Commentary

هل سيستمر الاتفاق النووي الإيراني؟ الجواب رهن الوقت والعقوبات

EDITORS' NOTE: Reuters and other foreign media are subject to Iranian restrictions on leaving the office to report, film or take pictures in Tehran.

شكّل الاتفاق النووي الإيراني الإنجاز الأهم والأكثر إثارة للجدل لسياسة إدارة أوباما الخارجية، وهو يواجه اليوم مصيراً غامضاً منذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2016. جدّد الرئيس دونالد ترامب إعفاءات العقوبات على إيران، رغم انتقاده الاتفاق بقسوة، ممدّداً بذلك الالتزام الأمريكي بالاتفاق، المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة، لمدة ثلاثة أشهر على الأقل.

من المبكر الحديث عن استمرار الاتفاق في ظلّ الإعفاءات وإعادة انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أيّده. في الحقيقة، تطوّر واشنطن تدابير جديدة صارمة لمعاقبة طهران بسبب برنامجها للصواريخ الباليستية وغير ذلك من المخاوف السياسية، وذلك كجزءٍ من استراتيجية أوسع لزيادة الضغط على إيران. ستختبر هذه العقوبات المحتملة وردة فعل إيران نقطة تحول في التوتر الأمريكي – الإيراني، كما يمكن أن تحلّ مسألتين مهمتين مثيرتين للشك نتجتا عن خطة العمل الشاملة المشتركة:  هل استبعد الاتفاق بفعالية أي استخدام أمريكي للعقوبات في المستقبل؟ هل يمكن أن يصمد الاتفاق النووي الإيراني أمام خصومه؟

العقوبات في ظلّ إدارة ترامب

حتى مع قرار إصدار الإعفاءات، سعت إدارة ترامب إلى التأكيد على كراهيتها للاتفاق ولطهران، معلنةً إلى جانب تجديد الإعفاءات عقوبات على سبع أهداف إيرانية وصينية يتضمنها برنامج الصواريخ الإيراني بموجب قرار تنفيذي صدر في العام 2005 يعزل الجهات التي تنشر أسلحة الدمار الشامل. جاءت هذه التسميات بعد خطوة مشابهة في شهري فبراير ومارس حين شمل نظام العقوبات الأمريكية الصارم ذات الصلة بالصواريخ والإرهاب وغيرها من المسائل التي لم يتطرق إليها الاتفاق النووي عشرات الأفراد والشركات.

هذا ووصف نقّاد المقاربة الثنائية الخطوة بـأنها “تتنازل من جهة وتوجه صفعة من جهة أخرى” وشددوا على أنها تقدّم “طريقة أنيقة لإبقاء الضغط على إيران”. وذهبت إدارة ترامب إلى أبعد من ذلك من خلال فرض عقوبات جديدة على إيران. منذ تنصيب ترامب، طرح الكونغرس سبع مشاريع قوانين وقرارات ترمي إلى معاقبة إيران. يوم الخميس، وافقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية ساحقة على قانون مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار لعام 2017، الذي حظي بدعم متساوٍ من الجمهوريين والدمقراطيين، بمن فيهم العديد ممن أيّدوا الاتفاق النووي الإيراني.

وينصّ مشروع القانون على فرض عقوبات على المشاركين في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، ويطبّق عقوبات إرهابية على قوات الحرس الثوري، ويطالب الرئيس بإغلاق أي ملكية تعود إلى أي شخص أو مؤسسة مشاركة في نقل أسلحة ممنوعة ومواد ذات صلة بها من إيران وإليها. ويعمل مجلس النواب الأمريكي على اتخاذ إجراءات مماثلة، بما في ذلك قانون الصواريخ الباليستية الإيرانية وقانون تطبيق العقوبات الدولية، الذي يستهدف تطوير الصواريخ فحسب. وأقرّ مجلس النواب أيضاً تشريعاً يستهدف مناصري نظام الأسد، بمن فيهم روسيا وإيران.

وقد احتلت مسألة برنامج الصواريخ الإيرانية مكانةً مركزية في الحوار حول الاتفاق النووي. ورغم أن تطوير الصواريخ شكّل عنصراً أساسياً لقرارات الأمم المتحدة التي سبقت الاتفاق، إلا أن خطة العمل الشاملة المشتركة لم تتطرق إلى هذه المسألة.

بالكاد طالب قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 2231، الذي أيّد الاتفاق، إيران أن توقف برنامجها لمدة ثماني سنوات، إلا أنه لم يفرض على طهران القيام بذلك قانونياً. بناءً على ذلك، عارض مسؤولون أوروبيون وروس فرض عقوبات جديدة على إيران لتجاربها حول الصواريخ الباليستية. وتؤكّد طهران أنّ صواريخها غير مصمّمة لحمل الرؤوس النووية، كما أنّ القيادة الإيرانية تشدد على أن إيران “لن تنتظر إذناً [من الولايات المتحدة]” لتنفيذ تجارب مماثلة.

العقوبات والمجتمع الدولي

تفرض واشنطن العقوبات على إيران منذ حوالي 40 عاماً، وبدأت بإجراءات اتُخِذت على أثر الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران وحجز دبلوماسييها. وقد أُلغي معظم هذه الإجراءات كجزء من اتفاقية الجزائر في العام 1981، والتي أنهت أزمة الرهائن، ولكن طوال الفترة الممتدة بين العامين 1979 و1981، اعتمدت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً على فرض العقوبات كوسيلة لمعاقبة الجمهورية الإسلامية وردعها عن زعزعة استقرار السياسات الإقليمية وقمعها مواطنيها.

لم يحظً لجوء واشنطن إلى الدبلوماسية القمعية عبر التاريخ إلا بدعمٍ دولي محدود. لكن الأمور بدأت تتغير في العام 2006، مع إحالة المخاوف المتزايدة من برنامج إيران النووي إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة. وعلى مرّ السنوات السبعة اللاحقة، وجدت طهران نفسها هدفاً لمجموعة معقدة وشاملة على نحوٍ متزايد لقيود اقتصادية دولية سنتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول حول العالم.

فرض تطبيق الاتفاق النووي المبرم في يناير 2016 على الأطراف كافةً رفع العقوبات ذات الصلة ببرنامج إيران النووي أو إلغاءها، مما أنعش صادرات النفط الإيرانية، وأعاد إحياء علاقات إيران مع النظام المالي العالمي، وأعاد بناء العلاقات الاستثمارية مع الشركاء التقليدين في أوروبا وآسيا. بيد أنّ الاتفاق لم يطالب برفع العقوبات كافةً، كما بقيت مجموعة كبيرة من الإجراءات الأمريكية غير المرتبطة بالأزمة النووية سارية المفعول. بالإضافة إلى ذلك، أبقى الاتحاد الأوروبي حصاره على بيع إيران سلعاً وأدوات حساسة بغية قمعها داخلياً.

هل من انتهاكات؟ الأمر يتوقف على الجهة التي يُطرح السؤال عليها

تتسم خطة العمل الشاملة المشتركة بالوضوح الشديد: لا ينهي الاتفاق العقوبات كافةً التي فرضتها الولايات المتحدة أو غيرها من الحكومات على إيران، ولا يمنع كذلك أي إجراءات مستقبلية. خلال المفاوضات وفي استعراض الكونغرس الشروط النهائية، حاول مسؤولون أمريكيون بدءاً من الرئيس أوباما جاهدين التشديد على هذه الأحكام وذلك في إطار جهودهم لدحض النقد المحلي والإقليمي الموجه إلى الاتفاق. لكن ولأسباب سياسية محلية، قدّمت القيادة الإيرانية مطالب معاكسة تقريباً؛ فقد روّجت لخطة العمل الشاملة المشتركة محققة أكبر قدرٍ من النصر إذ أمنت رفع العقوبات على نحو شامل ووضعت حداً لمختلف العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني.

وقد أدى هذا الاختلاف مراراً وتكراراً إلى إرهاق تنفيذ الاتفاقية. إذ لام الإيرانيون واشنطن على الانتعاش الاقتصادي البطيء والمتفاوت ووصفوا التسميات الروتينية التي تتم بموجب العقوبات أو الخطوات الراهنة لتمديد الإجراءات الملغاة بأنها تنتهك الالتزامات المفروضة على أمريكا بموجب الاتفاق. كتبرير لذلك، بإمكانهم الاعتماد على بعض المقاطع الواردة في الاتفاقية والتي يتعين بموجبها على الأطراف كافةً وضع الاتفاق موضع التنفيذ بنية حسنة وضمن أجواء بناءة، استناداً إلى الاحترام المتبادل، وكذلك الامتناع عن أي عملٍ يتضارب مع معنى خطة العمل المشتركة الشاملة وفحواها والنية المرجوة منها ومن شأنه أن يقوّض نجاح تنفيذها.

بينما استمرت واشنطن في تسمية المؤسسات الإيرانية في ظلّ الإجراءات المعمول بها، بدت إدارة أوباما أحياناً وكأنها تبذل المستحيل للتخفيف من أي تأنيب ضمير محتمل من جانب إيران، مرسلة على سبيل المثال مسؤولي الخزانة الأمريكية حول العالم لمساعدة المستثمرين المحتملين على اجتياز مخاطر الامتثال الكبيرة المستمرة عند المتاجرة مع إيران.

بدلاً من ذلك سعت إدارة ترامب، التي تحظى بدعم الحزبيين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، إلى قلب كفة الميزان ضد إيران، وبفضل فعالية العقوبات النووية جزئياً، هي متحمسة لتنفيذ عقوبات جديدة كالعقوبات المتعلّقة بالصواريخ التي مررتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي هذا الأسبوع. ولطّفت اللجنة لهجة مشروع القرار لمواجهة المخاوف التي عبّر عنها بعض الديمقراطيين وكذلك مسؤولين سابقين في إدارة أوباما بأنه لا يجب أن “يعيق مشروع القانون الالتزامات المفروضة على أمريكا في ظلّ خطة العمل الشاملة المشتركة “.

ما التالي؟

في حال وافق الكونغرس على العقوبات المتعلقة بالصواريخ ووقّعها الرئيس ترامب كما هو متوقع، سيشكّل ذلك أولى الإجراءات الأمريكية الجديدة المتخذة منذ الاتفاق النووي المؤقت المبرم في العام 2013. في هذه الحالة، سيكون ذلك بمثابة اختبار حقيقي لمقاومة الاتفاق لضغطٍ اقتصادي جديد على إيران؛ ومن غير المحتمل أن يكون نقطة التحول الكبيرة الأخيرة. سيثير إلغاء العقوبات بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة ذات الصلة بالبرنامج النووي إيقاعاً ثابتاً لنقاط القرار بخصوص إيران التي سيعتمدها ترامب، وتحديداً في منتصف يوليو، حين يحين موعد إنهاء تقرير الإدارة بشأن الاتفاق النووي.

كذلك، يجري التدقيق بتراخيص وزارة الخزانة الأمريكية لبيع طائرات البوينغ والإيرباص لطيران إيران. سمح الاتفاق بعمليات البيع، إلا أنّ التراخيص قد سببت قلقاً في واشنطن بناءً على تقارير تفيد بأن الطائرات التجارية الإيرانية تساند مباشرة حملة إيران العسكرية في سوريا. كانت إيران قد بدأت تستلم طائرات الإيرباص، وكان من المتوقع أن تستلم أولى طائرات البوينغ في العام 2018، إلا أن إجراءات البيت الأبيض ومجلس الشيوخ قد طرحت مشاريع قوانين مشابهة تستقصي علاقات بين طيران إيران والحرس الثوري الإيراني.

كما كان متوقعاً، سعت طهران إلى الرد على العقوبات الجديدة عينياً. قوبلت التسميات الأخيرة الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية بعقوبات إيرانية جديدة على الأفراد والشركات الأمريكية، بسبب دعمهم لإسرائيل على سبيل المثال لا الحصر. في مارس، رداً على عقوبات أمريكية أخرى، أعلنت إيران عقوبات على 15 شركة أمريكية لأسباب مشابهة.

وبينما تتصاعد المطالب بفرض عقوبات اقتصادية، يتزايد الضغط كذلك في المنطقة. جمعت زيارة الرئيس ترامب إلى الرياض المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية والإسلامية حول أجندة تصف طهران بالإضافة إلى الدولة الإسلامية كأخطر التهديدات. كما وأنّ القوات الأمريكية لن تتهاون في استهداف إيران ووكالاتها في المنطقة، بما في ذلك الغارة الجوية الأمريكية التي شُنت أوائل هذا الشهر على “القوات التي يقودها الإيرانيون” في سوريا.

وحتى مع فوز روحاني وإذا جدد ترامب الجولة الثانية من الإعفاءات، من الصعب التأكيد على ضمان استمرارية خطة العمل الشاملة المشتركة. والمثير للاهتمام هو أنّ مصير الاتفاقية قد يكون في طهران، حيث سعى روحاني إلى تعزيز احتمال فوزه بالانتخابات من خلال تعليق إمكانيات محادثات ثنائية مباشرة لرفع ما تبقى من عقوبات. قد يطرح ذلك تحدّيات سياسية محلية عميقة، إلا أنه يشير إلى اعتراف إيراني نادر بأن الوضع الراهن لا يصب في مصلحة الإيرانيين ولا في مصلحة الأمريكيين. إلا أنّه في ظلّ غياب المزيد من الحوار، تبقى تكهنات خطة العمل الشاملة المشتركة غير أكيدة. تسعى كلّ من واشنطن وطهران إلى تجنب مسؤولية انتهاء الاتفاق، إلا أنه قد يكون من الصعب تجنب حلّه البطيء – من خلال الاستفزاز، وسوء التفسير، والتصعيد.