إذا حدثت ثورة في الرياض، وهي الإطاحة الممكنة بآل سعود، فسوف يمثل ذلك انتكاسة شديدة لموقف أميركا في المنطقة ويوفر مكسبًا مفاجئًا استراتيجيًا هائلاً لإيران. أعد بروس ريدل هذه المذكرة للرئيس أوباما كجزء من
“Big Bets and Black Swans” (الرهانات الكبيرة والبجع الأسود): كتاب إحاطة رئاسي.
• كيف زاد الربيع العربي من خطر حدوث ثورة في المملكة العربية السعودية؟
• كيف ستؤدي الإطاحة بالأسرة المالكة السعودية إلى تعكير أجواء أسواق النفط العالمية؟
• ما الذي ينبغي للولايات المتحدة القيام به لضمان الاستقرار في شبه الجزيرة العربية؟
تنزيل المذكرة (pdf) | تنزيل كتاب الإحاطة الرئاسي (pdf)
إلى: الرئيس أوباما
من: بروس ريدل
المملكة العربية السعودية هي آخر ملكية مطلقة في العالم. فالملك عبد الله يتمتع بسلطة كاملة كما كان الحال مع لويس الرابع عشر. ويظل اندلاع ثورة في المملكة العربية السعودية أمرًا مستبعدًا، ولكنه للمرة الأولى ونتيجة للصحوات العربية، أصبح حدوث هذه الثورة ممكن. تتمتع الأسرة الملكية في السعودية بقوى وشرعية، حيث تأسست المملكة في القرن الثامن عشر كتحالف بين العائلة المالكة وبين داعية إسلامي متشدد لا يزال أتباعه يشاركون آل سعود حكم البلاد. وتكاد تكون المملكة هي الوحيدة التي لم تطلها قط يد المستعمر الأوروبي. و يطلق على الملك لقب “خادم الحرمين الشريفين”. وتمتلك المملكة أكبر شركة نفط في العالم كما تستحوذ على أضخم احتياطي نفطي في العالم. هذا الجمع بين المكانة الدينية والموارد الهائلة ظل كافيًا إلى الآن لتجنب أي نوع من الاضطراب مثل الذي عصف ببلدان كثيرة في العالم العربي في السنوات الأخيرة.
بيد أن التغيير الثوري في المملكة سوف يكون وبالاً على المصالح الأمريكية برمتها. فباعتبارها المنتج الرئيسي للنفط في العالم، سوف تؤدي حالة عدم الاستقرار الممتدة في المملكة إلى فوضى في أسواق النفط العالمية، مما يعوق الانتعاش الاقتصادي في الغرب ويقوض النمو الاقتصادي في الشرق. أيضًا المملكة العربية السعودية هي أقدم حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يعود تاريخ هذه الشراكة إلى عام 1945، وبالتالي سوف تمثل الإطاحة بالمملكة انتكاسة كبيرة لوضع الولايات المتحدة في المنطقة كما ستمنح إيران فرصًا إستراتيجية هائلة. حينها ستتعرض الممالك الصغيرة الغنية بالنفط في الخليج للخطر كما سيحدث نفس الشيء بالنسبة للمملكة الأردنية الهاشمية.
التوصية:
بالرغم من احتمالات تعرض مصالحها للخطر، لا تملك الولايات المتحدة للأسف أي خيار جاد لمنع اندلاع ثورة في المملكة. وحيث إن مصالح الولايات المتحدة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بآل سعود، فإنها لا تملك خيار إبعاد نفسها عن المملكة في محاولة لتفادي إدانة التاريخ لها. ومع ذلك، يجب عليكم محاولة إعادة بناء الثقة مع الملك وحثه على التحرك بمزيد من السرعة لتنفيذ أجندته الخاصة بالإصلاح السياسي، مع الوضع في الاعتبار أن هذا المسعى لن يكون له على الأرجح سوى نتائج محدودة. في غضون ذلك، يجب عليكم أن تتأكدوا من استخدام أفضل نظام استخباراتي متاح لرؤية أي أزمة وشيكة قبل وقوعها واستخدام التدابير اللازمة للحد من انعكاسات ذلك على الاقتصاد العالمي جراء أي تعثر في إمدادات النفط والاستعداد لدعم الممالك والمشايخ المجاورة ثم محاولة التعامل مع الأزمة بنجاح.
خلفية:
لقد أثبت التاريخ أن المملكة العربية السعودية قادرة على البقاء. فقد لحقت الهزيمة بمملكتين سعوديتين سابقتين على يد الإمبراطورية العثمانية واقتُلعتا من جذورهما لكن آل سعود عادوا من جديد ونجوا من موجة ثورات اندلعت ضد الممالك العربية في فترتي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. كما تمكنت المملكة من سحق محاولة انقلاب جهادي في عام 1979 حينما قاموا بمحاصرة المسجد الحرام في مكة. كما نظم أسامة بن لادن و”القاعدة” عصيانًا مسلحًا استمر لأربعة سنوات للإطاحة بالأسرة المالكة لكن محاولتهم باءت بالفشل منذ أقل من عقد مضى. لكن كوادر تنظيم القاعدة ظل قابعًا في المملكة وفي اليمن المجاورة.
اليوم، تضع الصحوات العربية المملكة في أشد اختبار منذ تأسيسها، حيث تنطبق نفس التحديات الديموغرافية التي كانت بمثابة الوقود للثورة في مصر واليمن— على المملكة العربية السعودية: زيادة عدد الشباب بين السكان وارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير. ومما يزيد من احتمالات الانفجار ذلك التمييز الجنسي المتطرف والتقييد الصارم لحرية التعبير والمنافسة الإقليمية طويلة الأمد مع دولة إيران الثورية في منطقة الخليج وغضب الأٌقلية الشيعية. وإدراكًا منهم بالخطر المحدق بهم، أنفقت الأسرة المالكة في السعودية أكثر من 130 مليار دولار أمريكي منذ بدأت الصحوات العربية في محاولة اجتذاب منشقين في البلاد. وبالنسبة لجهودها الخارجية، أرسلت المملكة قوات عبر جسر الملك فهد لقمع الثورة في البحرين ولعبت دور الوسيط في صفقة سياسية في اليمن لاستبدال الرئيس علي عبد الله صالح بنائبه وسعت لتعميق الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست. كذلك دعت الأردن والمغرب للانضمام إلى “نادي الملوك”. لكن المملكة سلكت أيضًا سلوكًا براغماتيًا بدعمها لثورتي ليبيا وسوريا لتقويض أعداء المملكة الدائمين، لا سيما إيران.
وإلى الآن، ساهمت المملكة في ضمان عدم عزل أي ملك عربي من عرشه. بيد أن البحرين والأردن أصبحتا أضعف حلقتين في السلسلة الملكية. فملك البحرين لا يزال يخفق في قمع التمرد المتواصل ضد حكمه ويمكن أن يليه ملك الأردن. والاضطرابات في الأردن سوف تهدد السلام مع إسرائيل. لكن الولايات المتحدة وإسرائيل يمكن أن يتعايشا مع عدم الاستقرار في كلتا الدولتين الصغيرتين لكنهما تعجزان عن التعايش مع حالة عدم الاستقرار في المملكة العربية السعودية بالتأكيد.
إذا حدثت صحوة في المملكة العربية السعودية، فمن المحتمل أن تصبح أشبه بكثير بالثورات في الدول العربية الأخرى. فقد ضربت المظاهرات السلمية والعنيفة المنطقة الشرقية الغنية بالنفط لأكثر من عام، وهي مظاهرات “شيعية” وغير اعتيادية في باقي أنحاء المملكة، إذ أن الشيعة لا يمثلون سوى 10% من السكان. كما استخدم المنشقون “الشيعة” في أرامكو، وهي شركة النفط السعودية، حرب “الإنترنت” في مهاجمة أجهزتها الحاسوبية ما أدى إلى تدمير أكثر من 30 ألف محطة عمل في أغسطس الماضي. والأرجح أن هؤلاء تلقوا دعمًا إيرانيًا.
وسوف تكون أكثر الاحتجاجات إزعاجًا للأسرة المالكة تلك التي قد تحدث في الأجزاء “السنية” في المملكة. وربما تبدأ هذه الاحتجاجات في المنطقة التي يطلق عليها “حزام القرآن” شمال العاصمة حيث الانشقاق متوطن في منطقة عسير المهملة على الحدود اليمنية. وبمجرد أن تبدأ الاحتجاجات يمكن أن تتسع وتصل إلى المدن الكبرى في الحجاز بما يشمل جدة ومكة والطائف والمدينة. والمعارضة السعودية مسلحة بشكل جيد بتقنيات الهواتف المحمولة وهو ما يضمن التواصل السريع بين المنشقين داخل المملكة وخارجها.
والحرس الوطني سوف يكون أداة الدفاع الحاسمة في أيدي النظام. فقد قضى الملك عبد الله حياته في بناء وتعزيز قوة هذا الحرس الوطني. وتولت الولايات المتحدة تدريب وتجهيز هذا الحرس بمروحيات ومدرعات تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات. لكن الشيء الرئيسي المجهول هو ما إذا كان الحرس الوطني سيطلق النار على إخوانه وأخواته في الشارع. ربما يتفتت هذا الكيان أو ربما يرفض ببساطة قمع الاحتجاجات السلمية في الأساس، خصوصًا في البداية.
كما أن قضية الخلافة تزيد من تعقيد المسألة. فالتوريث في المملكة منذ وفاة مؤسسها الملك عبد العزيز بن سعود في عام 1953 كان بين إخوانه. والملك عبد الله ووولي العهد سلمان هما آخر من تبقى من هذه الذرية وهما في حالة صحية سيئة، وبعدهما ليس هناك سوى أخوان غير شقيقين اللذان قد يصلحان للحكم كما أنه ليس هناك خط توريث في الجيل القادم. فإذا توفي الملك عبد الله و/ أو سلمان في الوقت الذي يبدأ فيه الاضطراب، وأعقب ذلك أزمة توريث، فإن المملكة سوف تكون أكثر عرضة للثورة.
وكما الحال في الثورات العربية الأخرى، لن يجتمع ثوار المعارضة على شيء سوى الإطاحة بالنظام الملكي. كما أنه سيكون هناك ديمقراطيون علمانيون إضافة إلى عناصر من “القاعدة” و”الوهابية” في المعارضة. وسوف تكون محاولة الاختيار بعناية صعبة للغاية. كما يمكن أن تنهار وحدة المملكة حيث تنفصل الحجاز عن بقية أراضيها وتسقط المنطقة الشرقية في أيدي “الشيعة” المدعومين من إيران بينما تصبح المنطقة الوسطى معقلًا للجهاديين.
وبالنسبة للولايات المتحدة، سوف تغير الثورة في المملكة العربية السعودية من اللعبة السياسية. ففي حين يمكن أن تستغني الولايات المتحدة عن النفط السعودي، لا يمكن للصين والهند واليابان وأوروبا أن تفعل ذلك. سوف يكون أي تأثر في صادرات النفط السعودي سواء نتيجة لاحتجاجات أو هجمات عبر الإنترنت أو قرار نظام جديد بتقليص الصادرات— تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد العالمي. وتعتمد الحرب التي تشنها وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) على تنظيم القاعدة بشكل أساسي على المملكة العربية السعودية. فقد أحبطت العمليات الاستخباراتية السعودية آخر هجمتين للقاعدة في شبه الجزيرة العربية ضد الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها. وتعتبر بعثة التدريب العسكري الأمريكية في المملكة التي تأسست عام 1953 هي أكبر بعثة من نوعها في العالم. كما ظل السعوديون لعقود بمثابة لاعب رئيسي في احتواء إيران. كما أن الملك عبد الله هو من أطلق مبادرة السلام العربية التي تحمل اسمه.
سوف يصبح الملوك الآخرون في شبه الجزيرة العربية عرضة للخطر إذا اندلعت ثورة في المملكة العربية السعودية. فلن تصمد “الأقلية السنية” في البحرين طويلًا دون الأموال والدبابات السعودية. أما قطر والكويت والإمارات العربية المتحدة فجميعها دويلات لن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ضد النظام السعودي الثوري بالرغم مما تتمتع به من أموال. أما المملكة الأردنية الهاشمية فسوف تصبح في خطر أيضًا دون الأموال والنفط السعوديين والخليجيين. والأرجح أن سلطنة عمان هي وحدها المعزولة والتي تتمتع بما يكفيها من القوة للاحتمال. وبالرغم من المخاطر، فإن الخيارات المتاحة غير جذابة كتلك التي واجهها الرئيس كارتر في التعامل مع نهاية المملكة البهلوية في إيران. وعلى العكس من الشاه الذي حاول إجراء إصلاحات فاترة، لم تظهر الأسرة المالكة السعودية أي اهتمام باقتسام السلطة أو هيئة تشريعية منتخبة.
ليس هناك خيار جدي متاح أمام الولايات المتحدة لتفعيل نوع من الإصلاح التدريجي في المملكة. ويخشى الملك، وربما يكون محقًا في ذلك، من أن المشاركة في السلطة تكون أمرًا مستحيلًا في دولة استبدادية. أما في البحرين، فقد أظهر السعوديون بوضوح رؤيتهم المستندة إلى أن فتح باب التعددية السياسية سوف يؤدي إلى هلاك المملكة. وسوف يكون الملك مرتابًا من مشورتكم في هذا الشأن بسبب الموقف الذي اتخذتموه ضد صديقه وزميله المستبد حسني مبارك.
ومع ذلك، من الضروري محاولة إعادة بناء الثقة مع الملك الذي لا تنقطع حاجته إلى الولايات المتحدة لمواجهة الخطر الخارجي الذي تمثله له إيران ولتشجيعه بهدوء لتسريع وتيرة الإصلاحات التي أظهر بالفعل استعداده للقيام بها. ولكن في ذات الوقت، يجب أن تخططوا لما هو أسوأ. يجب توجيه الأجهزة المخابراتية بتحقيق تطورات داخلية وليس فقط في مواجهة الإرهاب التي هي الأولوية الأولى لدى المملكة حاليًا. فلا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل مفاجأة مثل عام 8197 وأنتم بحاجة إلى معرفة متعمقة باللاعبين في المعارضة، لا سيما “الشيوخ الوهابيين”. كما ينبغي عليكم اتخاذ الإجراءات اللازمة للمساعدة في دعم جيران المملكة العربية السعودية الأصغر حجمًا والذين يمثلون حلفاء أوفياء للولايات المتحدة وأيضًا من أجل الحد من تأثير قطع إمدادات النفط السعودية. سوف يكون هذا بمثابة تحدٍ هائل لكنه سيكون أيضًا ضروريًا للتأهب لما يمكن أن يكون معضلة حقيقية.