Commentary

التداعيات الكارثية لإجراء ترامب التنفيذي بشأن إعادة توطين اللاجئين

Syrian refugee Ahmad al Aboud, and his family members, who will be resettled in the United States as part of a refugee admissions programme, walk to board their plane at the Queen Alia International Airport in Amman, Jordan, April 6,2016. REUTERS/Muhammad Hamed. - RTSDU4K

مكًن نظام اللجوء الدولي لحماية اللاجئين، الذي وُضع في أعقاب الحرب العالمية الثانية، الملايين من اللاجئين في كل أنحاء العالم فرصة العثور على ملاذ آمن في بلاد أخرى. ويعد إجراء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتوقع بتعليق توطين اللاجئين في الولايات المتحدة الأمريكية، وفرض قيود إضافية على اللاجئين القادمين من دول ذات أغلبية مسلمة، أمراً محزناً للاجئين وللقيم الأمريكية السامية.

لكن هذه الإجراءات تهدد أيضاً نظاماً دولياً وُضع بعناية لإنقاذ الهاربين من الاضطهاد والصراعات. لم يكن الهدف من هذا النظام حماية حقوق الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من العنف فحسب، بل أيضاً منع اللاجئين من تهديد السلم والأمن الدوليين. أما الإجراءات التي اتخذها الرئيس ترامب اليوم، باسم سياسته الخارجية القائلة بمبدأ “أمريكا أولاً”، فهي تمثل تهديداً لذلك النظام.

جيد رغم عيوبه

أثبت النظام الذي بُني على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وأشرفت عليه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فائدته وقابليته للتطبيق على مدى العقود الستة الماضية. كان الهدف الأساسي من هذا النظام مساعدة النازحين في الحرب العالمية الثانية، وقد نجح في إنقاذ حياة الملايين من النساء والأطفال والرجال الهاربين من الدول الشيوعية، اضطهاد الحكومات القمعية والحروب الأهلية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية والعصابات الإجرامية.

لم ينجح النظام في أداء مهامه على أكمل وجه، فبعض الدول لم توقع الاتفاقية، ورفضت بعض الحكومات السماح للاجئين بدخول بلادها أو أعادتهم قسراً إلى بلدان كانت حياتهم فيها تحت الخطر، فيما اعتمدت دول أخرى إجراءات صارمة أكثر فأكثر بحقهم. أما الدعم المالي للدول التي تستضيف اللاجئين، فلم تكن يوماً كافية لسد الاحتياجات وتغطية التكاليف.

إلا أنّ هذا النظام، رغم عيوبه، قد استمر في تلبية احتياجات اللاجئين والمجتمع الدولي على حد سواء. إذ قام النظام على مبدأ تقاسم المسؤوليات الذي أكده إعلان نيويورك منذ أقل من ستة أشهر. تقاسم المسؤوليات يعني أن المجتمع الدولي كله – وليس الدول التي يقصدها اللاجئون فقط – مُطالب بتقديم المساعدة. وقد طمأن هذا الالتزام العالمي الدول التي تشهد تدفقاً مفاجئاً في أعداد اللاجئين إلى أنها ليست مضطرة لتحمل العبء وحدها. إن مصلحتنا الوطنية والمشتركة تحتّم علينا رعاية اللاجئين، والحرص على ألا يؤدي تدفقهم بهذه الأعداد الهائلة إلى تهديد الأمن والسلم.

تهاوي أحجار الدومينو؟

لطالما أدّت أمريكا دوراً مهماً في النظام الدولي للاجئين، فقد أعادت توطين ملايين اللاجئين القادمين من مناطق تشهد اضطرابات وحروب، ولم تكتفي بتقديم المعونة للاجئين كأفراد فحسب، بل عبّرت عن التزامها الراسخ بمبدأ تقاسم المسؤوليات. وقد أدى الدور القيادي الأمريكي إلى حث حكومات أخرى إلى الالتزام بقضايا اللاجئين، كما حدث مؤخراً في قمة القادة التي عُقدت في سبتمبر 2016. في السنوات الأخيرة كانت الولايات المتحدة الأمريكية في طليعة الدول الساعية لتقديم الجهود اللازمة لمعالجة قضايا العنف الجنسي، والعنف القائم على نوع الجنس، وحقوق اللاجئين من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية (LGTBI).  وعلى مر السنين، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية التزامها بمبادئ حقوق الإنسان من خلال مساعدتها للاجئين على أساس الحاجة وليس على أساس انتماءاتهم الدينية. لقد أنقذت القيادة الأمريكية الكثير من الأرواح ونجحت في دعم النظام الدولي.

ستغلق الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب الأبواب في وجه اللاجئين – الذي يتطلب القانون الفيدرالي الخاص بهم إلى فحص شامل ودقيق. وهذه مشكلة كبرى أولاً بسبب آثارها المباشرة وثانياً بسبب تداعياتها الدولية المحتملة. فهذا الإجراء يحرم اللاجئين من فرصة بدء حياة جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية ويحرمنا من فرصة إثراء مجتمعاتنا. وعلى نطاق أوسع، تعتبر هذه ضربة أخرى للنظام العالمي الهش أصلاً، فإذا استثنت سياسة الولايات المتحدة اللاجئين الفارين من العنف في الدول ذات الأغلبية المسلمة، فلما لا تقوم الدول الأخرى بفرض استثناءات مماثلة؟ وإذا كانت سياسة أمريكا بخصوص اللاجئين ترتكز على تطبيق ضيق لمبدأ “أمريكا أولاً”، فلماذ يستمر لبنان أو تنزانيا أو مئات الدول الأخرى باستقبال اللاجئين؟ وبالنتيجة، فإن أكثر من 85 بالمئة من لاجئي العالم تستضيفهم بلدان نامية تمتلك موارد أقل بكثير من موارد الولايات المتحدة الأمريكية. إذا أغلقت أمريكا الباب، فلماذا تبقي الدول الأخرى أبوابها مفتوحة، وما الرسالة التي يبعثها هذا التصرف للعالم؟ إذا أغلقت الدول المجاورة لسوريا حدودها مثلاً أو أعادت اللاجئين السوريين إلى بحور الدم السائلة في سوريا، فإن النتائج تكون غير مقبولة من الزاوية الإنسانية، وكارثية من زاوية الاستقرار الإقليمي، ووخيمة على المصالح الدولية للولايات المتحدة الأمريكية.

Authors