سافرت الأسبوع الماضي إلى تل أبيب لحضور مؤتمر هرتسليا الدفاعي للتحدث في حلقة نقاش حول الانقلاب الذي اجتاح العالم العربي. فالمؤتمر عبارة عن تجميع لوجهات النظر العليا بشأن الأمن القومي في إسرائيل ومكان يدخل فيه المسؤولين في نقاشات رفيعة المستوى وفي كثير من الأحيان يقومون بالإعلان عن قرارات سياسية رئيسية. وباعتباري شخص أمضى 12 عامًا من المشاركة في السياسة الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، فقد كان هدفي هو توضيح مدى تأثير هذا الصراع على ما أُطلق عليه الصحوة العربية وكيفية وجوب تفاعل إسرائيل مع الأحداث الأخيرة التي جرت في الشرق الأوسط.
مع ذلك، فإن مجرد محاولة تناول هذا الموضوع ذي الأهمية البالغة تشعل الغضب والشكوك من كل الجوانب. وقد حثت الحملة التي شنها ناشطون فلسطينيون وضخمتها الصحف ذات الميول السورية في لبنان المشاركين العرب على مقاطعة هذا المؤتمر. كما أنني قد تلقيت رسائل على موقع التواصل الاجتماعي تويتر تطالبني بعدم الحضور، حيث يتهمني البعض بأنني أتغاضى عن “التمييز العنصري الإسرائيلي”.
في النهاية، حضرت في اليوم الختامي من المؤتمر، حيث ألقيت كلمتي في جلسة صباحية باعتباري جزء من لجنة مكونة من خمسة أعضاء. وقد كان عنوان اللجنة في حد ذاته – “نهوض الإسلام السياسي في الشرق الأوسط: الربيع العربي أو الشتاء الإسلامي” – يعكس الفشل في فهم طبيعة والنطاق الواسع للتغيير الجاري في العالم العربي.
فالعرب لا يواجهون عملية الاختيار بين الديمقراطية واستيلاء الإسلاميين على السلطة. ففي الواقع، معظم الأحزاب الإسلامية في المنطقة لديها سجلات تثبت أنها كانت ديمقراطية اسميًا وأنها عانت في ظل الأنظمة الاستبدادية من أجل المطالبة بالإصلاح في الوقت الذي لم تفعل فيه الأحزاب الأخرى ذلك. وبالتالي، فإن مقارنة الربيع العربي بالاستيلاء الإسلامي يُعتبر انقسام زائف – فشعوب المنطقة تتوق إلى التمثيل ولطالما دعم الإسلاميون الحكم القائم على المشاركة.
وفي غمار التغيرات الحاصلة في المنطقة، ثمة نبض من الديمقراطية مشترك لدينا جميعًا. ذلك أن الإسلاميون والعلمانيون يتشاركون في رغبتهم لوجود مؤسسات ديمقراطية وحريات شخصية. والآن، وبعد أن تم انتخاب جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين، فقد لاحظت أن التحولات الديمقراطية التي يقودها الإسلاميين في مصر وتونس أصبحت واقعًا ملموسًا. فإذا كان يريد الإسلاميون البقاء في السلطة، فيتعين عليهم، شأنهم شأن أي حزب آخر، أن يفوا بالمطالب الشعبية وأن يمارسوا الشمولية والتسامح واحترام المرأة والأقليات.
وقد شددت على أن ما نشاهده في الشرق الأوسط اليوم هو أكثر أهمية من نهوض الإسلاميين. في الواقع، نحن نشاهد ما أطلق عليه الخبير في السياسة رامي خوري “ولادة السياسة العربية”. ولأول مرة، يقوم الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط بتنظيم أحزاب سياسية ويشاركون في عملية صنع القرار ويجرؤن على المشاركة في الاحتجاجات الشعبية السلمية الواسعة النطاق.
برأيي، يجب أن تحتفل إسرائيل بمثل هذا التطور وتساعد في تيسيره. فقد حذرتُ الجمهور الإسرائيلي من أنهم إذا تعرضوا للسياسة العربية الجديدة، فإنهم لن يفعلوا شيئًا سوى تقويض قضية إسرائيل والتي تعتبر “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. في الواقع، لقد ذهبت للقول بأنه من مسؤولية واضعي السياسات الغربية والإسرائيلية أن يطهروا أنفسهم من “إدمان الاستبداد” ويعملوا بدلاً من ذلك على بناء استقرار حقيقي في منطقة الشرق الأوسط. يجب على الإسرائيليين قبول التغيير الديمقراطي في المنطقة. وأؤكد لكم أن المشاعر المعادية لإسرائيل قد تصبح أكثر وضوحًا عندما تتولى السلطة حكومات منتخبة من الشعب، لكن من الأفضل معالجة هذه التحديات وجهًا لوجه بدلاً من تجاهلها.
منذ اندلاع الصحوة العربية، فإن الدافع السائد في إسرائيل هو الطواف حول المركبات والابتعاد عن الاضطرابات الموجودة في المنطقة. ومع ذلك، فإنني أقول أنه هناك حاجة إلى النظر في الأفق البعيد. فبدلاً من الإشارة إلى الجهود التي تبذلها البلاد المتحولة والتي تسعى لتصبح بلدان ديمقراطية أو للترحيب بالقيادات الجديدة في المنطقة، فإن إسرائيل، التي تعتبر ديمقراطية في حد ذاتها، تتميز بانتشار الحكم الانتخابي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وحده باعتباره تهديد. ويعكس وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للربيع العربي بأنه “موجة إسلامية غير ديمقراطية، معادية للغرب والليبرالية وإسرائيل” العقلية السائدة التي تهتم بالأمن أولاً.
في النهاية، يمكنني القول بأنه “لم يخسر أحد في الربيع العربي لمصلحة الإسلاميين”. فالانفتاح الديمقراطي في المنطقة يمثل فرصة للجميع للكسب وإسرائيل أيضًا لديها دور يمكنها تأديته – من خلال بذل جهود ملحوظة من أجل حل القضية الفلسطينية. وأريد التوضيح بأن العرب لن ينسوا أن حكاياتهم الوطنية تتشابك مع الحكاية الفلسطينية، وهذا هو السبب الذي يجعل السلام الدائم معهم يتطلب تحقيق سلام دائم مع الفلسطينيين.
وقد كان رد الفعل الفوري لملاحظاتي الافتتاحية هو الصمت اليقظ. فخلال رحلتي القصيرة، كان الشعور الغامر الذي وصلني هو أن الإسرائيليين لا يزالون متشككين للغاية إزاء التغييرات الحاصلة في المنطقة ويخشون بشكلٍ مفهوم مما ستجلبه هذه التغييرات لهم. ويترسخ هذا الشعور من خلال الملاحظات التي أبداها مدير المخابرات العسكرية اللواء أبيب كوتشافي ووزير الداخلية إيهود باراك، إلي تحدث من على المنصة عن الاضطرابات في المنطقة والتهديدات المباشرة التي تشكلها على إسرائيل. وقد أشار كوتشافي قائلاً “نحن نواجه منطقة شرق أوسط سوف تكون أكثر عداءً”.
وقد طرح باراك ملحوظة أكثر تفاؤلاً، حيث كان يجادل بأن الديمقراطية في العالم العربي سوف تكون تطورًا إيجابيًا على المدى الطويل – لكن يبدو أن المخاوف قصيرة المدى تسيطر على النفسية الإسرائيلية. وقد قال “إن الأجواء تحجب ما هو معروف بـ “الربيع العربي”.
لكنني سمعت أيضًا من الإسرائيليين الذين أدركوا أن إسرائيل لا يمكنها الاختفاء من مشهد الأحداث التي تجتاح المنطقة. فقد اقترب الإسرائيليون مني على مدار اليوم لكي أوصي بما قلت، حيث قال احدهم ملاحظة: “هذا ما كان الإسرائيليون بحاجة إلى سماعه”. فقد كان هؤلاء الإسرائيليون هم هؤلاء الذين تذهب آفاقهم، بشكلٍ واضح، خارج حدود إسرائيل. فقد كانوا يحاولون رؤية التغيرات الحاصلة في المنطقة من منظور العرب الذين يطمحون إلى الديمقراطية بدلاً من رؤيتها من خلال عدسة المخاوف الأمنية الإسرائيلية فقط.
وفي اليوم التالي لحديثي في مؤتمر هرتسليا، سافرت إلى رام الله لعقد اجتماعات مع بعض القيادات الفلسطينية البارزة وهناك كان الشعور المسيطر على الأجواء هو الشعور باليأس. في الواقع، قال أحد الأشخاص الفلسطينيين ذوي الفعالية العالية أن هذه كانت أصعب فترة مرت على شعبه منذ عام 1948، كما انه أعرب عن قلقه بألا يكون الشباب الفلسطيني – نصفهم تقريبًا أقل من 20 عامًا – قد شهد النضال القومي العنيف الذي قاده ياسر عرفات أو الأمل الذي نتج عن اتفاقيات أوسلو. فمن الممكن أن يؤدي هذا اليأس، لا سيما بين الشباب، إلى مزيد من التطرف والاحتجاجات.
كانت الرحلة بأكملها عبارة عن دعوة للاستيقاظ، فقد سلطت الضوء على مدى انعزال كل طرف عن الطرف الآخر. ومن المثير للاهتمام أن بعض الفلسطينيين والإسرائيليين اتحدوا خلال انتقادهم لي: فقد انتقدني الفلسطينيون والعرب نظرًا لحضوري مؤتمر تديره إسرائيل، كما ظل الكثير من الإسرائيليين متشككين في رسالتي التي تؤكد على أن أحداث الربيع العربي ليست بالضرورة مهددة لإسرائيل. لكن الانقسامات بين كلا الجانبين أصبحت أكثر ترسخًا كما أن هذه الحواجز التي تحول دون الاتفاق سوف تجعل من إجراء اتفاق سلام في المستقبل أمرًا أكثر مراوغةً. فالعالم يتغير من حولنا وينبغي علينا أيضًا أن نتغير.
Commentary
Op-edالفشل في التواصل
February 9, 2012