لا يخفى أن محادثات السلام الجارية بين إسرائيل والفلسطينيين وعرة منذ البداية، مع استمرار ورود تقارير من وسائل الإعلام تشير إلى مشاحنات بين الجانبين. وإذ تسير الأمور على هذا المنوال، فهناك حاجة للفت النظر أن حماس، ثاني أكبر مؤسسة سياسية في فلسطين، لم تشارك في هذه المفاوضات. إنني أرى في كلا الأمرين خطأً وفرصة ضائعة، لا سيما بسبب التغير الذي طرأ على أيديولوجية حماس على نطاقٍ واسع لكن دون أن يلقى الاهتمام الذي يستحقه.
في السنوات الأخيرة، انتقلت حركة حماس من أيديولوجية دينية لتتحول إلى حركة قومية تركز على الحقوق الوطنية. أسلط الضوء في هذه المقالة على هذا التحول الحاسم على الساحة الفلسطينية، وأناقش هذا التحول في أيديولوجية حركة حماس في الفترة الممتدة بين العام 2005 والعام 2012، واستكشف الآثار المترتبة على هذا التحول فيما يتعلق باحتمالات السلام .
أصبحت حركة حماس لاعباً فلسطينياً رئيساً حين فازت في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية الديمقراطية في العام 2006. ورغم محاولات الجهات الفلسطينية والدولية لدفع حماس إلى الهامش من خلال الضغوط المالية والتدخلات العسكرية، لا تزال حماس لاعباً يهيمن على الساحة الفلسطينية. فقبل العام 2006 وبعده، تغيرت حماس كثيراً بأشكال تؤثر حتماً على الخيارات السياسية والمواقف التي قد تعتمدها الحركة بشأن محادثات السلام. ولكن هذه التغييرات لاقت تجاهلاً تاماً من قبل المجتمع الدولي وإسرائيل وبعض الأطراف الإقليمية، التي لا تزل ترى حركة حماس من خلال عدسة يبلغ عمرها 15 عاماً: أي كمنظمة إسلامية وإرهابية. لكن خلافا لهذا الرأي الشائع، أكد أعضاء رفيعو المستوى من حركة حماس، على سبيل المثال، أن حماس حركة تشهد باستمرار تغيرات وتحولاً ذاتياً.1 إن حقيقة أن حركة حماس استمرت لأكثر من 25 عاماً تؤكد على هذا، إن أي لاعبٍ سياسي في الشرق الأوسط لابد وأن يتمتع بدرجة من البراغماتية والمرونة إذا أراد الاستمرارية في الوضع السياسي المعقد والمتشابك ف المنطقة.
لقد حللت خطاب حركة حماس السياسي في البيانات العربية اليومية الموجهة إلى أعضائها ومؤيديها في الفترة الممتدة بين العامين 2005 و2012، استناداً إلى أحداثٍ منتقاة عن كل عام ولفترة شهرين تلت كلّ حدثٍ من هذه الأحداث. كان اهتمامي منصبا على تحليل ومعرفة كيف تقوم حركة مثل حماس بتبرير خيارات العنف في خطابها وكيف تضفي الشرعية المطلوبة على خياراتها السياسية. كشف التحليل هذا العديد من النتائج المثيرة للإهتمام التي تضمنتها أطروحة الدكتوراه التي أعددتها في مجال دراسات السلم والنزاعات، وسأعمد في ما يلي إلى مشاركتكم بعضاً من هذه النتائج.
يقوم المكتب الإعلامي لحركة حماس بنشر البيانات اليومية للحركة وهي متوفرة جميعا على الموقع الإكتروني التابع لحركة حماس www.palestine-info.org. تحتوي بيانات حركة حماس اليومية على رسائل توجهها الحركة إلى جمهورها المحلي وأعضاها ومؤيديها. ومؤخراً أضيفت لغات جديدة إلى الموقع ومنها التركية والملاوية، الأردية، الإنكليزية والفرنسية.
بيّنت الدراسة التي أجريتها أن أحد أهم مجالات التغيّر التي طالت الأيدولوجية السياسية لحركة حماس تتجلى في التحول من الأيدولوجية الدينية إلى الوطنية. وفي هذا الصدد، تبدو حماس غير مختلفة عن الأحزاب الإسلامية الأخرى التي تعين عليها عاجلاً أم آجلاً أن تتقبل أن أيديولوجية شاملة تستند على مفهوم الأمة هي غير عملية في المشهد السياسي الراهن. والمثال الحالي الأبرز على هذا التفكير هو حركة النهضة في تونس، التي تتحدث عن إسلام تونسي أكثر مما تتحدث عن الإسلام.2 ومع ذلك فإن الجدير بالذكر هو أن التحول في حركة حماس لم يكن مدفوعا بـ”الربيع العربي”، فقد بدأ تحول حركة حماس في العام 2005، حين قررت المشاركة في الإنتخابات الفلسطينية.3 كذلك، أشار بعض المؤلفين على غرار مكغوغ وأبو نمل إلى لمحات عن هذا التحول قبل سنوات، كالتحول إلى مفهوم الهدنة والتراجع في استعمال كلمة جهاد. إلا أن هؤلاء الكتاب لم يقدموا تحليلاً منهجياً لإثبات هذه التغيرات.4
في ما يلي، أفصّل التحول من الأيديولوجية الدينية إلى الوطنية من خلال ثلاثة تغيرات لغوية في بيانات حركة حماس: من الأمة إلى الشعب، من اليهود واليهودية إلى الإسرائيلين وإسرائيل، ومن الجهاد إلى المقاومة.
الأمة/ الشعب
يشير مصطلح “الأمة” إلى المجتمع الإسلامي الذي يتخطى الإنتماء الوطني و/أو العرقي. إنها رابطٌة شاملة. في المقابل، يدل مصطح “الشعب” على المجتمع الوطني المعتمد على الإنتماء الوطني.5 إن التحول إلى استعمال مصطلح “الشعب” في خطاب حماس هو تحولٌ لافت. فتحدد من خلاله حماس التزامها بالأهداف الوطنية الفلسطينية، وليس بأيديولوجية إسلامية شاملة كتلك التي يعتمدها حزب التحرير الساعي إلى إحياء الخلافة الإسلامية. يوضح التحليلٌ الكميٌ هذا الأمر. فعلى سبيل المثال، استُعملت كلمة “شعب” و”شعبنا” 282 مرة في العينة المختارة من العام 2006، لكن كلمة “أمة” و”أمتنا” استُعملت 40 مرة فقط في العينة نفسها. أما في العام 2012، وصل مجموع عدد المرات التي استعملت فيها كلمتي “شعب” و”شعبنا” إلى 77 مقابل 4 مرات لكلمتي “أمة” و”أمتنا”.
أما التحليلٌ النوعيٌ فيؤكد هذا البروز للهوية الوطنية على الإسلامية أيضاً. فعلى سبيل المثال، تشير حركة حماس في العادة إلى مبادئها الثابتة ومواقفها السياسية بـ”الثوابت”. وتحت عنوان “الثوابت” في برنامج حركة حماس في انتخابات عام 2005، أدرجت حركة حماس “التمسك الكامل بحقوق شعبنا الثابتة والأصيلة في الأرض والقدس والمقدسات والمياه والحدود والدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس.” وينص البرنامج أيضاً على ما يلي: ” فلسطين التاريخية جزء من الأرض العربية والإسلامية وهي حق للشعب الفلسطيني لا يزول بالتقادم،…”. يبقى كل من قضية القدس والصراع حول ملكية أرض فلسطين التاريخية من ضمن مواقف حماس الثابتة. إلا أن حركة حماس تطالب بهذه الحقوق في إطار الحقوق الوطنية للفلسطينيين بدلاَ من الحقوق الدينية للمسلمين جميعاً. ونظراً لأهمية القدس بالنسبة للمسلمين جميعاً، فمن المثير للاهتمام أن حركة حماس اختارت عدم استخدام كلمة “أمة”، مؤكدةً بذلك تأكيداً صريحاً على البعد الوطني بدلاً من الإسلامي.
اليهود/ الإسرائيليون
بالإضافة إلى التحول من “الأمة” إلى “الشعب”، حصل تحولٌ آخر باتجاه البعد الوطني متمثلا في كيفية مهاجمة دولة إسرائيل وانتقادها. إذ لم تعد حركة حماس تعرف الإسرائيليين بدينهم، فتوقفت عن استعمال مصطلحات يهود ويهودي ويهودية في بياناتها. تشير أدبيات حركة حماس السابقة، كما في ميثاق الحركة المكتوب سنة 1988 وبياناتها التي تعود إلى الفترة الممتدة بين 1990 و1994 إلى الإسرائيليين بـ”اليهود” أو “العدو” “النازي” أو “الصهيوني”.6
هذا لا يعني أن حركة حماس توقفت عن مهاجمة إسرائيل في بياناتها. فلا تزال حركة حماس تهاجمها لكن بتركيز على احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية عسكرياً. تستعمل حركة حماس مصطلح “سلطات الاحتلال” أو “المؤسسة الصهيونية” للدلالة على دولة إسرائيل، إلا أنها لا تستعمل أبداً كلمة “إسرائيل”. يبدو أن النية من ذلك تكمن في التأكيد على علاقة المُضطهِد بالمُضطهَد. بيان واحد فقط من أصل 277 بيان يشير إلى دولة إسرائيل باستخدام كلمة “اسرائيل”. وعلى الرغم من أن جميع المصطلحات التي تستخدمها حماس لتصف اسرائيل كلّها تنتقد الأخيرة بشدة، إلا أنهاجميعها تضع الصراع في إطار وطني بحت. أما الإشارة إلى الصهيونية في خطاب حماس فهو بارز إلى حد كبير، لأن هذه الأخيرة ترى في الصهيونية أيديولوجية وطنية اقصائية. ومن المثير للاهتمام، أن هذه الكلمات تحديداً هي نفس المفردات التي تستعملها إسرائيل لتثبت أن حركة كماس تريد إقصاء إسرائيل. ولكن، حركة حماس ما كانت لتحدد موافقتها، أكثر من مرة، على الحلّ القائم على الدولتين، إذا كان قصدها فعلاً إقصاء إسرائيل. إضافة إلى ذلك فهنالك تيارات متعددة داخل حماس بمواقف مختلفة حول الطريقة النسب للتعامل مع اسرائيل.
هاجمت بيانات حركة حماس في وقتٍ سابقٍ وفي شكلٍ خاص اليهود ووصفت الصراع بالصراع القائم بين اليهودية والإسلام. أما اليوم، فترسم حركة حماس خطوطاً واضحة بين اليهود واليهودية من جهة، وسياسات دولة إسرائيل والصهيونية كأيديولوجية قومية من جهةٍ أخرى. ففي السنوات الثمانية الماضية، كشف خطاب حركة حماس لامبالاةً إزاء هوية إسرائيل اليهودية. ولكن لا يزال الخطاب الديني مستخدماً، لتبرير المقاومة المسلحة كـ”جهاد” شرعي، ولوصف حركة حماس نفسها كمجموعةٍ ورعة.
الجهاد/ المقاومة
هناك تحولٌ لغويٌ مماثل في بيانات حركة حماس وهو التحول من مصطلح الجهاد إلى مصطلح المقاومة. أولت البيانات السابقة لحركة حماس أهمية كبرى لمفهوم الجهاد وتصدر أدبياتها، و تطرقت حركة حماس في خطابها للجهاد كمقاومة مسلحة ضدّ الاحتلال العسكري الإسرائيلي وكفرض عين على كل مسلم.7 إلا أن تراجع استخدام مصطلح الجهاد في خطاب حركة حماس يبدو حاداً جداً بحيث لا يمكن تجاهله.
يلقي الجدول أدناه الضوء على التراجع الحاد في استخدام المصطلح الديني “الجهاد” والاستعاضة عنه بمصطلح أكثر وطنية وعلمانية: “المقاومة”. فعلى مرّ السنين، حلّت “المقاومة” تدريجيا محل “الجهاد” إلى حدِ كبير. أما الإستثناء الوحيد في هذا السياق كان في العام 2006، حين تم اختيار عينة البحث بعد عملية أسر (في الخطاب الفلسطيني)/ أوخطف (في الخطاب الاسرائيلي) الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 25 يونيو والمواجهات العنيفة التي تلت ذلك بين حماس وإسرائيل. فإذا كانت هذه العملية تفسر بروز مصطلح الجهاد في حينه، فنحن أمام مفارقة اخرى. لقد احتدمت مواجهات عنيفة بين حماس واسرائيل في فترات أخرى إلا أن مصطلح الجهاد لم يبرز في تلك الحالات . فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن عينة البيانات تضم بيانات صدرت خلال وبعد حرب غزة (عملية “الرصاص المصبوب”) في ديسمبر 2008،إلا أن استخدام مصطلح “المقاومة” بقي بارزاً ولم يتصدر مصطلح الجهاد الخطاب السياسي في حينه، على رغم من أن السياق كان ليفسر كثرة استعمال “الجهاد” في تلك الفترة.
*يستثنى من ذلك كلمة مقاومة حين تظهر في اسم حركة حماس الكامل (حركة المقاومة الإسلامية).
الإعلانات الغير مسبوقة
لم تظهر هذه التغييرات في خطاب حماس السياسي من فراغ. فقد تزامن ظهورها مع تقديم حركة حماس اثنين من التصريحات الهامة. أدلى خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، التصريح الأول في خطاب قدمه في يونيو 2009، وافق فيه على حلّ الدولتين على أساس حدود عام 1967. وقبل ذلك بثلاث سنوات، أدلى إسماعيل هنية، الذي شغل منصب رئيس الوزراء بعد فوز حركة حماس بالانتخابات – تصريحاً مماثلاً. ففي اجتماعٍ حاشدٍ في غزة يوم 6 أكتوبر 2006، أعلن هنية أن حركة حماس تقبل بإقامة دولة فلسطينية وفقاً لحدود عام 1967 مقابل هدنة، ولكن ليس مقابل الاعتراف بدولة إسرائيل.8 وعرضت حركة حماس في أكثر من مناسبة إمكانية أن تمتد الهدنة مع اسرائيل إلى فترات طويلة قد تصل إلى 30 أو 50 عاماً. ولكن مرّ هذا التصريح دون أن يلاحظه أحد تقريباً، رغم أن هدنة على هذا الأساس قد تكون حلاً مؤقتاً جيداً في الوقت الذي فشلت فيه الخيارات الأخرى جميعها.
إلا أن هذه التحولات الاستراتيجية نحو إطار فكري وطني – استناداً إلى مصالح وطنية فلسطينية – يعَرّض حركة حماس إلى مخاطر شديدة على المستوى المحلي. وتبدو حماس مستعدة اليوم لتحمل هذه المخاطر بهدف ضمان نتيجة وطنية، وبعبارة أخرى للاكتفاء بجزءٍ من الأرض بدلاً من أرض فلسطين التاريخية كاملةً.
بالفعل، تدفع حركة حماس اليوم ثمن هذا الخيار. يُعزى جزءٌ كبيرٌ من تراجع التأييد الذي تلقاه حركة حماس في الأراضي الفلسطينية المحتلة اليوم إلى نقص في التزام حماس بالمقاومة المسلحة ضد إسرائيل. فعلى سبيل المثال، حين التزمت حماس بهدنة أحادية الجانب في العام 2006، أعلنت فصائل أخرى رفضها لهذه الهدنة من خلال إطلاق حملات مسلحة ضد أهداف إسرائيلية.9 وتكبدت حركة حماس خسائر فادحة طالت قاعدتها الشعبية وعضويتها نتيجة لمحاولاتها السيطرة على مثل هذه الهجمات التي تشنها جماعات أخرى في غزة.. لقد ترك نحو 3500 عضو من أعضاء كتائب عز الدين القسام حركة حماس للإنضمام إلى جماعات جديدة في غزة.10 وبالتالي، فإن هؤلاء الأعضاء وتلك الجماعات الأخرى في غزة تلقي اللوم على حماس اليوم متهمة إياها لالتخلي عن المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.11
ولا داعي للقول أن التحول في موقف حماس بشأن الاتفاق النهائي، ولا سيما الموافقة على جزءٍ من الأرض في إطار حلّ الدولتين ولو ضمنيا، وضع حركة حماس في مأزقٍ أمام الجماعات المسلحة الأخرى في فلسطين التي تطالب بأرض فلسطين التاريخية كاملةً. إن قبول حماس بحلّ الدولتين بشكل رسمي أو على شكل هدنةٍ طويلة الأمد يشير إلى أنها مستعدة لقبول الأرض وإقامة دولة فلسطينية في مناطق الضفة الغربية من الأراضي الفلسطينية المحتلة والتخلي عن مطالبات أكبر باستعادة أرض فلسطين التاريخية كاملة من النهر إلى البحر.
أهمية هذه التغيرات على احتمالات السلام
إن التحول من الأيديولوجية الدينية إلى الوطنية أكثر ريادةً وأهمية من ما قد يبدو . إذ يختلف هذا الإلتزام بالأجندة الوطنية اختلافاً واسعاً عن رؤية حسن البنا، مؤسس حركة الإخوان المسلمين، التي انبثقت منها حركة حماس. أشار حسن البنا بقوة إلى أن التضامن الإسلامي يسبق الصراع الوطني.12 وأشار، أحمد ياسين، الذي يُعتبر مؤسس حركة حماس، أنه إذا كان الولاء للأرض أكثر منه للعقائد الدينية، فإن هذا قد يتضمن إمكانية أن يتم استبدال قطعة أرض معينة بأرضِ أخرى.13
وهنا تحديدا تبرز أهمية هذا التحول إلى الوطنية في خطاب حماس السياسي. إن التحول إلى أجندة وطنية يعني التحول إلى المصالح قابلة للتفاوض. من ناحية أخرى، ففي حين تمثل الأيديولوجية الدينية قيماً غير قابلة للنقاش والتفاوض، فإن المصالح الوطنية قد تكون قابلة للتفاوض. ولكن لا يعني ذلك، أن الدين وحده شكل عائقاَ في وجه إرساء السلام في المنطقة.
على غرار الدين، تُعتبر الوطنية أيديولوجية إقصائية تطلب الدماءً للدفاع عنها.14 ولكن ما أحاول توضيحه، هو أن الأيديولوجية الدينية ستركز دوما على المطالبة الشاملة والراسخة بأرض فلسطين التاريخية كاملة، مع الانتماء إلى الأمة الإسلامية، في حين أن الأجندة الوطنية ستتطلب إقامة دولة فلسطينية على جزءٍ من أرض فلسطين التاريخية بدعم الفلسطينيين وإنتمائهم وليس بدعم العرب أو المسلمين جميعاً وانتمائهم.
وبسبب هذا التحول، يمكن للمرء أن يتوقع أن المفاوضات مع حركة حماس حول المصالح الوطنية بدلاً من القيم الدينية ستؤدي إلى نتائج ملموسة. فمع تخلي حركة حماس عن مبادىء البنا وياسين، وتحديد المقاومة بجغرافية فلسطين التاريخية، تؤكد حركة حماس على مجال المصالح الوطنية كأولوية تتفوق على الأيديولوجية الدينية.
ولا داعي للقول، أن التغيرات السريعة في المنطقة، ونجاح الحملات السلمية في الإطاحة ببعض الأنظمة، والوضع الراهن في سوريا، والوضع السياسي للأحزاب الإسلامية في تونس ومصر، قدمت جميعا لحماس الكثير للتفكير به حولخياراتها السياسية. إن صعود الإخوان المسلمين وسقوطهم في مصر، ونهج حزب النهضة الأكثر واقعية واستيعاباً، ودور حزب العدالة والتنمية في تركيا، كلها تقدم لحركة حماس نماذج عن الأحزاب الإسلامية الحاكمة. تقيم قيادة حركة حماس حالياً في الدوحة ، حيث تنكشف أزمة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي بشأن سياسات بعض الدول الأعضاء إزاء جماعة الإخوان المسلمين. ورغم التحولات الأيديولوجية، كانت حركة حماس ولا تزال وفية لجماعة الإخوان المسلمين. أما كيف ستؤثر هذه التحولات على الخيارات السياسية لحركة حماس فهذا ما سنشاهده قريباً. ولكن الواضح هو أنه على غرار ما حصل في السنوات السابقة، ستستمر حركة حماس في تغيير وتحويل نفسها. إلا أن المهم هو فهم كيف يمكن أن تساعد هذه التحولات في التوصل إلى اتفاق مقبولِ من بين مختلف الجهات الفلسطينية، من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.
الهوامش
1. الجولاني، عاطف، وحمزة حيمور. “حوار مع خالد مشعل: رؤيتنا واضحة.”صحيفة السبيل الأسبوعية (عمان)، 21 يوليو، 2010.
2. العريض، عامر. في حلقة نقاش “مستقبل تونس بعد ثورة الياسمين”، معهد بروكنز الدوحة، 17 شباط 2014. https://www.brookings.edu/ar/events/2014/02/17-tunisia-road-ahead
3. على الرغم من معارضة حركة حماس لاتفاقية أوسلو، إلا أن قرارها بالمشاركة في الانتخابات التشريعيةللعام 2005 يلقي الضوء على الموافقة الضمنية والاستراتيجية على اتفاقية أوسلو، لأن النظام السياسي الفلسطيني ومنه المجلس التشريعي هو احد مخرجات اتفاقية أوسلو.
4. مكغوغ، بول. أقتل خالد: عملية الموساد الفاشلة لاغتيال خالد مشعل وصعود حماس (بالانجليزية) ( سيدني: ألين وأنوين للنشر، 2009)، ص 412؛ أبو النمل، حسين. “حماس من المعارضة إلى السلطة أو من الأيديولوجية إلى السياسة]”. في: قراءات نقدية لتجربة حماس وحكومتها، إعداد محسن صالح، 24 – 33. (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والإستشارات، 2007).
5. أحمد شبول، “بين الخطاب والحقيقة: الإسلام والسياسة في العالم العربي”،(بالإنجليزية) في الإسلام في سياسات العالم، إعداد نيللي لحود وأنطوني ه. جونز (لندن ونيويورك: روتليدج، 2003)، ص. 171.
6. على سبيل المثال، في البنود 7، 20 و32 من ميثاق حماس، تتوفر البيانات السابقة في: المكتب الإعلامي لحركة حماس، مستندات حركة المقاومة الإسلامية. 4 مجلدات (من دون مدينة): المكتب الإعلامي لحركة حماس، (من دون تاريخ).
7. البند 15 من ميثاق حركة حماس.
8. للمزيد من التفاصيل عن اقتراحات حماس حول الهدنة وعن خياراتها غير السلمية، راجع شام، بول وأسامة أبو إرشيد: الصلابة الأيديولوجية والمرونة السياسية. (بالانجليزية) تقرير خاص 224 (واشنطن: معهد الولايات المتحدة للسلام، يونيو 2009)؛ وتميمي، عزام. حركة حماس: الفصول غير المكتوبة. (لندن: هرست وشركاه، 2007)، ص. 166 – 69.
9. خالد الحروب، “حماس بعد الشيخ ياسين والرنتيسي” (بالانجليزية)، مجلة الدراسات الفلسطينية، مجلد 33، عدد 2 (صيف 2004): 25 – 26.
10. صايغ، يزيد. ثلاث سنوات من حكم حماس في غزة. ملخص الشرق الأوسط (41). م.أ: مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برانديس، مارس 2010.
11. عبدالله بن بيجاد العتيبي، “حماس والسلفية الجهادية وجهاً لوجه،” الإتحاد (أبو ظبي)، أغسطس 24، 2009؛ محمد أبو قمر، “حكاية إمارة عبد اللطيف موسى”،مجلة فلسطين المسلمة، عدد 9 (سبتمبر 2009)، ص. 22 – 25.
12. البنا، حسن. مجموعة رسائل الشهيد حسن البنا. (بدون مكان وبدون تاريخ).
13. أبو عمر، زياد. “الشيخ أحمد ياسين وأصول حماس”. في المتحدثون باسم المحتقرين: القادة الأصوليون في الشرق الأوسط.(بالانجليزية) إعداد ر. سكوت أبلباي، 225 – 256. (شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو، 1997)، ص. 243 –244.
14. أبو عمر، زياد. “الشيخ أحمد ياسين وأصول حماس”. في المتحدثون باسم المحتقرين: القادة الأصوليون في الشرق الأوسط.(بالانجليزية) إعداد ر. سكوت أبلباي، 225 – 256. (شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو، 1997)، ص. 243 –244. يورجنسمير، مارك. الحرب الباردة الجديدة؟
Commentary
Op-edثنائية الوطني والديني واحتمالات السلام مع حماس
March 18, 2014