أثار قتل أنور العولقي، وهو من مواليد الولايات المتحدة وأحد شخصيات تنظيم القاعدة مؤخرًا في اليمن، وعودة رئيس البلاد، والقمع الوحشي للمتظاهرين السلميين المحتجين ضد الحكومة التوترات هناك إلى مستوى خطير، مما يهدد بدفع البلاد إلى حرب أهلية. فشل المجتمع الدولي في اتخاذ موقف حازم، وكشف عن سياسة الكيل بمكيالين في التعامل بدم بارد مع انتفاضات الربيع العربي. فمن الواضح أن الولايات المتحدة وحلفائها لا يهتمون إلا “بتحديث النظام” في اليمن، وليس تغييره.
وبينما حدث تدخل دولي منسق في ليبيا الغنية بالنفط، تُركت اليمن، وهي أفقر دولة في المنطقة، تغرق في حالة من الفوضى. تستمر حملة النظام القمعية في العاصمة صنعاء، وتستعر الاشتباكات العنيفة بين القوات الحكومية والميليشيات في محافظة أبين.
على الرغم من مشاركة عدة دول في مسؤولية الإهمال المفرط لليمن، يعد دور الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مخيبًا للآمال بشكل خاص. في ظل غياب القيادة من تلك البلدان، فشلت الأطراف الأخرى – بما في ذلك الجامعة العربية والأمم المتحدة وتركيا – في التدخل.
ادعى مسؤولون أمريكيون الالتزام الثابت بالقيم الديمقراطية في خضم انتفاضات الربيع العربي، ولكن يبدو أن هذا الالتزام يتوقف عند اليمن. في خطاب أوباما الهام في شهر مايو عن الشرق الأوسط ذكر بالكاد اليمن، مكتفيًا بالقول أن “الرئيس صالح يحتاج لمتابعة التزامه بنقل السلطة”. ومنذ ذلك الحين، أيدت التصريحات الرسمية الأمريكية خطة انتقالية مدعومة من دول الخليج من شأنها أن تمنح علي عبد الله صالح ثلاثة أشهر لنقل السلطة إلى نائبه.
يتضح أن إدارة أوباما ليست على استعداد لتأييد تغيير النظام تمامًا. فالرئيس صالح كان حليفًا مخلصًا لمساعي الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة، والتي كان آخرها العملية ضد العولقي، يبدو أن الإدارة تأمل أن تتمكن من إنقاذ جزء من الحكومة على الأقل، وربما تترك أجهزتها البيروقراطية والأمنية في مكانها في الوقت الذي يعمل فيه رئيس جديد على تهدئة المعارضة. السماح لصالح بالعودة إلى بلاده بعد حملة القمع يُظهر أيضًا أن الولايات المتحدة مترددة في محاسبته هو ونظامه على العمليات الوحشية التي ارتكبت ضد المتظاهرين.
تدعم أيضًا المملكة العربية السعودية، والتي عملت بشكل وثيق مع الولايات المتحدة في محاولة لإدارة الانتفاضة اليمنية، تحديث النظام وليس إحداث تغييرًا صريحًا. وبعد أن قاد حكام المملكة مسؤولية قمع حركة زعزعة الاستقرار في البحرين في شهر مارس، يأملون أيضًا تجنب الاضطرابات على طول حدود المملكة الجنوبية. وبينما اقترحت دول الخليج بقيادة السعودية خطة المرحلة الانتقالية، سمحت المملكة العربية السعودية أيضًا للرئيس أن يقضى ما يقرب من أربعة أشهر في المملكة لتلقي العلاج من الإصابات التي تعرض لها جراء قصف قصره.
في غياب رد فعل قوي من الولايات المتحدة أو السعودية، يبدو أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان نشطًا في الأحداث الأخيرة في سوريا وليبيا ومصر، يمكن أن تكون بديل محتمل. ولكنه قد بقي صامتًا بشأن اليمن. شدد بيان رسمي من حكومته في الشهر الماضي فقط على أهمية إنهاء العنف، ولم يدن حملة القمع التي تقودها الحكومة.
و أخيراُ، ربما كانت جامعة الدول العربية هي أكثر المنظمات الدولية عجزًا عندما يتعلق الأمر بالأحداث في المنطقة. فقد فشلت في اتخاذ موقف بشأن تطورات عديدة في المنطقة، وخصوصًا في اليمن. منذ فترة طويلة و حتى شهر مارس، أدان ممثلون عن الجامعة العربية “الجرائم ضد المدنيين” في اليمن، وتعهدت الجامعة بمراقبة “الوضع الخطير”. لكنها لم تفعل أكثر من مجرد دعم خطة المرحلة الانتقالية التي قدمتها دول الخليج.
و على الرغم من أن فريق الأمم المتحدة الذي زار اليمن في يونيو ذكر أن “هناك مزاعم بأن مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات قد وقعت في جميع أنحاء البلاد”، أدلى الأمين العام بان كي مون بيانًا الشهر الماضي يدين بشدة “الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن الحكومية ضد المتظاهرين العزل”. ولكن لمرة أخرى لم يتم اتخاذ أي إجراء حتى الآن، مما يدل على خطورة عدم الالتزام من جانب المجتمع الدولي.
داخليًا، فشلت المعارضة البرلمانية التقليدية في البلاد كذلك. فعليها أن تقدم بديلاً عمليًا للنظام، ولكنها لم تكن حليفًا موثوق به بالنسبة للمحتجين. في حين كان ينادي المحتجين بتغيير النظام، كانت أحزاب المعارضة تتفاوض مع عناصر النظام، مما أفقدهم المصداقية في أعين الكثير من المحتجين. لقد فعلت المعارضة القليل بالإضافة إلى التوقيع على خطة المرحلة الانتقالية المشكوك فيها التي قدمتها دول الخليج.
يحتاج اليمن إلى تغيير النظام والحكومة التمثيلية. فقد فعل شباب اليمن ما عليهم، واستخدموا الوسائل السلمية لمعارضة نظام وحشي، والمجتمع الدولي مدين لهم بالدعم الكامل.
ينبغي على الولايات المتحدة التخلي عن فكرة أن نظام صالح مستقر وقادر على خدمة مصالحها. وينبغي أن تعترف المملكة العربية السعودية أن التغيير يتخذ مجراه في اليمن، وأن إطالة الأزمة سوف يهدد أمنها ويؤدي إلى عدم الاستقرار على المدى الطويل على حدودها الجنوبية.
إن لم تكافأ الاحتجاجات السلمية، فقد يلجأ اليمنيون إلى استخدام السلاح. حدوث هذا على حدود أكبر دول العالم تصديرًا للنفط يمكن أن يزعزع الاستقرار في المنطقة ويؤثر على أسعار الطاقة في العالم. الأهم من ذلك، يجب على المجتمع الدولي ألا يسمح لمعاييره الأخلاقية أن تتفكك بينما تنزلق إحدى البلدان إلى ما يمكن أن تكون حربًا أهلية طويلة جدًا ودموية.
Commentary
Op-edاليمن بحاجة لفعل، لا مجرد كلام
October 7, 2011