تضع الانتخابات التي تعقب السقوط المثير للأنظمة المستبدة خيارات صعبة أمام صانعي السياسات. إنها بمثابة فرصة لإرساء قاعدة راسخة للتحول إلى الديمقراطية، مع إعداد المؤسسات وتقوية العناصر التي تضمن انتخابات حرة عادلة. مع ذلك تُعد هذه الانتخابات جزءًا من صراع خطير على المستقبل يحدث في سياق الغموض الشديد، نظرًا لبروز عناصر جديدة كما أن النخبة السابقة تعيد تشكيل أنفسها، وتشارك العامة في السياسة بطرق جديدة متقلبة.
أصبح دعم الانتخابات في العالم العربي أكثر تحديًا اليوم بسبب عاملين ميزا المنطقة بشدة عن المناطق الأخرى. العامل الأول هو أن التحولات أصبحت أكثر صعوبة بسبب المطالب القوية للغاية التي ترغب في استئصال النظام القديم. فقد نشأت ضغوط ثابتة تريد استبعاد النخبة السابقة، وذلك نتيجة لمخاوف من أن رموز النظام السابق ستقوض الثورات المستمرة والمطالب بالعدل بعد عقود من الإساءة. أما في المناطق الأخرى، انشق المصلحون داخل الأنظمة المستبدة، مثل بوريس يلتسن ورئيس جنوب أفريقيا فردريك ويلم دي كليرك، عن المتعصبين وتزعموا الإصلاحات، مع كتم أصوات المطالب باستبعاد أنصار النظام القديم بكل وضوح. ومع ذلك لم تتمكن نخبة النظام القديم في الشرق الأوسط من الالتزام الصادق بالإصلاحات، مع مراعاة إلى حد ما العقود الطويلة من الوعود الباطلة والمعارضات التي أصرت بشكل كبير على عدم قبول شيء أقل من الرحيل مثل رحيل بن علي. لذلك بات من الصعب أن تعثر على فرصة للتسوية.
ويتمثل العامل الثاني في أنه بالرغم من أن المجتمع الدولي يأمل في دعم التحولات العربية، نجد أن عدم الثقة المنتشرة في القوى الخارجية تزيد من هذه المشكلات. تعتبر عدم الثقة هذه أمرًا حتميًا في جميع الدول التي خضعت للاستعمار؛ لكن يتزايد هذا الشك بصورة خاصة في العالم العربي، وخاصة تجاه الولايات المتحدة. تفاقمت عدم الثقة بشأن النوايا الأمريكية بسبب دعم الولايات المتحدة لإسرائيل وتأييدها المتواصل للمستبدين من حكام العرب لمدة عقدين تقريبًا بعد الحرب الباردة وامتناعها مؤخرًا عن اتخاذها مواقف صارمة ضد مبارك والأسد وغيرهم في بداية الثورات. حتى في حالة اعتقاد النخبة التي تدعم التحول أن الخبرة الدولية يمكنها أن تساعد على سلاسة العملية الانتخابية وتحسين الثقة بالنتائج، فإنها تجد صعوبة في اعتناقها هذه الفكرة بسبب القومية المتصاعدة والرغبة الشديدة في تأكيد السيادة.
وفي ضوء هذه التحديات، يستكشف هذا البحث كيف يمكن أن يشارك المجتمع الدولي بشكل أفضل في “تأسيس” الانتخابات في العالم العربي. وبفحص مصر وتونس، وهم أول دولتان عربيتان تخوضان الانتخابات، يركز البحث على التحديات التي تواجه المنافسة العادلة وإدارة العمليات الانتخابية وإرساء نتائج عادلة ومستدامة. وبلا شك تُعد هذه الحالات فريدة بطرق شتى، وتتسم بالتغير المستمر كما هو الحال مع أي تحول. ومع ذلك، يؤدي فحص تجاربهم المبكرة إلى رؤى واضحة حول الطريقة التي يمكن بها للعناصر الدولية التعامل مع هذه الحالات التي ربما تستكمل المسيرة (مثل ليبيا وسوريا واليمن).
وتجدر ملاحظة أن هذه الحالات تقترح أنه ينبغي على المجتمع الذي يشجع الديمقراطية أن يتعامل مع الانتخابات الأولى بطريقة مختلفة عن التي يتعامل بها مع الانتخابات اللاحقة. فينبغي عليه أن يحدد أولوية لأهداف وأنشطة مختلفة، وفي بعض الحالات يتخلى عن برامج الأعمال البناءة بشكل عام والتي تتسم بحسن النية للتركيز على الأنشطة العاجلة والضرورية لتقوية العمليات الانتخابية. وينبغي على العناصر الدولية مقاومة الإلحاح الواضح في التطلع إلى ترتيبات ديمقراطية دائمة فورية ونتائج انتخابية “ملائمة”، مدركين الخوف والغموض الشديدين اللذين يخوض بهما الديمقراطيون الانتخابات الأولى. كما ينبغي عليها تشجيع القوى الثورية على مقاومة الإلحاح الواضح والضار الذي يهدف إلى استبعاد أنصار النظام السابق من العمليات الديمقراطية الحديثة. فبدلاً من ذلك ينبغي أن يقترح أنصار الديمقراطية إجراءات مؤقتة، تشجع على التسامح مع النتائج “غير الملائمة” وبهذا يتم دعم الديمقراطيين وهم يشقون طريقهم خلال عملية طويلة غير متكافئة.
تنزيل البحث باللغة الإنجليزية