تضيء وسائل الإعلام على بعض النماذج النسائية التي تنضم إلى المنظمات الإرهابية، إما كعرائس للمقاتلين أو كمشاركات غير فاعلات في الحركة. جرت مقابلة بين بيفرلي ميلتون- إدواردز الزميلة الزائرة في مركز بروكنجز الدوحة، وسمية عطية لمناقشة الأسباب المعقّدة التي تدفع النساء للانضمام إلى المجموعات الجهادية، وكيفية تحديد وضعهنّ ضمن هذه المجموعات.
سمية عطية: تتعرض النساء في المجموعات الجهادية للكثير من سوء المعاملة والاستغلال، ويُجرّدن من حقوقهن منذ اللحظة الأولى. بالنسبة للنساء اللواتي يلتحقن بهذه المجموعات، ترى هل يُجبَرن على فعل ذلك أم يفعلنه لاعتقادهن بأنهن يؤدين دوراً مهماً؟ بعبارة أخرى، كيف تبرر النساء اللواتي انضممن إلى المجموعات الجهادية انتماءهن إلى هذه المنظمات المتعصّبة جنسياً والتي تحتقر النساء – بحسب المعايير الغربية؟
بيفرلي ميلتون- ادواردز: تنخرط النساء في المجموعات الجهادية لأسباب عديدة. وهنا أعتقد أنّه من المهم التمييز بين النساء اللواتي يدعمن، والنساء اللواتي يشاركن، والنساء اللواتي يتورطن مع هذه المجموعات. كما أن هناك فرقاً كبيراً بين الأشخاص الذين يعتقدون أن النساء يتخذن قراراً فاعلاً بالانضمام، وفكرة أنّ النساء يُجنّدن للانضمام إلى هذه المجموعات، وبالتالي يُنظر إليهن على أنهن أكثر سلبية.
وغالباً ما يصوّر الإعلام الحالة الثانية، أي إنّ النساء “يهيّأن” من قبل المجنِّدين الجهاديين. هذا تصوير محقِّر للنساء، سواء أكان في الغرب أو في الدعاية الإعلامية للمجموعات الجهادية مثل داعش، حيث تُصوَّر المرأة على أنها كائن سلبي، بريء وفاضل بطبيعته.
لكن هذا الأمر يعني تجاهل إرادة النساء أنفسهن بالانضمام إلى هذه المجموعات الجهادية. وتشير الدراسات إلى أن غالبية النساء اللواتي يدعمن هذه المجموعات أو ينضممن إليها أو يُجنّدن فيها هنّ في الواقع نساء يتراوح مستوى تعليمهنّ بين المتوسّط والجيّد. وبالتالي، فإنهنّ يتخذن خيارات هنا. المسألة الوحيدة هي أنّ إطار الخيار الذي يقمن به ليس ما نتوقعه نحن كمجتمع منهن، فنحن نؤمن أن هذه المجموعات لا تقدم إلا الفرص التي تحجّم النساء وتستعبدهن وتستغلهن. لكن الكثير من النساء اللواتي ينضممن فعلاً إلى هذه المجتمعات يجدن في الأمر نوعاً من التمكين والتحرر، وفرصة للعيش في مجتمع يسوده التديّن الذي يلتزمن به.
سمية: هل تُقدم لهذه النسوة حوافز تغريهنّ على الانخراط في منظمة تمنحهن ما هو أفضل من حياتهن السابقة؟
بيفرلي: هناك دلائل تشير إلى أن المقاتلين الأجانب، بما فيهم النساء، يعتبرون الانضمام إلى هذه المجموعات الجهادية ودعمها والانخراط فيها هو تمكين بحد ذاته.
وهذا لا يعني بالضرورة حاجتهم إلى حمل السلاح أو المشاركة في أعمال عنيفة ضد الآخرين، بل إن التزامهم بهذه “القضية” ببساطة يعطيهم إحساساً بالقوة والتمكين. إن الحوافز على العمل هنا معقدة بعض الشيء، فبعض الناس، بما فيهم النساء، ذهبوا إلى سوريا في البداية للمشاركة في قضية حظيت بإقبال وتعاطف عالميين. ولم يكن المسلمون فقط من اعتبروا أن رد فعل النظام السوري على الاحتجاجات التي أعقبت العام 2011 كانت وحشية، بل إننا جميعاً استوعبنا ما كان يجري. وربما يكون هدف النساء في البداية دعم الجهود الإغاثية، لكن انتهى بهن الأمر في تركيا بين مجموعات أسرية يسيطر عليها الرجال، والخطوة التي تلتها كانت الانتقال إلى المناطق التي تحتلها داعش. غير أنّ أخريات قد جُنِّدن مباشرةً أو انضممن وبحثن عن مسارات التجنيد بأنفسهن. الحوافز متعددة وديناميكية، لكن بعض المجموعات مثل داعش، عرضت رؤية مثالية لحياة الخلافة، وهذه الرؤية لاقت صدىً مقبولاً لدى بعض النساء.
سمية: هناك تصوّر بأنّ النساء في الغرب يُهيّأن أو تُستدرجن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاصرتهن بنداءات الإنذار من الجهات المسؤولة عن التجنيد في داعش من خلال مصائد وسائل التواصل الاجتماعي. هل تعتقدين أن النساء الغربيات أكثر استهدافاً للتجنيد، كون المجموعات الجهادية تحاول توسيع قاعدتها، أم أنّ تأثير هذه المجموعات في الغرب مبالغ فيه؟
بيفرلي: أولاً، يجب أن نكوّن فكرة عن عدد “المقاتلات” الأجنبيات الذي نتكلم عنه. فمن المرجح أن يكون هذا العدد بالمئات وليس بالآلاف. تصوّر وسائل الإعلام انضمام هذه النساء إلى المجموعات الجهادية وكأنه مغامرة رومانسية “كعرائس الجهاد” وتوحي بأنهن ساذجات أو يعانين من التهميش في حياتهن في الغرب.
لكن معظم القصص المحفزة التي تستخدمها داعش لتشجيع النساء على الهجرة هي نفسها التي تُستخدم مع الشبّان. وفي الواقع، إنّ داعش تصوّر الأمر وكأنه فرصة للانضمام إلى قضية، والقتال من أجل حقوق المسلمين الذين يتم إظهارهم كمحاصرين أو مجني عليهم من خلال الجهود الدعائية المستمرة. وضمن هذا الإطار، يتم التعامل بمساواة مع الجنسين.
ولكن فكرة أنّ داعش وغيرها من المجموعات الجهادية تستهدف النساء من خلال إغراءات الزواج هو أمر مقبول على نطاق واسع. إلا أنّ دراسات أكاديمية أشارت إلى أنّ معظم النساء الغربيات اللواتي ينضممن إلى صفوف المجموعات الجهادية يبحثن بأنفسهنّ عن المجنِّدين، علماً بأنّ أشكال الالتزام الايديولوجي ونداءات التمرد هي ما تحفّزهم وليس الحلم بالزواج.
والأهم من هذا هو أن غالبية أولئك النسوة يدركن أنهنّ لسن ذاهبات إلى أرض “الحليب والعسل”، بل هنّ ذاهبات، في الواقع، إلى مناطق صراع حيث سيقدّمن الكثير من التضحيات مقابل الفوز بالآخرة لما قمن به من أعمالٍ صالحة.
سمية: لكن ألا تُملأ عقول بعض النساء بأفكار وردية عن الخلافة قبل الانضمام إلى هذه المجموعات؟ مثلاً، النساء اللواتي يتم تجنيدهن على الانترنت بحاجة لإغراءات وحوافز تشجعهن على الانضمام. فهل تُقدم لهن كل الحقائق المتعلقة بالتضحيات الشخصية، وظروف الحياة على أرض الواقع، أم يُدسّ لهنّ السم في الدسم؟
علينا أن نتذكر أن غالبية النساء اللواتي يعشن في مناطق تسيطر عليها داعش لسن هناك عن طيب خاطر. أما بالنسبة للباقيات الراغبات فعلاً بالانضمام، فإن الظروف تختلف بين واحدة وأخرى. من الطبيعي أنّ مجموعات مثل داعش تستخدم جهودها في العلاقات العامة لتجنيد النساء. وبالتالي، نعم هناك بيانات موثقة على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى إغرائهن بقصص كاذبة. لكن إرادتهن وقراراتهن على المحك أيضاً، وهناك أدلة تشير إلى تواصل نساء بنساء أخريات للتأكد من الوقائع.
سمية: بما أن النساء لا يمتلكن قوة يعتد بها في اتخاذ القرارات المتعلقة بالاستراتيجية الشاملة لهذه المجموعات، فما هو نوع التأثير الذي يمتلكنه؟ وهل يتم تجنيدهن فقط لزيادة العدد، أم أنهن يشكّلن قيمة مضافة للـ “قضية”؟
بيفرلي: للمجندات تأثير رمزي أكثر منه عددي، وذلك من نواح عديدة، فهن يتحكمن بأمور العلاقات العامة والجهود الايديولوجية التي تبرز دور المرأة، خصوصاً دورها كزوجة وأم. هذا هو الدور المطلوب من المرأة في الجهاد، وهو يعني خلق الخلاقة والمحافظة على استمراريتها ونظراً لأهمية الخلافة لداعش، فهي تركّز على الدور الذي يمكن للمرأة أن تؤدّيه في هذا الصدد. فالنساء هن الأرحام التي ستنجب الجيل الثاني من الخلافة. وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة مجموعات مثل داعش تقوم النساء أيضاً بدور المنفذ الاجتماعي لأحكام داعش. في الرقة مثلاً، تقوم الشرطة النسائية بتأديب النساء من خلال جهاز شرطة مؤلف من النساء حصراً يدعى لواء الخنساء، حتى إنّ بعض النساء يلعبن دور التمرد والعصيان.
سمية: ما الذي يجبر النساء على حمل السلاح أو التضحية بأنفسهن من أجل هذه القضايا؟
بيفرلي: يقودنا التاريخ إلى الاعتقاد أنّ النساء هنّ الضحايا ولسن فاعلات. لكن الواقع هو أنّهن لسن عاجزات أو سلبيات، بل هن قادرات على المشاركة، شأنهن شأن الرجال، وعند الضرورة يستطعن حمل السلاح. الشيء الوحيد الذي يحدّ من دور المرأة هو الإطار المحلي للسيطرة الأبوية. هناك في الواقع أسباب وأطر سياسية قاهرة تساعدنا على فهم السبب وراء مشاركة أي رجل أو امرأة في أعمال قاسية منفذّة بدم بارد. لسوء الحظ فإن معظم هذه الفروق لا يضعها المجتمع الكبير، إذ يوجد في الواقع ضحايا على كل جانبي الصراع. هذه هي العوامل، وليست الخصائص الأنثوية أو الذكورية، التي تفسّر السبب وراء قيام أي شخص بعمل يضطرّهم لقتل أنفسهم عند قتلهم للآخرين.
Commentary
Op-edالإرهابيات ودورهن في المجموعات الجهادية
الثلاثاء، 9 مايو 2017