لا يُحتمل أن تلقى سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط مزيدًا من الاهتمام خلال الحملة الانتخابية لعام 2012 خصوصًا في ظل التحولات التاريخية الجارية في العالم العربي التي يشار إليها عاميًا باسم “الربيع العربي”. لقد تم تداول “الربيع العربي” عبر وسائل الإعلام بصورة مؤلمة بعض الشيء لفترة بسبب تباري المتنافسين الجمهوريين ليظفروا بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية. وقد يكون هناك بعض المناقشات عن أفضل السبل لمواجهة إيران. كما قد يكون هناك مناقشات هائلة في حال إذا ما انزلق العراق مجددًا إلى حرب أهلية، تبدو محتملة أكثر من أي وقت مضى، حول “من سبب ذلك”. من جانبهم، يستمر الجمهوريون كالعادة في مهاجمة باراك أوباما لعدم دعمه بشكل كافٍ لإسرائيل، ولن يتوقفوا عن ذلك. ويبدو أن ليس هناك إلا رغبة قليلة في تناول ما يمكن أن يفسر الأحداث الأكثر تأثيرًا لكل ما يحدث حاليًا في المنطقة. ويعد هذا تباينًا واضحًا لما كان في سباق عام 2008 حيث برزت السياسة الخاصة بالشرق الأوسط بقوة في حملات أغلب المرشحين البارزين.
في عام 2008، نصَّب باراك أوباما نفسه كخصم لجورج بوش مُحدِّثًا خلافات حادة مع الجمهوريين فيما يتعلق بتعزيز الديمقراطية والصراع العربي الإسرائيلي وإيران وبالطبع العراق. وقد رأى كثير من الأمريكيين والعرب أن الوعد بإعادة صياغة السياسات الخارجية للولايات المتحدة كان عنصرًا أساسيًا في خطاب أوباما. ومع ذلك، بعد فترة وجيزة من الاهتمام، زادت حدة معارضة السياسات الأمريكية في المنطقة في ظل إدارة أوباما. وفي الحقيقة، وفقًا لاستطلاعات رأي متعددة، تراجعت تقديرات الرضا عن سياسات الولايات المتحدة تحت حكم الرئيس أوباما عما كانت عليه خلال الأيام الأخيرة لإدارة جورج بوش.
وعلى ذلك، أصبح ما كان يعتبر يومًا ما أحد أبرز عناصر القوة وأحد مصادر التقارب مسؤولية واقعة على عاتق إدارة أوباما. في الحقيقة، سوف يكون الحكم على الفترة الرئاسية الأولى للرئيس أوباما في منطقة الشرق الأوسط من منظور ردة فعله على الربيع العربي واستجابته له. ويرجع سبب ذلك جزئيًا إلى تخاذل إدارة أوباما في تشجيع الديمقراطية في المنطقة وظهورها غير مستعدة لذلك. ففي نهاية شهر يناير، في الخامس والعشرين من يناير، حيث اندلاع ثورة مصر، خرجت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لتصرح بطريقتها المعروفة قائلةً “تقييمنا أن الحكومة المصرية مستقرة”. وأخيرًا، نادى مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى، استجابة للمظاهرات الحاشدة في القاهرة، بتحول فوري في السياسات وباستخدام الولايات المتحدة لنفوذها في المنطقة لحث الجيش المصري الذي يتلقى 20 بالمائة من ميزانيته من الولايات المتحدة على ألا يستخدم القوة ضد المحتجين. منذ ذلك الحين، أرادت إدارة الولايات المتحدة أن تنحاز إلى “الجانب الحق القويم من التاريخ” بإعلان الرئيس أوباما مرات عديدة دعمه للتطلعات الديمقراطية العربية. ومع ذلك، فلم تُترجَّم خطب الإدارة الأمريكية إلى مبادرات سياسية واضحة، ناهيك عن المساعدات المادية الضخمة التي يجب تقديمها. ومن أبرز الانتقادات التي أخذها المحافظين الجدد والثوريون العرب على حد سواء على إدارة أوباما تباطؤها في دعم المحتجين على الأرض.
من جانبها، تفادت إدارة أوباما طرح رؤية أوسع نطاقًا أو إستراتيجية أشمل لما يحدث، ولكن بدلاً من ذلك أكدت على حاجتها لـ “إستراتيجية جزئية” تركز على خصوصيات كل حالة على حدة. ويعد هذا أمرًا لا مفر منه إذا أخذنا بعين الاعتبار السياقات المتباينة تمامًا لكل بلد. ومع ذلك، يحتاج منهج “كل حالة على حدة” لكي ينجح أن يُوجه برؤية مترابطة منطقية. بالرغم من الأهمية التاريخية للربيع العربي، فلا شيء يقترب من الهدف الموحد لمشروع مارشال الذي طرحه ترومان أو حتى البراعة البلاغية لأجندة الحرية قصيرة الأجل التي طرحها جورج بوش. وبعكس ذلك، تبدو سياسات أوباما المعلنة من حيث المدى والمستوى فاترة في بعض الأحيان. وتعتبر المساعدات الاقتصادية التي وعدت بها الولايات المتحدة الأمريكية الدول التي تشهد تحولات ديمقراطية مساعدات ضئيلة للغاية، وقد تضاءلت أكثر من ذلك بالالتزامات التي قطعتها دول الخليج.
هناك وجهات نظر متصاعدة في الولايات المتحدة وخصوصًا لدي اليسار بأن نفوذ الولايات المتحدة المتراجع في المنطقة ومصداقيتها غير المعتد بها تُحتِّم عليها تبني منهج “عدم التدخل” وتقليل وجودها في العالم العربي. ومع ذلك، وبسبب استمرار امتلاكها لقوة ونفوذ لا بأس بهما في المنطقة، تستطيع الولايات المتحدة ويتوجب عليها تقديم دعم حيوي للبلدان العربية التي تشهد تحولاً ديمقراطيًا. لقد تهيأت للولايات المتحدة الأمريكية، بعد دعمها للأنظمة الاستبدادية في العالم العربي لما يزيد عن خمسة عقود، فرصة جديدة لتنحاز للجانب الحق القويم ولتبني علاقات تقوم على قدر كبير من حسن النوايا مع الشعوب العربية ومع “ما تنتخبه” من حكومات. ويُحتمل أن تكون الحكومات الجديدة حكومات إسلامية التوجه، ويعزز ذلك من حاجة الولايات المتحدة لإقامة علاقات مستمرة مع هذه البلدان. وبإقامة علاقات عمل مع الأحزاب الإسلامية، يمكن أن تشجع الولايات المتحدة هذه البلدان على مراعاة مصالحها الأمنية واحترام تلك المصالح كفرض عزلة على إيران واستئناف عملية السلام مع إسرائيل واستقرار سوق النفط ومواصلة التعاون الحيوي ضد الإرهاب.
وسواء فاز أوباما بالدورة الرئاسية التالية أو فاز أحد الجمهوريين بها، يلزم على الولايات المتحدة:
• وضع إستراتيجية شاملة لمنطقة الشرق الأوسط تُقدِّم المصالح الأمريكية طويلة الأجل بمنح الأولوية لدعم الديمقراطية والديمقراطيين في المنطقة.
• إضفاء الطابع المؤسسي على تعزيز الديمقراطية العربية بتنسيق تقديم “منح إصلاح” متعددة الأطراف، الأمر الذي من شأنه، وبشكل واضح، تحفيز البلدان العربية لتنفيذ الإصلاحات الضرورية.
• مواصلة حوار إستراتيجي مع الأحزاب الإسلامية الصاعدة في البلدان المهمة ذات الاهتمام.
• الاعتراف بطي صفحة “حل الدولتين” كحل للصراع العربي الإسرائيلي، والالتزام بإعادة بناء العلاقات المتوترة مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، ووضع معايير واضحة للولايات المتحدة بخصوص قضايا الحدود وحق العودة ووضع القدس.
ممارسات أوباما السابقة
يصعب تقييم ردود أفعال أوباما في منطقة الشرق الأوسط وردود أفعاله تجاه الربيع العربي على وجه الخصوص بسبب التوقعات غير الواقعية التي صدرت في وقت مبكر. فعند توليه السلطة لأول مرة، مال إليه العرب من جميع المشارب (وفي كثير من الأحيان، من وجهات نظر مختلفة اختلافًا جذريًا)، وكان ذلك في جزء منه بسبب طريقة إدارته لحملته الانتخابية وفي جزء آخر بسبب ظهوره مناقض لجورج بوش في كل شيء. وقد لاقى خطابه في 4 يونيو 2009 في القاهرة الإشادة والاستحسان الشرق الأوسط وبدى الخطاب كإشارة أولى إلى أن أوباما سيكون نمط القائد الذي يطمح إليه الكثيرون في المنطقة. ولكن سرعان ما أحس الطامحون بخيبة أمل؛ فبعد وضع بعض البرامج المحدودة بخصوص تنظيم المشروعات وبعض التعاون في مجالات العلوم والتكنولوجيا، قلَّ التواصل بعد الخطاب بصورة مثيرة للدهشة.
في البداية، وضعت إدارة أوباما السعي إلى تحقيق السلام العربي الإسرائيلي في صميم سياستها في الشرق الأوسط، وقد أشار إلى ذلك تعيين جورج ميتشل كمبعوث خاص للشرق الأوسط. ولكن ثقل أعباء الإدارة جعلتها تعتقد أنه بعد الوصول إلى حل مرضٍ بخصوص الصراع، ستتمكن من إقامة علاقة جديدة حقًا مع الشرق الأوسط. ولكن تركيز الإدارة المنحصر تقريبًا على وقف بناء المستوطنات كان له نتائجه عكس المرجوة؛ فقد أثار غضب الحكومة الإسرائيلية، وفي الحين ذاته انصرف عن مشاكل الشعب الفلسطيني الأساسية كمشاكل الحدود وحق العودة. وبعد أن واجهت الإدارة هذا النقد المبدئي القاسي، بدى أنها فقدت اهتمامها بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية، ولم تطرح بعد ذلك سوى القليل من المبادرات والأفكار الجديدة. وعندما استقال السناتور ميتشل في مايو 2011 من منصبه كمبعوث خاص، لم تُقدِّم الإدارة على أية خطوة لإرسال أي شخص ذي مكانة مماثلة بحيث يخلفه في منصبه.
وبالمقارنة مع سابقتها، فإن إدارة أوباما لم تُوجِّه إلا قليل من التركيز والاهتمام إلى تعزيز الديمقراطية في الخارج. ففي مطلع شهر مارس 2009، أشار سامح شكري، سفير مصر لدى الولايات المتحدة، باستحسانٍ إلى تحسن العلاقات الثنائية بين البلدين بسبب إقلاع واشنطن عن مطالبها “الخاصة بحقوق الإنسان والديمقراطية والحريات الدينية والعامة”. وفي أول زيارة لهيلاري كلينتون إلى القاهرة في الشهر نفسه، أكدت للحكومة المصرية أن “الشروط ليست سياسة الولايات المتحدة”. ومن ناحية أخرى، خفَّضت الولايات المتحدة مساعدة الديمقراطية الممنوحة إلى مصر بنسبة 60 بالمائة (لتصل إلى 20 مليون دولار أمريكي بعد 54 مليون دولار أمريكي)، كما قلَّصت تمويل منظمات المجتمع المدني وبرامج الحكم الرشيد في الأردن بنسبة 44 و36 بالمائة، على التوالي.
لقد كانت أولوية إدارة أوباما هي تعزيز العلاقات الحكومية (العلاقات بين الحكومات)، وكان مسؤولو إدارة أوباما يرون أن مثل هذه العلاقات قد أُهملت دون مبرر تحت إدارة بوش. لقد فترت العلاقة مع مصر بدرجة كبيرة حتى أن الرئيس حسني مبارك قد أجَّل زيارته السنوية لواشنطن لخمسة أعوام. وقد كتب الصحفي سبنسر أكرمان، الذي عقد مقابلات كثيرة مع مستشاري السياسة الخارجية لأوباما على نطاق واسع خلال الحملة الانتخابية عام 2008، أن مبدأ أوباما كان “تعزيز الكرامة”، لا تعزيز الديمقراطية. وفي الحقيقة، كانت النبرة الشائعة في جميع تصريحات أوباما وخطاباته وفي تصريحات كبار مستشاريه وخطاباتهم أيضًا هي التركيز على الإصلاح المؤسسي والتنمية الاقتصادية وتخفيف حدة الفقر أولاً، ثم إجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد ذلك. إن مثل هذا التدرج قد يكون منطقيًا ومقبولاً بالنسبة للقوى الحالية كالولايات المتحدة التي سعت إلى تجنب فوضى التحول السريع إلى الديمقراطية، ولكنه قد يكون غير منطقي ولا مقبول بالنسبة للشعوب العربية التي ظلت لعقود بالفعل ولم ترى مجتمعاتها تزداد إلا إنغلاقًا وقمعيةً.
في الفترة السابقة للانتخابات البرلمانية في مصر والأردن والبحرين في أواخر عام 2010، لم تمارس إدارة أوباما أية ضغوط تذكر على قادة هذه البلدان ضمانًا لحرية الانتخابات ونزاهتها نظرًا لأنهم من حلفائها المقربين. ولقد أسفرت هذه الانتخابات عن أكثر البرلمان تزويرًا وإنكارًا لإدارة الشعوب في تاريخ مصر والأردن بسبب عمليات تزوير واسعة النطاق في مصر ومقاطعة المعارضة للانتخابات في الأردن. لقد تفشى في جميع أنحاء المنطقة إحساسًا بتدهور سياسي متواصل، ظهر فيها بعد البشائر الديمقراطية التي لم تدم طويلاً المتعلقة “بالربيع العربي الأول” الذي حدث في الانتخابات البرلمانية عامي 2004 و2005، والذي كان سببه جزئيًا تدابير تعزيز الديمقراطية التي اتخذتها إدارة بوش.
وبعد الثورات العربية التي اندلعت في أوائل عام 2011، صرَّحت إدارة أوباما بدعمها وتأييدها للنضال السلمي لنيل الحرية، وهنأت الشعبين التونسي والمصري على هذه الثورات. لقد كان يُنظَّر إلى دعم إدارة أوباما الخطابي للديمقراطية، وخصوصًا ضغطها على حسني مبارك للتنحي عن الحكم، كنذير شؤم للأنظمة العربية، وخصوصًا المملكة العربية السعودية، وقد أحدث ذلك توترًا كبيرًا بين البلدين. في نفس الوقت، حاولت الولايات المتحدة طمأنة حكومات الأردن والمملكة العربية السعودية وحلفاء آخرين بدعمها لهم. ويقال أن الرئيس أوباما اتصل شخصيًا بالملك عبد الله، ملك الأردن، ليؤكد دعم الولايات المتحدة له. كما أرسل وليام بيرنز، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، والجنرال مايكل مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في جولة للعواصم العربية للتأكيد على التزام واشنطن بالعلاقات الثنائية مع هذه العواصم. وقد أتت الجهود الدبلوماسية للإدارة بنتائج عكسية بدلاً من تهدئة المخاوف التي أسفرت عنها الثورات العربية. لقد أغضبت هذه الجهود مجموعة واسعة النطاق من الجماعات المحتمل أن تكون موالية للأمريكيين، وفي الوقت نفسه، أقنعت المحتجين العرب والثوريين أن أوباما منحاز إلى الحكام المستبدين، كما دفعت الحكام العرب المستبدين إلى الشك بأنه كان يدعم الثورات في دول المجلس.
لقد تسببت جهود إدارة أوباما فيما يتعلق بالربيع العربي، والتي اُنتقِّدت بأنها فاترة وغير مكتملة، في إحداث مزيد من الارتباك إذا ما أخذنا قراراتها بشأن ليبيا في الاعتبار. ففي هذا الصدد، استخفت إدارة أوباما في البداية بمدى ملاءمة الخيار العسكري. وفي وقت لاحق، غيَّرت واشنطن، ويُحسب لها ذلك، مسار سياساتها، واتخذت إجراءات حاسمة بعد تهديد معمر القذافي بارتكاب مذابح في بنغازي، قلب التمرد الديمقراطي. وحتى بعد ذلك، انتقدت فرنسا وبريطانيا وثوار ليبيا وبعض الجمهوريين أمثال السيناتور جون ماكين إدارة أوباما لتأخرها كثيرًا في اتخاذ هذه الخطوات. من ناحية أخرى، بعد الأسابيع القليلة الأولى من عملية حلف شمال الأطلسي، نأت واشنطن علنًا بنفسها عن الحرب الجارية وسحبت معدات عسكرية أمريكية كبيرة، وهذا ما يثير التساؤل عند العرب مجددًا عن ما هي دول الربيع العربي التي تحاول الولايات المتحدة دعمها ولماذا. وفي النهاية، كانت ليبيا نجاحًا حقيقيًا للرئيس أوباما. فدون الدعم الدبلوماسي والعسكري الأمريكي، لم يكن ليحدث تدخل حلف شمال الأطلسي، ولاستمر معمر القذافي بالتأكيد في السلطة إلى اليوم على الأرجح. ومع ذلك، لم يؤدي هذا إلى شيء يذكر فيما يتعلق بإزالة الالتباس حول النهج الذي تسلكه الإدارة لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة.
لم يؤدي تعامل واشنطن مع الأزمة السورية إلا إلى مزيد من الالتباس والحيرة. فإذا كان تعامل الإدارة مع ثورة ليبيا نجاحًا حقيقيًا، فإن تعاملها مع ثورة سوريا فشلٌ ذريعٌ. فلم يدفع عنف النظام المتصاعد وتسلح بعض عناصر المعارضة إدارة أوباما إلا إلى إدانات متأخرة ومقتضبة للغاية، فضلاً عن جهود دبلوماسية فاترة. وعلاوة على ذلك، فقد اُنتقِّدت محاولات إدارة أوباما الأولى والتي كانت ترمي إلى إبعاد سوريا عن إيران وجذبها لفلك السياسات الغربية، وهو الأمر الذي جعل الجهود المبذولة تبدو ساذجة أو حتى مثيرة للسخرية في وقت لاحق. وبعد فقدان الأمل في إقناع بشار الأسد بإجراء إصلاحات، دعته الولايات المتحدة أخيرًا بالاستقالة من منصبه في أغسطس 2011، وبدأت تجميد أصول رموز نظامه وحظر على الرحلات الجوية وفرض عقوبات على النظام ومعظم كبار مسؤوليها. وتجدر الإشارة إلى أن النظام السوري قد كثف اعتداءاته وهجماته العسكرية على السكان المدنيين مع مرور العام الأول على الثورة السورية، الأمر الذي قد يجر البلاد إلى حرب أهلية شاملة. ومع فشل المجتمع الدولي في وقف أعمال القتل، يستمر توجيه الانتقادات للولايات المتحدة إما بأنها تعمل خلف الكواليس لحل الأزمة أو أنها لا تعمل على الإطلاق.
لقد اختارت إدارة أوباما أن تكون استجاباتها لثورات الربيع العربي الكثيرة مختلفة الأشكال استجابات متأنية بشكل مُمِّل وحَذِّرة، وتجنبت التصرفات القوية المندفعة بعض الأحيان التي كانت تتبناها إدارة بوش. إن الفارق بين الحذر والحيرة قد يصعب تمييزه. كما أن “الإدارة من خلف الكواليس”، بغض النظر عن نشأة المصطلح، لا تُبرِّز الجوانب الرئيسية لنهج إدارة أوباما في منطقة الشرق الأوسط، كما لا تُبرِّز توجيهات الرئيس ذاته بشأن السياسة الخارجية بشكل عام. ولقد دفع تراجع نفوذ الولايات المتحدة بالمقارنة مع النفوذ المتزايد لقوى صاعدة مثل الصين والبرازيل والهند وتركيا العديد من المحللين وصانعي السياسة الأمريكيين إلى القول بأن الولايات المتحدة لم تعد تتصرف كسابق عهدها، وأنها يجب أن تتيح الفرصة للآخرين وتشجعهم في أداء مثل هذا الدور. ويؤكد مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى معظم الأحيان على عدم قدرة الولايات المتحدة على تشكيل الأحداث في العالم العربي وعلى تغيير سلوك حلفائها الممانعين. ومع ذلك، فإن النفوذ الفعلي للولايات المتحدة يتشكل عادةً من تصور الآخرين والأصدقاء والأعداء على حد سواء له، ولا يتشكل من تقييم صارم لقدرتها الموضوعية أو (في كثير من الأحيان) من استعدادها لاتخاذ الإجراءات اللازمة. ومع استمرار تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، قوضت إدارة أوباما تأثير تصريحاتها وتدابيرها السياسية عندما قررت العمل.
كانت نتيجة ذلك في العالم العربي أن حدث غياب ملحوظ للقوى الفاعلة، مع تزايد الحيرة بشأن الاتجاه العام للسياسة الأمريكية. إذن، فما هو الدور الذي تراه الولايات المتحدة مناسبًا لها في منطقة سريعة التغير كالشرق الأوسط؟ يقول هشام قاسم، وهو ناشر ليبرالي بارز من مصر “أنا لم أرى قط الأمريكيين حائرين وقلقين في أي وقت مضى مثلما رأيتهم في يناير 2011”. وفي حين أن هذا قد يكون تضخيمًا للقضية، فإن صورة الولايات المتحدة كطرف ضعيف غير متناسق وآخذ في الابتعاد عما هو جار صورةً تبلورت بالفعل في الخطاب العربي العام. وفي الشرق الأوسط، غالبًا ما يكون المُتصوَّر هو عين الواقع.
نقد الجمهوريين
لقد غطت استجابات الجمهوريين تجاه سياسات أوباما نحو الشرق الأوسط عمومًا والربيع العربي بوجه خاص نطاقًا واسعًا. يعتقد صقور الحزب الجمهوري ممن ظلوا محتفظين بعلاقة قوية مع المحافظين الجدد كجون ماكين ومت رومني بدرجة أقل أن منهج “القليل يكفي” الذي ينتهجه أوباما قد عرَّض الجهود الرامية لتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط للخطر. وينتقد جمهوريون آخرون يؤثر عليهم حزب الشاي، ويحركهم إحساس الالتزام الأمريكي المفرط بالخارج، النهج السياسي الطائش لأوباما في ليبيا ويشيرون إلى أنه أوقف الدعم سريعًا عن حلفاء الولايات المتحدة المتعثرين بما فيهم الرئيس حسني مبارك.
بقدر اختلاف الجمهوريين، هناك اتجاهان شائعان يبرزان في انتقاداتهم. فأوباما، بوصفهم، أولاً هو قائد متردد غير حاسم تسببت سياساته المخصصة غير المتسقة في زعزعة مصداقية الولايات المتحدة بالخارج. وثانيًا، فهو ليس راغبًا في استمرار السيادة الأمريكية، وأنه يتخلى عن القيادة لآخرين إقرارًا منه بزوال السيادة الأمريكية “عصر ما بعد السيادة الأمريكية”. وتجدر الإشارة إلى أنه، مع بعض الاستثناءات القليلة، فشل المرشحون الجمهوريون في تقديم أي شيء كبديل منطقي لسياسات أوباما. لدرجة أنهم، باستثناء رون بول، ركزوا بصورة رئيسية على ثلاث قضايا هي إسرائيل وإيران وتهديد الإسلام، ويعطي هذا إشارة مسبقة عن مَكمَن الأولويات تحت إدارة الجمهوريين. إن سياسة الحزب الجمهوري تجاه الديمقراطيات الناشئة، أو الأنظمة الاستبدادية القائمة، ستأخذ بصورة أساسية شكل مناصب حكومية يهتم مسؤولوها بقضايا إسرائيل وإيران وما إذا كان لبلد ما توجهًا إسلاميًا أو لا.
وقد احتفظ المرشحون الجمهوريون بأقسى خطاباتهم لنقد النهج الذي يسلكه أوباما مع إسرائيل. فهاجم رومني، على سبيل المثال، بصورة مستمرة إدارة أوباما متهمًا إياها بإلقاء “إسرائيل تحت الحافلة”، وينتقد سياسات “تهدئة” أوباما التي تشجع الفلسطينيين على مواصلة سعيهم لإقامة دولة تحت مظلة الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه، شكك العديد من المرشحين في فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، الفكرة التي تعد نتاج عقود من التوافق بين الحزبين. والأكثر من ذلك، أن المرشح الجمهوري “نيوت جينجريتش”، الرئيس الاسبق لمجلس النواب، قد وصف الشعب الفلسطيني بأنه “شعب مختلق”. وبالإضافة إلى ذلك، صرح “جينجريتش” أن “الشريعة الإسلامية تمثل تهديدًا قاتلاً لصمود الحرية في الولايات المتحدة والعالم على النحو الذي نعرف”.
في الواقع، لقد أثار الجمهوريون بصورة معتادة شبح وجود تهديد إسلامي، ووضعوا الجماعات الإسلامية السلمية كجماعة “الإخوان المسلمين” مع الجماعات العنيفة كالقاعدة في بوتقة واحدة. على النقيض من ذلك، بدأت إدارة أوباما إقامة علاقات، وإن كانت على مضض، مع جماعة “الإخوان المسلمين”، وأكدت مرارًا على ضرورة احترام النتائج الديمقراطية بغض النظر عمن يفوز. لقد أدى استعداد الرئيس أوباما لإقامة علاقات مع الإسلاميين إلى شن موجة من الهجمات ضده من جانب المحافظين متهمينه بالتهاون مع التطرف ومسايرة القوى المناهضة للولايات المتحدة. وهناك بعض الشيء من الخيال في مثل هذه الانتقادات. وعلى الرغم من الخطاب المعادي للإسلاميين الذي يتبناه معظم المرشحين، فإنه ليس أمام إدارة الحزب الجمهوري خيار سوى التكيف مع الواقع الجديد والعمل مع الحكومات إسلامية التوجه كذلك.
سياسة الشرق الأوسط في الفترة الرئاسية القادمة
ليس من المرجح أن تخف حدة أي من مشاكل الشرق الأوسط القائمة حاليًا خلال الأعوام الأربعة القادمة. وبالرغم من أن هناك بعض النقاط المضيئة، خصوصًا تونس التي تبشِّر بمستقبل واعد، لكن الاتجاه الإقليمي العام من غير المرجح أن يتحسن بشكل كبير لبعض الوقت، كما أنه قد يتدهور قبل أن يبدأ في التحسن. ومن ثم، فإن مهمة الرئيس الأمريكي القادم الرئيسية هي تقدير المدى الذي يعتزمه في تخفيف مشاكل المنطقة والمساعدة في توجيهها بعيدًا عن سبل أسوأ ونحو سبل أفضل. وسيؤدي توجه الرأي العام الأمريكي إلى مشاكل الداخل والجمود السياسي الذي تشهده واشنطن والمشاكل الاقتصادية المستمرة في البلاد إلى تقييد الجهود التي قد يقوم بها أي رئيس قادم لمنطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، فلا تعد أي من هذه العقبات كبيرة جدًا بحيث تعوق الإدارة عن التغلب على مشاكل الشرق الأوسط أو تخفيفها على الأقل.
لا يمكن التنبؤ بمسار السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، ومن المرجح أن يكون الاختلاف في هذا المسار اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على من سيفوز بانتخابات نوفمبر. فخلال الحملة الانتخابية التمهيدية، طرح مرشحون مختلفون رؤى شتى متباينة تمامًا تضمنت الانعزالية الجديدة والمشاركة المضبوطة والقيام بدور أكثر حزمًا في المنطقة. وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، تستمر الفجوة بين الإدارة الديمقراطية ومرشحي الحزب الجمهوري في الاتساع، ليس في الخطاب فحسب، بل في السياسة بشكل متزايد، نتيجة للاختلافات الفكرية الحقيقية حول مدى أهمية القيادة الأمريكية خلال فترة من القيود المالية الكبيرة وزيادة المنافسة العالمية. وسيستمر وجود مجموعة واسعة النطاق من الآراء داخل الحزب الجمهوري نفسه حتى في حالة عدم فوز أوباما.
مع غياب توافق الآراء بين الحزبين أو حتى توافق الآراء في أي الحزبين، هناك فرصة متاحة لإجراء مناقشة صريحة وواسعة حول ماضي السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ومستقبلها. إن التراجع النسبي في نفوذ الولايات المتحدة ومكانتها في المنطقة، سواء كان حقيقيًا أو متصورًا، من الممكن تجاوزه، بل يجب تجاوزه في ظل الربيع العربي الذي يُمثِّل فرصة مناسبة للقيام بذلك. ولقد ثبتت عدم صحة كثير من افتراضات المؤسسة الأمريكية بخصوص الشرق الأوسط. ومن ثم، يتوجب على الإدارة سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية أن تفكر بشكل خلاق في كيفية إقامة علاقات مع المنطقة على أساس مجموعة جديدة من المبادئ. فلم يعد ممكنًا أن تتغاضى الولايات المتحدة عن تطلعات الشعوب العربية باعتبارها لا تمت للمصالح الأمريكية بصلة. ولم تعد علاقات الأمريكيين مع أنظمة غير منتخبة وغير خاضعة للمساءلة، ولكنها أصبحت مع الشعوب المهتمة والفاعلة ليس فقط فيما يتعلق بشؤونهم الخاصة، بل بالسياسة الخارجية أيضًا.
إن مساندة التحول الديمقراطي في العالم العربي ودعمه دعمًا متسقًا، حتى وإن أثار ذلك أحيانًا غضب الحلفاء القدامى، يعد أمرًا مهمًا لعدد من الأسباب. أولاً، لأن ذلك يوازي السياسة الأمريكية ويحقق توافقها وانسجامها مع الاتجاهات الإقليمية النهائية. وعلى الولايات المتحدة، لكي لا تكون مرة أخرى فريسة عدم الوعي، أن تراقب التغييرات القادمة وتدرك أن المنطقة تتجه نحو مزيد من الديمقراطية لا العكس. ويعني ذلك الأمر إلى حد ما أن عليها دعم مطالب المحتجين بعد فوزهم بالفعل. ويرسل هذا إشارة قوية إلى زعماء المنطقة في المستقبل أن واشنطن كانت تدعمهم وتدافع عنهم في أصعب الأوقات وعندما كان فوزهم أمرًا غير محسومًا.
ثانيًا، قبل الربيع العربي، كثيرًا ما كان لا يتم الالتفات إلى المشاعر المعادية للولايات المتحدة وكان يتم تجاهلها لكونها غير مؤثرة. وكان ما يهم الولايات المتحدة أولاً وأخيرًا هو ما تفعله الحكومات التي كان يدور معظمها في فلك السياسة الأمريكية. على العكس من ذلك، ستشهد الأعوام المقبلة انسجامًا كبيرًا بين ما تنادي به الشعوب العربية وما تقوم به الحكومات. وطالما أن هناك عشرات الملايين من العرب يكرهون الولايات المتحدة، وينظرون إليها كقوة مدمرة في المنطقة، ستجد الحكومات العربية الديمقراطية نفسها مضطرة ومُلزَّمة بالتحرك ضد المصالح الأمريكية لتكسب التأييد الشعبي. وبطبيعة الحال، فإن الرأي العربي العام المشحون باستياء راسخ نحو الولايات المتحدة لن يتغير بين عشية وضحاها، ولكن على المدى الطويل، ويحتم هذا الأمر على الولايات المتحدة العمل مع الديمقراطيات الناشئة لبناء علاقات جديدة على أساس القيم والمصالح المشتركة.
وبالنسبة للبلدان التي لا تشهد تحولاً ديمقراطيًا، ولكنها قد تخوضه قريبًا في أي وقت، يقتضي على الولايات المتحدة إعداد إستراتيجية استطلاعية بشأنها. وستسلك بلدان كثيرة، بما في ذلك المغرب والأردن والكويت طريقًا وسطًا بين الثورة الكاملة والقمع التام. ويجب على الولايات المتحدة والدول متقاربة التفكير إقناع مثل هذه البلدان بوجوب بدء مسيرة الإصلاح أو مواصلتها نظرًا لأن التغيير الجوهري، مهما كانت صعوبته، هو الخيار الوحيد الذي لا بديل عنه في نهاية المطاف. كما يجب على الولايات المتحدة، بدلاً من إقناع ذاتها بإصلاحات جزئية شكلية، أن تشرح لهذه البلدان أن الهدف النهائي هو نظام سياسي حديث يتنازل فيه الملك أو الحاكم المستبد عن جزء كبير من سلطاته للهيئات المنتخبة. ويجب على الولايات المتحدة أن تقدِّر جهود الإصلاح وتحكم عليها اعتمادًا على هذا المعيار. وفي هذه الحالات، من الأهمية بمكان أن ينظر إلى السياسة الأمريكية كسياسة داعمة ومفيدة للبلدان المستعدة لاجتياز هذا الطريق الشاق. ويكون طريق الإصلاح مكلفًا وشاقًا أغلب الأحيان، ومن ثم، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها توفير المساعدة المادية بجميع أنواعها للبلدان السالكة هذا الطريق لتدعمها ضد التهديدات بفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وعقوبات أخرى عليها إيمانًا بجهود واشنطن الرامية إلى المساعدة في تعزيز التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط.
إن التحرك في هذا الطريق يقتضي وجود تدابير تضفي الطابع المؤسسي على عملية تعزيز الديمقراطية. ويتوجب على الرئيس المقبل تنسيق تقديم “منح الإصلاح”، الأمر الذي من شأنه، وبشكل واضح، تحفيز البلدان العربية لتنفيذ الإصلاحات الضرورية. ويجب أن تكون منح الإصلاح على أقل تقدير 5 مليار دولار أمريكي، كما يجب أن تكون متاحة للدول الراغبة في الإصلاح كافة. ويجب أن يكون تقديم منح الإصلاح مشروطًا بتلبية مجموعة من المعايير الواضحة والقابلة للقياس ذات الصلة بالديمقراطية. وتكون هذه المعايير نتاج مفاوضات مكثفة مع البلدان المعنية. كما يجب استثمار الأموال غير المستخدمة، وفي الحين ذاته، مطالبة الديمقراطيات الجديدة بالمساهمة في المستحقات السنوية للمساعدة على زيادة منح الإصلاح مستقبلاً. وأخيرًا يجب أن تكون رسالة الولايات المتحدة والدول المانحة الأخرى للجماهير العربية المرتابة رسالة واضحة مفادها أن الديمقراطية لا يمكن فرضها، ولكن يمكن دعمها بقوة وفعالية.
بالنسبة للبلدان المتحولة ديمقراطيًا كمصر وتونس وليبيا، يمكن أن تشمل معايير تقديم “منح الإصلاح” عدم التدخل العسكري في الشؤون المدنية والعمل على استقلال القضاء وحماية استقلال الصحافة وفعالية دورها. ولدعم تحرر البلدان ملكية الحكم كالأردن والمغرب والكويت، يجب أن تركز المعايير على توسيع الفضاء السياسي بحيث يشمل جماعات المعارضة والعمل على نقل السلطة نقلاً تدريجيًا لمؤسسات منتخبة تخضع لمساءلة الشعب. ويجب أن تُموَّل “منح الإصلاح” هذه بمساهمات من الولايات المتحدة والدول الأوروبية وتركيا والبرازيل وقطر والقوى متقاربة التفكير. وفضلاً عن ذلك، يجب أن يكون هناك هيئة دولية تقدم قروضًا ومنحًا للبلدان التي تسعى إلى تحقيق إصلاح حقيقي.
سيتصدى المتشككون في التحول الديمقراطي لمثل هذه الجهود زاعمين أنها ستذهب سدى وأن التحول الديمقراطي قد كشف عن جانبه المظلم بصعود الأحزاب الإسلامية. في الواقع، لقد أتت الديمقراطية حقًا بالأحزاب الإسلامية في الشرق الأوسط. ويجب على الولايات المتحدة وأوروبا، بدلاً من إنكار ومعارضة ما هو الآن حقيقة واضحة، أن يتكيفوا مع الوضع الحالي بتنظيم حوار إستراتيجي مع الأطراف الإسلامية الفاعلة عبر المنطقة. وتكون هذه الأطراف إما أحزاب فاعلة لها أدوار رئيسية بالفعل في البرلمان والحكومة أو أحزاب من المرجح أن تفعل ذلك في المستقبل القريب. وعلى ذلك، ستكون مصالح الولايات المتحدة في المنطقة مرتبطة بشكل وثيق بتلك الأحزاب شاء الأمريكيون أو أبوا ذلك. وبوضع هذا في الاعتبار، تكون حاجة ملحة لتعزيز مستوى الثقة والتفاهم المتبادل مع هذه الأحزاب. وقد أبدى العديد منها، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين في مصر، رغبة في التعاون مع الولايات المتحدة بناءً على إدراكهم أن الدعم الأمريكي سيكون بالغ الأهمية في تعزيز العلاقات التجارية وجذب الاستثمار الأجنبي. ونؤكد مجددًا على مدى أهمية عنصر الوقت للولايات المتحدة. يجب على الولايات المتحدة إقامة مثل هذه العلاقات قبل أن تأتي هذه الأحزاب إلى الحكم، وليس بعد ذلك، تفاديًا لمشكلة تراجع النفوذ الأمريكي. ومع مثل هذه القنوات، تستطيع الولايات المتحدة أن تمارس نفوذها، بل وتضغط كذلك إذا اقتضى الأمر إذا راوغت الأحزاب الإسلامية واتخذت إجراءات تهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة.
إن مسألة الانحياز إلى “الجانب الحق القويم من التاريخ” أصبحت الآن مسألة بالغة الأهمية يجب ألا يُقلَّل من تقديرها. ومع ذلك، لن يسهم كل الدعم الموجه إلى الديمقراطية العربية في إقامة علاقات جديدة للولايات المتحدة مع المنطقة ما لم يتوقف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن التضخم الذي هو عليه الآن. وهناك ما يدعو إلى الخوف هنا، وهو احتمال طي صفحة “حل الدولتين” كحل للصراع العربي الإسرائيلي، وسيكون على الرئيس المقبل في هذا الصدد مهمة ثقيلة لإحياء عملية السلام المتعثرة. ومن غير المرجح أن يكون “إحياء عملية السلام المتعثرة” أولوية إذا أتت إدارة من الحزب الجمهوري للحكم، وستستمر العملية متعثرة كما هي إذا ما فازت إدارة أوباما بفترة رئاسية ثانية بسبب علاقتها المتوترة والحادة أحيانًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أو حكومة يمينية مماثلة متطرف التفكير). وبناءً على ذلك، يجب أن يكون على رأس أولويات الرئيس المقبل إعادة بناء الثقة مع الزعماء الإسرائيليين والوصول إلى الشعب الإسرائيلي. وستكون زيارة رئاسية وخطاب للجمهور في إسرائيل، مع التركيز على اهتمامات ومخاوف الإسرائيليين، بداية جيدة لحل الأزمة.
إن الربيع العربي سيشهد ظهور حكومات قليلة الحرص على المصالح الأمنية الإسرائيلية. وكلما زادت ديمقراطية الشرق الأوسط، كلما انتخبت أكثر الحكومات معاداة لإسرائيل. وتُحتمل زيادة عزلة إسرائيل بشكل كبير. ومع وضع هذا في الاعتبار، يجب على الولايات المتحدة أن توضح وقوفها بحزم إلى جانب إسرائيل في الأوقات الصعبة، ويجب عليها أيضًا إلزام إسرائيل بضرورة الوصول إلى حلول وسط نهائية، وإن كانت صعبة، عاجلاً وليس أجلاً لتحقيق سلام دائم.