هل يريد فلاديمير الحرب مع أوكرانيا؟ نظراً لفشل روسيا في تقديم المساعدة الضرورية لتطبيق بيان جنيف الصادر في 17 أبريل ونظراً لنبرته العدوانية، بات من الصعب أكثر فأكثر غض النظر عن استنتاج مماثل. تحتاج الولايات المتحدة وأوروبا فوراً إلى تطبيق عقوبات أكثر صرامة في حال أرادوا المحافظة على أي فرصة لثني السيد بوتين عن أي عملٍ أكثر عدوانية.

منذ ضم شبه جزيرة القرم، لم تحرك موسكو ساكناً لتهدئة التوترات. عوضاً عن ذلك، سعت إلى زعزعة استقرار الحكومة الداخلية في كييف، فيما تستمر في ممارسة الضغط الاقتصادي وترك عشرات آلاف المجموعات عند الحدود الأوكرانية. كان الكرملين قد دعم بكافة الأشكال بما في ذلك أفراد القوات الروسية الخاصة الاستيلاء بقوة السلاح على المباني الحكومية في شرق أوكرانيا. تبعاً لهذه العمليات، اختفى عدد من السياسيين والصحافيين المحليين وقُتل واحدٌ على الأقل.

منح الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية كلّ من الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا والإتحاد الأوروبي في 17 أبريل الفرصة لتقديم حلّ دبلوماسي. إلا أن هذا الطرح لم يقدّم إلا القليل. بعد مضي أسبوع، لم تقدم روسيا على فعل أي شيء لنزع سلاح المجموعات المسلحة المتواجدة بشكلٍ غير شرعي في مدن عديدة كدونيتسك أو سلافيانسك أو لإخلاء الأبنية التي يحتلون. في الحقيقة، يبدو أن الكرملين وافق على البيان ليؤخر المزيد من العقوبات التي قد يفرضها الغرب في ما يتابع أعمال التمرد في شرق أوكرانيا.

نفى السيد بوتين الأسبوع الماضي أي وجود لجنود روس في الأبنية. وكان لا بدّ من رفض نفيه هذا. وقد ظهر في العمل التلفزيوني عينه الذي أقرّ خلاله باستيلاء المجموعات الروسية على القرم خلافاً لما صرّح به في خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في 4 مارس حين نسب الاستيلاء ذلك إلى الميليشيا المحلية ونفى مشاركة الجنود الروس فيها.

لو أرادت موسكو أن تخفف من وطأة الأزمة في أوكرانيا الشرقية، لتمكنت فعلاً من القيام بذلك. بدلاً من ذلك، هدد وزير الخارجية سيرغي لافروف بشنّ عملٍ عسكري في حال سعت الحكومة الأوكرانية إلى حماية مدنها. يبدو على الأرجح أن روسيا تريد حجةً لاستعمال القوة.

قد يختلف الاجتياح الروسي العسكري لشرق أوكرانيا اختلافاً كبيراً عن عملية شبه جزيرة القرم. وقد يفتقر الجيش الأوكراني إلى الموارد والسلاح، إلا أنه سيقاتل؛ وقد يحمل بعض المدنيين السلاح. أشارت الاستطلاعات الأخيرة أن عدداً كبيراً جداً من سكان شرق أوكرانيا لا يريدون الجيش الروسي ويعتقدون أن الأمور قد تأخذ منحىً بشعاً ودامياً.

في هذه الحالة، من المؤكد تقريباً أن الغرب قد يفرض عقوبات أكثر صرامة على روسيا، إلا أن هذه العقوبات ستأتي متأخرة ولن تتمكن من مساعدة أوكرانيا أو من تجنب انهيار العلاقات الروسية الغربية انهياراً تاماً.

وقد وُضعت بالفعل موضع التنفيذ بعض العقوبات الأمريكية والأوروبية التي تركز على الأفراد الروسيين والتي تمّ تنفيذها بعد ضم القرم في مارس. وقد تركت هذه العقوبات بعض التأثير. وفقاً لوزير المالية الروسي، قد يشهد الاقتصاد الروسي هذا العام نمواً بمعدل صفر في حين أن هروب رؤوس الأموال في الربع الأول من العام ستبلغ 50 مليار دولار. وقد صرف المصرف المركزي مليارات الدولارات لحماية الروبل.

إلا أن العقوبات فشلت حتى هذه النقطة في مسعاها الأساسي. فقد استمر هجوم بوتين على أوكرانيا. يبدو أن حساباته تدور حول أمرٍ مفاده أنه بإمكانه ضمان ردة فعل غربية أضعف بحيث يمكنه تجاوزها وذلك من خلال ترسيخ الحقائق على أرض الواقع سراً.

في حال أرادت واشنطن وبروكسل تغيير حساباتهما، يتعين عليهما تطبيق عقوبات إضافية وأكثر أهمية.

أولاً، يتعين على الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أن يوسعوا بشكلٍ كبير لائحة الأشخاص الروسيين داخل الحكومة وخارجها الخاضعين لعقوبات مالية وأخرى ذات صلة بتأشيرات الدخول. علاوةً على ذلك، ينبغي فرض العقوبات أيضاً على أفراد الأسر.

ثانياً، يتعين على الغرب أن يفرض عقوبات على أجزاء أساسية من الاقتصاد الروسي، بدءاً من القطاع المالي، كأن يستهدف على الأقل المؤسسات المالية الروسية. ولا بدّ أن يشارك الاتحاد الأوروبي، وبشكلٍ خاص بريطانيا، في فرض هذه العقوبات بهدف وقف الإئتمان الدولي الذي تحصل عليه المؤسسات الروسية، الأمر الذي من شأنه أن يمارس المزيد من الضغط على الاقتصاد الروسي المتباطئ.

ثالثاً، يتعين على الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أن يمنعوا شركاتهم العاملة في مجال الطاقة من تقديم استثمارات جديدة لتطوير قطاعي النفط والغاز في روسيا. وإذ تعتمد موسكو على مبيعات النفط والغاز بنسبة 70 بالمئة من عائدات التصدير، ومن شأن تدبير مماثل أن يُرعب قطاع الطاقة في روسيا.

قدّم السيد بوتين منذ توليه منصبه في العام 2000 للمواطنين الروس مقايضة: تقليل المساحة السياسية الفردية مقابل النمو الاقتصادي ورفع مستويات المعيشة. لا بدّ أن يقوض الغرب من قدرته على الوفاء بوعوده على الصعيد الاقتصادي. قد يثأر السيد بوتين، إلا أن تكافل الاقتصاد الأمريكي مع اقتصاد الاتحاد الأوروبي قد يعيق روسيا بنسبة تفوق 10/1.

هذه هي لائحة التدابير الجدية. إن هجوم السيد بوتين المستمر على أوكرانيا يستدعي ردة فعل جدية. والفشل في التحرك في الوقت الراهن قد تدفعه إلى الاعتقاد أنه حرّ بالتصرف في أوكرانيا، وهو أمر لا يصب في صالح أوكرانيا أو الغرب.