدة على حماية المنشآت الأمريكية وحتّى لتشاطر الأعباء. لكن لسوء الحظ، نبذت إدارة ترامب الكثير من الحلفاء التقليديين، وقلّلت من احترام حلف شمال الأطلسي وأستراليا وغيرهما.
وفي الشرق الأوسط، رفضت الإدارة الردّ بعد أن هاجمت إيران منشأة نفط سعودية، وهذا خطّ أحمر عادة، باعثة رسالة بأنّ المملكة باتت لوحدها في المحافظة على أمنها. كما وقفت وقفة المتفرّج فيما عملت قطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة تبعاً لمصالح متضاربة في دول مثل سوريا وليبيا، عوضاً عن العمل على إنشاء موقف مشترك يزيد من نفوذ الولايات المتحدة وقدرتها التفاوضية في الصراع مع إيران. ومن غير الواضح ما إذا كان الحلفاء سيحتشدون تحت راية واشنطن. وحتّى لو فعلوا ذلك، قد لا يكونون متحمّسين للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة.
وحتّى الرئيس ترامب بنفسه أبدى علناً رغبته في إنهاء الحضور العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، قائلاً: “سنغادر. فلتحارب جهة أخرى من أجل هذه الرمال التي لطالما تلطّخت بالدماء. لا يقضي عمل جيشنا بضبط أمن العالم”.
لكن بقتل سليماني، ستواجه الولايات المتحدة مأزقاً على الأرجح. إذ يمكنها البقاء في الشرق الأوسط مع انتشار محدود نسبياً لقواتها في العراق وسوريا وأفغانستان فتغدو ضعيفة إزاء الهجمات الإيرانية، أو بإمكانها التخفيف أكثر من حضورها العسكري في وجه التهديد الإيراني وإبقاء قواتها معزولة، فتُضعِف بذلك نفوذها وتمنح إيران المزيد من السلطة في المنطقة.
من المرجّح أن يشكّل قتل سليماني واستهداف شخصيات مؤيّدة لإيران في العراق لحظة محورية للولايات المتحدة في المنطقة. وستعتمد حدّة التداعيات وما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الخروج في وضع أقوى على قدرة إدارة ترامب على الصمود والتخطيط للمدى البعيد والعمل عن كثب مع الحلفاء. بيد أنّ سياسة ترامب حيال الشرق الأوسط حتّى الآن ترجّح حدوث عكس ذلك. وفي النهاية، قد يتبيّن أنّ موت سليماني انتصار فارغ قصير الأمد.
Commentary
قتْل قاسم سليماني يغيّر المفاهيم في الشرق الأوسط
لكن هل فكّر ترامب في ما سيأتي؟
الجمعة، 3 يناير 2020