يكتب دانيال بايمن أنّه إذا كان للمقاتلين الأجانب في سريلانكا دورٌ بارز في الهجمات الإرهابية التي حصلت يوم أحد الفصح، فستشكّل تلك الهجمات أكبر عملية قتل يرتكبها مقاتلون أجانب مرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية والاعتداءَ الأوسع المرتبط بمقاتلين أجانب منذ اعتداءات 11 سبتمبر. نُشرت هذه المقالة بدايةً في مدونة “لوفير” Lawfare، وهذه ترجمتها.
أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليّته عن الهجمات الإرهابية المروّعة التي استهدفت كنائسَ في سريلانكا يوم أحد الفصح والتي راح ضحيّتها أكثر من 300 شخص. ويبدو أنّ التنظيم ربّما عمِل مع مجموعة إسلاموية راديكالية محلّية تدعى جماعة التوحيد الوطنية، فدمج بين موارد الطرفَين وقدراتهما معاً. وتفيد التقارير الأولية، التي لم يتمّ التحقق من صحّتها بعد، أنّ الكثير ممّن اعتُقلوا في عملية المسح التي تلت الهجمات قد حاربوا في سوريا. وغالباً ما تكون التقارير الأولية خاطئة أو مبالغاً بها، لكن إذا كان للمقاتلين الأجانب في سريلانكا دورٌ بارز في الهجمات الإرهابية، فستشكّل تلك الهجمات أكبر عملية قتل يرتكبها مقاتلون أجانب مرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية والاعتداءَ الأوسع المرتبط بمقاتلين أجانب منذ اعتداءات 11 سبتمبر. وتشير الهجمات على حدّ سواء إلى الخطر الذي يشكّله المقاتلون الأجانب والأهمّية التي تتّسم بها جهود الحكومات لوقفهم.
فعندما يغادر الأفراد منازلهم ويسافرون إلى مناطق حرب أجنبية، غالباً ما ينقلبون رأساً على عقب. إذ في أغلب الأحيان يخضع هؤلاء المسافرون للتدريب والقتال، وغالباً ما يصبحون أكثر مهارة. وفي بعض الحالات، على غرار أولئك الذين ذهبوا إلى أفغانستان في التسعينيات، قد يخضع الأفراد لدورات تدريبية متعدّدة ويتعلمون مهارات متخصّصة للغاية. وفي بعض الحالات الأخرى، غالباً ما لا يتعلّمون سوى أسس القتال، غير أنّ تجربة القتال هذه تجعلهم أكثر مهارة وانضباطاً، إذا نجَوا. وقد تفسّر تجربة كهذه القفزةَ النوعية في مدى فتك الجهاديين في سريلانكا، الذين قبل هجمات عيد الفصح لم ينفّذوا أيّ عمل إرهابي كَبَّدَ خسائر جماعية. فالهجمات المنسَّقة أصعب من الأعمال العدائية المتفرّقة، واقتصر سجلّ جماعة التوحيد الوطني على عملية تدمير لتماثيل بوذية ومستوى متدنٍّ من العنف الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، انفجرت جميع السترات الانتحارية المستخدمة في هجمات سريلانكا (وهو أمر تعجز عن تحقيقه الكثير من المجموعات الإرهابية)، وأظهرت المجموعة بشكل عام درجة عالية من التطوّر، بحسب ما قاله الخبير في الأعمال الإرهابية سكوت ستيوارت. ويشير ذلك إلى أنّ هؤلاء الأفراد خضعوا لتدريب عالي المستوى وامتلكوا المعدّات اللازمة لتنفيذ عملياتهم.
بالإضافة إلى كسب الأفراد مهارة أكبر عند السفر إلى الخارج، يتمّ تلقينهم عقيدة التنظيم. فربّما غادروا منازلهم لأنهم يرغبون في العيش في خلافة أو محاربة الكفّار في أرض أجنبية، لكن متى أصبحوا في الخارج هم يتشرّبون من أفكار المجموعة أكثر، فتزيد لائحة أعدائهم. بالتالي، ربّما غادر المهاجمون السريلانكيون منازلهم مع شعور طفيف بالعداوة لجيرانهم المسيحيين، إلّا أنّهم تعلّموا أن يكرهوهم في الخارج. أخيراً، بإمكان عملية مغادرة البلاد والانضمام إلى مجموعة راديكالية للقتال أن تساهم بتشكيل شبكات. إذ يلتقي الأفراد ذوو الميول الجهادية براديكاليين يفكّرون بالطريقة عينها، بمن فيهم أولئك القادمون من مناطق أخرى في بلادهم الأمّ، وينشئون روابط قد تدوم لعقود. وتسهّل هذه الروابط تنفيذ هجمات المقاتلين الأجانب ووصول موجات المقاتلين المستقبلية.
وقد حقّق الصراع في سوريا رقماً قياسياً في عدد المقاتلين الأجانب الجهاديين يفوق العدد في أفغانستان والصومال والعراق بعد العام 2003 وغيرها من الصراعات الشبيهة مُجتمعة. ومن البديهي أنّ الاهتمام الغربي قد ركّز على العدد الكبير (الذي بلغ أكثر من خمسة آلاف) للمقاتلين الأجانب القادمين من أوروبا وعلى الخطر المحتمل الذي يشكّلونه. غير أنّ اللافت أيضاً هو النطاق الجغرافي الذي يأتي منه المتطوّعون. فقد شارك أشخاص يحملون أكثر من 50 جنسية في الصراع في سوريا إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية، مع إرسال ترينيداد أكثر من مئة مقاتل (أكثر من الولايات المتحدة) ومعاناة المالديف أحد أعلى معدّلات المقاتلين للفرد الواحد في العالم. وأفادت التقارير أنّ عدد المتطوّعين من سريلانكا بلغ العشرات، غير أنّ البلدان التي تضمّ أجهزة أمنية محدودة القدرة تركّز على تهديدات أخرى، مثل تلك التي في سريلانكا، غالباً ما تجهل مدى حجم المشكلة.
وعلى الرغم من التدفّقات الهائلة الإجمالية في عدد المقاتلين الأجانب، تشير التجربة الأمريكية والأوروبية إلى أنّه من الممكن الحدّ من تهديد المقاتلين الأجانب من خلال طريقة أفضل لمكافحة الإرهاب. ففي الولايات المتحدة، لم يقم المقاتلون الأجانب بأيّ هجمات إرهابية ناجحة منذ 11 سبتمبر، مع العلم أنّه وقعت هجمات محلّية نفّذها أفراد أو خلايا صغيرة مستوحاة من تنظيم الدولة الإسلامية أو مجموعات أخرى غير أنّها كانت غير مضبوطة أو منسّقة عن بُعد. وشهدت أوروبا حوادثَ دامية متعددة، ولا سيّما هجمات العام 2015 على باريس. لكن حتّى مع ذلك الحادث، اضمحلّ دور المقاتلين الأجانب بفعل تغطية متطرّفين محلّيين أكثر عليهم في السنوات الأخيرة. ويعود سبب جزءٍ من هذا التحوّل إلى الحملة العسكرية الأمريكية الناجحة ضدّ معقل الخلافة في العراق وسوريا، التي ساعدت على الدفع بالتنظيم إلى العمل سرّاً وصعّبت على المجموعة التخطيط لهجمات، نتيجة قتل الولايات المتحدة الكثير من القادة أو إجبارهم على الاختباء. وتبيّن أنّ للتنسيق الاستخباراتي دوراً حيوياً، فقد عملت الولايات المتحدة عن كثب مع حلفائها لتشاطر المعلومات حول سفر الإرهابيين وهوياتهم ومعلومات مهمة أخرى، معطّلين بذلك الخلايا حول العالم. وأصبحت الدول الأوروبية أكثر صرامةً في الداخل، فقد زادت موازنة أجهزتها الأمنية وأقرّت قوانين جديدة لزيادة قوّتها في محاربة الإرهاب. وحتّى بلجيكا، التي لطالما اعتُبرت أحد البلدان الأوروبية الأقلّ استعداداً للأعمال الإرهابية، وسّعت إلى حدّ كبير جهودها لمكافحة الإرهاب.
غير أنّ سريلانكا خير دليل على أنّ عدم الاستعداد للأعمال الإرهابية قد يكون مميتاً. فقد تلقّت الأجهزة الأمنية السريلانكية إنذاراً قبل وقت طويل باحتمال حصول هجوم، إذ حصلت على أسماء وعناوين وأرقام هاتفية لأعضاء من المجموعة المشتبه بها بتورّطها في الاعتداء. وأُفيد أنّ الهند قد زوّدت معلومات هائلة بالاستناد إلى تحقيقها الخاص في موضوع تنظيم الدولة الإسلامية. وتلقّت الحكومة السريلانكية إنذاراً حتّى بأنّ الكنائس الكاثوليكية من ضمن الأهداف المحتملة. وحتّى لو رغبت الحكومة في تجاهل كلّ هذه الإنذارات، فقد تمّ العثور قبل أسابيع من هجوم عيد الفصح على أدوات تفجير ومتفجّرات وغيرها من المؤشّرات الواضحة إلى أنّه يتمّ التخطيط لهجمات. ومن غير الواضح بعد سبب هذا الفشل الاستخباراتي والأمني المُلفت. لقد كانت الحكومة السريلانكية مقسَّمة للغاية، وربّما لم يتمّ تشاطر المعلومات كما ينبغي بسبب ذلك. بالإضافة إلى ذلك، ركّزت سريلانكا تاريخياً على إرهاب التاميليين أكثر منه على العنف المسلم المسيحي. ولا بدّ من التحقيق في كيفية تعامل الحكومة مع الهجوم من أجل تحديد سبب عدم تحرّك الأجهزة الأمنية على ضوء ما أشارت التقارير الأولية إليه على أنه تحذير واضح بوقوع هجوم وشيك.
وبعد الهجمات المدمِّرة، لا شكّ في أنّ سريلانكا ستعطي الأولوية لمحاربة تهديد المقاتلين الأجانب وتنظيم الدولة الإسلامية بشكل عام. ويجدر بالبلدان الأخرى التي تضمّ عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب أن تحذو حذوها. وتتراوح الخطوات من زيادة جمع المعلومات الاستخباراتية إلى إقرار قوانين تحرص على محاكمة الإرهابيين المشتبه بهم والمقاتلين العائدين إلى بلادهم كما يلزم. وتشاطُر المعلومات الاستخباراتية العالمية أمرٌ ضروري أيضاً، وعلى البلدان أن تُظهر انفتاحاً على التعاون حتّى عندما لا يتعلّق الأمر بمواطنيها بشكل مباشر. ويشكّل عرض إدارة ترامب بتقديم مكتب التحقيقات الفيدرالي مساعدة تقنية وتحقيقية لسريلانكا بدايةً جيدة.
وإن نتج أيّ أمر إيجابي عن الأعمال المروّعة وسفك الدماء جرّاء هجمات عيد الفصح، فقد يكون دحضَ أيّ وهم بأنّ تنظيم الدولة الإسلامية الذي يشهد تراجعاً هو منعدم القوة. ومن شأن إيلاء المزيد من الاهتمام الآن أن يقلّص الخطر الناجم عن مخضرمين آخرين في التنظيم، وقد يؤتي ثماره في السنوات المقبلة عندما تبرز تهديدات جديدة.
Commentary
هجمات سريلانكا والتهديد الذي يشكّله المقاتلون الأجانب
الثلاثاء، 23 أبريل 2019