Commentary

Op-ed

هل أوشكت المعارضة السورية على نهايتها في حلب مع تضييق الخناق عليها من قبل داعش؟

يبدو أن مصير المعارضة السورية المدعومة من الغرب على حدّ السكين في الجزء الشمالي من البلاد الذي يشهد حرباً، ومع تضييق الخناق عليها من قبل المقاتلين المتطرفين من السُنّة وقوات النظام من مختلف النواحي، قد يكون الوقت قد بدأ ينفذ.

خسر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) يوم الأربعاء ست قرى على الأقل في حلب، كبرى مدن شمال سوريا، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية. سيطرت داعش على مساحات واسعة من أراضي العراق وأحكمت سيطرتها على أراضي واسعة في شمال شرق سوريا العام الماضي.

بات مقاتلو داعش اليوم على بعد 30 ميلاً من الضواحي الشمالية لحلب والتي يسيطر عليها المتمردون، وضمن مساحة قريبة للغاية من مواقع المعارضة الأساسية المؤدية إلى الحدود التركية.

قد يكون الوضع بالنسبة للمعارضة حتى أسوء من ذلك داخل مدينة حلب، حيث تسيطر القوات الموالية لبشار الأسد على المزيد من الأراضي بعد حملة عنيفة دامت لأشهر عدة ضدّ قوات المعارضة. 

ومع هجمات المقاتلين السنة المتطرفين على متمردي سوريا من الشمال، ومع سيطرة القوات الموالية للرئيس بشار الأسد على أحياء حلب من الجنوب إلى الغرب، يواجه هؤلاء المتمردون المحاصرون خطراً وجودياً. 

منذ نوفمبر 2013، شنّت الحكومة السورية هجوماً منسقاً على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في مدينة حلب. هذا وقد دمرت براميل متفجرة مناطق حضرية ينتشر فيها متمردو المعارضة وأجبرت آلاف المدنيين على الفرار. 

تبع الجيش الغارات الجوية بغارات أرضية ممنهجة وفعَالة، مما أتاح لها، مع الوقت، إعادة السيطرة على بعض الأراضي، وأجبرت المتمردين على الانسحاب إلى مناطق واقعة في شمال حلب. وبهذا، تمر المعارضة في هذه المدينة الآن بحالة هي الأضعف منذ منتصف العام 2012. 

ظهر تنظيم داعش في المشهد السوري في أبريل 2013 وفي ديسمبر نجح في إثبات وجوده على مساحات واسعة من شمال سوريا بما في ذلك محافظة حلب. إلا أن هجوم المتمردين المستمر في يناير من هذا العام أجبر داعش على الانسحاب من المحافظات الشمالية الغربية، أي من اللاذقية وإدلب ومعظم أجزاء حلب، باستثناء ثلاث بلدات أساسية في القسم الشمالي الشرقي من حلب: الباب ومنبج وجرابلس. 

لطالما تألف المتمردون في حلب، الذي يقاتلون من أجل إبعاد الأسد ومن أجل الحدّ من تقدم داعش، من مجموعات مختلفة ضمت مختلف وحدات الجيش السوري الحر، وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، والجبهة الإسلامية. وفي حين استفادت فصائل الجيش السوري الحرّ الأساسية المعتدلة من تدفق الدعم الغربي في أواخر العام 2013 لتسهيل هجومها المضاد لداعش في يناير، تراجع هذا الدعم مذاك كثيراً. ومنذ ذلك الحين فقد أحد المستفيدين الرئيسين في حلب من هذا الدعم، جيش المجاهدين، الكثير من قوته السابقة.

ضغطت الولايات المتحدة بشدة على دول الخليج للحدّ من الدعم الذي تقدمه للجماعات الإسلامية والسلفية في سوريا، الأمر الذي ألحق ضرراً بقدرة الجبهة الإسلامية على العمل كائتلاف موحد وفعال. في حلب خصوصاً، عانت مجموعة الجبهة الإسلامية الرئيسة، لواء التوحيد، من انقسامات وانشقاقات داخلية موهنة.

في الوقت عينه، دفع تقدم قوات نظام الأسد في مدينة حلب وفي مناطق أخرى جبهة النصرة – أحد حلفاء المعارضة السورية منذ فترة طويلة، وحتى فترةٍ وجيزة – إلى تحويل مواردها غرباً باتجاه محافظة إدلب. 

وبهذا، حالياً يتألف المدافعون الرئيسون عن مناطق حلب التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة من مجموعة من فصائل الجيش السوري الحرّ المعتدلة، علماً أن بعضاً منهم لا يزال يتلقى دعماً عسكرياً محدوداً من الغرب، وأعضاء الجبهة الإسلامية المتلاشية، المنتمي أغلبهم إلى منطقة حلب. تحملت هذه المجموعات وطأة مقاتلة داعش بينما كانت تواجه أيضاً هجوماً مستمراً من الجيش السوري. وقد اجتمعت هذه الهجمات لتترك حلب ضعيفة. 

ولكن رغم أن تقدم النظام في مدينة حلب يُعتبر تقدماً مهماً جداً، إلا أن التهديد الأبرز هو ذلك الذي يطرحه داعش وتقدمه السريع في شمال المدينة. 

يرى داعش في السيطرة على دابق، إحدى القرى التي أفادت وكالة الأنباء الفرنسية أنه تمّ السيطرة عليها، أمراً رمزياً جداً، علماً أن داعش يطلق تسمية دابق على مجلته الرسمية تيمناً بهذه المدينة نظراً لدورها في حديث الرسول–كموقع المعركة الأكبر قبل نهاية العالم. وقد سبق أن قال أبو مصعب الزرقاوي، الذي أسس الجماعة التي سبقت داعش، أن السيطرة على دابق تمثل أولى خطوات فتح القسطنطينية وروما. 

مع السيطرة على تلك القرى، يبدو أن داعش بات جاهزاً ليتقدم على جبهتين رئيستين: شمالاً غرباً باتجاه صوران وأخيراً أعزاز، وجنوباً غرباً باتجاه معقل لواء التوحيد في مارع. 

في حال تقدم داعش باتجاه صوران ومن ثم سيطر على أعزاز، فإنه سيقطع خطّ تمويل هامٍ يحصل من خلاله المتمردون على الدعم من تركيا عبر معبر باب السلامة الأمر الذي قد أن ينذر بنهاية وشيكة للمعارضة الفعلية في حلب.

تُعتبر خسارة مارع لداعش ضربةً قاضية للواء التوحيد، الذي ينتمي مؤسسه وزعيمه السابق عبدالقادر صالح إليها. كما ستمكن داعش من الاستمرار في التقدم باتجاه عندان وحريتان، مباشرةً إلى شمال المناطق الحلبية التي تسيطر عليها المعارضة، والقضاء على من تبقى من القوات التابعة للمتمردين. 

أخيراً، قد الطريق باتجاه بلدات داعش السابقة في دارة عزة والدانا وغرباً باتجاه محافظة إدلب، حيث يمكن أن يهدد داعش ما تبقى من المعابر الحدودية المشتركة مع تركيا في باب الهوى.

في وقت متأخر من يوم الأربعاء، بينما أطلقت المساجد في مارع النداء لتعبئة عامة للدفاع عن المنطقة ضدّ هجمات داعش المتوقعة، خزّن المدنيون والمتمردون الطعام والمؤن تحسباً لأي حصار وفقاً لما صرّح به بعض من تحدثت إليهم في البلدة.

ما الذي سيفعله داعش في حال سيطر على تلك البلدات لا سيما وأن هذه السيطرة تبدو محتومة؟ أطلق التنظيم على الحملة التي شنَها على مدينة حلب اسم ” الثأر للعفيفات “، إشارة إلى الاتهامات التي أطلقها مقاتلو داعش بأن جماعات المعارضة قد خطفت واغتصبت نساءهم أثناء الحملة المضادة لداعش في يناير. ويبدو أن هذه الاتهامات قد توّلد بالتالي أعمالاً وحشية ضمن القصاص الذي ستفرضه داعش في الأيام المقبلة.

لا فرار من واقع أن الاحتمالات في مدينة حلب تبدو قاتمة أمام المعارضة. في حين أحرزت استراتيجية مدتها تسعة أشهر قادتها الولايات المتحدة لتوحيد عناصر المعارضة المعتدلة الأساسية وتسليحهم نجاحاً في إدلب، يبدو أنها بعيدة جداَ عن إنقاذ حلب. علاوةً على ذلك، في حال نجحت داعش أخيراً في تهديد، أو الأسوأ من ذلك في إغلاق، معبري باب السلامة وباب الهوى المشتَركَين مع تركيا، فإن استمرارية المعارضة المعتدلة القوية في شمال سوريا ستواجه تهديداً وجودياً.

وبالتالي فإن مصير حلب في الأيام المقبلة يحمل معه مستقبل المعارضة السورية المسلحة في ما يتعلق بقتالها ضدّ نظام الأسد وداعش المتوسع دائماً ودوماً.