أدّت سلسةٌ من الأحداث الدرامية في الأيام القليلة الماضية إلى توتّر الأوضاع في الشرق الأوسط. فقد أعلن رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري يوم السبت استقالته المفاجئة من منصبه عبر التلفزيون السعودي، متّهماً إيران بالتدخّل في شؤون بلاده. ولاحقاً في تلك الليلة، أطلق الحوثيون اليمنيون، المدعومون من إيران، صاروخاً بالستياً باتجاه مطار الرياض قيل إنّه تمّ اعتراضه. وفي صباح يوم الأحد، بتوقيت واشنطن، اتّصل الرئيس ترامب بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمناقشة موضوع “التهديد المستمرّ الذي تشكّله الميليشياتُ الحوثية المدعومةُ من إيران في اليمن”، وغيرها من المواضيع. وبحلول يوم الإثنين، صرّحت المملكة قائلةً: “سنعامل الحكومة اللبنانية كحكومة إعلان حرب على المملكة بسبب ميليشيات حزب الله”.
هل هذه التطوّرات مترابطة؟ هذا رأي المملكة العربية السعودية على ما يبدو.
بغضّ النظر عمّا إذا كانت مترابطة أم لا، يدخل الشرق الأوسط حالياً مرحلةً جديدة من التوتّرات الطائفية الشديدة التي ينبغي حلّها وإلّا ستقع دولةٌ أخرى ضحيّة الفوضى. وفي وسع الولايات المتحدة أن تحثّ الأطراف على التصرّف بحذر، لا بل يجدر بها ذلك، ولا سيّما أنها اضطلعت طوال عقود بالحدّ من بعض مستويات الصراع في الشرق الأوسط على الأقلّ.
الجزء الذي يشكّله الحريري من المعضلة
قبل أن نغوص في أحداث نهاية الأسبوع الفائت، فلنعُدْ بالزمن إلى أوائل شهر أكتوبر حينما أثار وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان مفاجأة بقوله إنّ إسرائيل ستواجه في المستقبل جبهةً موحّدة تضمّ لبنان وسوريا وحزب الله، مطلقاً عليها اسم “الجبهة الشمالية” الجماعية لإسرائيل. وبعد بضعة أسابيع، اتّهم ليبرمان حزب الله بقصف هضبة الجولان الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وأتى اتّهامه تحديداً بعد أن تراجع قادة عسكريون إسرائيليون آخرون “غير محدّدين” عن اتّهامهم بأنّ حزب الله مسؤول عن إطلاق الصواريخ. وكانت النتيجة أن اعتُبر الأمر في المنطقة تهديداً بالحرب، أقلّه من ناحية ليبرمان.
وفجأة، يوم السبت 3 نوفمبر، صدم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري حلفاءه ومستشاريه المقرّبين بخبر استقالته من منصبه. وأتى إعلانه هذا في خطاب لم يصدره في لبنان بل في المملكة العربية السعودية، ملمّحاً إلى أنّ حياته مهدّدة بالخطر. وانتقد إيران قائلاً إنّها “ما تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب. يشهد على ذلك تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن. يدفعها إلى ذلك حقد دفين على الأمة العربية ورغبة جامحة تدميرها والسيطرة عليها”.
وسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الردّ على استقالة الحريري قائلاً إنّ خطابه “دعوةٌ صحوة موجّهة للمجتمع الدولي لصد أعمال إيران العدائية”.
الجزء الحوثي من المعضلة
ثمّ في ليلة السبت، صعّد الحوثيون اليمنيون، المدعومون من إيران، حدّة الصراع مع المملكة العربية السعودية بإطلاقهم صاروخاً بالستياً من نوع “بركان 2-H” نحو المطار في العاصمة الرياض. ولحسن الحظّ، وكما أفادت تقارير سعودية، تمّ اعتراضه بواسطة منظومة صواريخ باتريوت الأمريكية الصنع.
وفي أولى ساعات صباح يوم الأحد بتوقيت واشنطن، كان الرئيس دونالد ترامب قد سبق أن انخرط في المسألة، إذ أعلن البيتُ الأبيض أنّ الرئيس الأمريكي اتّصل بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في أثناء جولته في آسيا. وأفادت التقارير إنّهما ناقشا موضوع “التهديد المستمرّ الذي تشكّله الميليشيات الحوثية في اليمن المدعومةُ من إيران، والصاروخ المُعترَض الذي استهدف الرياض ليلة أمس”. وشكَر الرئيس ترامب الملك سلمان على شراء المملكة منظومةَ “ثاد” THAAD الأمريكية للدفاع الجوي الصاروخي بقيمة 15 مليار دولار.
هل تترابط الأجزاء فعلاً؟
بحلول صباح يوم الأحد، غدا الشرق الأوسط في حالة توتّر. وقد وردتني أسئلةٌ من أصدقائي في المنطقة يستفسرون إذا ما كان حديث ليبرمان الحادّ واستقالة الحريري مرتبطَين، وهل ستندلع الحرب في لبنان؟ وماذا عن الصاروخ الذي استهدف الرياض؟ وهل أتى كردٍّ إيراني عبر الحوثيين على استقالة الحريري؟ وهل الأحداث الثلاثة مترابطة؟
وماذا عن اتّصال دونالد ترامب بالملك سلمان؟ ففي منطقةٍ ما انفكّت تقع ضحيّة نظريات المؤامرة، يأتي اتّصال دونالد ترامب بالعاهل السعودي كبرهانٍ للكثيرين على أنّ خطّةً ما قد وُضعت قيد التنفيذ وتهدف إلى جَرّ إيران وحزب الله نحو صراع طائفي.
وبغضّ النظر عمّا يحصل، تؤكّد استقالة الحريري أنّ لبنان ضعيفٌ جدّاً لكي يستطيع أن يتحمّل الضغوطات الحاليّة التي يخلّفها نشوب صراع طائفي عسكري على أراضيه من جديد. والكثيرون ممَّن يستطيعون مغادرة البلاد يفكّرون جدّياً في الرحيل. يجدر الذكر أنّ لبنان برهن على أنه جرس إنذار من الصراعات الطائفية للشرق الأوسط عندما واجه حرباً أهلية طائفية منذ 40 عاماً خلت.
ومن الممكن أن تطال هذه التوتّرات التي تتفاقم بسرعة أكثر من لبنان وحده. فمن غير المستغرب أن يبدأ بعض المقيمين في إسرائيل الذين يتذكّرون حرب العام 2006 بين إسرائيل وحزب الله بنفض الغبار عن ملاجئهم. وفي واشنطن، أخبرني صديق قلق يقيم في ضواحي المدينة أنّ زوجته كانت على متن رحلة متّجهة من دبي إلى جوهانسبرغ، لكنّ مسار الرحلة تغيّر بسبب صاروخ الحوثيين، فسألني: “هل عليها أن تغيّر رحلة العودة؟” ومع أنه من الممكن للمنظومات الصاروخية الجديدة أن تساعد على حماية الأشخاص برّاً، قد تترتّب في منطقة تضمّ المطار الثالث الأكثر نشاطاً في العالم، أي دبي، تداعياتٌ اقتصادية كبيرة جرّاء نشوب صراع موسّع.
وفيما تقبع المنطقة في حالة توتّر شديد، من الحكيم لكلّ الفاعلين في المنطقة، بدءاً من نتنياهو ووصولاً إلى أمين عام حزب الله حسن نصر الله وجميع القادة الآخرين، أن يدرسوا خطواتهم بعناية عندما تكون الأحداث تتصاعد بسرعة، وإلا سينشب صراع عسكري مُستعر آخر قلّةٌ قليلة من المواطنين العاديين تريده أو تحتاج إليه. ومع أنه من المؤكّد أنّ واشنطن ستبعث بكلمات مطمئنة لحلفائها في المنطقة، ينبغي عليها أيضاً أن تحثّهم على ضبط النفس. ويجدر بها أن تدعو القادة اللبنانيين إلى الرّد برويّة ومسؤولية على استقالة الحريري وإلى الاستمرار في التحضير للانتخابات البرلمانية المتوقّعة في العام 2018. وحريٌّ بها أيضاً أن تحثّ بعض الوزراء الإسرائيليين على أن يتحدّثوا بمسؤولية أكبر لئلا تنساق إسرائيل سياسيّاً إلى حرب أخرى في لبنان.
وينبغي على واشنطن أيضاً أن تخبر حلفاءها في الخليج أنّه على الرغم من إحباطهم الكبير تجاه طموحات إيران، لا يصبّ في مصلحة أحد ولا حتّى في مصلحتهم اندلاعُ حرب أخرى في المنطقة تهرق دماء الكثيرين وتتسبّب بخسائر مادية بقيمة مليارات الدولارات في لبنان. ومن بين المشاكل الكثيرة الأخرى التي قد يولّدها الصراع المتجدّد أنّه قد يقوّض النموّ الاقتصادي الذي تحتاج إليه المنطقة بشدّة لتفادي أزمة بطالة شبابها التي تبلغ معدّلاتها ضعف المعدّلات العالمية.
وإذا تنحّت الولايات المتحدة الأمريكية عن دورها المعتاد بتلطيف الوضع وتهدئة روع القادة في المنطقة، قد نشهد في الأيام القليلة المقبلة صراعاً طائفياً في الشرق الأوسط تتصاعد حدّته لتصل إلى مستويات جديدة لا يمكن التنبّؤ بها، محطّماً بذلك أمال الكثير من المواطنين العاديّين المقيمين في المنطقة بعيشِ حياةٍ هانئة ومزدهرة.
Commentary
استقالة الحريري وسبب عودة التوتّر إلى الشرق الأوسط
الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017