يوم السبت، في افتتاح القمة العربية الـ 26 في شرم الشيخ، تعهد الملك السعودي الجديد، سلمان بن عبدالعزيز، بأن الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضدَّ المليشيات الحوثية في اليمن ستستمر حتى تصبح البلاد “مستقرة وآمنة “. نظراً للتحديات المختلفة التي يواجهها اليمن، فهذا يعني أن عملية “عاصفة الحزم “سوف تستمر لفترة طويلة جداً قبل أن يتحقق هدفها المعلن.
إن الحفاظ على اليمن مستقرٍ وآمن هو هدفٌ كان يمكن للمملكة العربية السعودية أن تسعى إلى تحقيقه قبل ستة أشهر بعد أن سيطر الحوثيون على صنعاء. أما الآن، فاليمن يقف على شفير حربٍ أهلية، والتدخل بقيادة المملكة العربية السعودية لا يفعل شيئاً لتفادي الانزلاق إليها. والسؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هو: لماذا انتظرت المملكة العربية السعودية وقتاً طويلاً لتتصرف؟ ولماذا تدخلت بهذا الأسلوب بالذات؟
استناداً إلى الموقف الذي يتبنونه، يلجأ المحللون إلى إعطاء عددٍ من التفسيرات المحتملة لتبرير التلكؤ والتأجيل في الموقف السعودي. التفسير الأول يُعزى إلى التحول الإداري في الحكم. فمع وفاة الملك عبد الله، كانت المملكة أكثر اهتماماً وانشغالاً في ترتيب بيتها في الداخل منها إلى الالتفات إلى اليمن والحيلولة دون وقوعه في حالةٍ من الفوضى. والتفسير الثاني في هذا السياق يشير إلى أن “ملف” اليمن كان من اختصاص المرحوم ولي العهد/الأمير سلطان حتى العام 2011، وقد جرى بعد ذلك تقسيم هذا الملف بين وزارة الداخلية بإشراف محمد بن نايف وبين أجهزة الاستخبارات التي تتابع على إدارتها عدد من الأمراء. ويشير التفسير الثالث إلى أن القيادة السعودية، قد جرى تضليلها من قبل الإمارات العربية المتحدة ومصر بمطاردة لا داعي لها لجماعة الإخوان المسلمين والتي استحوذت على جُلِّ اهتمامهم، فضلاً عن خوض حربٍ ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية. ولكن أياً من هذه التفسيرات لا يُقدِّم إجابة كاملة. فإذا كان آل سعود، بمواردهم الهائلة وبالعداء المستحكم تجاه إيران، لم يُبصروا التهديدَ الحوثي الذي كان يلوح في الأفق، فعلى الجميع حينئذٍ أن يساورَهم القلق على مستقبلِ الاستقرار في هذه المنطقة.
لقد حان الوقت للمملكة العربية السعودية كي تُلقيَ نظرة أكثر شمولية على ما يجري في اليمن، كما آن الأوان لدول مجلس التعاون الخليجي كي تدركَ الأهمية الاستراتيجية للتعامل مع اليمن باعتباره يُمثّل مشكلة تنموية وليس مجرد مشكلة أمنية. فلو أن جزءاً ضئيلاً من المليارات التي أُنفقت من أجل احتواء اليمن ـــ من خلال بناء الجدران وشراء الأسلحة ووضع شبكات المراقبة وحشد الجنود، والآن الانخراط بحملة قصفٍ جوي ـــ تمَّ استخدامه بدلاً من ذلك لخلق فرص عملٍ وتحسين البنية التحتية المتداعية في البلاد، لما شعرت الرياض وبقية دول مجلس التعاون الخليجي بمقدارٍ بسيطٍ من القلق الذي يساورهم الآن.
وفي تبرير تدخلها، تُسارع المملكة العربية السعودية إلى الإشارة بأنَّ أفعالها جاءت استجابة لنداء الرئيس اليمني المعترف به دولياً، عبد ربه منصور هادي، وإلى أنَّ الحملة الجوية التي تشنُّها تحظى بتأييدٍ حاسمٍ من جانب جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. ومع ذلك، فإنَّ طبيعة هذه الحملة تعني أنه حالما تَنفُذ الأهداف العسكرية الواضحة للسعوديين وحلفائهم، فمن المُحتّم أن أخطاءً ستقع ـــ كما حدث صباح يوم الاثنين عندما قُتل العشرات في غارةٍ جوية أصابت مخيماً للنازحين في منطقة حرض شمالي اليمن ـــ وأنَّ عدد الضحايا المدنيين سيرتفع، مما سيجعل الناس، سواء في اليمن أو في أماكن أخرى، يشرعون بالتشكيك والتساؤلات حول أخلاقيات هذه الحرب.
إنَّ الملك سلمان وابنه محمد ربما استطاعا تأمين الغطاء القانوني المطلوب، لكنهما بالتأكيد سيجدان أنَّ من الصعب جداً محاولة تبرير الحرب أخلاقيا. وفيما يلي نستعرض بعض الأسئلة الأخلاقية التي يحتاج السعوديون إلى مواجهتها والردِّ عليها حتى لا يؤديِ التدخل إلى نشوب حربٍ طويلة الأمد تستنزف البلدين مادياً واجتماعياً واقتصادياً.
1. “تأديب الأضعف لتلقين الآخرين درسا“
يجري تنفيذ الحملةِ الجوية في واحدةٍ من أفقر البلدان في المنطقة، إنْ لم يكن في العالم، والتي كانت مكاسبها التنموية على مدى سنواتٍ محدودة للغاية. الدليلُ على وجود دعمٍ إيراني واسع النطاق للحوثيين ضعيفٌ جداً، كما أن قدرتهم على حشد الحلفاء تكاد لا تُذكر. وصحيحٌ أنَّ الحوثيين قد تجاوزوا كل الحدود في توسيع نطاق نفوذهم في البلاد، لكنهم عندما فعلوا ذلك لم يُجابهوا سوى بالحدِّ الأدنى من المقاومة العسكرية، وبالتأكيد (تمت السيطرة والتوسع) دون ارتكاب أي شيءٍ يدنو من الأفعال غير الأخلاقية التي شُوهدت في العراق وسوريا، أو حتى في غزة خلال العام الماضي. وهذا يجعل من الصعبِ جداً تبرير التدخل السعودي أخلاقياً على أساسٍ من المسؤولية لتقديم حمايةٍ إلى الشعب اليمني. بل إنه يجعل الأمرَ يبدو كما لو أنَّ السعوديين قرّروا التنمُّر على أضعفِ طفلٍ في الجوار من أجل تلقين إيران درساً.
2. “خلق الوحش ودعمه”
ومن الواضح أنَّ الحوثيين قد ذهبوا بعيداً في استعراض عضلاتهم وأظهروا قدراً كبيراً من السذاجة السياسية. إلا أنه مما لا شكّ فيه، مع ذلك، أنّ الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، قد ضلل بهم. فمن دون دعمٍ من صالح ومن حزب المؤتمر الشعبي العام ومن الحرس الجمهوري، ما كان للحوثين أن يتقدموا خارج حدود صعدة. ولكن من ذا الذي أوجدَ صالح ودعمه وسانده لأكثر من ثلاثين عاماً وظلَّ حتى النهاية يدافع عنه لينجو ويتمتع بالعفو المثير للجدل؟ ها هنا، بكل تأكيدٍ، تقع مسؤولية أخلاقية على المملكة العربية السعودية، إذْ انها هي التي خلقت وحشاً أتقن ببراعةٍ فنَّ التلاعب والبقاء على قيد الحياة حتى درجة الكمال. ولا بُدَّ للسعوديين من أن يعلنوا بشكلٍ واضح أن ليس لديهم أيّ نيةٍ في اتخاذ صالح أو أيّ شخصٍ آخر وكيلاً لهم في اليمن.
3. “إنكار المظالم المشروعة”
يمثّل الحوثيون لاعباً ذا أهمية بجذور وطنية مغروسة في البلاد، ولا يمكن إلحاق الهزيمة بهم بتدخلٍ خارجي، لا سيما بالنظر إلى الدعم الشعبي الذي يتمتعون به في أجزاء كثيرة من اليمن. وبصرفِ النظر عن كونهم “غير ناضجين سياسياً”، فإنّ شكواهم ضدَّ الحكومة المعترف بها دولياً تُعتبر مشروعة إلى حدٍّ كبير، وهي تتركز حول ثلاث نقاطٍ رئيسية هي: تأمين حماية فعَّالة للمجتمعات المحلية في البيضاء ومأرب من توسع تنظيم القاعدة وحلفائه، وتحقيق مستوى متناسب من المشاركة السياسية، والتصدي للفساد على نحوٍ فعَّال. وهذا المطلب الأخير هو جوهر المعضلةِ الأخلاقية التي تواجه المملكة العربية السعودية والمجتمع الدولي. فمن خلال دعمهم للرئيس هادي، هم يدعمون أحدَ المسؤولين الأطول خدمة في حكومة علي عبد الله صالح. فبالنظر إلى أن هادي كان نائباً للرئيس لما يقرب من 18 عاماً، فليس من المستغرب أن نجد الحوثيين وغيرهم ينحون عليه باللائمة لما وصل إليه وضع اليمن.
4. “الاصطفاف بشكلٍ غير مباشر مع منظمة إرهابية”
وهناك مسألة أخلاقية أخرى تتعلق بالموقف السعودي إزاء تنظيم القاعدة. فقد أعلن الحوثيون أن تنظيم القاعدة (وداعش) عدوهم الأول في البلاد في أعقاب التفجيرات المروعة التي وقعت في المساجد التي يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء خلال صلاة الجمعة في 20 مارس. في ظِلّ القصف الجوي السعودي، يبدو أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي هو في حالة حربٍ مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لأكثر من عقد من الزمن، قد أُعطي استراحة هو بحاجةٍ ماسة إليها لتكون بمثابة فترة نقاهةٍ له وفرصة لإعادة تنظيم الصفوف، مما يمنح التنظيم مجالاً أوسع لزيادة تقويض أي معنى لسلطة الدولة ونشر نفوذه في رقعةٍ واسعةٍ من البلاد.
5. “زيادة الانقسامات الطائفية بين العرب”
إنّ آخر معضلة أخلاقية وأكثرها أهمية هي: في سعيهم لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، فإنّ السعوديين قد ألقوا أكثر من 10 ملايين من الزيديين في حضن التيار الشيعي السياسي لإيران وحزب الله. فعلى الرغم من أن الزيدية تُعتبر مدرسة شيعية في الفكر، من حيث أنهم يعتقدون في الإمامة أو في حصر القيادة بنسل بيت علي، إلا أنها الأقرب إلى أهل السنَّة. وفي الواقع، فبرفض الزيدية لمذهب الامام الغائب، وعودة المهدي، ومعتقداتها في أن الإمام ليس معصوماً ولا قادراً على صنع المعجزات، فضلاً عن قبولها أبو بكر وعمر كخلفاء شرعيين، فهي أقرب إلى الإسلام السنّي منها إلى الإسلام الشيعي، كما يُمارس في إيران والعراق وجنوب لبنان. أما وصف الحوثيين بأنهم من الشيعة وربطهم بإيران فهي أسطورة ابتدعها أول مرةٍ علي عبد الله صالح (الذي هو نفسه من الزيدية) في العام 2009، في محاولةٍ يائسةٍ لكسب تأييد السعوديين في حروبه الست ضدَّ انتفاضة الحوثيين. وعليه، فمن قِصَر النظر الشديد من المملكة العربية السعودية توظيف نفس الخطاب الآن، لأنه يبعث برسالة خاطئة إلى الشيعة في جميع أنحاء العالم العربي، بمن فيهم أولئك الذين قاتلوا بشدة للحفاظ على النجف وكربلاء كمرجعٍ لهم والنأي بأنفسهم عن الإيرانيين.
وما لمْ يكن السعوديون قد توصلوا إلى النتيجة بأن “الفوضى الخلاقة” في اليمن هي شيء جيد، فإنّ أياً من هذه المعضلات لن يرتدَّ بنتيجة طيبة على المملكة، التي من المفترض أنها الأكثر ثراءً في العالم العربي، وأن لديها أكبر مصلحةٍ في الدفاع عن الإسلام السنّي والاستقرار الإقليمي في المنطقة، وأنها تشترك مع اليمن بحدودٍ طويلة غير محمية.
وفي نهاية المطاف، فإنَّ افتقار اليمن للاستقرار سيجعل منه جُرحاً مفتوحاً دائم النزف في خاصرة المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج.
Commentary
حرب المملكة العربية السعودية في اليمن: الأسئلة الأخلاقية
March 31, 2015