تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية في جريدة ذا نيويورك تايمز.
لقد تفاقم القلق العالمي من تلويح الولايات المتحدة باتخاذ إجراء عسكري ضد إيران بعد تعيين الرئيس ترامب جون بولتون مستشاره للأمن القومي. فلطالما ناصر السيد بولتون فكرة تغيير النظام في إيران، كما طالب بقصفها واستخدام سياسة أمريكية أكثر حزماً ضد التوسّع الإيراني في الشرق الأوسط.
لكن الولايات المتحدة لا تستطيع مواجهة طهران ووكلائها في المنطقة بشكل فاعل، ما لم تقدِّر دور إيران في بناء الدول في بلدان الشرق الأوسط التي دمَّرها الصراع.
لقد زادت إيران نفوذها في المنطقة منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية وظهور تنظيم الدولة الإسلامية. فقد حشدت عشرات الآلاف من مقاتلي حزب الله وميليشيات شيعية أخرى من العراق وباكستان وأفغانستان للقتال إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد. وأدّت هذه الميليشيات دوراً حاسماً في هزيمة الجماعات المتمرِّدة السورية. كما حاربت الدولة الإسلامية في كلٍ من سوريا والعراق، وفي بعض الأحيان كانت تحارب على مقربةٍ من القوات الأمريكية.
بدأت الميليشيات الشيعية العراقية، التي تمرَّست في القتال ضد الولايات المتحدة، قتالها في سوريا إلى جانب قوات الرئيس الأسد في العام 2012. واستولى حزب الله على مدينة القصير السورية الإستراتيجية من مقاتلي المعارضة في العام 2013. كذلك أدَّت الميليشيات الشيعية، بما فيها المقاتلون الأفغان، دوراً محورياً في الاستيلاء على مدينة حلب في ديسمبر 2016، الأمر الذي وطَّد بقاء نظام الأسد.
وعلى مدى العامين المنصرمين، قاد هؤلاء الوكلاء الإيرانيون القتال لاستعادة مدن مثل حمص وبعض المناطق المحيطة بدمشق. وهم يسيطرون على نقاط تفتيش مهمَّة استراتيجياً، ويدعمون المواقع العسكرية السورية في الكثير من المناطق الريفية.
لقد برز حزب الله والميليشيات العراقية مثل فيلق بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء، كأقوى شركاء لإيران على الأرض في سوريا. فهم يمتلكون خبرةً قتالية ميدانية طويلة، وقد عهدت إليهم إيران بمهمَّة تدريب المليشيات الشيعية القادمة من أفغانستان وباكستان.
لكن هؤلاء الوكلاء الإيرانيين لا يأتون فقط ليقاتلوا ويعودوا إلى ديارهم بعد المعارك. فرغم أن الظهور السياسي لـحزب الله وحالة “الدولة داخل الدولة” في لبنان كان وضعاً استثنائياً في الماضي، إلا أنه بات اليوم نموذجاً يتم استنساخه من قِبَل ميليشيات أخرى، ذات تأثير مدمِّر.
لقد درَّبت إيران هذه المجموعات لاستغلال الفوضى وملء الفراغ، بتوفير الخدمات والأمن للسكان اليائسين في كثير من الأحيان. وقد ساهمت فيالق الحرس الثوري الإسلامي، الذي يشرف على هؤلاء الوكلاء، في استمالة المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية المحلية أو السيطرة عليها كطريقة لاكتساب الشرعية والشعبية. لقد ضمنت إيران تقديم المساعدات من خلال هؤلاء الوكلاء.
وكما هو الحال في العراق، فقد طرد وكلاء إيران في سوريا السكان غير الشيعة، أو أولئك الذين لا يدعمون إيران من المناطق التي يسيطرون عليها.
لقد أتاحت السيطرة على مؤسّسات الدولة في سوريا لوكلاء إيران التحكم في مسألة شراء العقارات، مما مكَّنهم من تعزيز مواقعهم هادفين إلى تحويل مكاسبهم إلى مقاعد برلمانية ومناصب وزارية وسيطرة رسمية على مؤسسات الدولة.
يتجلَّى تحوُّل المليشيات في زمن الحرب إلى كيانات سياسية بارزة من خلال تطوّر الميليشيات الشيعية في العراق إلى نسخٍ من حزب الله اللبناني. فميليشيا عصائب أهل الحق مثلاً، التي اكتسبت سمعة سيئة بسبب الفظائع الطائفية التي ارتكبتها والهجمات التي شنتها على شخصيات غربية وعراقية، تأسّست من قِبَل إيران بعد سقوط نظام صدَّام حسين. وباتت اليوم تدير أنشطة اجتماعية ودينية واسعة، تشمل المراكز الطبية والعيادات، بشكل مستقل عن الحكومة العراقية.
كما يسيطر وكلاء إيران في العراق على قوَّات الحشد الشعبي، وهي منظمة تطوعية تضم 100,000 مقاتل، تأسَّست في العام 2014 بعد استيلاء الدولة الإسلامية على الموصل وانهيار الجيش العراقي. دفع الضغط الإيراني الدولة العراقية، التي يهيمن عليها الشيعة، إلى إضفاء الشرعية على هذه القوَّات في العام 2016، حيث زوَّدتها بالموارد المالية الكبيرة والأسلحة الثقيلة.
إن الدافع الذي يحفّز تدخل وكلاء إيران الشيعة في سوريا هو الخوف من أن تؤدّي الإطاحة بنظام الأسد إلى تهديد وجودي للمذهب الشيعي، وهو خوف تشجّع عليه طهران. تبني إيران شبكات اجتماعية ودينية تتمحور حول المذهب الشيعي وتدعم الثيوقراطية الإيرانية. من خلال الدعم التقني والاستخدام المتطور للدعاية السياسية، تعمل إيران على تضخيم صوت وكلائها. وجماعياً يتيح هؤلاء الوكلاء المجال لطهران للتحايل على السلطات المحلية والوطنية وتشكيل الحكومات في نهاية المطاف، وتسوية النزاعات، وبالتالي التحكّم بالسياسات.
يزعج هذا الأمر الجهات الفاعلة السياسية المحلية، لكن في الدول التي دمَّرتها الحرب، غالباً ما يكون منافسو إيران على درجة كبيرة من الضعف بحيث لا يستطيعون مواجهة خططها وشبكات اتصالاتها على الأرض.
وخلافاً للدور المتناوب الخجول للمسؤولين الأمريكيين والقادة العسكريين، فإنّ الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، ورجاله، يتمتعون بالكثير من الاستقلالية والانخراط المديد في المنطقة. يقود الجنرال سليماني فيلق القدس منذ العام 1998، وقد استثمر، هو ومعاونوه، عقوداً من الزمن والجهد في تطوير العلاقات مع الجماعات المسلحة والأحزاب السياسية من جميع الأطياف في جميع أنحاء المنطقة.
بالنسبة للميليشيات، فإنّ الفيلق هو أحد الرعاة أو الشركاء المرغوبين، مع سجّله الحافل في فرض الخطوط الحمراء والوقوف إلى جانب حلفائه. أما الولايات المتحدة، فقد فشلت حتى في وضع خطوط حمراء، ناهيك عن فرضها، عندما يتعلق الأمر بمصالحها ومصالح حلفائها على الأرض، وهذا ما اكتشفه السوريون والأكراد والعرب السنّة والفصائل الشيعية المتحالفة مع الغرب في العراق.
وفي هذه الأثناء، ستشرع إيران في إعادة تشكيل الدول والمجتمعات وفقاً لمصالحها وأيديولوجيتها. وكما فعلت في العراق ولبنان، من المؤكد تقريباً أن تحوِّل إيران وكلاءها في سوريا إلى مكوِّنات راسخة تماماً تدعم أي نظام سياسي يولد من أنقاض الصراع. سيشكِّل هؤلاء الحلفاء الإيرانيون مستقبل الدولة السورية والمشهد السياسي في الشرق الأوسط بأكمله.
لكن، يمكن للولايات المتحدة تغيير مسار الأحداث إذا التزمت البقاء في سوريا، والبناء على الانتشار الحالي للقوات الأمريكية، ورعاية شراكات طويلة الأمد لضمان عدم ترك مصير سوريا والمنطقة لإيران ووكلائها.
Commentary
Op-edكيف استخدمت إيران نموذج حزب الله للهيمنة على العراق وسوريا
الجمعة، 30 مارس 2018