منذ أواسط أبريل، بدأ حوالي 1500 معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية إضراباً عن الطعام. والهدف من الإضراب هو إيقاف الانتهاكات التي تتم في السجون، والتي ركّزت عليها المنظمات الدولية لحقوق الإنسان. يقود حملة الإضراب عن الطعام مروان البرغوثي، الذي يُعتبر رمزاً من رموز المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، والوريث المحتمل للرئيس الفلسطيني المتقدم في العمر محمود عبّاس.
من جانبه، لا يبدو أنّ الرئيس عبّاس، قد أولى هذه المسألة أولوية خاصة. وهذا خطأ، إذ أثبتت الأيام أن معالجة قضايا المعتقلين السياسيين هي خطوة أساسية في طريق بناء السلام.
مسيرة طويلة نحو الحرية
اعتقلت إسرائيل منذ حرب 1967 أكثر من 700,000 فلسطيني، أي ما يقارب 20 بالمئة من الشعب الفلسطيني الحالي. ويقبع اليوم أكثر من 6,500 فلسطيني بالغ وطفل في المعتقلات الإسرائيلية، وهو ما تصفه منظمة العفو الدولية “بالانتهاك الصارخ لاتفاقية جنيف الرابعة”.
وقد تمّت محاكمة معظم الفلسطينيين المحتجزين حالياً في محاكم عسكرية، التي تقول منظمات حقوق الإنسان إنها لا تلتزم بأدنى المعايير المطلوبة في المحاكمات العادلة. ناهيك عن الاستجوابات الروتينية التي تجريها إسرائيل مع الفلسطينيين دون حضور محامين عنهم، ومُنِع الكثير منهم من التواصل مع أهاليهم. ويُزعم أنّ غالباً ما يسجّل النظام القضائي الإسرائيلي اعترافات المعتقلين الفلسطينيين تحت الإكراه.
كما وأنّ المعتقلين الأطفال يحظون باهتمام متزايد. فمنذ سبتمبر 2000، اعتقلت إسرائيل وسجنت أكثر من 8,000 طفل فلسطيني. وأفادت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، كمنظمة أدمير مثلاً، بمثول حوالي 700 طفل كل عام أمام المحاكم الإسرائيلية. وفي مارس 2013، أدان تقرير للأمم المتحدة “الاعتداءات الممنهجة” الإسرائيلية ضد الأطفال الفلسطينيين المعتقلين.
وقد نجحت هذه القضايا في حشد الفلسطينيين المضربين عن الطعام ضمن حملة أطلق عليها اسم “مسيرة طويلة نحو الحرية” تيمناً بنضال زعيم المؤتمر الأفريقي الأسبق والسجين السياسي نيلسون مانديلا. أبرز المطالب التي يسعى الأسرى المضربون إلى تحقيقها هي المزيد من التواصل مع أقاربهم، والحصول على عناية طبية أفضل، وإنهاء سياسة الاعتقال الإداري (التي يُحتجز الناس من خلالها دون تهمة أو محاكمة). وفي أغسطس 2016، أفادت تقديرات منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” بوجود 644 فلسطيني قيد الاعتقال الإداري، حيث يتم احتجاز العديد من هؤلاء دون تهمة لفترة قد تزيد عن العام.
نتائج السلام
أشار الرئيس ترامب، منذ توليه الحكم، إلى رغبته بالمشاركة في حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وقد قام كل من الملك الأردني عبد الله، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بزيارة واشنطن. كما يحضّر الرئيس الفلسطيني عبّاس لزيارة واشنطن في بداية شهر مايو، ومن دون شك ستكون قضية السلام على رأس قائمة أعمال الزيارة. ضمن هذا الإطار، تبقى مسألة السجناء والمعتقلين السياسيين الفلسطينيين عقبة دائمة ومستمرة.
على الرغم من هذا، فإن مستشارين مقرّبين من الرئيس عباس يعتقدون أنه لا تزال هناك مكاسب يمكن جنيها من خلال التركيز على محنة السجناء، وقد قاموا بتأييد الحملة التي يقودها مروان البرغوثي علناً. والبرغوثي هو خصم عبّاس بالاسم فقط، ويُنظر إليه على أنه الوريث الطبيعي للرئيس المتقدم في العمر. أما بالنسبة لقادة حماس، فالبرغوثي هو رجل يمكنهم التفاوض معه، وهو قادر على توحيد ما فرّقه الرئيس عبّاس.
التوق إلى العدالة في العام 1981، توفي بوبي ساندز داخل السجن البريطاني بعد أن قاد إضراباً عن الطعام، سعى من خلاله السجناء الإيرلنديون الجمهوريون إلى استعادة وضعهم كسجناء سياسيين من حكومة المملكة المتحدة. أدّت وفاته إلى فورة جديدة في التجنيد في الجيش الجمهوري الإيرلندي وتفاقم أعمال العنف في إيرلندا الشمالية. ولم تنتهِ الاضطرابات إلا بعد وساطة أمريكية، تكللت بتوقيع اتفاقية سلام العام 1998.
شكّل الإفراج عن السجناء السياسيين من كافة أطراف الصراع حجر الأساس في تلك الاتفاقية. وهذا درس مفيد من دروس التاريخ. في الواقع، لم تشكّل القضيّة أولوية لدى الرئيس عبّاس لكسب التأييد الدولي– بل إنه لم يأخذ المبادرة إلا عندما اضطره الضغط الشعبي أو المنافسة السياسية للقيام بذلك. ومن غير المرجّح أن يضع الرئيس عبّاس مسألة المعتقلين الفلسطينيين المضربين عن الطعام في قمة جدول أعمال اجتماعه المرتقب مع نظيره ترامب. ومع ذلك، إذا قررت إدارة ترامب أن تؤدّي دوراً في إحياء عملية السلام والمفاوضات، فإنه من المفيد أن نعرف أن الإضراب عن الطعام هو أداة قوية للمعتقلين السياسيين، وأن الاعتقال السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان كانت، على مرّ التاريخ، عراقيل رئيسية في دروب اتفاقيات السلام. وهذه مخاوف يجب عدم الاستهانة بها.
Commentary
سياسات السجون في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني
الإثنين، 1 مايو 2017