أجرت كل من مصر وتونس انتخابات ناجحة نسبيًا، جلبت برلمانًا يتسم بتأييد شعبي في كل منهما. كما شهدت كلتا الدولتين انتصارات ساحقة للإسلاميين مما أثار الفزع بين الليبراليين العرب والمجتمع الدولي. وقد عقد مركز بروكنجز الدوحة أول “حوار التحولات” في يناير 2012، آملاً أن يتيح فرصة لمواجهة التوترات الناشئة التي تُعقد وتقوض دلائل التحولات الناجحة. وبانطلاق مصر وتونس نحو عملية طويلة من صياغة الدستور والحوار الوطني، يكون الانقسام الليبرالي الإسلامي مصدر قلق خاص، وخصوصًا في ضوء الامتداد والنفوذ المتزايدين للجماعات السلفية.
وبالرغم من أن المناقشات الوطنية حول الهوية ودور الدين في الحياة العامة لا يمكن تجاهلها، ألا إن هناك نقاط التقاء سياسي بين الأحزاب المختلفة – على سبيل المثال في الاقتصاد والشؤون الخارجية وأهمية الحكم المدني – التي لا تقل أهميتها، بل ربما تزيد.
كان هذا الحوار، برئاسة سلمان شيخ مدير مركز بروكنجز الدوحة وشادي حامد مدير الأبحاث، الأول من نوعه الذي يجمع معًا الإسلاميين السائدين والسلفيين والليبراليين واليساريين بالإضافة إلى مسؤولين من الولايات المتحدة وأوروبا لتبادل الأفكار والتوصل إلى إجماع وصياغة وإرساء تفاهمات جديدة في بيئة سياسية متغيرة بسرعة. كما أتاح فرصة فريدة أمام المصريين والتونسيين لمقارنة عمليات التحول المختلفة لدى كل منهما ومعرفة ما هي الدروس – إن وجدت – التي يمكن تعلمها.
تكون البرنامج من أربع جلسات تركز على صياغة الدستور ودور المؤسسات السياسية والانتعاش الاقتصادي ودور العناصر الدولية والاستقطاب الأيديولوجي ودور الدين في الحياة العامة. تلت هذه المناقشات مجموعات عمل خاصة بالدول، ناقش فيها المصريون والتونسيون التحديات والدروس المباشرة التي يمكن تعلمها في الدولتين. ثم شاركت كل مجموعة ملاحظاتها مع المجموعة الأخرى. كما أشار كثير من المحللين إلى “النموذج التونسي” باعتباره قدوة للمنطقة. وبوضع هذا نصب أعيننا، كان جل اهتمامنا هو متابعة الطريقة التي يتفاعل بها المشاركون المصريون والتونسيون، مع مراعاة المدى الذي انحرف إليه مصير كل منهما.
والأمر المثير حتى الآن هو وجود القليل من التبادل أو الحوار الرسمي بين الإخوان المسلمين في مصر والنهضة في تونس، بالرغم من أنهما الحزبان الإسلاميان المهيمنان في دولة كل منهما. وينطبق نفس الأمر على اليساريين والليبراليين. كما عبر المشاركون من إحدى الدولتين بوتيرة واحدة عن دهشتهم على ما يقوله المشاركون من الدولة الأخرى. فعلى سبيل المثال أشار أحد المشاركين المصريين إلى أنه إذا كان نائب حزب النهضة في مصر، لأطلق عليه ليبراليًا.
وطيلة هذه المناقشات، كان هناك شعور بأن الطيف السياسي في كل دولة قد استقر في موضع مختلف تمامًا. كما اندهش التونسيون عندما اشتكى نائب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين بمصر من أن السلفيين المحافظين بشدة هاجموا حزبه – أثناء الحملة الانتخابية – لكونه “ليبرالي” للغاية. وقد استاء مصري ليبرالي، كان مرشحًا للبرلمان، قائلاً: “لم أكن أقود حملة سياسية؛ لكن كنت أقود حملة تقوم على أن أخبر الناخبين بأنني لست ملحدًا.” ومع هذا لاحظ يساري تونسي – في نفس الوقت – أن المشارك السلفي المصري يبدو أكثر اعتدالاً بدرجة كبيرة من السلفيين في تونس، ويرجع هذا بصورة جزئية إلى موافقة الأول على العمل في نطاق العملية الديمقراطية.
وقد أثير قلق بشكل متكرر من المصريين والتونسيين بشأن الاستقطاب الإيديولوجي. وكان هناك إجماع عام بأن قضايا الهوية جذبت الانتباه غالبًا عن أمور ملحة للغاية، أي الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والبطالة والفقر. وهنا حدث تكرار هام للآراء فيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه الدول الغربية في المساعدة على استقرار اقتصاديات العرب. فبالرغم من الشك في نوايا الغرب، وافق جميع المشاركين تقريبًا على أن هناك دورًا هامًا منوط بالولايات المتحدة وأوروبا من خلال المساعدة الاقتصادية، مع التأكيد على التجارة والاستثمار المحسنين. وقد نشأت مناقشة مثمرة بين المشاركين الغربيين والعربيين حول الدور الذي يمكن أن يلعبه المشاركون الغربيون في دعم الإصلاح الديمقراطي والنمو الاقتصادي في هاتين الدولتين اللتين تشهدان تحولاً.
للثورات العربية تأثير عميق على صناعة السياسات والمشهد السياسي في المستقبل في الشرق الأوسط. ونظرًا لأن هناك أمورًا كثيرة محل بحث واهتمام، فإن عملية التحول بحاجة إلى إدارة ماهرة لوضع أسس حكم مستدام وراسخ. وتعتبر مثل هذه المناقشات خطوة هامة في استكشاف هذه العملية والفهم الأفضل لها.
تنزيل التقرير بأكمله – العربية
تنزيل التقرير بأكمله – الإنجليزية