Commentary

الخبير بمعهد بوركنغز جوستن فايس لـ«العرب

August 30, 2009

يعتقد الخبير بمعهد بروكينغز في أميركا جوستين فايس أن الصراع بين الإدارتين الأميركية والإسرائيلية حقيقي، وأن أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خيارين: إما أن يمتثل وإما أن تتصدع حكومته، ويؤكد الباحث السابق في التاريخ بجامعة هارفارد الشهيرة أن اليهود في أميركا قد يخالفون السياسات الإسرائيلية كما حدث في رفضهم للحرب على العراق، ويعتقد محرر خطابات مكتب وزارة الدفاع الفرنسية، في حوار بالإنترنت مع جريدة «العرب» أن أوباما جاد في التصالح مع العالم الإسلامي وأن الحرب الأميركية في أفغانستان تقوِّي من عضد الراغبين في التنمية والديمقراطية، ويتوقع الباحث في مركز مراقبة الولايات المتحدة بكرسي راؤول دوراند للدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية أن أميركا لا تشهد انحطاطا كما يعتقد عدد من الباحثين.

 ما حقيقة العلاقة بين أوباما والإدارة الإسرائيلية؟ هل يلويان أذرع بعضهما بعضا أم ليست إلا حملة علاقات عامة؟
– هناك لي للذراع حقيقي، ورهانه القيادة الإسرائيلية. كان أوباما واضحا هذا الربيع بعد تشكيل حكومة نتنياهو- ليبرمان: المستوطنات ليست شرعية، وكما قالت هيلاري كلينتون، فإن واشنطن تريد «وقفا للاستيطان، ليست بعض المستوطنات أو المراكز المتقدمة، ودون استثناء لـ«النمو الطبيعي للمستوطنات».
هذا الموقف حاسم لكن حاليا لم يوافق نتنياهو على الامتثال.
أمامنا إذن سيناريوهان: إما أن تقبل الإدارة الأميركية ضمنا باستمرار الاستيطان وتتخلى عن تغيير الأمور، وإما أن تتدهور العلاقات إلى درجة أن موقف نتنياهو لا يصمد، فالرأي العام الإسرائيلي ليس مستعدا للمخاطرة بالحلف الأميركي من أجل إقامة مستوطنات إضافية.
وهذا قد يؤدي إلى تغيير حكومي في تل أبيب وخلق شروط أكثر ملاءمة للتفاوض إذا كان الطرف الفلسطيني (فتح وحماس) مهيأين للرد عليه.
والسؤال كله هو في معرفة من سينتصر في لي الذراع، والملف الإيراني زاد هذا الملف تعقيدا. 

ما تأثير اللوبي اليهودي في اختيار أوباما لفريقه وسياسته؟
– جميع اليهود الأميركيين يدعمون إسرائيل في الجوانب الأساسية، لكنهم منقسمون بشدة حول السياسة التي ينبغي اتباعها في المنطقة، وكثير منهم يدعمون أوباما.
مثال مثير للاهتمام: أظهر سبر للآراء في 2007 أن اليهود الأميركيين هم الأكثر معارضة للحرب بالعراق، أكثر من الكاثوليك والبروتستانت أو النسبة المتوسطة من الأميركيين. يوجد لوبي ليس يهوديا ولكنه متحمس لإسرائيل مشكل من يهود وغير يهود، يدافع باستمرار عن مواقف الحكومة الإسرائيلية، وهو دائما أقرب إلى الليكود من باقي الأحزاب.
هذا اللوبي نافذ، خصوصا في الكونغرس، لكنه ليس جبارا، توجد بعض المجموعات أقرب إلى حزب العمل ومواقف إدارة أوباما، مثل ج ستريت، التي تشكلت مؤخرا، وهناك على الخصوص قوى أخرى فاعلة، مثل الرأي العام، ورأي النخبة (الذين يتزايد قلقهم من الانغلاق النهائي لأفق التسوية) أو الإدارة الأميركية بكل بساطة.
خذ مثلا رحيم إيمانويل، مدير مكتب أوباما، الجميع، في بداية العام، يصورونه خطأ «كمحامي إسرائيل» في البيت الأبيض.
ومن يومها، هو أول المدافعين عن سياسة لي الذراع التي وصفناها أعلاه، وهو أسوأ كوابيس نتنياهو، الذي ينعته باليهودي الخجلان من أصله.

عرض الرئيس الأميركي المصالحة على العالم الإسلامي، هل أفعاله في مستوى وعوده؟
– ينشد خطاب القاهرة، بدءا، الشروع في انطلاقة جديدة، وقلب صفحة بوش، والتصدي لتلك الانطباعات عن صدام بين أميركا والعالم الإسلامي.
وأستعمل كلمة «انطباعات» لأن واشنطن لم تبن سياساتها يوما على نظرة للعالم حسب الحضارات أو الديانات.
فأميركا تدخلت مثلا لتحرير الكويتيين عام 1991، ومساعدة الصوماليين في 1992، ومساندة البوسنيين في 1995، والدفاع عن الكوسوفيين في 1999.
اقترفت واشنطن بالطبع أخطاء سياسية، في العراق خاصة، نشرت هذا الانطباع عن عدائية شاملة ضد العالم الإسلامي. لكن هذا الانطباع لا يصمد أمام التحليل. فأوباما ذكر «بدين الإسلام على الحضارة»، وبين أن أميركا تحترم هذا الجزء من العالم، لكنه كان بالخصوص على حق في إثارة المسائل السياسية الملموسة، خاصة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وأزمة النووي الإيراني. ولقد تصرف فعليا في هذه الملفات، باشتراطه التجميد الكامل للاستيطان، وفي عرضه حوار غير مشروط على إيران، ولنتذكر أيضا الانسحاب المتسارع من العراق. 

كيف يمكن أن يتصالح أوباما مع العالم الإسلامي بينما يشن في الوقت نفسه حربا على بلد إسلامي هو أفغانستان؟
– في 2001، اقترحت واشنطن على نظام طالبان قطع علاقاته مع القاعدة وتسليم ابن لادن، فرفض الملا عمر، ما استدعى التدخل العسكري وإقامة نظام غير كامل لكنه أفضل من نظام طالبان.
ومنذ ذلك اليوم، يواصل هؤلاء الحرب الأهلية، التي كانت موجودة منذ ربع قرن، وبارتباط دائم مع القاعدة التي قتلت بشكل مباشر أو غير مباشر، منذ 2001، آلاف المدنيين المسلمين في تركيا وباكستان والجزائر واليمن والأردن والعراق، وبالطبع في أفغانستان (علاوة على عدد من الغربيين لكنهم في الواقع قليلون). وفي هذه الحرب الأهلية الأفغانية، وقفت أميركا وكثير من الدول بجانب هؤلاء المسلمين، خصوصا مع البشتون، الذين لا يدافعون عن القاعدة، ويحاولون أن يبنوا بلدا ناميا وديمقراطيا.
لا يعني هذا أنهم سينجحون، لكن الاستراتيجية التي تحاول أن تعطي الحكم للسلطات الأفغانية القانونية، ولقوات الشرطة والجيش الأفغانيين، يبدو لي من الصعب وصفها بـ«الحرب على أفغانستان»!

كيف تفسر ارتباك أوباما في كثير من الملفات، مثل غوانتانامو والتعذيب والمستوطنات الإسرائيلية في فلسطين؟
– لم يرث أوباما من إدارة بوش مفارقات سياسية ضخمة فحسب بل سلوكيات وإجراءات وهيئات.
وأصلح ما استطاع في الأسابيع الأولى، وتحرك أبعد ما يستطيع في التعذيب (باستثناء بعض الاستثناءات الطفيفة مثل الترحيلات وغوانتانامو)، أي مسألة المحاكم العسكرية.
لكن بخلاف ما يعتقده كثير من الناس لا تمكن تسوية كل ذلك بقرار رئاسي، فمثلا: حتى إذا كان غوانتانامو غلطة، وعانى فيه أبرياء، فإن هناك إرهابيين حقيقيين خطيرين موقوفين في المعسكر، لا يرغب أحد في رؤيتهم أحرارا، لا أميركا ولا قطر ولا فرنسا.. لا أحد.
ما العمل مع هؤلاء الأشخاص، مع العلم أنه لا توجد إجراءات قانونية لمحاكمتهم؟ كانت سياسات بوش غالبا كارثية، لكن لا يعني هذا أنها جميعا دون أساس.
أما عن مسألة المستوطنات الإسرائيلية، فهي مسألة مختلفة، ولا أرى أوباما مترددا في هذا الملف.

تطلق أميركا نحو روسيا إشارات تهدئة واستفزاز، كما في دعمها لجورجيا، ما مكانة روسيا في السياسة الأميركية الجديدة؟
– يريد أوباما انطلاقة جدية للعلاقة مع موسكو، بعد أن تدهورت منذ وصول فلاديمير بوتن إلى الكرملين، لكن المهمة صعبة جدا.
فمن جهة تريد موسكو أن تتصرف بحرية في منطقة نفوذها، وهي كل البلدان التابعة سابقا للاتحاد السوفيتي. وهي تتهم واشنطن ليس بانتهاز مرحلة ضعفها خلال سنوات التسعينيات لتعاظم حضورها في آسيا الوسطى، وإنما أيضا بالتشجيع المستمر للثورات الديمقراطية وبترسيخ استقلال هذه البلدان عنها.
وتنظر إلى أميركا والحلف الأطلسي كمعادين بالأساس لمشاريعها، وهي ليست مخطئة إذا تبنينا نظرتها الإمبراطورية.
إذن، حتى إن تقاسمت روسيا مصالح استراتيجية مع واشنطن (رفض القنبلة النووية لإيران، رفض انتصار طالبان بأفغانستان) فهي لا تريد أيضا أن تحقق أميركا انتصارات حقيقية.
فهي ترى نفسها في سباق مع أميركا على القوى العظمى.
وبخلاف ذلك، تجد أميركا صعوبة في اعتبار روسيا قوة كبرى بكامل المواصفات، وترفض اعتبارها إمبراطورية.
ولا تفهم أميركا لماذا تكون لروسيا منطقة نفوذ على الدول التابعة المختطفة سابقا في الاتحاد السوفيتي، ما الذي يعطيها الحق لتضع الفيتو على انضمام هذا البلد أو ذاك إلى الحلف الأطلسي، وما شرعيتها في غزو بلد سيد، جورجيا، وتضم مقاطعتين محل نزاع، ولماذا تستعمل سلاح قطع الغاز للضغط على جيرانها.. وبإيجاز، تريد من روسيا أن تتصرف كقوة حليفة، وأن تكون بلدا عاديا، لنقل مثل الهند وألمانيا، لكن هذا غير ممكن.
هناك سوء فهم متبادل، والتقارب بينهما لن يكون كاملا.

تمر الولايات المتحدة بأزمة مالية واقتصادية في غاية الصعوبة، كيف ستؤثر في دورها العالمي؟
– كانت مسألة مفتوحة في بداية السنة لكن يبدو حاليا أن الانطلاقة الاقتصادية تتأكد. الفترة الأصعب مرت من دون أن تؤثر على الولايات المتحدة أعمق من باقي الاقتصادات الكبرى، فلا أعتقد إذن أن هناك تحولات كبرى في النظام الدولي.
بتعبير آخر: أصيبت أميركا بضربة برد وعطست لكن العالم كله أصيب بالزكام.. هذا الزكام الذي يبدو أن أميركا تتعافى منه أسرع من غيرها.
وفي المقابل، ستواجه إدارة أوباما مصاعب حقيقية في الميزانية، فخفض الضرائب في عهد بوش إضافة إلى المصاريف التي استدعتها هذه الأزمة المفاجئة (إطلاق الاقتصاد وإنقاذ البنوك) وكذلك تكلفة تصحيح النظام الصحي والمصاريف العسكرية التي تظل مرتفعة، حتى بعد الانسحاب من العراق، كل هذا يفضي إلى عجز ضخم.
ولن تكون الاستدانة دون حد مع التضخم وانخفاض الدولار حلا مقبولا للشركاء الدوليين، خاصة الصين، فينبغي إذن على أوباما أن يزيد في الضرائب ويخفض في المصاريف. ويؤثر هذا أيضا على المصاريف العسكرية، ويضيق من هامش مناورة واشنطن، في حدود معينة على كل حال. 

نشاهد منذ سنوات نقاشا حول حقيقة الإمبراطورية الأميركية، بين من يتوقع تدهورها ومن يثق في قدرتها على النهوض، ما نظرتك لهذه التيارات المتضاربة؟
– ليست أميركا في مرحلة انحطاط.. نشاهد حاليا بزوغ قوى كبرى جديدة، والصين في المقام الأول، ولكن الهند أيضا. لكن بعد هذا التوضيح، فإن اللحاق بطيء، وينبغي على هذه القوى أن تواجه تحديات ضخمة، مثل الفقر والشيخوخة.
أما أميركا، فإنها تمتلك عدة مؤهلات، جامعاتها، التي تسهم مباشرة أو غير مباشرة في رفاهيتها ونفوذها (القوة الناعمة الشهيرة)، وتتأسس حيويتها الاقتصادية في جزء منها على مواهب المهاجرين الأكثر تميزا، وحجم سوقها الداخلية، وأسواقها المالية التي لا تزال تجذب رؤوس الأموال من العالم أجمع، ودورها الدولي، وقدرتها على إعادة هيكلة صناعتها.
عانت أميركا كبوات جيوبولوتيكية في السنوات الأخيرة، خاصة في الشرق الأوسط، لكن ليس إلى درجة التشكيك في أسس قوته.
وأعتقد أننا آجلا سنتجه إلى خفض للالتزامات الخارجية سواء في أفغانستان أو العراق. وانتخاب أوباما الذي حسبه كثيرون مستحيلا هو أفضل مثال على قدرة الولايات المتحدة على التجدد والتطور.