بالأمس، صرح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في كلمته أمام مجلس العموم البريطاني أنّ “هناك حوالي 70 ألف مقاتل سوري معارض منتشرين على الأرض لا ينتمون إلى مجموعات متطرفة” يمكنهم أن يساعدوا على محاربة الدولة الإسلامية.
وجاء هذا الرقم الذي ذكره رئيس الوزراء نتيجة لتقييم داخلي قدمته لجنة الاستخبارات المشتركة، بدعم من دبلوماسيين بريطانيين يخدمون في الخارج ممن يركز عملهم على المعارضة السورية. إن رقماً ضخماً كهذا صدم الكثيرين واعتبروه مبالغة سياسية. وقال جوليان لويس، رئيس لجنة الدفاع، إنه كان “متفاجئاً للغاية”. ومن المحتمل أن يصدر جيرمي كوربين، زعيم حزب العمال، طلباً رسمياً بالتوضيح. إذاً، هل هؤلاء المقاتلين موجودون، ومن هم؟
لا شك في أن النقاش يدور بشكل رئيسي حول قضية ما يعنيه أن يكون في سوريا “جماعة معارضة مسلحة معتدلة”. وبغض النظر عن العاصفة التي أحاطت ببيان هذا الصباح، فقد أصبح لهذه القضية أهمية خاصة في الآونة الأخيرة، حيث يناقش الدبلوماسيون الدوليون من يجب أن يشارك في المستقبل في عملية السلام في سوريا ومن يجب ألا يشارك.
في الوقت الذي تتسارع فيه الجهود الدبلوماسية بشأن الأزمة وتستعد المملكة العربية السعودية لاستضافة مؤتمر كبير يجمع ما بين 60 إلى 80 ممثلاً عن المعارضة واسعة الطيف، نجد أنّ تعريف مصطلح “معتدلة” آخذ بالتغير. لا بدّ للتعريف الأكثر فعالية الآن أن يرتكز على تقييم يجمع بين نقطتين: ما هي المجموعات المعترف بها أنها معادية لداعش، وما هي المجموعات التي تريدها حكوماتنا أو تحتاجها من أجل أن تنخرط في عملية سياسية.
ونظراً لمتابعتي عن كثب للمعارضة السورية المسلحة منذ الأشهر الأولى لاندلاع الثورة في سوريا في منتصف العام 2011، أستطيع أن أقول بكل ثقة إنّ رئيس الوزراء البريطاني ولجنة الاستخبارات المشتركة على حق.
إن العديد من المجموعات التي تقع ضمن هاتين الفئتين هي فصائل مسلحة كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التي لا تميل إلى الإسلاميين قد تحققت من بياناتها وتاريخها وقيّمتها على أنها “معتدلة” بما يكفي لتلقي مساعدات فتاكة. ويعتبر سوريون مجموعات أخرى – بعضها من الجماعات الإسلامية المعتدلة – أنها ضمن نهج الثورة العام ومتجذرة في المجتمعات المحلية بشكل حاسم. ولو جمعنا تلك الفصائل كلها، فلربما أصبح لدينا حوالي 65 ألف مقاتل. ويبدو أن ممثلين عن جميع تلك الجماعات مدعوون إلى المملكة العربية السعودية لحضور مؤتمر المعارضة في أوائل ديسمبر، هذا المؤتمر الذي يحظى بتسهيلات دولية، وهم على النحو التالي:
لا بد من الإشارة إلى أن هناك فصائل أخرى، حوالي 25 إلى 30 فصيل، يمكن ان تندرج تحت تصنيف الفصائل “معتدلة”، رغم أنه من غير المرجح أن تتم دعوتهم إلى مؤتمرات كبيرة للمعارضة تُعقد بالخارج نظراً لصغر حجمها ولو جمعنا عدد المقاتلين في هذه الفصائل لأصبح لدينا 10,000 مقاتل آخرين.
إن تلك الفصائل، التي يبلغ عددها 105 إلى 110 وعدد المقاتلين فيها 75,000، تمثل بصورة عامة ما يمكن أن نسميه اليوم بالفصائل “المعتدلة” في السياق السوري. وهذا يعني أن تلك الفصائل هي وطنية في ما يتعلق برؤيتها الاستراتيجية، ومحلية في ما يتعلق بعضويتها، ، كما وأنها تسعى لإعادة سوريا إلى مكانتها التاريخية كأمة متجانسة تضم طوائف متعددة، يحظى فيها جميع المواطنين من كافة الأعراق والأجناس والطوائف بمنزلة متساوية أمام الدولة والقانون. هذا وما يزال تركيزها منصباً على محاربة نظام الأسد نظراً لأنه يشكل أولوية أكثر إلحاحاً بالنسبة لمعظم هذه المجموعات من حيث الحماية الذاتية والدفاع عن السكان المدنيين وتحقيق الهدف الأكبر للثورة. ويزداد الأمر تعقيداً إذا ما نظرنا إلى أبعد من هذه الفصائل.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه صناع السياسة اليوم هو ضمان أنّ أي اتفاق سياسي حول سوريا توافق وتوقّع عليه الفصائل التي يمكنها بالفعل تطبيقه على أرض الواقع. بالإضافة إلى الفصائل المسلحة المذكورة أعلاه، تسيطر “جماعتان كبيرتان” على دينامكيات المعارضة في سوريا، هما: جيش الإسلام وأحرار الشام. كلاهما حركة إسلامية محافظة بشكل معلن، وتضمان معاً حوالي 27,500 مقاتل. ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية قد منعت لسنوات عدة دبلوماسييها من الاتصال بأحرار الشام، المجموعة الأكثر تشدداً بينهما، إلا أنه يبدو أنّ كلتيهما مدعوتان لحضور مؤتمر المعارضة في المملكة العربية السعودية. حاولت كل من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية حتى إحضار ممثلين عن الفصيلين إلى المحادثات الوزارية الأخيرة، التي جرت في فيينا في 14 نوفمبر.
صحيحٌ أنّ كلتي المجموعتين وربما مجموعات قليلة أخرى ليست حلفاء طبيعيين للغرب، وهذا لا شك فيه. إلا أن تلك المجموعات تعارض بشدة وجود داعش في سوريا وقد قاتلت ضدها بنجاح في الماضي – وقد حققت انتصارات أفضل بكثير من النتائج التي حققها الأكراد، حلفاؤنا المفضلون في الوقت الراهن. ولقد أثبتت هذه المجموعات وراء الكواليس استعدادها على أن تقدّم نفسها على أنها أحد مكونات الحركة المعارِضة أو الثورية الأوسع. ففي حال تمّ إشراكها في عملية سياسية رسمية، فستصبح مجموعة واحدة كبيرة تتألّف من العديد من الفصائل المعنية. أما في حال تمّ استبعادها، فقد تفسد العملية السياسية بشكلٍ كبير.
لو أن الغرب تدخل في سوريا بفعالية أكبر وفي وقت مبكر، لكان لدينا من دون أي شك مجموعات أكثر اعتدالاً وتماسكاً وحلفاء طبيعيين للعمل معنا. ولكن، ولسوء الحظ، فإن الأشياء اتخذت مساراً مختلفاً. إلا أنّ هواجسنا اللاحقة نحو المتطرفين ورفضنا معالجة طبيعة سوريا المعقدة قد شوّشت رؤيتنا. لا بد أن نشير إلى أنّ المعارضة “المعتدلة” من حيث الانسجام الثقافي موجودة فعلاً في سوريا، ما نحتاجه هو فقط أن نفتح أعيننا لنراها. وحدها هذه المجموعات – وليس الأسد بالتأكيد – ستضمن أن المتطرفين الحقيقيين، كداعش والقاعدة، سيفقدون قبضتهم على السلطة في سوريا في نهاية المطاف.
Commentary
Op-edأجل، هناك 70,000 مقاتل من المعارضة المعتدلة في سوريا، وإليك ما نعرفه عنهم
November 27, 2015