Commentary

Op-ed

أبرز ثوار سوريا إسلاميين، وعلينا أن نعمل معهم في كل الأحوال

ليس الإعلان عن “تحالف” جديد للإسلاميين في سوريا – والذي جمع بين أكبر الفصائل المتمرّدة وأكثرها تأثيراً – سوى علامة جديدة لاستراتيجية فاشلة تبناها الغرب. كان العديد من هذه المجموعات بما في ذلك لواء الإسلام ولواء التوحيد مرتبط المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر “المعتدل” والمدعوم من الغرب. إنّ تداعيات هذا الأمر خطيرة جداً ليس بالنسبة للمعارضة السورية المنقسمة فحسب، بل أيضاً بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية على نطاق أوسع. وكما كتب تشارلز ليستر، هذا “يستنزف بشكل فعال… المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر”، الذي على الأقل حتى وقت قريب، جسّد آمالاً غربية في قوة متمردة تكون أكثر قبولاً وموحّدة أكثر.

وعلى مدى أكثر من عامين، قامت الولايات المتحدة وحلفائها بجهود وهمية لقولبة المعارضة السياسية والعسكرية؛ وهي جهودٌ قلّت فعاليتها مع مرور الوقت. لقد وُعِد الثوار مراراً وتكراراً بالمزيد من الدعم والأسلحة، إلا أنّ الأمر كان دائماً أقل من اللزوم وبعد فوات الأوان، على كل حال. بعد الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأسلحة الكيميائية، بقي لثوار سوريا أسباباً أقل للاعتماد على الدعم الغربي. لقد دُمّروا معنوياً بعد أن بدت الضربات العسكرية وشيكة، إلا أنها أُلغيت في اللحظة الأخيرة. في هذا الصدد، قال أحد قادة الثوار: “كان علينا ألا نصدّقهم.” من جانبه، قال الشيخ عمر عثمان، القيادي في لواء التوحيد، أحد مكونات “التحالف الإسلامي” الجديد: “كنا نعتمد على ذلك.”

ولكن “ذلك” لم يأتِ، والشعور بالخيانة الذي لا طالما كان موجوداً زاد أكثر فأكثر. ومع امتثال الرئيس السوري بشار الأسد في ما يتعلّق بالأسلحة الكيميائية، بدا وكأنه شريك وليس عدواً، ما دفع جون كيري – في زلةٍ كلاسيكيةٍ أخرى – بالـ”الثناء” على تعاون الديكتاتور. وربما، لا “يجب أن يرحل” الأسد بعد كل هذا.

لقد تساءل أعضاء من كل من المعارضة السياسية والعسكرية عما إذا كانت الولايات المتحدة تدعمهم فعلاً. في يونيو، قام دانيال دريزنر من مجلة السياسة الخارجية، بجمع أجزاء تفاصيل الأزمة السورية مع بعضها الآخر ونشر فكرة أن المأزق الدموي في سوريا لم يكن دليلاً على فشل الإدارة الأمريكية إنما على نجاحها. في حينها بدا ذلك ساخراً في شكلٍ فظيع، ولكن إدارة أوباما لم تخشى في الواقع انتصار الثوار بشكلٍ كامل. ومؤخراً، صرّح مسؤولون أمريكيون بشكلٍ ضمني لصحيفة واشنطن بوست إنّ جهود وكالة الاستخبارات المركزية لتدريب الثوار السوريين كانت من المفترض أن تكون محدودة وغير فعالة. وذكرت صحيفة واشنطن بوست أنّ الهدف تجلى في “توفير ما يكفي من الدعم للمساعدة على ضمان عدم خسارة الميليشيات المعتدلة سياسياً التي تدعمها الولايات المتحدة من دون أن يكون هذا الدعم في الوقت عينه كافياً لتحقيق النصر.”

منذ البداية، شعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق إزاء العواقب غير المقصودة الناتجة عن تسليح الثوار. حتى بعد أن أعطى الرئيس أوباما الإذن بتوفير الأسلحة للمجموعات التي تمّ التدقيق في بياناتها، كان الأمر محصوراً بنطاق صغير وبدون معنى . وفي مطلق الأحوال، رفضت الولايات المتحدة توفير الأسلحة الثقيلة التي أعلن الثوار أهمية الحصول عليها لمواجهة مدفعية نظام الأسد وطائراته. وكان جزء من المشكلة يُعزى إلى أن الإسلاميين يشكلون عدداً كبيراً من الثوار، بعض منهم كانوا جزءاً من المجموعة التي يُفترض أن تقدم الولايات المتحدة الدعم لها. إلا أن عدم الرغبة في دعم المجلس العسكري الأعلى بطريقة جادة ومستدامة كان له نتائج عكسية، كتشجيع الجناح الإسلامي على اعتماد أسلوبٍ خاص وتشكيل تحالف منفصل وإن كان ضعيفاً. علاوة على ذلك، بات الائتلاف الوطني السوري، المعارضة السياسية الفعالة التي تعمل من المنفى، بعيدةً عن الأحداث أكثر من ذي قبل. وكما قال ليستر: “شهد نطاق النفوذ الغربي على المعارضة السورية في الوقت الراهن تراجعاً إلى حد كبير.”

في ما يمكن اعتباره مرثية للسياسة الأمريكية في سوريا، تسبب مبدأ “لا تؤذي” بالضرر: ساعد حجب الدعم عن الثوار على ترجيح كفة الميزان إلى الإسلاميين، الأمر الذي أفقد من جهته الولايات المتحدة الرغبة بدعم الثوار. لا شكّ أن الأمر لا يحمل في طياته للولايات المتحدة الأخبار السيئة فحسب، على افتراض أننا نرغب في التمييز بين مختلف أنواع الإسلاميين. وفقاً للمعايير الأمريكية، تُصنف مجموعات التحالف الإسلامي بـ”المتطرفة” لاسيما وإن المعايير هذه تأخذ بعين الاعتبار التزامها بتطبيق أحكام الشريعة والخطاب المناهض للأقليات.إلا أن الحكم على المجموعات هذه في سياق سياسات التمرد السوري، يفقد مصطلح “متطرف” بعض معانيه، إذ ثمة فارق نوعي حقيقي بين لواء التوحيد وجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة على سبيل المثال. في الواقع، لا يبدو هذا النوع من التفريق رائجاً في واشنطن، إلا أن ذلك لا يجعلها صحيحة. (لطالما كانت معادلة “المعتدلون” مقابل “المتطرفون” الطريقة الخطأ لأخذها بعين الاعتبار.)

يفتح هذا الأمر باباً محتملاً أمام إدارة أوباما، رغم أنه باب يصعب استغلاله نظراً لحساسيات يمكن فهمها ذات صلة بدعم “الأشرار”. الجدير بالذكر، أن جماعة متمردة إسلامية واحدة لم تنضم إلى التحالف الجديد، وهي الدولة الإسلامية في العراق والشام التابعة لتنظيم القاعدة. يحمل هذا الأمر في طياته أهمية بالغة في ضوء الجهود التي يبذلها الثوار الإسلاميون الرئيسيون لاحتواء تأثير الدولة الإسلامية في العراق والشام وحتى مواجهته في ظلّ نموه وتعاظمه. كتب آخرون، مثل حسن حسن، عن تحالف محتمل مناهض للتطرف، وإن كان تحالفاً سلفياً، ضدّ القاعدة في سوريا. ولا يعني هذا أننا في حاجة إلى تسليح هذه الجماعات لمجرد أنها بعيدة عن القاعدة – يبقى الكونغرس الذي يترأسه الجمهوريون بعيداً جداً عن دعم أمر مماثل – ولكن في حال بات التحالف الإسلامي هذا المجموعة المتمردة الأبرز، يصبح منع حلفائنا عن دعمهم أو عن محاولة اللعب ضد ما تبقى من “المعتدلين” أمراً لا معنى له. بغض النظر عما نفعله أو لا نفعله بهذا الخصوص، يبدو أن معظم جماعات الثوار هي المعنية وستظلّ إسلامية من حيث التوجّه. في حال قُدّر للثوار السوريين كسب ميزة عسكرية حاسمة تجعلهم يتقدمون على نظام الأسد، ستقود الفصائل الإسلامية المهمة. لا يجب علينا أن نحب ذلك، ولكن سنضطر على الأرجح أن نقبل به.