تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية في جريدة ذا غارديان.
لم يكن لدى الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الخيارات حين قررت الطرف، إذا كان هناك من طرف، الذي ستسانده في سوريا. يعود السبب جزئياً إلى نضال المجموعات المتمرّدة المعارضة لوضع خلافاتها جانباً والعمل معاً على الإطاحة بنظام بشار الأسد؛ لكنه يعود أيضاً إلى انخراط الولايات المتحدة الخاطئ والمضلل في الصراع وكذلك في المنطقة، ناهيك عن انصراف الغرب للتركيز على الدولة الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى إخماد حملة الإطاحة بالأسد.
في ظل الحرب بالوكالة الدموية والغامضة هذه، لم يكن قرار التعاون مع حزب الشعوب الديموقراطي، وهو مجموعة كردية سورية، وجناحه العسكري المسمى وحدات حماية الشعب الكردي (واي بي جي)، بالأمر الصعب. فهذه المجموعة العلمانية المناصرة للغرب دأبت على قتال القوى الجهادية حتى قبل ظهور داعش على ساحة الأحداث؛ ومن خلال انتهاجها دوراً حيادياً في الصراع – أي رفضها قتال نظام الأسد أو الانضمام إلى قوى المعارضة التي رفضت تلبية مطالب الأكراد- اغتنمت وحدات حماية الشعب الفرصة لإقامة منطقة خاصة بها تتمتع بحكم ذاتي في شمال شرق سوريا.
أدّت وحدات حماية الشعب دوراً رئيسياً في استرجاع الأراضي من داعش، وسوف تكون في طليعة المعركة القادمة لاستعادة مدينة الرقة، كجزء من قوات سوريا الديموقراطية، الميليشيا الجامعة التي يسيطر عليها العرب من الناحية العرقية، لكنها تقع تحت قيادة وحدات حماية الشعب ومقاتليها الأكراد. إنّ القرار الذي أعلنته واشنطن يوم الثلاثاء بتسليح وحدات حماية الشعب بشكل مباشر وتزويدها بالأسلحة الثقيلة، يغيّر قواعد اللعبة في ما يتعلق بعلاقة أمريكا مع أكراد سوريا – مع احتمال تغيير طريقة تعاطي الحكومات الغربية مع المجموعات المسلحة بشكل يعكس النظام الإقليمي المستجد.
هناك مسؤوليات تترتب عن دعم وحدات حماية الشعب بهذا الشكل، فتركيا تخشى صعود نجم وحدات حماية الشعب، التي تعتبر المجموعة الشقيقة لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي)، الذي يحارب الدولة التركية منذ 40 عاماً. ما يقلق أنقرة هو ظهور منطقة كردية مستقلة على حدودها، تعمل كقاعدة لشن هجمات على الأراضي التركية، وهذا القلق مبرر ولا يمكن تجاهله. إنّ عزل ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو- والتي كانت دائماً عنصراً لا غنى عنه في النظام الدولي الليبرالي الذي يقوده الغرب (علماً بأن هذا النظام لو قُدم اليوم، فإنه كفيل بإثارة الجدل) وقوة إقليمية تقيّد طموحات إيران وروسيا بالهيمنة، يمكن أن تكون سيئاته أكثر من حسناته للمنطقة وللمجتمع الدولي معاً.
يمكن لتركيا أن تعرقل طموحات السوريين الأكراد، وأن تعيق الشراكة بين وحدات حماية الشعب وأمريكا. فاحتمال قبولها بمشاركة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب أقل بكثير من احتمال قبول مشاركتها نظام الأسد بشكل مباشر، هذا النظام الذي حاولت تركيا تقويضه من خلال مساندتها للمتمردين السوريين. حزب العمال الكردستاني هو مجموعة تفهمها أنقرة جيداً، وخبرت قدراتها العسكرية. ليس مستبعداً أن تقوم تركيا بعمليات توغّل عسكرية واسعة النطاق لمطاردة حزب العمال الكردستاني، وقد فعلت ذلك سابقاً في شمال العراق، حيث أسّس حزب العمال فصائل تابعة له هناك، وحيث تُعتبر الظروف البنيوية أكثر ملاءمة للتوغّل العسكري.
وهناك أيضاً بعد كردي داخلي في القضية. فرغم أن حزب العمال الكردستاني أعلن التمرد للمطالبة بمجموعة من الحقوق السياسية والثقافية والإقليمية لأكراد تركيا، إلا أنه مُحتَقر من قبل المجتمعات الكردية المختلفة في المنطقة. ورغم أن الحزب عومل معاملة الأبطال في عاميّ 2014 و2015 عندما تغلّب على داعش في جبل سنجار التابع لإقليم كردستان العراق، إلا أنه يُعتبر اليوم عاملاً مقوِّضاً لحكومة الإقليم التي طالبته بمغادرة المنطقة. إن تقويض حكومة إقليم كردستان يعني تقويض حزب العمال الكردستاني لجهود الولايات المتحدة والائتلاف بتحقيق الاستقرار في شمال العراق استعداداً لتحرير الموصل وما سيأتي بعده.
لقد استغلت الفصائل التابعة لحزب العمال الكردستاني الفراغ الأمني الذي حصل في العام 2014 لضعضعة السياسة والأمن في شمال العراق. وخاضت مواجهات عسكرية مع قوة سورية كردية ضخمة في كردستان العراق تُعرف باسم بيشمركة روج آفا (كردستان سوريا) المشاركة في عملية الموصل، والتي مُنعت من قبل وحدات الشعب من العودة إلى سوريا للمساعدة في محاربة داعش.
ومنذ الحملة التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية لاستعادة مدن وبلدات في شمال العراق، قام حزب العمال الكردستاني بتشكيل تحالفات مع ميليشيات شيعية مدعومة من إيران في شمال العراق، انطلاقاً من سعي كلٍ من إيران والعراق إلى زعزعة استقرار كردستان العراق. لقد استفادت إيران ووكلاؤها في المنطقة من علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني لاستخدام المنطقة كنقطة عبور تدخل منها إلى سوريا، للقتال إلى جانب نظام الأسد.
لقد أظهر حزب العمال الكردستاني بفعله هذا رضاه عن إضعاف نظرائه من أكراد العراق، وسعادته بتقويض المصالح الأمريكية في العراق من أجل تعزيز طموحاته التوسعية في المنطقة. سوف تتراجع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من الأكراد السوريين خطوتين إلى الوراء إذا لم يتم توحيد الديناميات التركية – الكردية والكردية – الكردية، ودمجها في الحملة المناهضة لمحاربة داعش في سوريا والعراق. قد يكون من الصعب على الولايات المتحدة الأمريكية التخلي عن وحدات حماية الشعب الكردي، إلا أن هذا لا يمنع واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون من الاستثمار في سياسات شمال سوريا وشمال العراق. يجب على الولايات المتحدة الأمريكية استخدام شراكتها العسكرية مع وحدات حماية الشعب لجعلها طرفاً أكثر شمولية وتعددية، وتمكينها من العمل مع الأطراف السورية الكردية الأخرى، بدلاً من الاستئثار بالحكم وإحكام قبضتها على السلطة.
وقد أدّى نقص الاستثمار في السياسة والانتقاص من أهمية المشكلة العابرة للحدود، إلى تشجيع خصوم الغرب مثل إيران وروسيا على التدخل. إلا أن السعي لإقامة نظام سياسي شامل في كردستان السورية سوف يقطع شوطاً طويلاً باتجاه تحقيق الاستقرار في الشمال السوري بعد استعادة الرقّة: ونحو البناء على تحرير الموصل وطمأنة الأطراف الإقليمية القوية مثل تركيا.
Commentary
Op-edتسليح مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردي قد يأتي بنتائج عكسية قوية على الولايات المتحدة الأمريكية
الجمعة، 12 مايو 2017