Commentary

الصراع في اليمن: على دول الخليج التخلي عن كبريائها وتقديم الحلول

ليست فكرة جيدة أبداً أن تخوض حرباً مبنية على الكبرياء وتفتقد لأي مبرر أخلاقي للحفاظ على الدعم الشعبي أو لأهدافٍ واضحة قابلة للتنفيذ. للأسف، أصبح الشرق الأوسط معروفاً “بالحروب الغامضة”. بدءاً من الغزو العراقي للكويت في العام 1990 وصولاً إلى المعارك المتعددة الأوجه ضد الدولة الإسلامية (أو داعش) اليوم، كثيراً ما شُنّت الحروب كردود فعل غير محسوبة يقود معظمها الكبرياء وتستند في غالبيتها على معلومات استخباراتية مضللة. إنّ الارتباك الناتج يشعل حتماً النيران التي تحاصر عاجلاً أو آجلاً كافة الأطراف المعنية (وإن كان ذلك بدرجات مختلفة). والحرب في اليمن هي أحدث مثال على هذه الظاهرة.

التسرع يكلّف الأرواح

جاء فقدان 52 جندي إماراتي و10 جنود سعوديين و5 جنود من البحرين و4 جنود يمنيين في قاعدة عسكرية في محافظة مأرب اليمنية يوم 4 سبتمبر بمثابة تذكير قاس بالتكاليف الحقيقية للحرب، في الوقت الذي تتحضّر فيه قوات التحالف ضد الحوثيين لشن حملات برية بعد الحملات الجوية. كانت هذه أكبر خسارة بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة في صفوف جنودها منذ أن نالت استقلالها في سبعينيات القرن الماضي. لقد استشعر الآن كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والتحالف العربي ككل القيمة المحسوسة لخسارة الأرواح. ومن يشعر بذلك أكثر هم بالتأكيد عائلات هؤلاء الجنود، الذين يتساءلون لماذا كان على أولادهم خسارة حياتهم في اليمن وكم سيكون عدد أولئك الذين قد يُقتلوا ضحية هذه الفوضى.
رغم أن حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي صرّحت في البداية أنّ الوفيات جاءت نتيجة انفجار عرضي “لذخائر مخزّنة بشكل سيئ”، أصبح من الواضح الآن أن الانفجار نجم عن صاروخ أرض-أرض استهدف مستودع الذخائر. ولكن، بدلاً من التوقف من أجل إعادة التقييم، قام التحالف – مدفوعاً بالكبرياء بشكل واضح – بزيادة عدد القوات في حركةٍ متهوّرة له. أكّد ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، عزم بلاده على القتال حتى الانتصار، وتعهدت قطر بإرسال 1,000 جندي من قواتها البرية.

وتعزّز هذه التحركات الخطأ الأولي الذي ارتكبه التحالف بالتقدم من عدن قبل الأوان. نظراً لعدم خبرته في مكافحة التمرد، قام التحالف بمخاطرة كبيرة عندما قرر الخروج من ميناء عدن بعد وقتٍ قليل جداً على إجبار ميليشيات الحوثي وصالح على الانسحاب ومن دون أن تقوّي نظام الحكم هناك. وقد تكون عودة نائب الرئيس اليمني ورئيس الوزراء خالد بحاح إلى عدن الأسبوع الماضي بعد أشهر في المنفى قد جاءت نوعاً ما بعد فوات الأوان.

تحذيراتٌ للتحالف 

في أوقات غامضة كهذه، إنها لمسؤولية أخلاقية يتعين أصدقاء التحالف العربي تحملها لتقديم المشورة الصريحة والاستراتيجية المبنية على تحليل دقيق للأوضاع على الأرض ولتاريخ الصراع في اليمن والمنطقة ككل على حد سواء، وذلك من أجل المساعدة على تجنيب التحالف الاحتراق في نار الكبرياء. حالياً، يواجه الائتلاف المخاطر الآتية:
الوقوع في خطوط الصدع بين الشمال والجنوب: جددت استعادة عدن قبل بضعة أسابيع من أيدي الحوثيين الانفصاليين الجنوبيين الأمل في أن هذه حرب لفك الارتباط عن الشمال، وليست حملة لاستعادة شرعية حكومة وحدة وطنية. رغم أن الملك السعودي والرئيس أوباما سارعا في الإشارة إلى أنّهما متفقان على ضرورة الحفاظ على يمنٍ موحدٍ، إلا أنّ الصراع يتحول بلا شك إلى حرب أهلية بين الجنوب والشمال.

قريباً، سيجد قادة شماليون معارضين للحوثيين، كالجنرال علي محسن الأحمر وعبدالمجيد زنداني، أنفسهم أمام معضلات مهمة. فمن خلال الاستمرار بإضعاف الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح، هم في الواقع يعززون من قوة الانفصاليين الجنوبيين. وبالتالي، كلما طالت الحرب، كلما أصبح الانقسام ملموساً. وفي حين يبدو أنّ الانفصاليين الجنوبيين قد غفروا (حتى الآن) لهادي عندما خذلهم ودعم صالح في منتصف التسعينيات، إلا أنّ الشماليين أقل قابلية لمغفرة سوء استخدامه السلطة وتلاعبه البرلماني. 

إنّ المشكلة الكبرى أمام التحالف هو أن يجد نفسه في وقت قريب يحتل خطوط الصدع بين الشمال والجنوب وأن ينتهي الأمر به مستهدفاً من أولئك الذين يعزّزونهم ويدعمونهم الآن. قد يكون ذلك جديداً بالنسبة للتحالف، ولكنه نتيجة مؤكّدة لمثل هذا النوع من الصراعات، وبشكلٍ خاص في ثقافة سياسية حيث “تحالفات المصلحة” هي السائدة.

استنزاف بطيء في اليمن: رغم أنه يمكن للمرء أن يناقش إلى أي مدى يُعتبر التهديد الذي تطرحه إيران على دول الخليج حقيقياً أو خيالياً، شنّ التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية عملية عاصفة الحزم في مارس لوقف تحويل اليمن إلى عراق آخر، حيث تتمتع إيران بتأثير هام على الحكومة ويمكنها أن تضغط على جيرانها الخليجيين.

إلا أن التحالف جعل نفسه بشكلٍ متهور عرضة للتكتيكات التي تتقنها إيران، وذلك بعد أن حشد قوات المشاة بهذا الشكل في اليمن. وبينما هناك أدلة قليلة تشير إلى أن إيران تزوّد الحوثيين بالعدة والعتيد حتى الآن، لا شكّ أن ضربة الرابع من سبتمبر قد فتّحت عيون أولئك العناصر البغيضين في نظام إيران المتعدد على فرصة سريعة التطور لاستنزاف دول الخليج في اليمن، تماماً كما فعلوا مع الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. لا بدّ من تذكير التحالف بمدى مهارة تلك العناصر في الحكومة الإيرانية ومرونتها في تأجيج النار.

تعريض حدودها الداخلية أكثر فأكثر. حتى الآن، نجحت الإمارات العربية وقطر بشكلٍ خاص في إحباط محاولات تنظيم القاعدة وغيرها من المجموعات الإرهابية من تنفيذ هجمات إرهابية في مدنهما، إلا أن متابعة هذه الحملة في اليمن قد يدفعهما إلى بذل جهود أكبر في هذا المجال. مما لا شكّ فيه أنّ غارات التحالف الجوية المفرطة والعشوائية قد تمّ استغلالها من قبل المتطرفين كأداة للتنجيد، كما أن تفكك الدولة يمنحهم المزيد من المجال للعمل. تواجه قوات التحالف تهديدات من تنظيم القاعدة ومن مقاتلين آخرين على الأرض في اليمن تماماً كما تضع الدول المشاركة أراضيها ومواطنيها أكثر فأكثر في مرمى تلك المجموعات. مهما فعلت دول الخليج في اليمن، يجب ألا تفلت قبضتها في الداخل.

الحل لتحدي اليمن

إن الكبرياء يمنع المرء من الرؤية بوضوح ويدفعه إلى اتخاذ مزيداً من القرارات الخاطئة. مع تقدم التحالف المناهض للحوثيين في صنعاء ومواجهته خطر المزيد من الإصابات الكبيرة، من الضروري أن يلزم قادته الحذر ويتوقفوا قليلاً لاتخاذ بعض الخيارات الصعبة.

أولاً، لا بدّ من التساؤل حول دعم هادي كرئيس لليمن دعماً أعمى وذلك استناداً إلى سجله وقدرته على المحافظة على مستوى مقبول من الشرعية بين اليمنيين لإبقاء البلاد موحدة وتجنب الانقسام.

لقد حان الوقت أيضاً للاعتراف بأن الحوثيين يشكلون جزءاً مهماً من المجتمع اليمني لهم جذور وطنية متأصلة ومظالم شرعية وأنه لا يمكن هزيمتهم بالتدخل الخارجي. بهذا، ما من بديل للعملية السياسية. إن الاعتقاد المدفوع بالكبرياء بأن القوات البرية ستقلب موازين القوى وتجبر الحوثيين على التنازل، لا يمكن أن يكون أبعد من ذلك عن الحقيقة، لا سيما الآن وقد أثبتت قوات التحالف ضعفها.

إن الحلّ لتحدي اليمن يكمن في تقديم عرض صادق لشعب اليمن بالحصول على عضوية في مجلس التعاون الخليجي. من شأن ذلك أن يغير هرم القوى في ما يتعلق بالعلاقات بين دول الخليج واليمن ويعطي صوتاً لملايين اليمنيين عند أسفل الهرم الذين تعمل أسر العديد منهم وتعيش في دول مجلس التعاون الخليجي ويشاركون تطلعاتها بالوصول إلى يومٍ تتحقق فيه البنية الإقليمية المزدهرة. إن الاحتمال الملموس بالانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي قد يحقق المستحيل في ما يتعلّق بدفع المزيد من السياسات المحلية البناءة، تماماً كما شجّع احتمال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دول البلقان للسعي وراء بدائل عن النزاع الأهلي والسياسات المحلية التافهة. وذلك هو، على المدى الطويل، السبيل الأفضل لإرساء سلام مستدام في البلاد.