لو أجرت إيران استفتاءً حول الجمهورية الإسلامية اليوم، لعارضها أكثر من 70 في المئة. وتشمل هذه النسبة الأثرياءَ والأكاديميين ورجال الدين والمقيمين في الريف والمدينة. ولم تصدر هذه الفرضية الملفتة عن أحد المنشقّين المنفيين الإيرانيين، بل أتت على لسان البروفسور المعروف في العلوم السياسية في طهران صادق زيباكلام في مقابلة أُجريت في خلال الاضطرابات التي شهدتها إيران في أواخر العام 2017 وأوائل العام 2018.
لكن ما السبب الذي يجعل داعماً شديداً سابقاً للثورة الإسلامية يتفوّه بهذا الحُكم المروّع؟ بهدف فهم هذا التحوّل الجذري والإحباط الكامن خلفه، لا بدّ من العودة إلى الوعود التي أطلقتها الثورة الإسلامية منذ أربعة عقود. وقد تمحورت وعود الثورة التي جرت في العام 1979 حول تحقيق ثلاثة أهداف: العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية والاستقلال عن وصاية القوى العظمى.
سعي إيران المتناقض إلى تحقيق العدالة الاجتماعية
أُطلقت الثورة التي جرت ضمن إطار فكر ماركسي إسلامي بالنيابة عن المستضعفين الذين تخلّى عنهم نموذجُ التنمية غير المتساوي الذي انتهجه النظام الملكي. وفي العقود الأربعة اللاحقة، برز جدالٌ حادّ إزاء أداء الجمهورية الإسلامية الاجتماعي الاقتصادي. ففيما ادّعى بعضهم أنّه تمّ إحراز تقدّم ملحوظ في ظلّ النظام الإسلاموي، وصف بعضهم الآخر البلاد بأنها غارقة في البؤس. لذا تبرز الحاجة إلى المزيد من التفاصيل والسياقات.
لا شكّ في أنّ إيران قد أحرزت تقدّماً على مدى السنوات الأربعين التي خلت. غير أنّ الجدال لا يزال محتدماً في ما إذا كان مردّ هذه النجاحات السياسات ما بعد الثورة أم الضغوط الاجتماعية أم الأسُس التي وضعها الشاه.
وشمل التحوّلُ من سياسات الشاه التي تميل نحو المُدن والتي تتمحور حول نخبة البلاد إلى مقاربة (شعبوية) مؤيدة للريف والفقراء في عهد الجمهورية الإسلامية توسيعَ البنية التحتية والخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه النظيفة، من المدن إلى الريف. باختصار، سعت الثورة إلى القضاء على الفجوة بين المناطق الريفية والحضرية. فأدّى توسيع نطاق الصحّة والتعليم في المناطق الريفية الإيرانية إلى تدنٍّ ملحوظ في مستوى الفقر: إذ انخفض معدّل الفقر البالغ 25 في المئة في السبعينيات إلى أقلّ من 10 في المئة في العام 2014. بالتالي، تساعد هذه السياسات الاجتماعية، المنحازة لصالح الفقراء، على تفسير سبب تسجيل إيران مؤشّرَ تنمية بشرية إيجابياً نسبياً.
وعلى عكس الفترة قبل الثورة، يحظى معظم الإيرانيون اليوم بالخدمات الأساسية والبينة التحتية، في الوقت الذي تضاعف فيه عددُ السكان مرتَين تقريباً وبات الطابع الحضري يطال معظم البلاد. على النحو ذاته، تحسّنت مقاييس أخرى معنية بالتنمية الاجتماعية، فازداد عددُ الملمّين بالقراءة والكتابة أكثر من الضعف، ولا سيّما بين النساء، وبات يشمل الآن جميع السكان تقريباً. في غضون ذلك، فاق عددُ الطالبات الملتحقات بالجامعات عددَ نظرائهنّ الذكور لأكثر من عقد.
لكن فيما تشير الإحصاءات إلى أنّ الفقر المطلق قد انحسر إلى حدّ كبير، لا تزال أغلبية الإيرانيين تعاني هشاشةً اجتماعية اقتصادية. فتقول المصادر الرسمية إنّ 12 مليون شخص يعيش دون خطّ الفقر المطلق و25 إلى 30 مليون شخص يعيشون تحت خطّ الفقر. لكنّ التقديرات تشير إلى أنّ ثلث الإيرانيين، و50 إلى 70 في المئة من العمّال، في خطر التراجع إلى ما دون خطّ الفقر. فيشير مركز الإحصاء الإيراني إلى أنّ 14 في المئة من الإيرانيين يقطنون في خيمٍ وثلثَ سكان المدن يعيشون في الأحياء الفقيرة. وظروف المعيشة التي يعيش فيها ما سمّاهم عالم الأنثروبولوجيا شهرام خسروى بـ”نصف إيران الآخر” أو فقراء الطبقة العاملة ملفتة للغاية: فقد تزايد عدد الإيرانيين المقيمين في الأحياء الفقيرة 17 ضعفاً، ولا يحظى 50 في المئة من القوى العاملة إلّا بعمل متقطّع، ويعاني حوالي 10 إلى 13 مليون إيراني “إقصاءً كاملاً من برامج التأمين المعنية بالصحة أو العمل أو البطالة”.
ولا يمكن فصل تحدّيات إيران الاجتماعية الاقتصادية عن اقتصادها السياسي الذي يعطي الأفضلية للموالين للنظام والذي تشوبه سوء الإدارة والمحسوبية والمحاباة والفساد وغياب الإصلاحات الهيكلية الضرورية للغاية. وعلى الرغم من أنّ العقوبات الأمريكية المفروضة قد أدّت بلا شكّ إلى تداعيات سلبية، غالباً ما تتمّ المبالغة بأثرها الإجمالي في الوضع الاقتصادي الإيراني. ففي صيف العام 2018 مثلاً، أشار حسين رغفار، الخبير الاقتصادي في جامعة العلّامة الطباطبائي في طهران، إلى أنّ ما لا يزيد عن 15 في المئة من مشاكل إيران الاقتصادية يُمكن عزوها إلى العقوبات. فقد ساهمت “الليبرالية الجديدة غير الليبرالية” في سياسات اقتصادية إيرانية مختلفة منذ التسعينيات، وقد اتّسمت بالخصخصات الزبائنية وسوق العمل المُحرَّرة من الضوابط، على تشكيل طبقة من الأثرياء الجدد من جهة وطبقة اجتماعية هشّة من جهة أخرى.
ومن الأسباب الأساسية لفشل الجمهورية الإسلامية النقصُ في توليد فرص العمل، مع ازدياد معدّل البطالة حتّى في خلال الطفرات النفطية. وتبقى معدّلات البطالة عالية، ولا سيّما بين الشباب وخرّيجي الجامعات والنساء. وبحسب الأرقام الرسمية، ثُمُن الإيرانيين عاطلٌ عن العمل. وبحسب مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني، سيصل معدّل البطالة إلى 16 في المئة بحلول العام 2021 في السيناريوهات المتفائلة أو إلى 26 في المئة في حال كانت الظروف أقلّ تيسيراً. وبين الشباب، تُظهر التوقعات أنّ شابّاً من أصل أربعة عاطلٌ عن العمل (لكنّ بعض التقديرات تصل إلى 40 في المئة). وتضع هذه الأرقام معدّلَ البطالة في إيران بين المعدّلات الأعلى عالمياً.
وبقي مؤشر جيني لتفاوت المداخيل في إيران عالياً باستمرار وهو يتخطّى 0,40، في ما يشير إلى النقص في النموّ الاقتصادي الشامل. وفي دراسةٍ لمستويات التفاوت في فترتَي قبل الثورة وبعدها في إيران، وجد جواد صالح أصفهاني أنّ التفاوت في العام 2002 بلغ المستوى عينه في العام 1972، وأردف قائلاً:
تطرح النتائجُ المتعلقة بالتفاوت أسئلةً مهمة حول طبيعة الثورة الإسلامية. فهل أثّرت الثورة إلى حدّ كبير في هيكلية السلطة كما كان يجدر أن تفعل ثورةٌ اجتماعية بضخامتها؟ وهذا موضوع ذو صلة كبيرة في حالة إيران لأنّه بالإضافة إلى التغيرات في توزيع الإنتاجية يؤثّر توزيع الحصول على الريوع النفطية في التفاوت. وبما أنّ الحصول على هذه الريوع مرتبطٌ مباشرة بالسلطة السياسية، قد يعكس التفاوتُ توزّعَ القوى. بالتالي، يطرح الاستنتاج بأن التفاوت المُسجَّل في العام 2002 بلغ المستوى عينه في العام 1972 أسئلةً حول أهمّية الثورة الإسلامية كثورة اجتماعية وسياسية.
بمعنى آخر، بقي الطابع الطبقي في المجتمع الإيراني على حاله، مع حلول طبقة حاكمة مكانَ أخرى لكن بتكوين اجتماعي مختلف. وفي الرسوم الكاريكاتورية السياسية، انعكس ذلك في صورٍ تُظهر استبدال تاج الشاه بعمامة الملّا لا أكثر. ودفعت هذه الاستمرارية ببعض الباحثين إلى تفسير ثورة العام 1979 على أنّها مجرد “ثورة خاملة، ثورة من دون تغيير” في العلاقات الطبقية. واليوم، يظهر التفاوت بين المداخيل بوضوح بين الناس، نظراً إلى الاستعراض الباذخ للثروة والمحسوبية الذي يتبجّح به أنجالُ التابعين للنظام، الذين يلقبون بالأولاد المدلّلين والذين يراهم الإيرانيون في شوارع طهران أو على هواتفهم الذكية عبر حسابات انستقرام مثل حساب “Rich Kids of Tehran” (أي “أولاد طهران الأغنياء”).
وقد أفضت الإنجازات النسبية التي حقّقتها الجمهورية الإسلامية في مجالات البنية التحتية الريفية والتعليم ومحو الأمية، إلى جانب فشلها في توليد الوظائف، إلى إحداث تناقض اجتماعي اقتصادي متفجّر سياسياً. فسوق الوظائف في إيران ببساطة لا يمكنها استيعاب خرّيجي الجامعات الذين يصل عددهم إلى مئات الآلاف. وتمخّض عن هذا التناقض “فقراء الطبقة الوسطى”، كما وصفهم عالم الاجتماع آصف بيات. ويُعرّف هؤلاء على أنهم يتمتّعون بمؤهلات الطبقة الوسطى وتطلّعاتها لكنهم يعانون هشاشة اجتماعية واقتصادية. واعتُبرت هذه المجموعة القاعدةَ الاجتماعية لثورة العام 2017-2018 ومن المتوقع أن تستمرّ بالتعبير عن غضبها وإحباطها.
وفسّر بيات في مقابلة في العام 2016 عن وضع الشباب في إيران في ظلّ الجمهورية الإسلامية قائلاً:
لا يريد الشباب مستقبلاً آمناً فحسب، أي الحصول على وظائف معقولة وعلى مسكن والزواج وتأسيس عائلة في المستقبل، بل يريدون استعادة “شبابهم” أيضاً، أي تلك الرغبة في عيش حياة الشباب والسعي وراء اهتماماتهم وشخصيتهم الفردية، بعيداً عن مراقبة مَن يكبرهم سنّاً وعن السلطة الأخلاقية والسياسة. ويفاقم هذا البُعد من حياة الشباب الضغوط الاجتماعية القائمة في إيران.
وكما تمّ التلميح إليه سابقاً، تقف عقبةٌ هيكلية أخرى في وجه فرص الإيرانيين الاجتماعية والاقتصادية. إذ يتمتّع الفريقُ المنتمي للنظام (“خوذي” أي “واحد منّا”) أو أولئك ذوو القدرة على الوصول إلى موارد الدولة وامتيازاتها بامتياز الوصول إلى على الوظائف أيضاً. فأدّت هذه الإحباطات بالكثير من الإيرانيين الشباب إلى اللجوء إلى مغادرة البلاد. وحتّى في عهد إدارة روحاني، بقيت إيران تسجّل مستويات قياسيةً عالمياً في هجرة الأدمغة، وتخسر على أثره ما يُقدَّر بمئة وخمسين مليار دولار أمريكي سنوياً.
الحرية السياسية والديمقراطية
بالإضافة إلى العدالة الاجتماعية، زعم مهندسو ثورة العام 1979 أنّ الإطاحة بالملكية ستؤدّي إلى حرّية أكبر. غير أنّ الحماس والشعور بالتحرّر الوجيزَين بعد الثورة سرعان ما تلاشيا وحلّت محلّهما الأسلمة النظامية للدولة والمجتمع التي اعتمدها الحكّام الجدد. فبدا واضحاً في العقد الأوّل من الجمهورية الإسلامية أنّ تلك الديكتاتورية قد استُبدلت بديكتاتورية أخرى، أكثر وحشية حتّى. فبين العامَين 1981 و1985، أُعدم حوالي 8 آلاف شخص، وقُتلت الأعداد نفسها في خلال ما سُمّي بـ”المجزرة الكبرى” التي وقعت في العام الأخير من الحرب الممتدّة بين العامَين 1980 و1988 ضدّ العراق. في المقابل، أُعدم أقلّ من مئة سجين سياسي في السنوات الثمانية السابقة للثورة (بين العامَين 1971 و1979). فباتت الجمهورية الإسلامية أحدَ الأنظمة الأكثر قمعاً في العالم، مع تسجيلها في الآونة الأخيرة معدّلَ الإعدام الأعلى عالمياً.
وفي خضمّ هذه العملية، خضعت التشكيلات الثلاثة السياسية الإيديولوجية المهيمنة أو الثقافات السياسية في إيران المعاصرة، أي القومية والاشتراكية والإسلاموية، للتضييق ليتمّ التركيز على الثقافة الأخيرة التي نجحت في دمج عناصر من التشكيلتَين الأخريَين. وعلى الرغم من ورود بعض التنوّع، تنحصر النخبة السياسية الجديدة بشكل عام ضمن شرائح مختلفة من الإسلاموية. فقد قمعت التعدديةَ السياسية التي نادت بها الحركة الثورية من دون أن تسمح الدولة بإنشاء حزب معارض فعلي.
بالمثل، واجهت الحركات التأسيسية في المجتمع المدني الإيراني، أي النساء والطلاب والعمّال، قمعاً نظامياً، ممّا قوّض قدراتها التنظيمية وجعلت المجتمع المدني الدينامي في إيران ضعيفاً مقارنة بالدولة. واستهدف قمع الدولة أيضاً المنشقّين من مذاهب إيديولوجية متنوعة والأقليات غير الفارسية والصحافيين. فباتت إيران اليوم من أوّل الدول في العالم لناحية سجن الصحافيين، وقد صنّفتها منظمة “مراسلون بلا حدود” في المرتبة 170 من أصل 180. وفيما تُظهر صحافة الجمهورية الإسلامية درجة ملفتة من الحيوية والانفتاح ضمن خطوط النظام الحمراء، لطالما حظّرت السلطة القضائية الخاضعة للمتشدّدين إصدار المنشورات وزجّت الصحافيين في السجن.
ومع الإطاحة بالنظام الملكي القائم، وضعت الجمهورية الإسلامية نظاماً سياسياً غريباً اعتُبر تقليدياً أنّه قائم على ركنَين: الثيوقراطية (مع ترؤّس المرشد الأعلى الدولةَ) والجمهورية (مع مجلس نيابي ورئيس منتخبَين). غير أنّ الركن الثاني في هذا النظام هو في أفضل حالاته شبه جمهوري، إذ لا يسمح مجلس الأوصياء بالترشّح إلّا للمرشحين المُعتبَرين مؤيّدين للجمهورية الإسلامية. بالتالي، يقف هذا التشكيل الفريد عقبة أساسية أمام إحلال الديمقراطية. فلا تزال المؤسّسات غير المنتخَبة مهيمِنة، فيما تبقى تلك المنتخَبة وفية للنظام. والأهم أنّ السلطوية الهجينة التي تعتمدها الجمهورية الإسلامية قد صمدت بشكل ملفت ضدّ التغيير السياسي الفعلي، ممّا أدّى إلى تفشّي إحباط شعبي واسع النطاق اليوم إزاء فرعَي النظام كليهما، أي إزاء مَن يُعرفون بالمعتدلين بالإضافة إلى المتشدّدين أيضاً.
الاستقلال غير قابل للفصل عن الحرية
انعكست معارضةُ الثورة المحتدمة للقوتين العظميين كلتيهما في الحرب الباردة، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، في الشعار الثوري “لا شرقية ولا غربية، الجمهورية الإسلامية”. غير أنّ عداء الثورة لواشنطن هو الذي سيطر على علاقات إيران الدولية. وفيما وجدت إيران نفسها في مواجهة جيوسياسية مع الغرب، لم تكن يوماً مندمجة جيوسياسياً في الشرق. بدلاً من ذلك، وكما أظهرت سياسات روسيا والصين والهند في خلال العقوبات الأمريكية المفروضة المتزايدة، وجدت إيران نفسها مجبرة على تقديم تنازلات للقوى الآسيوية العظمى التي فضّلت دائماً علاقاتها مع واشنطن على علاقاتها مع طهران. نتيجة ذلك، شهدت إيران أنماطاً جديدة من التبعية للقوى العظمى الشرقية، بما أنّ مواجهتها ليست بخيارٍ طالما أنّ طهران على خلاف مع الدولة الأقوى في النظام الدولي.
وعلى ضوء هذه الخلفية، كيف بإمكان الإيرانيين أن يحفظوا رغبتهم القديمة في نيل الاستقلال في عالم مترابط في القرن الحادي والعشرين؟ لقد أصاب عميد دراسات سياسة إيران الخارجية الراحل روح الله رمضاني عندما ركّز على أنّه في عالم مترابط، ما من استقلال مطلق بل درجات من الاستقلال. بعبارة أخرى، ستواجه التنمية الوطنية في إيران صعوبة في حال حاولت اليوم على المحافظة على تعلّقها الإيديولوجي القوي بمفهوم مجرّدٍ عنوانه الاستقلال المطلق.
ويشكّل السياق السلطوي المحلّي في إيران تحدياً كبيراً آخر لصون الاستقلال، فهو يفضّل العلاقات الوثيقة مع الدولة السلطوية بدلاً من تلك الديمقراطية. فبهذه الطريقة لن يقلق الأمناء على الجمهورية الإسلامية المتشدّدون من احتمال أن تطرح أنظمة سلطوية شبيهة بنظامهم، مثل الصين وروسيا، مسائلَ مثل حقوق الإنسان والديمقراطية في العلاقات الثنائية. بالتالي، تكون النتيجة تفضيلاً جيوسياسياً لسياسة “النظر نحو الشرق” تميل إليه بالإجمال القوى المستفيدة سياسياً واقتصادياً من هذا التوجّه. وقد أطالت عداوة إيران مع الولايات المتحدة علاقة النزاع التي تربطها بالعالم الغربي. فهي لم تمنعها من تطوير كامل قدراتها عبر إنشاء علاقات وطيدة مع الغرب والشرق على حدّ سواء فحسب، بل دفعت بها إلى أحضان قوى الشرق التي استغلّت انعزال إيران عن الغرب وحاجتها إلى الشرق أيضاً. لهذا السبب، أصاب رمضاني في ملاحظته أنّ إقامة مؤسّسة سياسية ديمقراطية شرطٌ مسبق أساسي لتفادي التبعية، مشيراً إلى أنّ “انهيار سياسة القانون والسلطة القضائية المسيّسة سيُضعفان في نهاية المطاف قدرة إيران على الاحتفاظ باستقلالها في خضم السياسات العالمية.” وشدّد أيضاً على أنّ الحرية والاستقلال غير قابلَين للفصل.
وقد يتيح مناخٌ سياسي أكثر انفتاحاً، كما في الهند مثلاً، إقامة حوارات داخلية حول خيارات السياسة الخارجية وما يقف على المحكّ بالنسبة إلى السكان. بذلك، ستُحسّن الدمقرطة إلى حدّ كبير صورةَ إيران الدولية وربّما تعزّز قدرتَها التفاوضية مع القوى العظمى، ولا سيّما نظراً إلى ميل القوى الغربية نحو استعمال حقوق الإنسان أداةً لتوليد ضغط سياسي.
الخاتمة
إذاً، هل وفت الثورة الإيرانية بوعودها في نهاية المطاف؟ على الرغم من بعض الإنجازات، تبدو الصورة الإجمالية كئيبة، ولا سيّما عندما يتعلّق الأمر بوعود تحقيق الديمقراطية. أمّا إذا من الممكن عكس هذه الأعمال، فهذه مسألة أخرى. فالأزمة الثلاثية الحادّة – الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والبيئية – التي تواجهها الجمهورية الإسلامية في عامها الأربعين والشعورُ المتنامي بالخيبة والإحباط الشعبيَّين الذي برز بقوّة في خلال الاضطرابات في العام 2017-2018 والمواجهةُ المستمرة مع الدولة الأقوى في العالم لا تترك أملاً يُذكر بأنّ هذا النظام عينه الذي عجز عن الإيفاء بوعوده لعقود سينجح في المستقبل.
Commentary
بعد مرور أربعة عقود، هل وفت الثورة الإيرانية بوعودها؟
الخميس، 11 يوليو 2019