Commentary

خطة أوباما البراغماتية لأمن الطاقة

يهجو المعلقون والمحللون في كثير من الأحيان عددًا من الرؤساء المتعاقبين (ابتداء من الرئيس نيكسون) الذين وعدوا بوضع نهاية للاعتماد على النفط. في يونيو 2010، انضم الرئيس باراك أوباما إلى سابقيه من الرؤساء عندما وجه خطابا إلى الأمة من المكتب البيضاوي عن مخاطر اعتماد الولايات المتحدة على النفط، وكان ذلك في ذروة العاصفة التي أحاطت تسرب نفط ماكوندو في خليج المكسيك. لسوء الحظ، فشل خطابه في معالجة هذه المشكلة، وبدلا من ذلك جاء بالخطاب تفاهات أشارت إلى توقعات ضئيلة لإمكانية تحقيق هدفه. التزم الرئيس مع معظم الخطاب البلاغي لإدارته عن الطاقة حتى يوم الأربعاء وواصل الربط بين التخلي عن الاعتماد على النفط مع الحاجة إلى زيادة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من موارد الطاقة المتجددة، وعلى ما يبدو أنه أغفل أن هذه الموارد التي تستخدم بشكل رئيسي في توليد الكهرباء لا يمكنها تقديم أي شيء في المدى القريب لإزالة الاعتماد شبه الكامل لقطاع النقل على النفط.

و مع ذلك، صبغ الرئيس خطابه الذي ألقاه يوم الأربعاء بجامعة جورج تاون ببعض من الواقعية التي تحتاجها المناقشة. وأرسى الرئيس حجر الأساس لسياسة طاقة يمكن قياسها ويمكن أن تساعد على توفير طاقة أمن طويل المدى بينما تقلل في نفس الوقت من انبعاثات الكربون (على قدر الإمكان من الناحيتين السياسية والعملية) وتدعم الاقتصاد الأميركي.

و تبنى الرئيس موقفا عمليا في تقييمه لأسواق النفط، وأسباب ارتفاع أسعار البنزين مؤخرا، وعدم قدرته على تقديم أي مسكنات قصيرة الأجل، مشيرا إلى أن الإنتاج الإضافي في الولايات المتحدة، والذي لا يتعدى 2 في المئة من النفط الاحتياطي المؤكد، لن يؤثر تأثيرا يذكر على السوق العالمية. علاوة على ذلك، فقد أوضح بشكل صحيح أن البلاد ستعتمد على النفط في المستقبل القريب. يعتمد غالبية أسطول النقل لدينا على النفط، واليوم لا توجد بدائل فورية واسعة النطاق. ولهذه الغاية، أعلن الرئيس عزمه على تنفيذ خيار سياسته قصيرة المدى المقبولة سياسيا فقط وهي زيادة معايير كفاءة وقود المركبات. (ورغم هذا، فما زال الرئيس يتقاعس عن دعم الزيادة في الضريبة على البنزين. وبينما يمكن أن يكون هذا الاقتراح صعبا من الناحية السياسية، خصوصا مع اقتراب الانتخابات، فإن مثل هذا العمل قد يكون مفيدا للحد من العجز ويرسل رسالة واضحة إلى السوق ومصنعي السيارات ورجال الأعمال أن الأمة جادة في تغيير الوضع الراهن والتحرك نحو أسطول نقل بديل.)

و اعترف الرئيس أنه على المدى المتوسط إلى المدى الطويل فإن خيارات البلاد أكثر انفتاحا قليلا. مع حدوث تحسن في البنية التحتية للإمداد بالغاز الطبيعي فإنه يمكن تشغيل المزيد من المركبات الثقيلة (مثل الشاحنات والحافلات)، وربما حتى سيارات الركاب، بالاعتماد على الغاز الطبيعي المتوفر ونظيف الاحتراق. وبالمثل، فمع إنشاء المزيد من محطات الشحن الكهربائية والتحسن المستمر في تكنولوجيا البطاريات، ستخترق السيارات الكهربائية أسطول السيارات. في حين أن التأثير الأولي قد يكون هامشيا – فإن تحقيق هدف الرئيس بالوصول لمليون سيارة كهربائية بحلول عام 2015 سيكون إنجازًا استثنائيًا، ولكنه ضئيلا بالنسبة لعدد السيارات التي تسير بالفعل على الطريق والبالغ 260 مليون سيارة – مع ذلك لا يمثل خطوة أولى واقعية جديرة بالثناء تجاه الحد من استهلاك النفط والمساعدة في الوقت ذاته في تحقيق هدفه المتمثل في خفض واردات النفط بنسبة الثلث بحلول عام 2025.

و بعد ربطه السيارات الكهربائية بالكهرباء النظيفة وإمكانات الطاقة المتجددة، أبرز الرئيس بعد ذلك هدفا ثانيا قد يتماشى مع مخططي الطاقة في جميع أنحاء العالم. فبقول الرئيس إنه يدعم الصناعة النووية التي تخضع للضوابط المنظمة المستقلة ومعايير السلامة الصارمة، اعترف بحقيقة قد تم تجاهلها إلى حد كبير في أعقاب أزمة فوكوشيما النووية في اليابان وهي أن التخلي عن الطاقة النووية سوف ينهي على الأرجح الآمال المتعلقة بتخفيف حدة تغير المناخ. وعلى الرغم من أن الطاقة النووية لا تمثل إلا 14 في المئة من الكهرباء المستخدمة في العالم، فإنها المصدر الوحيد واسع النطاق للطاقة والمتاح بسهولة والخالي من الكربون. وبينما تعيق التكاليف المرتفعة المؤسسات العامة من بناء محطات الطاقة النووية في الولايات المتحدة، فينبغي لمثل هذا الإعلان دعم أي “نهضة” عالقة في أنحاء أخرى من العالم.

لم يكن خطاب الرئيس بالتأكيد مثاليا. سيكون هناك غضبا من كلا الجناحين السياسيين بشأن سياسته في الحفر بعيدا عن الشواطئ البحرية: سيجادل أحد الجانبين بأنه يقدم تنازلات كثيرة، وسيحارب الآخر لتوفير مزيد من الفرص الأسرع (لاسيما في خليج المكسيك). في سياق أوسع، فإن الرؤية التي أوضحها يوم الأربعاء ستحتاج إلى أن تترجم إلى سياسات ملموسة. ونظرا لسجل إنجازات الكابيتول هيل الأخيرة، فإن هذا سيكون بلا شك صعبا، ومن المحتمل أن يكون قبيحا. ولكن قد تكون اللهجة البراغماتية الجديدة للرئيس قادرة على جلب الأطراف المتحاربة مرة أخرى إلى المركز. إذا تم هذا، ربما يمكن للولايات المتحدة تدريجيا أن تغير مناقشة سياسة الطاقة التي تكرر طرحها على مدار الإدارات الرئاسية الست الماضية.