إن السلام في الشرق الأوسط لا يزال هدفًا بعيد المنال، علاوةً على أن زيادة النفوذ الإيراني قد أخرج المتطرفين من جحورهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
إلى : الرئيس المنتخب أوباما
من : مارتن س. إنديك وكينيث م. بولاك
مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في مؤسسة بروك بروكنجز نجز
التاريخ : 5 كانون الثاني/ يناير 2009
الغرض : تجديد الدبلوماسية في الشرق الأوسط
الموقف الحالي
إنك سوف ترث حالة الاضطراب في الشرق الأوسط، ومما زاد الطين بللاً هي الأزمات المتلاحقة التي تتطلب اهتمام إدارتكم الفوري والطويل، ولسوف تحتاج إلى معالجة الوضع المتأزم في غزة، وسحب القوات في العراق، وإطلاق مبادرات جديدة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني والمساعدة في إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي. ولكن أزمات منطقة الشرق الأوسط هذه ليست وليدة اللحظة، ولن يتم حلها بسرعة، وذلك بسبب المشاكل الخطيرة التالية:
- نظم التعليم الغير ملائمة
- اقتصاديات واهية
- حكومات استبدادية وقمعية
- ثقافة مهددة من قبل العولمة
إنه عن طريق مساعدة المنطقة في إيجاد حل لهذه المشاكل، يمكن حينها القضاء على التهديد الذي تشكله هذه المشكلات على الولايات المتحدة – فالإرهاب وحالة عدم الاستقرار المستوطنة يهددا إمدادات الطاقة العالمية، ويوقعا بصورة منتظمة الولايات المتحدة وغيرها من القوى العظمى في شرك؛ ولذلك فقد بدأت عملية إصلاح طويلة المدى في كثير من أنحاء المنطقة، وأمامك الفرصة لتقدم لها دعمًا حاسمًا، آخذا الأمور التالبة بعين الاعتبار:
- الإصلاح يجب أن يكون سعيه في الداخل، على الرغم من أن المساعدة تأتي من الخارج، حيث لا يمكننا أن نعرف أفضل من شعوب المنطقة بشأن ما تريده، ولا ينبغي لنا أن نحاول فرض رؤيتنا بشأن ذلك.
- الأنظمة العربية يجب أن تُعامل على أنها شريكة في التغيير، وليس على أنها تعد خصمًا، فجميعها تتفهم أن الضغوط في مجتمعاتهم تجعل من التغيير خيارًا لا مفر منه، ولذلك فهي على الأقل تسير بخطىً بطيئة تجاه عملية الإصلاح.
- التدرج يعد فضيلة لا خطيئة، فالتحرك خطوةً بخطوة يشجع الأنظمة على قبول عملية الإصلاح ويتيح لها تحديد المشاكل قبل أن تتطور إلى أزمات.
- جهود الإصلاح يجب أن تكون متعددة الأطراف، فلا يمكننا أن نشرع في الإصلاح في الشرق الأوسط من قبل أنفسنا، كما أن العديد من البلدان الأخرى، لاسيما في أوروبا، على استعداد لتقديم المساعدة. ولكن بسبب تفشي حالة من المعاداة للولايات المتحدة في المنطقة، قد يكون من الحكمة أن ندع غيرنا يأخذوا بزمام المبادرة.
وباختصار، ستحتاج إدارتك إلى أن تتبنى إستراتيجية طويلة المدى وشاملة، من أجل وضع حد للكثير من التهديدات هناك.
الموقف الخاص بك
إبّان الحملة الانتخابية، كنتَ قد تعهدتَ بتجديد الحالة الأمنية للولايات المتحدة ومكانتها في العالم من خلال عهد جديد من القيادة الأميركية: إعادة بناء الدبلوماسية لدعم تحالفات قوية، وإنهاء الحرب في العراق بطريقة مسؤولة، والانتهاء من الحرب ضد حركة طالبان والقاعدة في أفغانستان، والبحث عن سلام دائم حيال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد صرحت بأن التزام أميركا الأول والذي لا جدال فيه داخل منطقة الشرق الأوسط يجب أن يكون متوجهًا لأمن إسرائيل، وقد ألزمتَ إدارتكم بإطلاق الجهود الدبلوماسية مع إيران دون شروط مسبقة. وهذه يمكن أن تكون لبنات النجاح في الشرق الأوسط، إذا تم وضعها في نهج متكامل ومرتكز على أهداف طويلة الأجل؛ فالسياسات قصيرة المدى ينبغي أن تدعم ولا تقوض هذه الأهداف في نهاية المطاف.
توصيات أخرى
إن ما نحتاج إليه في الشرق الأوسط هو العودة إلى الدبلوماسية المكثفة والخلاقة؛ فمن الصعوبة بمكان إطلاق ثلاث مبادرات دبلوماسية في آنِ واحد، بينما ننقذ العراق وأفغانستان من الوقوع في حالة من الفوضى، ولكن يمكن تفادي توجه الشرق الأوسط إلى جدول أعمالكم حتى بأكثر الطرق صعوبة، كما أن ذلك سيترككم مع مزيد من الدعم في الداخل والخارج للبدائل اللازمة التي ستخفق جهودكم في تحقيقها.
العراق: لا يزال الاستقرار طويل المدى في العراق الغني بالنفط مصلحة حيوية للولايات المتحدة، فكل شيء آخر تسعى إدارتك لانجازه في الشرق الأوسط سوف يتطلب استقرار العراق. والعودة إلى الحرب الأهلية- وهو الأمر الذي لا يزال ممكنًا- سيقوض كل المبادرات الأميركية ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية من جراء إشعال شرارة صدمة نفطية أخرى.
تسعى القوات الأميركية إلى “زيادة” التغييرات في الإستراتيجية والخطط التكتيكية، فقد أدت “صحوة الأنبار” وغيرها من العوامل إلى تحسين مسار الحرب بشكل كبير منذ بداية عام 2007. ولكن المشاكل لا تزال متفاقمة، وخاصة مشكلة التفكك السياسي في العراق، حيث أن التحالفات الطائفية قد آلت إلى الانهيار، في حين أن بعض الأطراف الفردية الآن تقوم بتكوين تحالفات عرقية وطائفية بشكل منتظم. ولكن تنطوي تلك السيولة على خطر كبير، فهناك عدد من السيناريوهات الخطيرة قد ظهرت إلى الوجود، بما في ذلك خلق إمكانية لرئيس الوزراء المالكي أو أي شخص آخر من محاولة جعل نفسه دكتاتورًا، أو تمكين الجيش العراقي من القيام بمحاولة انقلابية، أو قدرة الميليشيات على تخريب العملية السياسية في محاولة منها لنيل الهيمنة. وحينها ستظهر الحاجة إلى قيادتكم للمساعدة في توجيه التنمية السياسية العراقية تجاه التوازن وتجنب الانزلاق إلى حرب أهلية.
وبالتالي، فإن الدور الأميركي – وخاصةً الدور العسكري – في العراق لا يزال هامًا كما كان دائمًا. وخلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة، سوف تحتاج سيادتكم إلى القوات الأميركية كي:
- تمنع الحكومة الشيعية من قمع الأقليات أو الخصوم السياسيين.
- تضمن إجراء الانتخابات في العراق عام 2009 بطريقة حرة ونزيهة (الانتخابات المحلية في كانون الثاني/يناير، والبلدية في الربيع، والبرلمانية في الشتاء).
- تساعد الأحزاب السياسية الجديدة والأكثر علمانية على تأمين دورها في حكم العراق.
- تقوم بطمأنة جميع المقاتلين السابقين بأنهم لن يتعرضوا لهجوم من قبل الحكومة أو غيرها من القوات الأخرى.
ولا شيء مما سبق ذكره آنفًا يحتاج إلى أن يحول دون خفض القوات الأميركية، كما هو مدوّن في الاتفاقية الجديدة لوضع القوات مع العراق، ولكن سيعني معايرة سرعة التخفيض. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية في المضي قدمًا، فإن عملية تحويل أربعة ألوية إلى أفغانستان في عام 2009 ينبغي أن تتحقق، ما لم تظهر مشاكل جديدة في العراق، فبقدر ما لدينا من قوات في أفغانستان وضرورة لتعزيزها، تعتبر مهمتنا في العراق أكثر أهمية.
إيران: قد تثبت إيران في نهاية المطاف أنها أهم المسائل الشائكة التي تواجهها إدارتكم، فإيران تعتبر قريبة بشكل غير مريح من القدرة على إنتاج المواد الإنشطارية للأسلحة النووية إذا أرادت ذلك. وفي حين أن طهران لا تزال نواياها غامضة، فإن جميع جيرانها ستفترض الأمر الأسوأ وتتصرف على هذا النحو: فإسرائيل قد تتخذ إجراءات وقائية؛ وستتنافس الدول العربية في التطوير من قدراتها النووية. ومن جهة أخرى، لا تزال هيبة ونفوذ إيران شامخة في جميع أنحاء المنطقة، حيث لاقى تشجيعها على العنف وتحديها لإسرائيل والدول العربية رغبة أكبر بكثير من الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتعزيز الإصلاح والحل السلمي للصراعات.
علاوةً على أن الاقتصاد الإيراني يعاني من الفساد وسوء الإدارة، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط والعقوبات الدولية. كما تسببت البطالة والتضخم- وكلاهما يقعا في نطاق من 25 إلى 30% – في غضب الشعب على نطاق واسع. ونتيجة لذلك، أبدى ما يقرب من كل قادة إيران في الآونة الأخيرة استعدادهم للحوار مع الولايات المتحدة. ولكن هل هم فعلاً على استعداد لتقديم تنازلات بشأن برنامجهم النووي ودعم الإرهاب والجهود الرامية لتقويض الاستقرار الإقليمي؟
إن قراركم في محاولة التغلغل لإيران يعتبر مناسبًا لكنه يحتاج إلى أن يكون جزءًا من إستراتيجية أوسع. فهدفك ينبغي أن يصير لإقناع إيران بالكف عن سلوكها المثير للمشاكل في مقابل اتفاق الولايات المتحدة والغرب والعالم أجمع على مجموعة من الحوافز وهي: رفع العقوبات وتقديم المساعدات الاقتصادية والتصدي لمخاوفها الأمنية الغير مفهومة بالإضافة إلى قبولها شريكًا ذا مصالح مشروعة في الشرق الأوسط.
وشروط الصفقة ينبغي أن تكون علنية، كي يرى الشعب الإيراني أن ذلك يعد عرضًا مغريًا. وتشير استطلاعات الرأي العام إلى أن الشعب الإيراني يعتبر مهتمًا باقتصاده أكثر من برنامجه النووي، مما يشير إلى وجود تأييد شعبي لمثل هذا العرض. وكلما حس النظام بأن الناس يؤيدون هذه الصفقة، كلما كان من المرجح أكثر قبولها.
ومازال الوقت متأخرًا لتحقيق هذا الانجاز. ولكن قد يكون إبداء حسن النية للتغلغل لإيران أيضًا بمثابة “أفضل فرصة” لتأمين الدعم الدولي لفرض عقوبات أشد صرامةً بكثير إذا لزم الأمر، حيث صرحت إدارة الرئيس جورج بوش بأن الغرب الموحد يمكن أن يفرض عقوبات مؤلمة على إيران من دون روسيا والصين، ولكن فرض أقسى العقوبات سوف يتطلب دعم كليهما. فإقناع روسيا بدعم مصالحنا الحيوية سوف يحتاج منك أن تكون على استعداد لاتخاذ المصالح الروسية في الاعتبار في أي مكان آخر. ويجب أن تكون على استعداد للموافقة على تعليق خطط الدفاع الصاروخي في أوروبا أو تبطئ عملية توسع حلف الناتو إذا لزم الأمر. فموسكو وبكين لن يكونا جادين في فرض عقوبات اشد صرامة ما دامت اليابان والعديد من الدول الأوروبية يحاولون رفع أيديهم عن القضية، لذلك ستحتاج إلى الحصول على إجماع في الآراء الغربية بصورة أقوى بكثير مما يوجد عليه الآن.
وستكون المثابرة أمرًا هامًا، لأن الإيرانيين ربما لن يتوصلوا إلى توافق حيال قبول تسوية تفاوضية قبل الجلوس على طاولة المفاوضات معنا. كما أن بعض القادة الإيرانيين بلا شك سيعتبرون المحادثات حيلة نافعة لتأجيل فرض عقوبات وكسب الوقت لبرنامجهم النووي. أما أولئك الذين يؤيدون التوصل إلى حل تفاوضي، فمن المحتمل أن يأملوا في الاستفادة من واقع المحادثات ذاتها لتعزيز موقفهم في طهران. وحتى في ظل أفضل الظروف، سيصبح التعامل مع طهران عمليةً صعبة وطويلة. فالإيرانيون لن يشعروا بوجود الحالة الطارئة إلا إذا كانت الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات بصفتها رئيسًا لمجتمع دولي موحد.
النزاع الإسرائيلي الفلسطيني: إن إيجاد حل شامل لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي هو مسألة لا بد منها لمصلحة الإستراتيجية المتكاملة في الشرق الأوسط، كما أن ذلك من شأنه أن يعزز مصداقية أميركا في المنطقة علاوةً على زيادة الضغط على إيران.
إنك ستتولى منصبك والوضع المتأزم في غزة يتطلب اهتمامًا فوريًا. وفي حين أن الوضع المتأجج هناك يخلق صعوبات في إيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن ذلك قد يتيح فرصة لانطلاقة دبلوماسية خاصة بك؛ فإسرائيل تفضل تجنب غزو قطاع غزة بأكمله والذي من شأنه أن يولد ارتفاعًا في الخسائر البشرية لكلا الجانبين، أو أن يقوم بتعريضها لإدانة المجتمع الدولي، أو أن يقضي على المعتدلين الفلسطينيين والعرب. بينما تفضل حماس تجنب فقدان السيطرة على قطاع غزة. ولكن من خلال تقديم عرض بوقف دائم لإطلاق النار من شأنه أن يُنهي الهجمات الصاروخية على إسرائيل ويؤدي إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة ويمنع تهريب الأسلحة إلى القطاع ويشمل وجود المراقبة الدولية على تدفق السلع والناس، حينها قد تكون قادرًا على إقناع كلا الجانبين بوقف التصعيد. كما أن ذلك من شأنه أيضًا أن يخلق ضغوطًا على حماس لتسوية خلافاتها مع حركة فتح، مما يمكّن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يتكلم مرة أخرى لجموع الفلسطينيين.
إن النجاح في غزة يمكن أن يكون بمثابة نقطة انطلاق لمبادرة دبلوماسية لتسوية النزاع الأكبر من أجل الضرورة الملحة لمحاولة حل الدولتين في الوقت الذي لا يزال ذلك فيه ممكنًا. فالقضايا المستعصية والانقسامات في كلا الجانبين علاوةً على السلطة الفلسطينية المثيرة للجدل، كل ذلك يجعل من غير المرجح وجود اتفاق سلام دائم في الوقت الراهن. ولكن هذه العوامل- إضافةً إلى الصراع في غزة – تساند النهج لوضع الأساس لتحقيق النجاح في المستقبل عن طريق تحسين قدرات قوات الأمن الفلسطينية وتعزيز الاقتصاد في الضفة الغربية ووقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي أثناء استئناف مفاوضات الوضع النهائي التي بدأت في العام الماضي.
وسوف تقوم الدول العربية بحثّكم على اتخاذ هذه المبادرة، ولذا يجب أن تتوقع منها أن تؤدي دورًا حاسمًا في دعم الفلسطينيين المعتدلين وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية. كما ينبغي أيضًا أن يتم تشجيع الدول العربية لإقناع الإسرائيليين باحتمال وجود حل الثلاث والعشرين دولة، مع اعتراف كل دولة عربية بوجود إسرائيل.
هل يجب أن تكون مشكلة سوريا في الطليعة؟ إن السعي لتحقيق السلام بين إسرائيل وسوريا قد يحمل في طياته أفضل فرص النجاح المبكر، وذلك لأن كلا الجانبين يسعيان إلى وجود اتفاق، كما أن الوسطاء الأتراك قاموا بوضع حجر الأساس العام الماضي. ومثل هذا الاتفاق من شأنه أن يقلل من احتمالات الصراع بصورة أكبر والحد من نفوذ إيران، كما من شأنه أن يعزز المعتدلين في المنطقة والضغط على حزب الله وحماس وتقديم غطاء عربي للتنازلات الفلسطينية مع إسرائيل. كما قد يشجع إيران على التفكير بصورة أكثر جدية في عرضك لها ، وحرصًا على عدم الضرب به عرض الحائط، وبعيدًا عن تطلعها للهيمنة على المنطقة.
وبعبارة أخرى، يجب العمل من أجل التوصل إلى صفقة تجعل من تحقيق السلام سبيلاً لسوريا لإعادة التخطيط الاستراتيجي. ومع ذلك، إذا استطعت أن تقوم بذلك، فإن التركيز الخاص بإستراتيجية صنع السلام الخاصة بك ستجعل السوريين يحاولون كسب الوقت – على غرار حلفائهم الإيرانيين . وهكذا، بدلاً من خيار “سوريا أولاً”، يجب عليك أن تثير مسألة “سوريا أيضًا”، وفي الوقت نفسه السعي لتطبيع العلاقات مع إيران، والحل القائم على دولتين للمشكلة الفلسطينية والسلام بين سوريا وإسرائيل، وهذا من شأنه خلق التآزر عبر الحدود.
يُجري مركز سابان بحوثًا أصيلة ويقوم بتطوير برامج مبتكرة لتعزيز فهم أفضل لخيارات السياسة العامة التي تواجه صناع القرار الأميركيين في الشرق الأوسط.