دخلت الأزمة السورية عامها الثامن بدون أن تُظهر أيّ علامات بالانتهاء. وقد لجأ أكثر من 3,6 مليون سوري إلى تركيا، التي تضمّ الآن العدد الأكبر من اللاجئين عالمياً.
ومع استمرار الصراع في سوريا، وإغلاق الأبواب حول العالم في وجه السوريين، لا يبدو أنّ العودة أو إعادة التوطين حلّان واقعيان ومستدامان بالنسبة إلى السوريين في تركيا. فقد قال مسؤول حكومي سابق رفيع المستوى بصراحة مطلقة: “أتى السوريون إلى تركيا ليبقوا فيها حتّى المستقبل القريب”. وعلى الرغم من أنّ 292 ألف سوري (حتى نهاية العام 2018) عاد إلى بلاده بحسب الحكومة التركية، ستبقى أغلبية السوريين في تركيا.
وستحدّد طريقةُ معالجة الحكومة التركية والمجتمعُ الدولي لمسألة دمج اللاجئين السوريين في المجتمع، وبشكل أهمّ في سوق العمل، معالمَ مستقبل البلاد إلى حدّ كبير. وينطبق الأمر عينه على الاتحاد الأوروبي، الذي أُحبطت سياسته بسبب الوصول المفاجئ لأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في العام 2015.
وعلى أولئك المهتمّين في وضع خطط جديدة أن يأخذوا بعين الاعتبار ما إذا كان من الممكن تحفيز توظيف اللاجئين السوريين في مشاريع زراعية واسعة النطاق في تركيا من خلال إتاحة دخول المنتجات التي يشارك في تصنيعها عمّال سوريون إلى الأسواق الأوروبية بموجب تجارة تفضيلية.
السوريون وسوق العمل في تركيا
يُعَدّ تطوير خطط تساعد اللاجئين السوريين على الانتقال إلى الاقتصاد الرسمي مع خلق فرص للمقيمين المحلّيين طريقاً واعداً نحو المضي قدماً. وعلى الرغم من التفكير الخاطئ المنتشر على نطاق واسع بأنّ اللاجئين يستنزفون الاقتصاد، أظهرت الأبحاث أن أثر اللاجئين محدود في توظيف العاملين المقيمين في البلاد المضيفة وفي مداخيلهم، لا بل بإمكان اللاجئين أن يصبحوا مساهمين صافين حتّى.
وفي العام 2016، سمحت الحكومة التركية للاجئين السوريين بالحصول على إجازات عمل رسمية. وشكّل ذلك خطوةً مهمّة، اتُّخذت من أجل مساعدة اللاجئين السوريين على التحوّل من مستهلكين للإعانات الإنسانية إلى مشاركين منتجين في الاقتصاد المحلّي. لكن منذ اعتماد هذه السياسة، لم يتمّ إصدار سوى 250 ألف إجازة. وكما نوّه البنك الدولي، تُشير البطالة المتزايدة (13 في المئة في العام 2017) ومعدّلات بطالة الشباب المرتفعة باستمرار (حوالي 19 في المئة) في تركيا ببساطة إلى أنّ الوظائف لا تكفي للجميع. نتيجةً لذلك، من المقدّر أن يتمّ توظيف 30 إلى 40 في المئة من السكّان الذكور البالغين سنّ العمل في الاقتصاد غير الرسمي، أيّ قرابة مليون شخص. ويؤدّي ذلك إلى جعلهم عرضةً للاستغلال وإلى تدنّي الرواتب وانخفاض احتمالات توظيف اليد العاملة المحلّية غير الماهرة وإلى إمكانية زيادة مشاعر الامتعاض لدى السكّان المضيفين، وهي مشاعر تؤدي إلى العنف أحياناً.
الوعد باتفاقيات بشأن اللاجئين
تبرز الحاجة الآن إلى اتفاق يتخطّى الإعانة الإنسانية التقليدية، اتفاق يجمع بين مختلف الجهات الفاعلة، بما فيها المجتمع الدولي ومجتمع الأعمال.
وهذا النوع من الاتفاقات موجود أصلاً. وتعتبر الاتفاقيات التي وقّعها الاتحاد الأوروبي مع الأردن ولبنان في العام 2016 والتي تسهّل تصدير المنتجات الصناعية التي تُشرِك العمّال اللاجئين خيرَ مثالٍ على ذلك، حتّى لو لم تكن مثالية. ويعمل الاتحاد الأوروبي حالياً على التفاوض بشأن اتفاق مماثل مع أثيوبيا. واقترح بعضهم أنّ بنغلادش، التي تستضيف عدداً كبيراً من سكّان روهينغيا اللاجئين، قد تشكّل مرشّحاً جيّداً لآلية من هذا النوع.
وتُعتبَر هذه الأنواع من الاتفاقات من بين الأفكار الأكثر إثارة للاهتمام والأكثر إبداعاً التي تقدّمها الاتفاقية العالمية بشأن اللاجئين (GCR) التي اعتمدتها الأمم المتحدة في أواخر العام المنصرم. ويتمّ تشجيع الموقّعين على الاتفاقية العالمية بشأن اللاجئين لتطبيق “اتفاقات تجارة تفضيلية… ولا سيّما في مجال السلع والقطاعات التي تشهد مشاركة عالية من اللاجئين في القوى العاملة”. وقد دعم المجلس العالمي للاجئين هذا النوع من الاتفاقات كوسيلة لتقوية نظام اللاجئين العالمي.
الحالة التركية
تربط تركيا والاتحاد الأوروبي وحدةٌ جمركية بدأت منذ العام 1996. وتتيح هذه الاتفاقية دخول السلع الصناعية إلى السوق الداخلية التابعة للاتحاد الأوروبي من دون رسوم أو قيود تنظيمية. غير أنّ المنتجات الزراعية مستثناة بالإجمال من الاتفاقية الراهنة التي لا تغطّي سوى السلع الزراعية المصنّعة ومجموعة محدودة للغاية من المنتجات الطازجة التي تخضع لتنظيمات متشدّدة. بالتالي، قد تهتمّ الحكومة التركية باتفاق تجارة تفضيلية يغطّي مجموعة واسعة من المنتجات الزراعية المنتَجة بمشاركة حدّ أدنى من اليد العاملة السورية. وعلى الرغم من أنّ القطاع الزراعي التركي معروف بإنتاجيته المتدنية والنقص في التوظيف فيه، تعاني مجالات في هذا القطاع نقصاً في اليد العاملة. علماً بأنّ نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين تأتي من الأرياف في شمال سوريا ويتمتّع بعضهم بخبرة في الزراعة.
وقد وافق الاتحاد الأوروبي وتركيا على تحديث الوحدة الجمركية. وكان ذلك المخطّط ليوسّع نطاق الاتفاقية لكي تطال القطاع الزراعي. غير أنّ التطوّرات السياسية في تركيا، ولا سيّما محاولة الانقلاب في يوليو 2016 وتداعياتها، دفعت بالاتحاد الأوروبي إلى تجميد المفاوضات بين الطرفَين. ومن الممكن أن يشكّل التفاوض على اتفاق تجارة تفضيلية محدّد بدقّة وسيلةً بنّاءة وواقعية لتخطّي بعضٍ من الجمود القائم.
ماذا يستفيد الاتحاد الأوروبي من الاتفاقية؟
للاتحاد الأوروبي سببان وجيهان على الأقلّ لتبنّي فكرة تحفيز تركيا على إتاحة توظيف اللاجئين السوريين في قطاعها الزراعي من خلال تقديم اتفاق تجارة تفضيلية من هذا النوع.
أوّلاً، بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يتفادى احتمالات موجة ثانوية أخرى من اللاجئين إلى أوروبا من خلال تحسين فرص كسبهم قوتهم ودمجهم المحلّي. وقد اعتُبر اتفاق الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في العام 2016 وبرنامج التسهيلات للاجئين الذي يرافقه في تركيا أنّهما مثال فعلي وواقعي على تشاطر الأعباء، حتّى وإن ولّد الاتفاق انتقادات أيضاً. فعلى الرغم من تحدّيات الاتفاق ومشاكله، لقد ساعد على وقف تدفّق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا مع تحسين فرص حصول اللاجئين السوريين في تركيا على مساعدة إنسانية وتحسين نوعية هذه المساعدات. وفيما يشارف الاتفاق على تطبيق القسم الثاني من التمويل، يتزايد الإقرار بضرورة التركيز أكثر على النتائج الطويلة الأمد، وبالتالي بذل المزيد من الجهود لتعزيز صمود اللاجئين والمجتمعات المضيفة على حدّ سواء.
ثانياً، قد يُظهر هنا النوع من الاتفاق التزامَ الاتحاد الأوروبي بمبدأ تشاطر الأعباء الذي يشكّل أساس الاتفاقية العالمية بشأن اللاجئين قولاً ومضموناً، ويمثّل سابقةً تشجّع أصحاب المصالح على طرح مشاريعهم الخاصّة.
وطبعاً، سيشكّل هذا الاتفاق تجسيداً فعلياً لوعد الاتحاد الأوروبي في اليوم العالمي للاجئين بإعانة اللاجئين.
ربح لجميع الأطراف
من الممكن أن يؤدّي اتفاق تجارة تفضيلية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا يغطّي المنتجات الزراعية التي ينتجها حدّ أدنى من العمّال السوريين إلى قلب الموازين. فقد يتيح هذا الاتفاق لعدد كبير من اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى سكّان المجتمع المضيف، العثور على توظيف قانوني في تركيا، ويزيد من قيمة الاقتصاد التركي، ويمكّن تركيا من دمج بعضٍ من اللاجئين السوريين البالغ عددهم 3,5 مليون لاجئ بشكل أفضل، ويسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي، مخفّفاً بذلك ربّما من رغبة السوريين في الانتقال إلى أوروبا. وقد يُعَدّ أيضاً هذا الاتفاق نجاحاً للمجتمع الدولي عبر إظهار أنّ الاتفاقية العالمية بشأن اللاجئين، بحسب أقوال مفوّض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي، هي بالفعل “نموذج عملي قابل للتطبيق” يقدّم “مجموعةً من الوسائل التي تترجم” مبدأ تشاطر الأعباء “إلى فعل”.
Commentary
Op-edاتفاقية بشأن اللاجئين لتركيا؟
الثلاثاء، 5 فبراير 2019