.تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية في صحيفة ميل آند غارديان
شكّل يوم الإثنين 14 مايو اليومَ الأكثر دموية منذ حرب غزة في العام 2014. ففي هذا اليوم، الذي يصادف الذكرى السبعين لتأسيس الدولة الإسرائيلية، قضى 58 فلسطينياً غير مسلّح برصاص القنّاصة الإسرائيليين وأصيب قرابة 2700 آخرين. وكان بين الضحايا ثمانيةُ أطفال ورضيعٌ.
وشكّل هذا اليوم يوماً تاريخياً وحسّاساً للغاية عشية ذكرى النكبة الفلسطينية، أي ذكرى طرْد الفلسطينيين من ما بات يعرف بدولة إسرائيل في العام 1948. ولزيادة الطين بلّة على هذا الأسبوع المتأزّم، نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس في 14 مايو.
يمكن مقارنة عمليات القتل بتلك التي جرت في شاربفيل في جنوب أفريقيا في ستّينات القرن الماضي. ويطرح سفك الدماء أسئلة حول غياب التدّخل السياسي والقانوني لدى المجتمع الدولي.
وما الذي جعل عمليات القتل التي جرت يوم الإثنين ملفتة للغاية كان المشهدَين الواقعيَّين المتزامنَين اللذين شكّلتهما احتفالات افتتاح السفارة الأمريكية وعمليات القتل في غزة. فهكذا بالضبط عرضت قناة الجزيرة أخبارَ ذاك اليوم.
فعلى يسار الشاشة ظهر الضيوف المتأنّقون في القدس الغربية، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو المفعم بالغبطة الذي يعلن بأسلوب تبجيلي: “يا له من يوم عظيم”. وبدا مطلقو الخطابات، ومنهم جارد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره، غير عابئين بعمليات إطلاق النار الجارية على الحدود، فوصف افتتاح السفارة على أنه “تكريم للسلام”. أما فكرة أنّ نقل السفارة قد يعزّز السلام فهي أبعد ما يمكن عن الحقيقة.
أما على يمين الشاشة، فظهر عشرات الغزيين الذين يتعرّضون لنيران القناصة ويُقصَفون بالقنابل المسيّلة للدموع من الطائرات المسيّرة عن بعد.
وكان عدد القتل أعلى مما توقّعه أي شخص. وقد تحدّث البعض عن بداية انتفاضة جديدة، لكن بعد سبعة أسابيع من الاحتجاجات، لا يبدو أنّ الغزيين قد اقتربوا قيد أنملة من تحقيق أهدافهم، ومن غير المعروف ما إذا كانوا سيحافظون على زخم الاحتجاجات.
لقد خطّط القادة الفلسطينيون للاحتجاجات الجماهيرية كوسيلة للتعبير بأقوى ما يمكن ضدّ نقل السفارة الأمريكية ولتأكيد حقّ الفلسطينيين بالعودة إلى الأراضي التي طُردوا منها.
واستقت القيادة زخمها وعزيمتها من فشل المفاوضات ومن أنّ الحياة في غزة، التي هي في الواقع سجناً مفتوحاً، أصبحت عسيرة لدرجة أنّه لم يعد للفلسطينيين ما يخسرونه في وجه العنف الإسرائيلي شبح المحتوم.
فبعد سبعين عاماً من بقاء الفلسطينيين في حالة لجوء، لا يستغرب المرء أبداً أنهم باتوا مستعدّين للمخاطرة بحياتهم لجذب انتباه المجتمع الدولي حيال محنتهم.
ويشكّل مبدأ النسبية أحد أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني. وينصّ على أنّه في خضمّ الاعتداءات في خلال صراع مسلّح، على الأطراف عدم خوض هجوم في حال قد يؤدّي هذا الهجوم إلى أذى زائد للمدنيين. ويجمع المحامون الدوليون على أنّ إسرائيل انتهكت القانون الإنساني الذي فيه تعتبر حماية المدنيين واحداً من أقدس مبادئه.
وما من تكافؤ في تصرّفات الفلسطينيين وموقف الإسرائيليين. إذ كان الفلسطينيون غير مسلّحين ولم يشكلوا خطراً مباشراً على إسرائيل.
ما الذي يمكن فعله؟ على ضوء موقف الولايات المتحدة المسيطر والمعرقِل، يبقى الخيار القانوني الدولي محدوداً. لذا نظرياً يجب أن يتولّى مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة والمسؤول عن السلام والأمن العالميين زمام الأمور في إطلاق عمل جماعي.
وبعد الدمار المستمر لسوريا، يعمّ شعور بالخيبة من الأمم المتحدة ومن المجتمع الدولي. لكن لم ينتفِ الأمل بعد. ففي حال لجأت الولايات المتحدة إلى حقّ النقض، بإمكان الجمعية العامة اللجوء إلى قرار الاتّحاد من أجل السلام، الذي يخوّل الجمعية العامة القيام بعمل جماعي وإطلاق لجنة تقصّي حقائق. علاوة على ذلك، فلسطين جاهزة لإحالة المجزرة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ومن الحلول التي غالباً ما يتمّ التغاضي عنها هي أنّ للأمين العام للأمم المتحدة حرّية تصرّف كبيرة في تقديم التوصيات. فبإمكانه إطلاق لجنة تقصّي حقائق، كما فعل عندما أطلق الجيش الإسرائيلي النار على مدنيّين كانوا على متن سفينة مافي مرمرة التي كانت جزءاً من أسطول حرية غزة والتي كانت تُبحر في المياه الدولية.
وبإمكان الأمين العام التوصية بأن يتم توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة. فبسبب النقص في المستشفيات الغزية عقب المجزرة، قد تساهم هذه المساعدات في الحؤول دون تزايد عدد القتلى.
لكن ما دامت إسرائيل تسيطر على مداخل غزة، قد يكون توصيل المساعدات أمراً مستحيلاً.
وباستثناء مصر، التي أخذت على عاتقها التوسّط بين حركة حماس وإسرائيل، يفتقر المجتمع الدولي إلى الشجاعة للقيام بعمل ملموس. لكن باعتبار مصر جهة معنية في الصراع، لا يمكن أن تكون هذه الدولة موضوعية، زد على ذلك أنّ سجلّها في مجال حقوق الإنسان يجعل منها وسيطاً غير شرعي أيضاً.
ويترك هذا الأمر فراغاً لتملأه جنوب أفريقيا. فحتى الآن، سحبت كلّ من جنوب أفريقيا وتركيا وإيرلندا سفراءها من إسرائيل.
ومساء الإثنين، غرّد أحد الغزيين على تويتر قائلاً إنّ رائحة الموت تملأ غزة. فقد أفضت نتائج الوحشية الإسرائيلية التي برزت هذا الأسبوع إلى تشويه الكثير من الشباب وإغضابهم بعد ممارستهم حقهم الشرعي بالاحتجاج.
وفيما عبّر المجتمع الدولي عن صدمته تجاه شاربفيل معتمداً أنواعاً مختلفة من الأعمال والتصرّفات، يبدو أنّه من المستبعد أنّ قدرة الإفلات من العقاب التي تتغنّى بها إسرائيل ستشهد انحساراً. وفيما تشكل شاربفيل نقطة ازدياد في أعمال المجتمع الدولي الناشطية، تطلق أحداث 14 مايو الدموية موجة من العنف ذاته.
Commentary
Op-edغزة تنزف فيما إسرائيل تحتفل
الأربعاء، 16 مايو 2018